تاريخ القرية - المشهد / مشهد يونس - قضاء الناصرة


هناك فضول كبير لدى اهل البلد  لمعرفة أصلهم ونشوء بلدهم. لقد خاض  زوار كثر في هذا الموضوع منهم رحالة ومنهم من ادعى العلم وعلم الاثار، ولم يهتم بها مؤرخون بمعنى الفكر والحرفية الجامعية.
ننوه ان هذا الفضول ليس فقط تاريخيا وانما في كثير من الأحيان دوافعه سياسية أي ان هنالك من يحاول ان يثبت ان الأصل كذا وكذا وعليه فله الحق في التميّز والسيطرة والامتلاك او حط قدر فئات معينه.
المعلومة وهي أقرب الى الأسطورة تقول ان بلدة المشهد في الجليل قامت على انقاض قرية كنعانية اسمها "جت حافر". ومنهم من يقول أنها توراتية عبرانية ومنهم من يقول انها كنعانية.
فقد ورد في اول ادعاء "علمي" ضمن المسح الأثري الذي أجراه صندوق استكشاف فلسطين – (وهو صندوق انجيلي استعماري  بريطاني عمل في خدمة المخابرات البريطانية) بأن هنا كانت تقع "جت حافر ". وادعى استنادا على اسطوره توراتية  "اغلب الظن ان المشهد وخربة الزرّاعة هي مكان قبر النبي يونس الى جانب صفوريه ". وغني عن القول ان "اغلب الظن" لا يمت للعلم والحقيقة العلمية بصلة ، وعليه فإننا بصدد اسطورة وردت في التوراة، وليس لها إثبات مادي على أرض الواقع .
ذُكرت المشهد أيضا كمكان ولادة النبي يونس وقبره ، ونعرف أيضا ان أحدى التسميات لقريتنا في الفترة العثمانية كانت "مشهد- يونس". اما ان يونس هو النبي يونس المذكور في التوراة او القرآن فلا أحد يستطيع أن يجزم ذلك.
ورغم هذا فان الرحالة الفارسي ناصر خسرو يذكر ان بجانب كفركنه تل وعليه صومعة بها قبر النبي يونس وذلك سنة 1047 وكذلك ذكر السائح أبو الحسن الهروي سنة 1215 الا انه يضيف ان بجواره قبر ولد (ابن) النبي يونس ، ويقول ان مشهد النبي يونس هي في كفركنه...... وزار
الرحالة الصوفي عبد الغني النابلسي سنة (1689) المشهد بعد زيارة صفورية وسماها "مشهد النبي يونس " واللافت للأمر ان عبد الغني النابلسي شكك بأمر وجود قبر النبي يونس وان به تابوتا من خشب يرقد فيه جثمانه .
ويُذكر ان في مدينة حلحول، بالقرب من الخليل، هناك مسجد النبي يونس وفي داخله قبر يُنسب الى النبي يونس. وقد بني مسجد قديم على القبر، ومأذنة بناها الملك المعظم عيسى ابن أخ صلاح الدين عام 1226. وبالمناسبة يحاول يهودٌ  الدخول الى المسجد في حلحول والسيطرة عليه كما عاش اهل المشهد  التجربة ذاتها معهم. 
المدهش بالأمر ان البعض حاول تحليل اسم المشهد لغويا رغم  بعدهم التام وعدم المامهم بتحليل لغوي فتوصلوا الى ان اسم المشهد اشتق من كلمة شهيد او مشاهدة رغم ان اي بحث في قاموس اللغة العربية سيشير الى ان كلمة مشهد معناها "ضريح ولي" وهو ما ينطبق على قريتنا خاصة اذا عرفنا ان هنالك أماكن أخرى في فلسطين اسمها المشهد او مشهد مثل مشهد زكريا ومشهد الحسين، عندها الأفق المعرفي سيتسع ونصل الى فهم ما يثير فضولنا بالنسبة لتسمية بلدنا المشهد  او مشهد يونس.
تستعمل كلمة مشهد لدى المسلمين الشيعة كمسمى للمقامات او المزارات وهي منتشرة بهذه التسمية في العراق وايران واذا ادركنا ان الفاطميين حكموا بلادنا من القرن العاشر حتى القرن الثاني عشر وهم الحكام الشيعة الوحيدون وفي أعقابهم تشيع معظم اهل فلسطين فنحن امام وجهة يمكن ان تدلنا على فك المبهم من تاريخ بلدنا وبهذا نستطيع كتابة تاريخنا وانتاجه على عكس ما يفعله بعض منا بإعادة صياغة تاريخ بلدنا وهو ليس تاريخنا انما ما أراده غيرنا وبالأخص المجموعات التي اتخذت ولا زالت تتخذ من "صندوق اكتشاف فلسطين" مرجعيتها وحتى بدون ان تعرف ان هذه مرجعيتها .
علينا ان نكون فخورين اننا نعيش ببقعة من الأرض تراكمت فيها حضارات وثقافات من قبل أكثر من خمسة الاف سنه وهذا الرقم الذي وصل اليه الباحثون ولا نستبعد ان تاريخ بلدنا ابعد بكثير من خمسة الاف سنه ،فإلى أي مدى نتصل بهم ثقافيا وحضاريا او بصلة الرحم فهذا ما نأمل ان يكتبه أحدٌ من بنات المشهد او أبنائها مستقبلا.
وحينها سنعرف من خلالها او من خلاله ان القرى في اغلب الأحيان أنشأت من أصلها كمزارع فهل تطورت المشهد من مزرعة الزرّاعة ؟وهل كرم حويت وخربة كنا وربما مواقع أخرى كانت مزارع واتسعت وتداخلت  ببعضها فأصبحت ما هي عليه اليوم؟ وعن أي مشهد نتحدث؟
ففي كتاب القس بشارة منصور عن تاريخ الناصرة والذي اقتبس عنه زهير غنايم في كتابه "لواء عكا" ان المشهد هدمت عن بكرة ابيها أثر زلزال ضرب فلسطين في بداية سنة 1837 فماذا إن صحت هذه المعلومة ولا يقول لنا صاحبها مصدرها، فنحن نعيش قرية بدأ تاريخها حديثا قبل 188 سنه فهل جاء دار عبيد ودار حمدان ودار صالح ودار عيسى ودار مرعي ودار ربيع ودار إسماعيل ودار منصور ومن بعدهم دار حسن ودار سليمان ودار فلاح ودار كريم على أثر ذالك الزلزال واعادوا اعمار المشهد؟
وهل بعض من سكن المشهد في البداية جاؤوا من حوران ونحن نعلم ان جزءا كبيراً من اهل المشهد تناقلوا عن أهلهم هذه المعلومة ولا نستبعدها لان المشهد كانت على الدرب التجاري بين بلاد حوران وميناء عكا ،وكان لهم اي للحوارنة على طول الدرب والتي سميت باسمهم "درب الحوارنة " قرى وخِرب ،وكانوا من اهم تجار بلاد الشام اما بلادهم فاطلق عليها "سلة غذاء روما"  وبعدها اكملوا تجارتهم في حيفا وكانوا من زود حيفا وبلادنا بالقمح الى ان جاء الاستعمار البريطاني وقضى على مهنتهم وقمحهم حين احضر القمح الأبيض الرخيص من استراليا واطلقنا عليه "القمح الأسترالي" فأصاب الحوارنه الفقر وشمت الناس بهم.
نضع كل ما نعرفه تحت تصرفكم ولا ندعي اننا نملك الحقيقة وانما نحث على التفكير والبحث وطرح الأسئلة لمن يهمه الامر ويرى ان الشأن العام هو مهمة سامية لا غير ،وعودة الى اسم المشهد ونسال متى اطلق على هذا المكان اسم المشهد وما علاقته بصلاح الدين الايوبي؟
لصلاح الدين الايوبي في فلسطين مكانة عظيمة ويعزى له الكثير من الأفعال وحتى حين لا نعرف تاريخ مكان او حدث نعزو ذلك لصلاح الدين فحتى وقت ليس ببعيد كان هنالك قبور بالجهة الجنوبية للمسجد القديم واعتبرها بعض من أهلنا قبور شهداء معركة حطين التي انتصر فيها صلاح الدين على الفرنجة عام 1187. كما يعتقد البعض ان اسم المشهد جاء من ان صلاح الدين راقب أو شهد معركة حطين من المشهد والاغلب من الزرّاعة او راس المنطار حسب الحكاية او الاسطورة المتداولة بدون اسناد. ومع ذالك اذا زار احدهم لوبية المهجرة ومقبرتها سيرى مقاما محاطا بقبور اعلى لوبية كذلك في اليازور قضاء يافا والشيخ ابريق بمحاذاة طبعون على سبيل المثال لا الحصر ونتساءل كيف أُحضر الشهداء من حطين الى المشهد؟ لا احد يخبرنا والأهم من ذلك لماذا دُفنوا في المشهد ولم يدفنوا في حطين او حتى لوبية ؟من الممكن في حال ان مشهد يونس هو مشهد النبي يونس او احد الاولياء المهمين جدا واسمه يونس فاحتراما لهؤلاء الشهداء نقل رفاتهم الى هنا الا ان هذا التفسير يظل في موازاة ومقام تفسير اخر بما يخص علاقة صلاح الدين الايوبي والمشهد او المقامات ففي حقبته انشأت مقامات كثيره ومعظمها من الأنبياء المذكورين في التوراة والقرآن  مثل مقام زكريا ومقام النبي روبين ومقام النبي بنيامين ومقام سيدنا موسى فهل مقام النبي يونس أيضا من ضمن هذه المقامات ام انه قبر النبي يونس واهل حلحول يدعون ان قبره في بلدهم ومسجدهم؟
ولابد أيضا ان نسال لوجود مقامات ومغر ذات قدسية شعبية مثل العجمة والمجدوب ،هل هي مقامات؟ وان كانت كذلك  فلمذا لم نهتم بها؟ ونسأل بتحفظ :هل لان "الغرب" او من نعتبرهم "ذوي العلم" لم يهتموا بذلك؟
ننهي النص مع كتاب الرحالة الاندلسي بنيامين التطيلي (يهودي عربي أندلسي)وبدأها سنة 1165 م.
فحين يصل الى حيفا يقول انها "جت حافر" مكان ولادة النبي يونس الا ان عزرا حداد (عراقي يهودي  متأورب)المترجم لكتابه  سنة 1947 يكتب ملاحظه بان مكان ولادة النبي يونس هو "جت حافر" حيث تقوم زرّاعة مشهد .


كل التفاعلات:
٥٥