موسوعة القرى الفلسطينية ، مدينة أريحا

الموقع

تقول جميع الروايات التاريخية والأثرية إن مدينة أريحا هي أقدم مدينة على وجه الأرض ويعود تاريخها إلى العصر الحجري وهو ما يقدر بنحو 10 آلاف سنة قبل الميلاد، وهي تقع في غور الأردن، على بعد 10 كيلومترات شمالي البحر الميت في الضفة الغربية، وعلى بعد 7 كيلومترات غربي نهر الأردن، وعلى مسافة 37 كم من مدينة القدس، وتشكل المدينة الحدود الطبيعية بين الأردن وفلسطين. وتبلغ مساحتها ما يقارب الـ45 كيلومترا مربعا، وهي البوابة الرئيسية للفلسطينيين إلى العالم بأسره.

 وهي أيضا أكثر المدن انخفاضا في العالم، حيث يبلغ مستواها 250 مترا تحت مستوى سطح البحر، ولا تماثلها في ذلك أي مدينة أخرى في العالم.

التسمية

يعود أصل تسميتها إلى اللغة السامية فقد ذكر البغدادي في معجم البلدان أن اسم أريحا يعود في أصله إلى أريحا بن مالك بن أرنخشد بن سام بن نوح عليه السلام. ومعناها عند الكنعانيين القدامى، القمر، أما بحسب لغة سكان شبه جزيرة العرب فتعني الشهر، كما عرفت مدينة أريحا في كتب التوراة باعتبارها أقدم مدينة ذُكرت فيها بتسمية يريحو، ومعناها باللغة السريانية الرائحة أو العطر. وقديما أطلق عليها اسم "مشتى فلسطين" إذ يقصدها الفلسطينيون والسياح من مختلف أنحاء العالم.
 
الآثار في القرية 

 أظهرت الاستكشافات الأثرية وجود بقايا 23 حضارة قديمة قامت بالبناء في هذا الموقع، فالعديد من الهياكل القديمة ماثلة إلى اليوم، ومن بينها أقدم نظام درج في العالم، وأقدم حائط، وأقدم برج دائري للدفاع في العالم، حيث يعود إلى 7 آلاف عام قبل الميلاد، وهو موجود في وسط الموقع، وتعود آخر سلالة قامت بالاستيطان في هذا الموقع إلى العصر البيزنطي والإسلامي الأول.

تاريخ أريحا

وكانت أريحا في صدر الإسلام أهم مدينة زراعية في غور الأردن، وقد أحيطت بمزارع النخيل والموز وقصب السكر والنيل والريحات والحنة والبلسم. وصفها ياقوت الحموي فقال: "إنها ذات نخل وموز وسكر كثير له فضل على سائر سكر الغور، وهي مدينة الجبّارين".

 
ويمثل تل السلطان، وهو التسمية المعاصرة لأقدم جبال منطقة أريحا، أول بقع للاستقرار والسكن في العالم، ويبلغ ارتفاع التل حوالي العشرين مترا، ويبلغ طوله حوالي 300 متر، وعرضه 160 مترا. ويقع تل السلطان إلى الشمال من البحر الميت، وعلى ارتفاع 240 مترا من مستوى سطح البحر تقريبا.

 من المعروف أن مدينة أريحا البيزنطية كانت موجودة داخل وحول المدينة الحالية الحديثة، فقد تم اكتشاف العديد من الأديرة والكنائس فيها، أهمها الاكتشافات الخاصة بدير قرنطل "جبل الأربعين"، حيث بلغ ارتفاع الجبل نحو 350 مترا إلى الغرب من مدينة أريحا والذي يطل على وادي الأردن، وفي هذا الموقع أمضى السيد المسيح عليه السلام 40 يوما وليلة صائما ومتأملا إغراءات الشيطان له، وعلى المنحدر الشرقي للجبل توجد العديد من الكهوف وقد سكنها النساك والرهبان في الأيام الأولى للمسيحية.

 
وهذا يفسر وجود العديد من الأديرة في المدينة، أما دير مار يوحنا، فيقع على نهر الأردن، وقد بنته جماعة الفرنسيسكان في عام 1925 على مقربة من ساحة المدينة، وفيه كنيسة الراعي الصالح، وعدة أيقونات جميلة إضافة إلى مروحة ونوافذ مزخرفة وتمثال للسيدة العذراء والطفل يسوع وتمثال للسيد المسيح وبعض اللوحات الزيتية، وفي الكنيسة مكان لتعميد الأطفال، وآخر للاعتراف أمام الكاهن، وهناك مجموعة من الأديرة الأخرى مثل دير الروم، دير الحبش، دير المسكوب، المغطس، دير القبط، دير القلط، قصر حجلة أو دير حجلة.

وإلى الشمال من مدينة أريحا، يقع القصر المزخرف المسمى "قصر هشام"، وهو الذي شيده الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أو الوليد بن يزيد، حيث كان مقرا للدولة الأموية.

أما القصر، فهو عبارة عن مجموعة من الأبنية وأحواض الاستحمام والجوامع والقاعات الكبيرة، وقاعات مليئة بالأعمدة الأثرية، وتعتبر الفسيفساء والزخارف والحلي من الأمثلة الرائعة للفن والعمارة الإسلامية القديمة. وتقول الروايات القديمة، أن زلزلا عنيفا ضرب المنطقة ودمر الأبنية في قصر هشام قبل أن تكتمل، وبفعل الأتربة والأنقاض المتراكمة، حفظت الفسيفساء والرسومات الرائعة الموجودة في القصر.

 
واتخذ الهكسوس من مدينة أريحا قاعدة لهم إلى أن هوجمت من قبل العبرانيين الذين أحرقوها وأهلكوا من فيها، ثم أخرجهم المؤابيون واتخذوها عاصمة لهم، وازدهرت المدينة بعد ذلك في عهد الرومان والبيزنطيين، ثم وقعت تحت حكم المسلمين وأصبحت في عهدهم أهم مدينة زراعية في منطقة في الغور.
  
وبعد غزو الصليبيين لفلسطين وقعت المدينة تحت حكمهم كغيرها من مدن فلسطين، وبعد ذلك وقعت تحت الحكم المملوكي، الذي تلاه الحكم العثماني، ثم الانتداب البريطاني، ثم الاحتلال الصهيوني عام 1967، وسلمت بعد ذلك إلى السلطة الوطنية الفلسطينية بعد "اتفاقية أوسلو". ضمن اتفاق "غزة أريحا أولا".

 
التركيبة السكانية

شهدت مدينة أريحا تركيبات متنوعة من السكان على مر العصور والسنوات، ففي عام 1945 كان عدد سكان مدينة أريحا يقتصر على 3 آلاف فرد، أما التركيبة السكانية لهم فكانت تتشكل من 94% من العرب ما بين المسلمين والمسيحيين و6% من اليهود، أما بعد النكبة الفلسطينية فقد شهدت المدينة ارتفاعا كبيرا في عدد سكانها؛ نتيجة لإقامة عدد من المخيمات للاجئين الفلسطينيين في بعض مناطقها، حيث بلغ عدد سكانها 7,500 نسمة خلال عام 1965، وتشكلت الغالبية العظمى من التركيبة السكانية لمدينة أريحا في هذه الفترة من اللاجئين، وغيرهم من البدو الذين لجأوا إليها عام 1948 واندمجوا مع سكانها، أما في عام 1967 فعاد عدد سكانها للانخفاض حتى وصل إلى 5,700 نسمة، وذلك بسبب أعمال التهجير التي قامت بها سلطات الاحتلال بحق سكانها واللاجئين فيها أثناء النكسة، إلا أن عدد سكانها عاد للنمو من الجديد حتى بلغ 15 ألف نسمة خلال عام 1987، و23 ألف نسمة حسب تعداد عام 2014.

 المناخ

تتمتع أريحا بمناخ مداري حار وجاف في الصيف، ودافئ وقليل الأمطار في الشتاء، ويبلغ متوسط درجة الحرارة فيها 23.5 درجةً مئوية، وتعرف هذه المدينة منذ القدم بخصوبة تربتها وغزارة مياهها، لذلك تستخدم مساحات كبيرة من أراضيها في الزراعة المروية من مياه الينابيع والآبار، مثل: نبع عين السلطان، وهي وتعد سلة الخضار والفواكه الفلسطينية.

 المراجع:
 

 
ـ السلطة الوطنية الفلسطينية: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 1999.
 
ـ جورج بوست: قاموس الكتاب المقدس، بيروت، 1971.
 
ـ مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، بيروت، 1974.
 
ـ ياقوت الحموي: معجم البلدان، بيروت، 1957.

قرى مدينة أريحا