قرية الخصاص - شلالات وطواحين وقصر خاص
موقع القرية القريب من ينابيع بانياس ومنابع نهر الأردن من الحاصباني، والمشرفة على جبل الشيخ والمتاخمة لهضبة الجولان، جعل من القرية واحة سياحية ومقصدا للمتنزهين، ويمكن أن نقول بأنها كلها منتجع سياحي لا بل قطعة من الجنة.
هنا على هذه التلة كانت تقوم قرية الخصاص ببيوتها الـ ١٠٣ وسكانها الـ ٥٥٠ وقصر الأمير محمد باشا الفاعور ثم الأمير محمود الفاعور ثم الأمير فاعور وشامان الفاعور، وطواحينها التي تديرها المياه المنحدرة في القنوات كالشلالات!
زرناها ووجدنا القصر الذي تحول الى فندق، وطاحونة الحلوات التي تحولت الى معلم سياحي وطاحونة المثلثة شبه المهجورة.
للمزيد من التفاصيل نجدها لدى صديقنا، المؤرخ الدكتور شكري عرَّاف في كتابه "رقاد وقيام القرى والمدن الفلسطينية".
الخصاص
تقع القرية في الجزء الشمالي من مرج الحولة، على مصطبة طبيعية عرضها مئة متر تقريبًا. وكانت هذه المصطبة قد تشكلت قبل آلاف السنين من تقلص بحيرة الحولة القديمة (التي كانت ذات مرة تغطي مرج الحولة كله). كان نهر الحاصباني يمر الى الغرب من الخصاص، شاقًّا مجراه عبر الجبال. وكانت طريق فرعية تصل الخصاص بطريق عام يؤدي إلى صفد وطبريا، كما كانت طريق فرعية أخرى تصلها بالقرى المجاورة. أحاطت بها أراضي الشوكة التحتا من الشمال، السنبرية واللّزازة من الغرب، القيطية من الجنوب والمنصورة ودفنا من الشرق. ترتفع الخصاص 121م عن سطح البحر.
الخُصّ هو بيتٌ من الطين، وهو نموذج للعديد من بيوت مرج الحولة والسهل الساحلي الفلسطيني، وهناك قرية أخرى تحمل نفس الاسم كانت في قضاء غزة حتى عام 1948.
أقيمت الخصاص فوق أرض منبسطة عند تقاطع طريق دفنا- الخالصة الرئيسة ونهر الحاصباني، وهي قرية حديثة يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن الثامن عشر، إذ سكنها أبناء عشيرة السوالمة، وقد انضم إليهم كثيرون من شرقي الأردن، ومع الزمن عُرفوا بالأردنية. كان السوالمة أكثر تأثيرًا في القرية، وقد تزعمهم الشيخ جويد شحادة، ومن بعده ابنه عطية الذي أصبح من أكثر الأشخاص تأثيرًا في شمالي الحولة، وقد كان على خلافٍ مع الأمير فاعور ومع كامل الحسين، ونتيجة لذلك أيّد عطية الجويد الزعيم المغربي البارز في قرية تليل موسى الحاج حسين، وقد كان الأخير من أكثر النشيطين في الثورة الفلسطينية الكبرى. تُشير وثائق هچانا إلى أن السلطات طردت عطية، فتوسط له رجال كيرين كيميت بهدف الحصول على مساعدته.
وقد قام هذا الأمير، بغية دعم حضوره في القضاء بترميم قصره في قرية الخصاص الذي كان الفرنسيون قد دمروه في اضطرابات سنة 1920.
اتّهم الأمير فاعور بإثارة القلاقل ضد اليهود. ثار جدل حول قضية مهاجمة قصره في هذه القرية، إذ رأى بعضهم أنّ معظم الجليليين غير معنيين بالعمل ضد اليهود. ومع ذلك هدموا بيتًا في القرية ودفنوا سكانه تحته.
وقد وصف الموسوعي العربي ياقوت الحموي (توفي سنة 1229م) الخصائص باسم "الأكواخ" وقال: "ناحية من أعمال بانياس، ثم من أعمال دمشق".
حدثت فيها معركة بين الفرنسيين وعرب الفضل في تشرين أول عام 1919، حرق خلالها الفرنسيون بيت الأمير فاعور، كما أحرقوا أكواخ العرب في قريتي المنصورة ودفنة المجاورتين. جدد سكان هذه القرية بيوتهم على مسطح حوالي 30 دونمًا.
بنى الأمير أدهم فاعور، أمير عرب الفضل، على مقربة من هذه القرية، قصرًا شتويًا له، وقد كان له قصران اَخران، أحدهما قرب قرية واسِط في الجولان والثاني في دمشق.
عاش الأمير ستة أشهر سنويًا في هذه القرية، وكانت علاقته بهم علاقة سيد بمسود، يُسايرهم أحيانًا ويأمر جماعته في الجولان بسرقتهم أحيانًا أخرى. حاول طردهم من الأرض لكنهم احتجوا على ذلك وحرثوا الأرض بالقوة، لكنه لم يرد على ذلك نظرًا لازدواجية السلوك.
قُتل هذا الرجل في أربعينيات القرن العشرين، وقد سكن قصره في الخصاص أوائل مستوطني كيبوتس هَچوشريم، وهو اليوم ضمن غرف الضيافة هناك.
وفي الخصاص كان عدد من الطواحين منها:
طاحونة الحلوات: كانت هذه الطاحونة في القرية، حيث مستوطنة هچوشريم اليوم. وصلتها مياه بكمية 200 لتر/الثانية في قناة مائلة دون بئر، عرضها متران. أدار الماء حجران. ملكها ورثة الأمير الشهابي من حاصبيا وشريكاه من جديدة مرج عيون. لم يكن للأمير فاعور حصة فيها. كان برّاكها شيعيًا من هونين، وقد توقفت عن العمل في ثلاثينيات القرن العشرين. ذكرتها الخريطة الطوبوغرافية من عام 1932 إلى الشمال من موقعها الحالي، وهذا يُساعدنا على الافتراض أن جهازًا اَخر للطحن كان هناك.
الطاحونة المثلثة: تقع هذه الطاحونة غربي القرية، وصلتها قناة من رافد نهر اللدان. عملت فيها ثلاثة حجارة، وكان عرض قناتها 2.6م وعمقها 25سم. كان علو مسقط البئر 6.7م وقطر أحد فراشاتها 1.3م وله 28 كفًا بينما كان قطر الفراش الاَخر 1.7م وله 40 كفًّا.
وكان لها ثلاثة اَبار وقناة عالية، على القناة مرّت طريق العربات من الخالصة إلى بانياس، من هذه القنوات الثلاث كانت قناة المغسَل التي وجّهت مياه وادي القرعوني إلى نهر دان قرب برك السمك التابعة لكيبوتس دفنة، والتي تُحيط بحرش الشجرات العشر من الجنوب.
كانت ملكًا لورثة الأمير أدهم فاعور صاحب القصر في مستوطنة هچوشريم. طالب سكان الخصاص بالامتياز عليها إذ إنهم عملوا حرّاثين عنده. ذكرتها الخريطة الطوبوغرافية باسمها، على حين لم تذكرها خريطة البعثة. عملت حتى عام 1948.
بعد قرار التقسيم الصادر يوم 29 تشرين الثاني 1947 اغتيل زلمان ونتر، عضو مستوطنة معيان باروخ، من مجموعة لبنانية، اتهمت بلماح سكان هذه القرية بقتل الرجل، وفي فجر يوم 19 كانون الأول 1947 هاجمت قوة هذه القرية، وأسفر الهجوم عن قتل عشرة أشخاص من سكان القرية، بينهم امرأة وخمسة أطفال.
في القرية مقام الشيخ علي، الذي كانت له وقفية مساحتها 12 دونمًا وقد دفن حوله قسم من أبناء قبيلة أبو عيد، مقام النبي نوح في المقبرة، مقام الشيخ مسعود في الطبقة على مساحة دونمين ومقام الشيخ ارشيد.
كان في القرية أربع مقابر: مقبرة في الشجرات العشر مساحتها 50 دونمًا، مقبرة في سجد على خمس دونمات، مقبرة حول النبي نوح مساحتها ست دونمات ومقبرة الخربة ومساحتها 15 دونمًا.
وقد اتخذت شكلًا طوليًا في نموها العمراني، فامتدت إلى الشمال من الطريق المذكورة، ولم يمتد العمران إلى الغرب لوجود النهر. وكان امتدادها جنوبي الطريق قليلًا أيضًا إلا حول بعض الدروب المؤدية إلى الأراضي الزراعية في الجنوب.
الخصاص هدفا لأطماع المنظمات الصهيونية
كانت الخصاص هدفًا لهجمة من نوع "إضرب واهرب" شنتها هچانا في الأسابيع الأولى من الحرب. وهذا استنادًا إلى الأرقام التي يوردها المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، وقد ذكر تقرير أوردته صحيفة (نيويورك تايمز) أن عدد القتلى كان عشرة، بينهم خمسة أطفال، وأضافت أن بعض الضحايا دفنوا تحت أنقاض منازلهم. أنكرت هچانا أول الأمر مقتل الأطفال، لكن ناطقًا باسمها أقرّ بذلك لاحقًا. وجاء في رواية الصحيفة أن الهجوم كان انتقامًا لمقتل رجلين من شرطة المستعمرات اليهودية في منطقة صفد. ويذكر موريس أن عددًا من ضباط استخبارات هچانا المحليين، ومن القادة المدنيين، عارض العملية (الانتقامية) المخطط لها، غير أن قائد پـلماح، يچـآل ألون، وافق عليها. وبعد بضعة أيام قال ناطق باسم هچانا إن أحد المنازل التي نسفت كان قاعدة للقوات السورية واللبنانية. وأضاف: "إنه لمن المؤسف حقًّا أن يكون الأطفال نيامًا في هذا المركز العسكري الصغير الحجم، وأن يكونوا ذهبوا ضحايا غارة كهذه".
طردت السلطات الإسرائيلية بعض سكان الخصاص، القيطية والمفتخرة وجمعتهم في المرج الأحمر قرب صفد ثم نقلتهم إلى وادي الحمام جنوب مجدل طبريا. توجهوا عام 1952 إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية التي أصدرت حكمًا بإرجاعهم إلى قريتهم يوم 7 تموز 1952، وفعلًا رجعوا إلى قريتهم يوم 24 حزيران من نفس العام، لكن السلطات الإسرائيلية أصدرت ضدهم "أوامر خروج"، وعلى إثر ذلك قررت المحكمة العليا أنه ليس في إمكانها إبطال هذا القرار الذي يعتبر من صلاحيات السلطة المطلقة.
وعلى الرغم من عدم التحقق من أن عرب الخصاص هم الفاعلون وعلى أثر ممانعة ناحوم هوروڤتس، عضو في مستوطنة كفار چلعادي قرَّرت قيادة الكتيبة الثالثة أن تُنفذ عملية رد فعل ضد القرية التي كانت بعلاقات جيدة مع المستوطنات اليهودية المجاورة.
كان موشيه كيلمان نائبًا لقائد الكتيبة الثالثة، والمسؤولين عنه قد رأوا في هذه العملية حربًا وأن عليهم الردّ حالًا. في الغارة على القرية قُتل عشرة أشخاص، معظمهم من عائلة واحدة، كما فُجّر عدد من البيوت وهُدمت.
رأى عزرا دانين، من رؤساء القسم العربي في القسم السياسي للوكالة اليهودية، أن هذه العملية خطرة وأنها تسببت، بدون سبب ضروري في زيادة الكراهية في منطقة الحولة، التي كانت هادئة بشكل عام.
قرية زراعية ومأهولة
في 1944/1945 كان ما مجموعه 1438 دونمًا مرويًّا أو مستخدمًا للبساتين. ومن الشواهد على أن موقع القرية كان مأهولًا قبل سنة 1900 مقام لشيخ يدعى علي، يقع في الجوار، وبضعة قبور منقورة في الصخر.
ملكت القرية 4795 دونمًا، وكان مسطحها حوالي 30 دونمًا، وكانت هذه الأراضي مُلكًا لثلاثة أطراف: أهالي القرية، الأمير فاعور الفاعور، أمير عرب الفضل من الجولان الذي كان له بالقرب منها قصر، واَل العرقاوي من بانياس. حدثت بين الفقهاء خصامات تخللها قتل وحرقٌ ونهب.
وحسب العباسي ملكت الخصاص 5696 دونمًا.
إمتنع سكان الخصاص عن منح الإقطاعيين حصصهم، وذلك بعد ضم هذه المنطقة إلى فلسطين، حسب اتفاقية سايكس-پـيكو، يضاف إلى ذلك اغراءات كيرين كيميت ليسرائيل لسكان بانياس برفع أسعار الأرض 15 مرة عن سعرها الحقيقي، وبذا أصبحت الخصاص مقسمة بين الأمير فاعور والسكان المحليين وكيرين كيميت.
أقيمت على أراضيها مستوطنة هَچوشريم وتكسو الغابات والأعشاب معظم أرض القرية. وتتفرق هنا وهناك أكوام الحجارة وآجام الصبار، فضلًا عن بقايا بناء قديم وسد حجري كبير مقنطر. أما الأراضي التابعة للقرية، فيزرعها سكان مستعمرة هچوشريم التي أنشئت في سنة 1948 قبل أن يطرد سكان الخصاص، على بعد بضع مئات من الأمتار جنوبي موقع القرية، على أراضيها.
رابط المقال الأصلي: https://www.elqiama.com/%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B5%D8%A7%D8%B5-%D8%B4%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D9%86-%D9%88%D9%82%D8%B5%D8%B1-%D8%AE%D8%A7%D8%B5