البقعة في الخليل .. قصة جوار بـالإكراه وباهظ الثمن

البقعة في الخليل .. قصة جوار بـالإكراه وباهظ الثمن

البقعة في الخليل .. قصة جوار بـالإكراه وباهظ الثمن  | موسوعة القرى الفلسطينية

  الخليل11-10-2009 وفا- أمل حرب

يدفع مئات المواطنين من سكان حي البقعة بالخليل، ثمنا باهظا في قصة الجوار بـ'الإكراه' مع مستوطني 'كريات أربع و خارصينا' الذين استولوا بالقوة على أراضيهم. وفي قصة الجوار، مواطنون عزل في مواجهة مستوطنون مسلحون بالبارود والعنصرية.. ودموع، وقهر، وحسرة على بيوت سوتها قرارات الهدم الإسرائيلية بالأرض، وأشجار التهمتها أنياب الجرافات، ومهانات لا حصر لها. وفي قصة الجوار أيضا، مواطنون شجعان، وفلاحون بسطاء يقفون في الصف الأمامي للمواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها إطلاق الرصاص، واقتحام المنازل، وإرهاب الأطفال وترويع النساء.

ومواطنو البقعة، مواطنون تربطهم عشرة طويلة مع الأرض، ولا ينتظرون الإطراء أو الثناء من احد، اذا ما صمدوا أو سقطوا في الدفاع عنها.

وتشكل منطقة البقعة الواقعة شمال شرق المدينة،  خنجرا في خاصرة مستوطنة 'كريات اربع ' و'خارصينا' اللتان تجهدان في التمدد والتوسع على حساب منازل المواطنين وممتلكاتهم.

وفي البقعة كل الطرق باتجاه واحد أمام أهلها وزائريها، بينما تتمتع الطرق المفضية الى المستوطنتين بشبكة طرق رحبة 'وفارهة'، ويجري البناء في المستوطنات على قدم وساق، ومنتزهات تتوسع على حساب حقول المواطنين.

وساهمت تلك الإجراءات، بما في ذلك تدابير تهدف إلى توسيع المستوطنات القائمة، وتوفير الحماية للمستوطنين على حساب المواطنين، في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

وكان إنشاء المستوطنات والممارسات الإسرائيلية أدت إلى تقسيم مدينة الخليل جغرافيا وتقطيع أوصالها، لخلق واقع سياسي جديد.

وأوضح خبير الخرائط والاستيطان في محافظة الخليل عبد الهادي حنتش، أن إخطارات وقف البناء التي قامت قوات الاحتلال بتحريرها للمواطنين في البقعة مؤخرا، لهو دليل آخر على تهجير السكان من المنقطة وتفريغها من سكانها لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية القائمة.

وتحاول قوات الاحتلال ضم المزيد من الأراضي لصالح هاتين المستوطنتين ، والتي تبلغ حوالي ثلاث آلاف دونم، مشيرا الى  أن قوات الاحتلال قامت في فترة سابقة بتطويق مساحات شاسعة من الأراضي، وذلك عبر شق الطرق التي وصلت إلى مشارف البيوت في منطقتي الدوارة والعديسة التابعتان لبلدة سعير المجاورة للبقعة. وتعود هذه الأراضي لعائلات جابر و سلطان والأشهب.

وأضاف حنتش، ان قوات الاحتلال ما زالت تقوم بعمليات إغلاق الطرق المؤدية إلى هذه المنازل لقطع التواصل بين هذه المنطقة ومدينة الخليل، لافتا الى نوع آخر من الضغوطات الإسرائيلية لإجبار المواطن على الرحيل طوعا، أو بالإكراه.

وقال حنتش: 'ان منطقة البقعة هي من أخصب مناطق الضفة الغربية، ولذلك قام الاحتلال بشق الشارع الالتفافي (رقم 60) عبر هذه أراضيها لتخريب المزروعات والحقول الموجودة، وخاصة كروم العنب الذي يعتبر من أجود أنواع العنب بالعالم، ويعتمد السكان عليه بشكل رئيسي'، مشيرا الى أن قوات الاحتلال تحاول منع المزارعين من التحرك في تلك المنطقة لتخريب هذه المحاصيل بشكل رئيسي لانه يشكل خطرا على المنتجات الإسرائيلية، وهي معنية بتدميره بشكل كامل من خلال تضييق الخناق على المزارعين ومنعهم من مزاولة أعمالهم، وتقطيع أنابيب المياه بين الفترة والأخرى والتي تستخدم لإغراض الري، وكذلك تدمير برك المياه، التي تستخدم لري الخضراوات، منوها الى أن قوات الاحتلال قامت في السنوات الماضية بتدمير العديد من برك المياه والتي تعود لعائلات جابر بالإضافة إلى هدم عدد من البيوت.

ويعتبر مراقبون ومهتمون بمتابعة النشاطات الاستيطانية، مستوطنتي 'خارصينا و كريات أربع' اللتان ابتلعتا مئات الدونمات من أراضي المزارعين، الأكثر خطرا  ودموية لسكان منطقة البقعة.

وقال المواطن بدران جابر الذي يملك حوالي 48  دونما في منطقة البقعة البالغة مساحتها أربعة آلاف وخمسمائة دونم: 'ان المنطقة مهددة من قبل جيش الاحتلال والمستوطنين منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة عام 1967، وتواجه أطماع الاحتلال والمستوطنين لجودة أراضيها وموقعها المهم، ولسحر طبيعتها وجودة خيراتها ومخزونها الزراعي الاستراتيجي للمدينة والمحافظة'.

وأشار إلى أن وجود مجموعة من البيوت المتجاورة والمتناثرة في البقعة حصر كريات أربع، وحد من خطط توسع المستوطنات الإسرائيلية في الخليل ومنع تواصلها لتشكل كتلة استيطانية كبيرة.

واشار جابر الى ان المواطنين واجهوا التوسع الاستيطاني بتوسيع البيوت القديمة القائمة منذ عام 1972 بطريقة غير مباشرة وبزيادة عدة غرف اليها، كما بنيت عدة بيوت اخرى جديدة رغم اقدام الاحتلال على هدم 16 بيتا  بحجة عدم الترخيص، فيما رفع المواطنون 27 قضية ضد الاحتلال في المحاكم الاسرائيلية نتيجة مصادرة اراضيهم والاعتداء على مزروعاتهم ومواشيهم، ويستذكر جابر اعتداءات المستوطنين على بيوت المواطنين في البقعة والتي أدت إلى استشهاد الحاجة عزيزة جابر في عام 1988، مشيدا بشدة تمسك اهالي المنطقة باراضيهم،  رغم كل العقبات التي يضعها الاحتلال في طريقهم،  وبقدرة المزارعين على التحمل والصب، فهم لا يملون من اقامة الجدران الاستنادية، وفتح طرق بديلة للطرق التي يغلقها الاحتلال، وبناء البيوت والبركسات،وحفر البرك، واستصلاح الأراضي رغم الإخطارات والتهديدات الإسرائيلية بهدمها.

 وتستعر اعتداءات المستوطنين، بحسب جابر، في الأعياد والمناسبات اليهودية، وقال: 'أن الصراع على الأرض في هذه المنطقة يجري على كل شجرة ونقطة مياه وعلى كل متر مربع'، مشيرا إلى أن سلطات الاحتلال تمنع المواطنين من دخول نحو ألف دونم من أخصب الأراضي الزراعية في المنطقة، وترتكب كل انواع الانتهاكات بحقوق المواطنين لدفعهم للرحيل عن اراضيهم، مبينا مخاطر الطريق الالتفافي الذي يسلكه المستوطنين على اطفال سكان البقعة، حيث راح عدة اطفال ضحايا عمليات الدهس المتعمد من قبل المستوطنين ونتيجة للسرعة الزائدة.

كما يمارس الاحتلال كافة اشكال الهمجية في الاعتداء على المواطنين من ضمنها، اضرام  المستوطنين المتطرفين النار في مساحات واسعة من اراضي المواطنين المشجرة والقريبة من المستوطنات، وتخريب لمعرشات العنب، وسرقة الادوات الزراعية وبرابيج المياه.

وقال مواطنون يقيمون في البقعة، بالقرب من الشارع الالتفافي ، إن جنود الاحتلال عادة يقومون بحماية المستوطنين المعتدين حيث تتم الاعتداءات تحت سمعهم وبصرهم.

يشار إلى أن مستوطني الخليل يتعمدون في المواسم الزراعية من كل عام إضرام النار في مزروعات المواطنين، لاسيما في المناطق القريبة من المستوطنات، وتحديدا في مناطق البقعة والبويرة القريبتان من مستوطنتي 'كريات أربع' و 'خارصينا'.

وقال المزارع حسن بدر جابر وهو مواطن مقيم في البقعة، ان قوات الاحتلال اقدمت على هدم بيته، وبركة تجميع مياه، وهذه البركة يستخدمها  لتخزين المياه بغرض ري حقول الخضار المزروعة حولها، وتتسع البركة لألف متر مكعب من المياه، وأوضح  ان الهدف من هدم البرك في المنطقة هو إتلاف حقول الخضراوات، وتندرج في إطار سلسلة من الإجراءات التي تنفذها قوات الاحتلال لـ'تعطيش' سكان المنطقة والسيطرة على أراضيهم، ولتوسيع المستوطنات المجاورة،لافتا الى محاولات متكررة للمستوطنين للسيطرة على تلة مرتفعة  قرب ارضه، ومنعت قوات الاحتلال الرعاة من الاقتراب منها  وسلّمت أصحابها إخطارات عسكرية لوقف استصلاحها وزراعتها او دخولها.

ويضيف المواطن جابر انه يوجد هنالك 40 اخطارا بالهدم لبيوت وبرك مياه وبركسات في المنطقة، بالاضافة الى تهديدات المستوطنين باقتلاع الاشجار والمزروعات ، بهدف تفريغ المنطقة من سكانها تمهيدا للاستيلاء عليها.

وأشار الى ان علاقته بالارض اقوى من تهديدات المستوطنين، وانه متمسك بارضه حتى اخر رمق، وانه لا يمكن ان يرحل من هذه الارض الا الى القبر، مبينا انه بقدر ما يعطي الارض فهي تعطيه، وان دونم الارض في البقعة  يعطي خمسة أطنان من العنب، فالارض من اخصب اراضي فلسطين وتضاهي سهل مرج ابن عامر.

وشدد على ان انتماء الأولاد الى الأرض لا يقل عن انتماء الاباء والأجداد، وان أبنائه يحاولوا ان يوفقوا بين تعليمهم الجامعي والعمل في الأرض، وان احد ابنائه يدري هندسة زراعية ويطبق كل ما يتعلمه في أرضهم.

ويعاني  تاجر الخضار الحاج اسماعيل الرجبي، ما يعانيه سكان البقعة من أشكال الاعتداءات المتمثلة في هدم بيته ، وبركة المياه التي كلفته مئة الف شيكل، ولكن ذلك لم يجعله يتراجع عن حقه في بناء بيت جديد وتكريس حياته في الأرض التي لا تبخل على محبيها فتجود بكل الخيرات.

وتشارك ام نضال زوجها العمل على قطف العنب، وجمع الخضار، بالاضافة الى تربية الاطفال والاعتناء  بالمنزل، وتشكو من افتقار المنطقة للامن والاستقرار، وللخدمات الاساسية، من طرق ومدارس، وعيادة طبية، بالإضافة إلى قلة مصادر المياه الصالحة للشرب،وصعوبة المواصلات، مبينة معاناة اطفال المنطقة في الوصول الى مدارسهم مشيا على الاقدام  في منطقة الجلاجل القربية من بلدة سعير.

وتقول ام نضال ان الارض هي مصدر رزقهم الوحيد ، وان اولادها الثلاث يعماون في الارض ولا يغادروها ابدا ، وهي دائما في حالة قلق عليهم من قوات الاحتلال والمستوطنين الذين يستمرون في مضايقتهم والاعتداء عليهم وعلى مزروعاتهم.

  وتطول الطريق على اطفال البقعة المثقلون بحقائبهم المدرسية، حيث اعرب الطالب صايل ربيع جابر(13عاما ) في الصف السادس عن معاناته اليومية هو واخوته واولاد عمومته من طول الطريق التي يقطعونها مشيا على الاقدام يوميا للوصل الى مدرستهم في بلدة سعير المجاورة، بمسافة 11 كيلوا متر ، مبينا عدم وجود مواصلات او حافلة لتنقل الطلاب الى مدارسهم، متكبدين عناء الطريق صيفا وشتاء .

وناشد سكان البقعة المسئولين ومؤسسات حقوق الانسان ، والمؤسسات الدولية، تقديم الحماية لهم ولأراضيهم التي يتهددها الاستيطان، وكذلك مساعدتهم في إصدار التصاريح اللازمة لإقامة مساكن آمنة بعيدا عن تهديدات الاحتلال بالهدم والمصادرة.

كما طالبوا المؤسسات المعنية بتوفير الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية، وتوفير المياه اللازمة للشرب والزراعة، وإلى دعم جهودهم وتحركاتهم القانونية والجماهيرية للوقوف في وجه مخطط توسيع المستوطنات على حساب اراضي المواطنين.

واشاروا الى ان الصراع في مدينة الخليل مع الاحتلال لا يقل ضراوة عن الصراع على مستقبل القدس وهو ما يتطلب دعما وطنيا وعربيا وإسلاميا لصمود اهالي المنقطة في وجه التوسع الهمجي لاغتصاب الارض واقتلاع المواطن.

فيما ناشد المزارعون الجهات المعنية العمل على تصدير محصول العنب الى الاردن بغرض دعم المزارعين في المنطقة لتعويض خسارتهم جراء اعتداءات المستوطنين على حقولهم وبيوتهم.