الزوق الفوقاني- صفد
من القرى التي دمرها الاحتلال قرية الزوق (الذوق) الفوقاني، التي تقع شمال مدينة صفد في الجليل الأعلى أو ما يعرف بـ"إصبع الجليل" قرب الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية، وعند تقاطع عدة طرق إلى الجنوب من آبل القمح، حيث تلتقي الطريق القادمة من الزوق (الذوق) التحتاني، وأخرى من السنبرية تصلها بالقرى المجاورة، في منتصف المسافة بين قرية الخصاص وقرية الخالصة اقرب القرى لها من الجنوب الشرقي قرية اللزازة ومن الغرب الخالصة وطريق ثالثة تربطها بالطريق العام طبريا ـ المطلة.
تبعد مسافة 30 كيلومترا عن صفد إلى الشمال الشرقي، وكانت من اكبر قرى قضاء صفد من حيث المساحة إذا جمعت ارض بلدة السنبرية، وكانت يجمعها مع الزوق (الذوق) التحتاني مختار واحد وقرابة وعائلات مشتركة وتزاوج.
كانت القرية تقوم على تل وتواجه مساحات واسعة ومكشوفة من الجهات كلها على الضفة الشرقية لوادي بريغيث الذي يتغدى من الينابيع الواقعة شمالي المطلة، ويمر بالزوق الفوقاني ثم بالزوق التحتاني فيرفد نهر الأردن إلى الشرق من جاحولة، وكان جبل الشيخ يلوح من جهة الشمال الشرقي.
يرجح الباحثون أن القسم الأول من اسم القرية "الزوق" يعود إلى كلمة زوك (zuk) السريانية، التي تعني الحارس أو الناطور أو السوق، وحرفت لفظا بعد ذلك كلمة زوق، وأما القسم الثاني من الاسم، التحتاني، فلتمييزها من سميتها الزوق الفوقاني، الواقعة إلى الشمال الغربي منها.
كان سكان القرية في معظمهم من المسلمين، وكانوا يستمدون مياه الاستخدام المنزلي من وادي الدردارة ("وادي بريغيث")، ويشغلون الطواحين بالقوة المائية شمالي القرية، وقد نشأت فوق منطقة تنحدر انحداراً لطيفاً باتجاه الجنوب، وتنبسط جنوبيها منطقة سهلية واسعة تشكل بداية منخفض سهل الحولة، وقد نمت القرية عمرانياً باتجاه الشرق لوقوع وادي البريغيت إلى الغرب منها، واتخذ شكلاً طولياً، وكانوا يعملون أساساً في الزراعة، فيزرعون الحمضيات وسواها من الفاكهة، ولا سيما في الأراضي الممتدة جنوبي القرية.
وتعد الزوق التحتان موقعاً أثرياً، فهي عبارة عن رابية اصطناعية يبرز على سطحها بعض أسس الأبنية القديمة والدارسة، تعدّ من المواقع الأثرية، ففيها تل أنقاضا وأسس وقطع فخارية.
وفي الإمكان رؤية بقايا حظائر مبنية بالحجارة من دون طين، وشظايا من الفخار، على سطح أرضها، حيث كان ضمن أراضيها عيون ماء مثل عين الذهب وعيون العجال وتلال تل صابور الأثري وتل الواويات وتل المبروم وتل البطيخة وتحيط بها أراضي قرى الخالصة والأخصاص والزوق الفوقاني والناعمة واللزارة والسنبرية التي كانت تتبع للزوق، ومن المواقع التي تقع في ظاهر القرية "جسر الغجر" و"خربة البلدان" في شمالها و"خربة السنبرية" في جنوبها الشرقي.
عجلت حملة الشائعات التي شنها عناصر عصابة "البلماح" الصهيونية خلال عملية "يفتاح"، في فرار كثيرين من سكان الجليل الشرقي، وضمنهم سكان الزوق الفوقاني في العام 1948، ويشير المؤرخ الإسرائيلي بِني موريس إلى الهجوم العسكري المباشر على القرية ساهم في نزوح السكان، وأن هذا الهجوم وقع في 21 أيار (مايو) 1948.
ويستند في تقرير لعناصر العصابات الصهيونية سنة 1948، بينت أن سكان الزوق التحتاني هجروا منازلهم في 11 أيار (مايو) 1948، من جراء سقوط صفد في اليوم السابق، ولا يبين المؤرخ الإسرائيلي بِني موريس، الذي يستشهد بالتقرير، هل شنت غارة صهيونية على القرية في سياق عملية "يفتاح" أم لا، ولا هو يذكر متى دخلت القوات الصهيونية القرية فعلاً.
لم يبق إلا منزل حجري واحد في القرية، وهو يستعمل مكتباً لمدرج طائرات، وثمة تنقيبات أثرية جارية في تل الواويات، الواقع عند الطرف الجنوبي للموقع. وثمة، إلى الغرب من هذا التل الأثري، رقعة مسيجة بأسلاك فيها كثير من نبات الصبار وأشجار الكينا الباسقة، والعمل جار لإنشاء مدرج جديد إلى الشمال الشرقي من موقع القرية.
أنشأت العصابات الصهيونية مستعمرة كفار غلعادي غرب القرية في العام 1916 و"بيت هيلّل" جنوب القرية في سنة 1940، ثم مستعمرة "ويف"، ومستعمرة "يوفال" في 1952 إلى الشمال الشرقي من القرية.
تتبعثر حجارة المنازل المدمرة في أرجاء الموقع، الذي غلبت عليه الأعشاب والأشواك والقليل من نبات الصبار. ويزرع سكان مستعمرة "يوفال" قسماً من الأراضي المحيطة، أما الباقي فبعضه غابات وبعضه الآخر مرعى للمواشي.