الآثار - جوريش - قضاء نابلس

مقام الشيخ حاتم

 ومن بين معالم القرية ومبانيها الجميلة، مكان أثري اعتلت أعمدته وأصبح جزءا ممتدا من تاريخ جوريش، هو قديم يسكن في أوسط تلك الأبنية الريفية ولذلك المقام حكايات قديمة ترعرعت في قلوب وأذهان سكان هذه القرية، فهو كان ملجأ العديد من الفتيات والصبيان في الترتيل وتعلم حكم التجويد والتدوين والقراءة، أعوام وهؤلاء الأفراد يذهبون إليه مع أن أضرار المسكن القديم  تتغربل بالرمال وتمتلئ أسطحها بالماء حتى تنساب الى داخل البيت العتيق أثناء المطر، وتتبعثر الحشرات كالكرات على زواياه .

 إن أبناء قرية جوريش يسمون ذاك الصرح المميز بـ "مقام الشيخ حاتم"، فيه أكثر من باب، خلفه غرف فارغة مليئة بأطنان من الرمال والغبار حيث كانت تلك الساحات المغلقة المغبره لوالي صالح إسمه "حاتم" حسب  ما أفادني به رئيس مجلس قرية جوريش غالب فرح، علماً أنه تمت سرقة جثمان هذا الوالي الصالح بحجة وجود الكنوز بجوار قبره.

  ويقول رئيس مجلس القرية، "هذا المقام له ساحة كبيرة وثلاث غرف في الطابق الأرضي، وفي الطابق العلوي ساحة ممتدة أيضا مع وجود غرفة وحيدة تسمى (العلية)، حيث كان أهالي قريتنا يتناولون الأحاديث فيه".

  وشدد فرح: أن هذا الصرح يجب أن يرمم لأهميته فهو كنز من كنوز جوريش، وأنه يسعى دائما إلى العديد من المؤسسات لتمويل هذا المشروع لكن دون فائدة،  فالترميم لهذا المقام لا بد للعملة الصعبة ان تلعب دورها في هذا الشأن، لكنه حق يجب أن نعطيه له بأي طريقة أو أي ثمن .

 وفي لقاءات عدة أجريتها مع شباب القرية، بينوا لي درجة اهتمامهم بالأماكن الأثرية في القرية وخاصة الصرح، حيث أنهم يعملون باستمرار على تشكيل مجموعات تطوعية تساهم من شأنها في الحفاظ على الأماكن وتنظيفها حتى ولو كانت بالشكل البسيط، وأخص بالذكر"المجموعة التطوعية لقرية جوريش".

  حيث وضح مسؤول المجموعة عبدالله عواد، أنّهم انطلقوا من مبدأ الانتماء وحب التطوع في سبيل رفع شأن القرية والمحافظة على مقتنياتها الأثرية من الاضمحلال والغياب مع مهب الريح، فقد عملوا وما زالوا يعملون العديد من الأنشطة المختلفة، من حملات تنظيف وتوفير الإضاءة في الأماكن المظلمة و استغلال تلك الأماكن في المناسبات المختلفة مثل عمل الإفطار الجماعي في شهر رمضان المبارك، ولم يتوقف الأمر على الحملات بل تسعى المجموعة دوما إلى جذب المؤسسات التي تقدم مشاريع داعمة، علما أنه من شأن تلك الأنشطة المساهمة في تنمية وتوثيق الروابط المعنوية بينهم وبين القرية.

 الببور

 وتتخلل أحشاء جوريش أيضا رموز التراث الخاصة بأعمال القرية والتي لها   خصال عدة،  فهي تجمع الأعمال الحرفية التراثية التي كانت تتميز بها، منها البناء العتيق المسمى ب"الببور".

  مزارع من القرية والبالغ من العمر خمسون عاماً أشار لي : "أن  هذا البيت القديم (الببّور) كانت تجمع فيه آلة يدوية تسمى الجاروشة، والتي هي عبارة عن حجرين مستويين يوضع بينهما القمح ويجرش حتى يصبح طحينا".

 ويضيف منصور: "أن شكل بناءه مختلف عن كل البيوت القديمة الأخرى، لأنه كان مبني على مرتكزات تجعله مخصص لطحن القمح من خلاله، فهو غير عادي ولكن مع الزمن أصبح مهمّشاً ومعرضاً للإنهيار والاندثار، لا معتني له ولا محافظ عليه كأنه مكان لا وجود له، ومع ذلك أهالي جوريش يعبرون عن أنفسهم به فهو أثر سياحي له ذكريات جعلت منه اسماً للقرية ما زال ممتدا عبر العصور"، لكن من يستطيع أن يساوم على ترميمه؟!

 مياه الينبوع

 جوانب عديدة أدت إلى تلوثها، ومن بين كل الينابيع إنجرفت ولم تعد صالحة للشرب، كانت مصدر الرزق المتميز لدى قريتها وتكونت منذ زمن بعيد وأصبحت مع الأيام خزان ماء الأرض التي تتناثر منه قطرات اندثرت دون فائدة لها، صرف صحي كان السبب في غياب فوائدها، في انجرافها، وفي تناثرها، تسرب تلك المياه المعدومة على مياه الينبوع جعل من صفاتها أنها ملوثة لأن مسار المياه الملوثة تتجه من ناحية الأعلى حيث توجد القرية  إلى النبع الذي يسمونه أهاليها ب (العين),،وعلاج هذه المياه صعب للغاية نظرا لوجود شبكة الصرف الصحي للقرية يصب في قولبها ومعالجة المياه لتعود صالحة للشرب يحتاج الى العديد من الأموال الكبيرة، وللأسف سكان القرية لا قدرة لهم على هذه المبالغ، وهذا ما بينه فرح.

 محاولات عديدة وزيارات كثيرة لمقابلة مدير السياحة في محافظة نابلس بخصوص التهميش السياحي لقرية جوريش ولكن كل زيارة كان يعتذر بظرف وحجة جديدة، وهذا يضع نقاط حمراء حول رفضه المقابلة.

 من واجبنا في هذا المجال، أن نعمل دوماً من أجل المحافظة على أثارنا والسعي في طريق الاهتمام بها والافتخار في الحديث عنها والكتابة دوما فهو أقل ما يمكن أن نفعله، فإن اندثرت الآثار..اندثر الوطن.