سمخ كما عرفتها الجزء السابع،، أساتذة وطلبة باتوا أساتذة

سمخ كما عرفتها الجزء السابع،، أساتذة وطلبة باتوا أساتذة

سمخ كما عرفتها الجزء السابع،، أساتذة وطلبة باتوا أساتذة  | موسوعة القرى الفلسطينية

إنني أشعر أنني أكتب لوناً من التاريخ، مهما يكن تاريخاً متواضعاً، إذا يتعلق الأمر بي شخصياً، ولكن الكلية العربية وأساتذتها والعديد من طلبتها كان لهم أو صار لهم شأن عظيم، في فلسطين والوطن العربي ولهذا أرجو ألا أتسبب في إملال القارئ إذا تحدثت عن طلبة الكلية العربية بشيء من التفصيل.

وهنا أبدأ بالصفين الثانويين الأول والثاني حيث ضم طلابهما، أو معظمهم مهجع واحد، هو (القاعة)، ويشرف عليهم عريفان من صف الإنترميديت الذي يسبق البكالوريس بسنة واحدة هما السيد (أبو محفوظ) وهو من عشائر النقب، ولعله ابن شيخ عشيرة (الأبو محفوظ) وأما العريف الثاني فهو السيد (منذر الفاهوم) من أبناء عائلة الفاهوم المعروفة في الناصرة، وقد سمعت فيما بعد، أي بعد نكبة فلسطين بسنوات، أنه أصبح من أساتذة التاريخ في جامعة (أدنبرة) الاسكتلندية، أو إحدى الجامعات البريطانية ... وأما الطلبة الصغار إذ ذاك فكان ترتيب أسرتهم على النحو التالي، كما لا تزال تعيه الذاكرة وهم السادة: زكريا برزق وهو من غزة أو بئر السبع، حمزة حسين مصطفى من (أم الفحم)،فايز قنديل من سمخ، محمود علم الدين من (البصة)، أمين حمودة سويدان من سلمة- محمد دياب الموسى من كفر عانا-وقد صار مديراً لقناة الشارقة الفضائية- حيدر الآغا من خان يونس- وصار أحد أبرع الأطباء في خان يونس بل في قطاع غزة كله، علي عبد الخالق جبريل من يازور وصار طبيباً بارعاً أيضاً، وأحمد حجازي من يازور أيضاً، وبرهان عنبتاوي من زيتا ومحمد ناجي الحروان من إحدى قرى جنين، وعدنان جلجولي وأظنه صار وزيراً للصحة في إحدى الحكومات الأردنية، وشريف بالي من بئر السبع- وغالب يونس من عارة أو عرعرة في وادي اللجون، وصبحي يونس من عارة أيضاً، وقد صار ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية في بعض العواصم العربية، وقد التقيت به وبالسيد زكريا برزق عند الصديق الأستاذ أحمد الشهابي مدير الدائرة السياسية في منظمة التحرير بمكتبه بدمشق، وأما الدكتور حيدر الآغا من خان يونس فقد التقيت به لقاء غريباً بعض الشيء، إذ أنني كنت أغطي بعض المناسبات الفلسطينية كمذيع في إذاعة (صوت العرب) عندما كانت في أوج نفوذها الإعلامي في الوطن العربي بإدارة مؤسسها ومديرها الذائع الصيت في حينه، وهو الأستاذ (أحمد سعيد) وعندما كنت أغلق آلة التسجيل ،وكانت إذ ذاك حقيبة ثقيلة تدعى (ماي هاك) ولا يقل وزنها عن سبعة كيلو غرامات، وإذا براحتي يدين تغطي عيوني وقال صاحبها : إحزر؟! ثم رفع راحتي يديه عن عيني وإذا به زميل الكلية العربية الدكتور حيدر الآغا ومن أبناء خان يونس صبري الفرا والذي صار كما قال لي ابن عمه الأستاذ محمد الفرا، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية صار أي صبري الفرا، أحد أشهر الأطباء في كالفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن لأي فلسطيني أن يتصور هذه اللقاءات المؤثرة. وكان معنا في ذلك المهجع أيضاً السيد (صليبا مشحور) من أبناء رام الله- سيد عصام علم من بيت لحم وأما بقية المهاجع، فكانت تضم طلبة الثانوية العامة (المتريكوليشن) والصف الذي يسبقها بسنة واحدة ومنهم السادة: معين البدري من بئر السبع وفؤاد مصلح من بيت ساحور، وفؤاد كيلاني من غزة وفايز أبو رحمة من غزة- وهو القاضي المعروف وكان لخفة ظله ونشاطه الجم وثقافته الواسعة، نجم حفلات السمر في الكلية العربية، وعيسى فرح من غزة، وإبراهيم العدوي نابغة الرياضيات وهو من ترعان، ولعله استقر أستاذاً في بعض أمهات الجامعات البريطانية، ومحمد أبو سعادة من دير سيتا قرب نابلس، وفايز أبو شمعة، وعلي علم الدين، من بعقلين في لبنان، فقد كان والده الدكتور إبراهيم علم الدين طبيباً ومديراً للصحة في لواء السامرة، أي نابلس وكان يحظى برعاية خاصة من عميد الكلية الأستاذ أحمد سامح الخالدي، وأظن ذلك لأن حرم الأستاذ الخالدي هي إحدى سيدات آل سلام بل هي شقيقة الزعيم اللبناني رئيس الوزراء الراحل الأستاذ (صائب سلام) أي أنها علاقات عائلية، كذلك كان وليد جاموس، أحد ألمع طلاب شهادة المتريكولشن، وصار بعد ذلك ضابطاً في الجيش العربي السوري، ثم في جيش التحرير الفلسطيني في سورية. وكذلك (ميشيل ناصر) من عكا، ومن بين هؤلاء أيضاً نديم القاسم من الرامة، وابن عمه نابغة الرياضيات كمال القاسم، وابن عمهما قاسم القاسم وهو شقيق شاعر الوطن المحتل الأستاذ سميح القاسم الذي التقيت به في أثينا عاصمة اليونان في يوم الأرض عام 1986. وقال لي إن أخاه قاسم القاسم كان يخبره عني عندما سمعوني في (صوت العرب)، وأما الصف الخامس الثانوي، أي قبل الانترميديت، فكان في القسم العلمي منه طالبان هما طالب برغوتي وعبد الرحيم عبد القادر، وكلاهما من صفد، وأما القسم الأدنى فكان يضم الطلبة عامر مخلوف من الرملة ومحمد الآغا من خان يونس وإميل خوري من الناصرة ولا أنسى من طلبة الصف الثاني الثانوي (بديع قصراوي) الذي صار أستاذاً في ثانوية درعا، وأما شهادة الانترميديت في قسمها العلمي فقد ضمت: (أسعد يوسف نصر) نابغة الرياضيات والذي أتم دراسته في الرياضيات في جامعة كامبريدج ودرس الحقوق بالإضافة إلى الرياضيات، وقد عمل شهوراً أستاذاً للرياضيات في الجامعة السورية أي جامعة دمشق ثم في الجامعات البريطانية، ثم مديراً عاماً لخطوط (طيران الشرق الأوسط) في لبنان، وقرأت في الصحف اللبنانية أنه أخترع معادلة لحساب مالية الطيران أعتبرت سراً لا يحق استخدامها إلا لصاحبها، كما ضمت الانترميديت بفرعها العلمي المرحوم ميسرة يونس والذي استشهد عام 1948 وكان بدوره من آل يونس في عارة وعرعرة بوادي اللجون في مرج بني عامر وأما القسم الأدبي في شهادة الانترميديت فكان يضم منذر الفاهوم وقد أسلفت أنه صار أستاذاً للتاريخ في الجامعات البريطانية، وأما الثاني - وهذا ترتيب درجاتهم في الامتحانات- فكان عبد الحليم خليل عوض من نابلس، وصار من كبار القضاة في ليبيا أيام العهد السنوسي بعد أن تخرج من جامعة لندن، وأما الثالث فهو حنا أمين أبو حنا من الناصرة، من بلدة الرينة المجاورة للناصرة، وكان متعدد المواهب والجوانب، فقد كان شاعراً ورساماً، وأتذكر أنه أقيم معرض للرسم وللكاريكاتير فرسم حنا أمين أبو حنا صورة لأحد (أغنياء الحرب) لأن العالم كان خارجاً لتوه من الحرب العالمية الثانية، وشارباه مرفوعان إلى الأعلى. كما رسم صورة لزعيم الاتحاد السوفيتي (ستالين) والذي اشتهر بشاربيه الكثيفتين المسدلين إلى الأسفل وكتب بيت شعر مرح يقول : ( وما الفرق إلا في اتجاه الشوارب) ومع ذلك، فإن الأستاذ (حنا أمين أبو حنا) صار بعد النكبة من أعضاء الحزب الشيوعي، ولعله صار أيضاً من (جماعة الأرض) التي أنجبت محمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وغيرهم من هذه الكوكبة التي أحدثت وثبة في الشعر العربي المعاصر كتلك الوثبة التي أحدثها الشعراء المهجريون في أوائل القرن العشرين ... ومن بين أولئك الطلبة في الإنترميديت طالبان أردنيان هما (نوري شفيق)، الذي صار أميناً عاماً لوزارة المعارف الأردنية، و(ذوقان الهنداوي)، وقد سمعته في نهاية العام الدراسي يتحدث ببساطة ودون أي تعجرف أنه بعد التخرج سيصبح وزيراً في الأردن، ولقد تدرج في السلك التربوي في الأردن، ثم صار وزيراً للتربية في المملكة الأردنية الهاشمية، ومن هؤلاء أيضاً الأستاذ (محمود سعد الدين) وهو من صفد وصار أستاذاً للغة العربية ومديراً لبعض المدارس الثانوية الحكومية في سورية، وكذلك السيد سامي هاشم ولست أذكر هل هو من نابلس أم من طولكرم، وكان يستعين بنظارات طبية، ولكنه كان يمارس رياضة الجري صباحاً قبل تناول طعام الإفطار، بل لقد ضرب أحد زملائه بكرسي!! لقد كان طلبة الكلية العربية بعد الصف الثانوي التالي يتلقون دراستهم في الكلية العربية نفسها، وأما طلاب الصفين الثانويين الأول والثاني، فكانت الحافلة تنقلهم يومياً مرتين إلى المدرسة الرشيدية الثانوية، أي الكلية الرشيدية فيما بعد في  باب الساهرة أو باب الزاهرة كما يسميه أهل القدس وكانت الرابية التي تقوم عليها الكلية الرشيدية تنحدر إلى حي (وادي الجوز) وفي الحافلة أيضاً ينزل معنا بعض أساتذة الكلية العربية إلى بيوتهم كالأستاذ الدكتور (نقولا زيادة) المقيم في حي البقعة الفوقا، ولما كانت الفترة فترة اضطرابات بسبب العمليات الإرهابية التي كانت تمارسها عصابات شتيرن والايرغون و زفاي ليومي الصهيونية، فقد كان الطريق من جبل المكبر حيث الكلية العربية يتغير يومياً ولذلك فقد عرفت كل القدس الحديثة خارج الأسوار وأستطيع حتى اليوم أي بعد ستين عاماً على النكبة أن اسمي اسماً اسماً شوارع القدس الجديدة، وبناياتها الشهورة بل وحتى أسماء المطاعم والحوانيت حتى في الأحياء المهوّدة مثل روميا وتل بيوت ومشيرم.

 

على كل حال، وبما أننا كنا نتلقى الدروس في الكلية الرشيدية، بل بما أننا نقلنا في أواخر عام 1947 إلى القسم الداخلي في الكلية الرشيدية فقد أصبح من المرغوب فيه بل من المحتم- مادمت أسجل (مسيرة حياتي)- أن أتحدث عن أساتذتي وزملائي في الكلية الرشيدية .. أما الأساتذة فإن أولهم هو عميد الكلية الرشيدية الأستاذ (حسن عرفات) وكان يدرس الرياضيات أيضاً، والأستاذ خشادور خشادرويان والأستاذ حسني الأشهب والأستاذ بشارة فرمند وكلهم أساتذة للرياضيات وإن جمع حسني الأشهب تدريس الجغرافيا إلى جانب الرياضيات أيضاً!! كذلك درس الأستاذ (عبد الله الريماوي)- الذي صار بعد ذلك أحد أشهر الشخصيات السياسية، في المملكة الأردنية الهاشمية، بعد توحيد الضفتين- درس الرياضيات والطبيعيات أي الفيزياء، وكذلك الأستاذ (جميل رياض) الذي كان يدرّس علم الأحياء أي النبات والحيوان، وأما أساتذة اللغة العربية وكانت مادتي المفضلة فقد درست على يد الأستاذ (فايز علي الغول) وهو من بلدة سلوان قرب القدس الذي درّس لنا كتاب ( الفخري في الآداب السلطانية) الذي ألفه مؤلف العصر العباسي وهو (محمد علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقي) وحققه مجموعة من أساتذة الجامعات المصرية، وهذا الكتاب الذي درسناه في الصف الإعدادي الثامن يدرّس في الجامعات العربية، طبعاً مع مراعاة الفوارق بين الجامعة أي كلية الآداب، والمدارس الإعدادية والثانوية، كما أن الأستاذ الآخر للأدب العربي هو الأستاذ (عبد القادر شنيور) ولعله من طولكرم، وقد درّس اللغة الإنجليزية لنا الأستاذ (هنري مطر) في الجزء الرابع من كتاب بريطانيا وجاراتها، الذي كان يدرّس في المدارس البريطانية، إلى جانب كتاب (مقاربة للأدب الإنجليزي) أتذكر منه تلك المقالة التي كتبها (جون رسكين) تحت عنوان (كتاب النمل) وكانت خواطر مملة كما رأيتها عن حياة النمل، وأظن الأستاذ هنري مطر من أبناء بلدة (بيت ساحور) قرب القدس، وقد درّس التاريخ لنا في الأول الإعدادي الأستاذ (محمد حلاوة)، وهو من نابلس، وأما كتاب التاريخ فكان كتاب (العصور القديمة) للمؤرخ الأميريكي الشهير (برستد) وترجمه إلى العربية الأستاذ (داوود قربان) من أساتذة الجامعة الأمريكية، ولقد درس لنا التاريخ في الصف الثاني الإعدادي أي ما يعادل الشهادة المتوسطة الأستاذ (نقولا قطان) وهو من بيت لحم، وأما الكتاب فكان (تاريخ أوروبا في العصور الوسطى) للأستاذ (نقولا زيادة)- أستاذ التاريخ الشهير في الجامعات العربية- هذا عن الأساتذة وأما طلاب صفي أي الأول الإعدادي (الثامن) فهم بالإضافة إلى من سردت أسماءهم من أبناء الكلية العربية وكما تسعف الذاكرة فقد كانوا السادة (حسن دجاني) الذي تابع دراسة الحقوق في دمشق و(سليمان الدجاني) و(يعقوب الدجاني)، وكانوا يقيمون في حي (النبي داوود) ولذلك كان أبناء الأسرة (الدجانية) يلقبون بـ( الداوودي الدجاني) تيمناً بالنبي داوود عليه السلام، ولطالما أستضافني السيد حسن دجاني على الغداء في منزل أسرته المتاخم للسور، حيث كنا نلعب كرة القدم قبل الغداء في مساحة حجرية واسعة متاخمة للسور، ومن زملائي أبناء القدس أيضاً السيد (بسام الحسيني) والسيد (وليد النشاشيبي) والسيد (فايز غوشه) والسيد (موسى غوشه) والسيد (نسيب نسيبة) والسيد (فرنسيس مرتا)، والسيد (تيدي زمزيا) والسيد (واصف أبو ليلي) والسيد (عرفات الهدمي) والسيد (حمدي قفيسة) وكلهم من أبناء القدس والسيد (طه بطاح) والسيد (محمد نعواش) وهما من بلدة (عين كارم) والسيد (رشدي عريقات) من بلدة (أبو ديس) والسيد (ملك يوفان) من بيت لحم والسيد والسيد ) (وضاح ملحس) وفي الصفوف المتقدمة من الكلية الرشيدية كان السيد عبد المحسن أبو ميزر وهو الشخصية السياسية الفلسطينية المعروفة فيما بعد، وكذلك السيد (مازن البندك) الذي صار بعد ذلك الصحفي المعروف في دار أخبار اليوم بالقاهرة ومؤسس عدد من المجلات السياسية العربية في أوروبا وهو ابن رئيس بلدية بيت لحم السيد عيسى البندك وشقيق الفنان الموسيقي الأستاذ رياض البندك والأستاذ يوسف البندك، مدير مكتب جامعة الدول العربية في الولايات المتحدة الأمريكية كذلك تقدمني بصف واحد السيد عصام (النقيب) الذي صار أحد نوابغ الرياضيات وأساتذتها في الجامعات البريطانية، وقد تقدمنا معاً وتخرج مثلنا من الكلية الرشيدية شقيقة الدكتور أسامة النقيب مؤسس أحد أشهر مختبرات التحاليل الطبيعة بدمشق وهما من صفد وأما في صف الانترميديت المفضي إلى درجة البكالوريوس فكان في الكلية الرشيدية السادة أنطون عبد النور من عكا سعدي كاملة من صفد وفريد أبو شمط من حيفا، هذا ما أسعفت به الذاكرة من أسماء زملاء الدراسة بعد سنتين عاماً من النكبة، ولكني سوف اتوقف عند ثلاثة من أبناء الناصرة كانوا يتقدموني بصف واحد وهم السادة (فوزي أبو النعاج، وسهيل رضوان وسهيل جريس)، فعندما اشتدت جرائم الإرهاب الصهيونية في القدس وخصوصاً جريمة باب العمود رد أبطال فرقة التدمير الفلسطينية التي أسسها البطلان عبد القادر الحسيني وفوزي القطب بتفجير هائل في شارع بن يهودا وعندما أوشكت الطرقات الرابطة شمالي فلسطين بأوسطها وجنوبها تتقطع كان علينا أن نعود إلى مدننا وقرانا .. ولقد كان الأمر سهلاً نسبياً بين القدس وجنين أي الضفة الغربية فيما بعد وإن وضعنا بعض الحقائب قرب النوافذ من باب الوقاية من الرصاص المحتمل تحسباً لوكر قناصة صهاينة في مبنى الجامعة العبرية بين رام الله والشيخ جراح في القدس ثم رفعناها لكي نبيت ليلتنا في مدينة جنين ثم نذهب إلى الناصرة عبر مرج بني عامر حيث مستعمرات العفولة ونهلال وجينجار أي أن الأمر لم يكن سهلاً عموماً، ولم يكن أمامنا طريق آخر على كل حال، ولكننا انتعشنا في مستعمرة العفولة عندما رأينا بعض جنود الجيش العربي الأردني يحرسون مركز إحدى الوحدات الأردنية، في محرس مجاور لمحرس الهاغانا الصهيوني ونظر إلينا الجندي الأردني نظرة تشجيع كأنه يقول لنا: لا تخافوا بينما كان جنود الهاغانا يفتشون السيارة وبعدها ارتقينا بالسيارة المرتفعات المؤدية إلى مدينة الناصرة فدخلنا منطقة الأمان حتى مشارق مدينة طبريا وكانت مدينة مختلطة أي أن فيها بعض الأحياء اليهودية المتداخلة في أحياء المدينة العربية، وهناك نمت ليلة في بيت أحد أصدقاء الوالد الذي جاء في الصباح إلى طبريا واصطحبني إلى سمخ وكان الوضع فيها هادئاً نسبياً بسبب وجود مركز البوليس البريطاني غربي البلدة، ووجود معسكر كتيبة الباراشوت أي المظليين البريطانيين فيها، ورغم هذا فإن الاشتباكات اندلعت بين أهل سمخ والمستعمرات المجاورة بل التي كانت تطوقها وهي مستعمرات (دغانيا، وبيت زيرع) و(النقيب) و(مساوا) و(شعار هاغولان)، إلى أن سقطت سمخ فرحلنا إلى منتجع الحمة المجاور مروراً بعرب أي بدو التوافيق وتل القصر الذين امتهنوا الزراعة فلم يعودوا بدوا، خرجت من سمخ إذن طفلاً دون الثالثة عشرة، ومعي الجزء الثاني من كتاب الأيام الذي قرأته عشرين مرة في الحمة!!! فلم يكن معي غيره، ولكني رأيت في الحمة حيث محطة الخط الحديدي الحجازي المؤدي إلى درعا، رأيت في يد بعض موظفي المحطة، صحيفة (عصا الجنة) التي أسسها الأستاذ (نشأت التغلبي) فكانت أول صحيفة سورية قرأتها في فلسطين !! ذلك أن الحمة كانت جزءاً من الوطن العربي الفلسطيني ولا بد لي قبل أن أطوي هذه الصفحات من حياتي في فلسطين وما دمت قد أشرت إلى إقامتي في القسم الداخلي من الكلية الرشيدية بالقدس أن أشير إلى أن مبنى هذا القسم الداخلي، قد كان- حسبما قرأت مؤخراً - منزولاً لآل الحسيني يستقبلون فيه كبار ضيوفهم في العهد العثماني، وهنا تنبهت إلى فخامة ذلك المنزول الذي كانت قاعاته مغشاة بصفائح أو مطلاة بالأزرق السماوي التي تحددها زخارف عريضة صفراء، وقد تذكرت هذا في أستانبول   عندما رأيت معظم منشآتها العثمانية تزدان بزخارف يسود فيها هذان اللونان الأصفر والأزرق السماوي كذلك لا بد لي من الإشارة إلى أن المعارك حول أحياء (سعد وسعيد) وباب الساهرة خارج الأسوار ومشارف حي الشيخ جراح كان يقودها ويخوضها المناضل المجاهد البطل الأستاذ بهجت أبو غربية الذي كان مشرفاً على القسم الداخلي في الكلية الإبراهيمية التي أسسها آل أبو غريبة وهم من الخليل وكان مديرها هو الأستاذ نهاد أبو غربية ... وكان القسم الداخلي للكلية الإبراهيمية مجاوراً للقسم الداخلي في الكلية الرشيدية ... وفي نهاية إحدى المعارك بين الثوار الفلسطينيين والصهاينة عند غروب أحد الأيام جاءت مصفحة للبوليس أو للجيش البريطاني لتهدئة الموقف والواقع أنها جاءت لحماية فلول الهاغانا الهاربين وهنا تقدم الأستاذ (بهجت أبو غربية) من الضابط البريطاني وقدم له ورقة الجنيهات الفلسطينية العشرة بلونها الأزرق فقبلها الضابط البريطاني باسماً بل هاشاً باشاً فأزاح الأستاذ بهجت أبو غربية معطفه الواقي من المطر الترانشكوت عن كتفه وأظهر للضابط البريطاني مدفعاً رشاشاً من طراز (تومي غن) فقال الضابط الإنجليزي باسماً ( o.k..o.k.. ) وهنا أنذره الأستاذ بهجت أبو غربية صارخاً فيه: (لا أريد أن أراك هنا مرة أخرى) .. ولم تتغير ابتسامة الضابط البريطاني، وكرر قوله ( o.k..o.k. ) أي حسناً ... حسناً.

 

خاص مؤسسة فلسطين للثقافة، رابط المقال الأصلي

https://www.thaqafa.org/site/pages/details.aspx?ItemId=2175