عرب الصبيح… عشيرة قاومت ببسالة وجرأة وأذاقت العصابات الصهيونية الأمريّن قبل تهجيرها

عرب الصبيح… عشيرة قاومت ببسالة وجرأة وأذاقت العصابات الصهيونية الأمريّن قبل تهجيرها

عرب الصبيح… عشيرة قاومت ببسالة وجرأة وأذاقت العصابات الصهيونية الأمريّن قبل تهجيرها  | موسوعة القرى الفلسطينية

في الثامن من حزيران/ يونيو عام 1948، كانت عشيرة عرب الصبيح، على موعد مع مجزرة ضمن لائحة سوداء التي تتضمن سجلاً بهذه المجازر الإرهابية التي نفذتها العصابات اليهودية التي تلطخت أيديها بدماء الضحايا من الأبرياء العزل، والتي دمرت في النكبة 531 قرية ومدينة فلسطينية، وارتكبت أكثر من 70 مذبحة ومجزرة راح ضحيتها ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني.

تتكون عشيرة عرب الصبيح من سبع فند: الظهرات، والمقطرن، والنجيدات، والشبلي، والسنيدات، والشديدة، والشكور، وتُعد من العشائر العربية البدوية المستقرة في قضاء الناصرة شرقاً، وتمتد ّ مضاربها من السفح الشمالي لجبل الطور (طابور) جنوبا وحتـّى تخوم أراضي قرية الشجرة شمالا، كما تمتدّ ما بين طريق عام أم الغنم شرقاً وحتـّى تخوم أراضي قرى عين ماهل ودبورية غرباً. أمـّا الأرض التي يملكها أهالي عرب الصبيح فهي مسجلة بموجب سندات التمليك الرسمية وهي موزعة في غابة الصبيح وأم الغنم وسهل العرب في محيط كفر كما. وسكن أهالي عشيرة الصبيح في منطقة هامة واستراتيجية، على أراضي، ومضارب عشيرة الصبيح أطلق الصهاينة لاحقا اسم “غابة بيت كيشت”.

اشتهرت عشيرة الصبيح، منذ مئات السنين، بقوتها، وجرأتها، ونفوذها، فكانت تجبي الضرائب للسلطان العثماني من سكان المنطقة، وتتقاسمها معه. أقام أهالي عشيرة الصبيح، قبل النكبة، بيوتا حجرية في أراضيهم، واستقروا بها. وقد ربطت العشيرة علاقات طيبة مع البلدات المجاورة مثل لوبية، والشجرة، ودبورية، وطرعان، وحطين، وكفر كنا، وكانت كلمتها مسموعة بين شيوخ، وزعامات المنطقة. من بين شيوخ عشيرة الصبيح كان الشيخ عقيلة النمر، ومن بعده ابنه الشيخ علي النمر.

ويرجع نسب عشيرة الصبيح في فلسطين إلى قبيلة بني خالد من بني مخزوم في الجزيرة العربية. هم من نسل الصحابي الجليل خالد بن الوليد المخزومي سيف الله المسلول. سبب تسميت آل صبيح نسبه إلى صُبيح بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي (بني مخزوم). بحسب كتاب “عرب الصبيح – تاريخ ورواية ” للكاتب الباحث عيسى محمد ذياب عونة من قرية عرب الشبلي.

ويستعرض أيضا الباحث عونة في كتابه (رواية وتاريخ عشيرة الصبيح) ويقول إنها كانت تقيم في سفوح جبل الطور قضاء الناصرة وعرفت بشدة بأس أبنائها ومشاركتهم في الكفاح الوطني الفلسطيني ضد المشروع الاستيطاني الصهيوني. ويوضح أن القبيلة التي كان تعدادها نحو ستة آلاف نسمة تفرقت بين لبنان وسوريا والأردن فيما بقيت قلة منها في الوطن في عملية تهجير اقترفت خلالها مذبحة مروعة بحق سكانها العزل في مايو/ أيار 1948.

وجاء في “موسوعة بلادنا فلسطين” أن أبناء عشيرة الصبيح يقيمون على أطراف جبل الطور الشمالي والشرقي. بلغت مساحة أراضيهم 8686 دونماً، منها 211 للطرق والوديان. وجميع أراضي القبيلة ملك لها، غرس الزيتون في ألف دونم، وتحيط بأراضي عرب الصبيح، أراضي (جبل الطور)، ودبورية، وكفر كنا، وعين ماهل، ومسحة – كفر طابور. كان عدد أفراد هذه القبيلة في عام 1922 653 نسمة وفي عام 1931 بلغوا 716-358 ذكور و358 اناث. مسلمون ولهم بيتاً. وفي عام 1945 ارتفع عددهم إلى 1320 مسلماً. وفي إحصاءات “الأعداء” كان عدد عرب الصبيح في 8/11/1948 402، وفي 31/12/1949 انخفض عددهم إلى 389. تقع في جوار عرب الصبيح (خربة الشيخ محمد) في ظاهر مدرسة خضوري الزراعية اليهودية الشرقي. في هذه الخربة (تل أنقاض، آثار حجارة بناء، حظائر مجدرة، شقف فخار على سطح الأرض).


التهجير والمجازر:

بدأت الشرارة الأولى بعد أن بُنيت على أطراف القرية مستوطنة سميت “بيت كيشت” في بداية الأربعينيات من القرن الماضي؛ حيث بدأ المستوطنون يزحفون بحدود مستعمرتهم على أراضي القرية ومضارب العشيرة، وبدأوا يحرمون أبناءها مراعيهم المعتادة في أراضيهم. لم يصبر أبناء عرب الصبيح على ذلك، وأخذوا يتحدون تلك العصابات بإرادة وتصميم؛ ما أدى إلى تسارع الأحداث، وصولاً إلى المعركة الحاسمة.

أول معركة خاضها عرب الصبيح كانت خارج مضاربهم، وعلى “طريق عين ماهل”، وقد وقعت حين هبّ رجال العشيرة لنجدة إخوانهم في القرى المجاورة (كفر كنّا، وعين ماهل)؛ حيث قامت مجموعة من رجال عرب الصبيح بقيادة القائد علي النمر برصد عودة الصهاينة إلى المستعمرة، فنصبوا لهم كميناً محكماً كانت من نتيجته تكبّد العدو خسائر فادحة، بينما لم يصب أحد من رجال العشيرة. وقد عُرفت تلك الخسائر من آثار الدماء في أرض المعركة، ومن الأسلحة التي خلفها الأعداء وراءهم؛ راح اليهود يبحثون عن وسيلة ينتقمون بها من هذه العشيرة المجاهدة، فقرروا منع المواشي والرعيان منعاً باتاً من دخول المراعي التي صادروها لهم من قبل؛ وعلى الفور كان رد الرجال في القرية المواجهة السريعة؛ وذلك لتلقين هذه العصابات درساً لا ينسونه أبداً، وقد يضطرهم بعد ذلك إلى الرحيل.

أدخل الرجال بعضاً من قطعان الماشية إلى أراضيهم التي منعوا من دخولها، وفي الوقت نفسه نصبوا كميناً للمستوطنين الصهاينة من مستعمرة “بيت كيشت”. رأى الصهاينة تلك المواشي، فهبّوا لمصادرتها، ووقعوا في الكمين الذي نصب لهم؛ فأمطرهم المقاتلون بقيادة القائد علي النمر بوابل من الرصاص؛ فقتلوا منهم سبعة مستوطنين؛ بينما فرّ الباقون مذعورين مهزومين، وتركوا قتلاهم في أرض المعركة. ثم سحبت الجثث إلى مكان المقاتلين. حاول الصهاينة مراراً وتكراراً الإغارة على العشيرة لتخليص جثث قتلاهم ولم يستطيعوا ذلك، فلجأوا أخيراً إلى التفاوض، ووسّطوا لذلك البريطانيين والصليب الأحمر الدولي، واستطاعوا بذلك استرداد جثث قتلاهم.

وبحسب ما يرويه المؤرخ الفلسطيني، البروفسير إبراهيم أبو جابر في “جرح النكبة”، فقد عرف عن رجال عرب الصبيح، بأنهم ذوو شجاعة ومروءة، وقد أذاقوا اليهود الأمريّن قبل تهجيرهم. ومن معارك عرب الصبيح الشهيرة، ما حصل في أحداث طرعان، حيث رابط المجاهدون بقيادة الشيخ “سليمان داوود” من كفر كنا بين قريتي طرعان وكفر كنا. وبعد أن سدوا الطريق بالحجارة الضخمة وصلت دورية بريطانية إلى الطريق المسدود. نزل عدد من جنودها لإبعاد الحجارة وافساح الطريق فانهال عليهم الرصاص من كل حدب وصوب، فطلبوا النجدة باللاسلكي، وحضر جنود من طبريا والناصرة وألقت قنابلها على الثوار.

وقد أبدى المهاجرون بلاءً حسناً خاصة أبناء عرب الصبيح، وقد استشهد 16 شهيداً بينما قتل من الانجليز 30 قتيلا.

وقد حدث في 13/1/1948 أن تصدى عشرون صهيونياً مسلحاً لثمانية رجال من العشيرة بالقرب من الشجرة. فدافع المجاهدون عن أنفسهم واشتبكوا مع العدو في صراع سقط نتيجة سبعة قتلى من الصهاينة، ولاذ الباقون بالفرار.

طلبوا النجدة من الهاغاناة فأصدرت الأخيرة أوامرها إلى رجال المستعمرات المجاورة ولا سيما الشجرة (المستوطنة) للاستعداد للمعركة المقبلة لينتقموا من العرب. وقد توقع رجال الصبيح هذه المعركة فأخذوا يدعون للأمر عدته. فطلبوا الدعم من قرية الشجرة، ومن كفر كنا، والناصرة وغيرها حتى وصل المجاهدون إلى 90 مجاهداً مع مدفع واحد من طراز برن.

ونظمت القوات العربية مواقعها عند مدخل مستعمرة الشجرة، وأحاطوها على شكل هلال، وجميعهم من المسالمين فسيطروا بذلك على السهل الوادي القريب منه.

بدأ الصهاينة المعركة في اليوم نفسه بإطلاق نيران مدافع الهاون، والمدافع الرشاشة لمدة ساعتين، ثم انطلقوا من المستعمرة يهاجمون على مرحلتين: أولهما 90 مقاتلاً اتجهوا نحو الوادي قاصدين عبوره وثانيهما اتجهوا نحو التل الذي دارت عنده معركة الفجر. وكان المطر غزيراً والأرض موحلة، فاستخدم الصهاينة الجرارات لنقلهم، بدلاً من السيارات المصفحة التي باتت عاجزة عن الحركة في هذه الأرض الوعرة الموحلة.

كان المجاهدون العرب في كمائنهم المنصوبة يراقبون تحرك اليهود دون أن تحس هذه القوات بوجودهم، ولما اقترب الصهاينة من مواقع العرب وغدوا تحت نيران أسلحتهم فتح المجاهدون النيران دفعة واحدة فأخذ الصهاينة يتساقطون، واحداً تلو الآخر وعجزوا عن تحقيق المقاومة وفر الباقون، وأخذت جراراتهم تنقل قتلاهم وجرحاهم.

طارد المجاهدون الفلسطينيون القوات المعادية والمتراجعة إلى أن وصلوا إلى حدود المستعمرة، ولكن لم يتمكنوا من اختراقها. وقد قتل في هذه المعركة عشرون صهيونياً وعشرون جريحا. دون أية خسائر تذكر لدى العرب، وقد كان قائد هذه المعركة عبد اللطيف فاهوم. ومن خلال المعركتين المذكورتين أعلاه، أدرك الصهاينة أن النصر لن يكون حليفهم إلا إذا هاجموا كل فئة على حدة وفي الوقت ذاته.


المجزرة:

قام اليهود في الثامن من حزيران عام 1948 بمهاجمة عرب الصبيح والشجرة واللتان كانتان تعتبران أكبر قوتين في المنطقة في الوقت ذاته، كان ذلك الساعة الخامسة صباحاً ولم يكن فيها سوى 30 مقاتلاً وكان المجاهدون منشغلين في مواقع أخرى منها الشجرة. وقد هوجم الثلاثون من قبل ستمائة ولما يئس سكان عرب الصبيح من هذه الحالة هربوا مخلفين وراءهم كل ممتلكاتهم وحتى أباءهم وبقي في العشيرة 26 طفلاً تتراوح أعمارهم بين السنة إلى خمسة عشر سنة، وامرأتين لم تستطيعا ترك أطفالهما وشيخان أعميان يبلغان من العمر ما يزيد عن المائة.

وقد قتلوا جميعاً، السيدتان هما غزالة وعلياء النمر أختي علي النمر شيخ العشيرة، أما علياء فقد قُتلت وأبناءها السبعة، أما غزالة، فقد قُتلت وهي تحمل ابنها ابن السنة والنصف، وقد قطعوا رأسه بالبلطة ثم قطعوا ثديها ووضعوه في فم الطفل وأعادوهما إلى الفراش هي والطفل كما لو كانت حية نائمة. أمام أولادهما الستة الباقون فقد قتلوا وقطعوا ووضعوا في خابية الزيت (جرة فخارية ضخمة) حتى طفح الدم من الجرة، أمام الكفيفان فقد قُطعوا رأسيهما بالبلطات.


شاهد على المذبحة

الحاج محمود الأسعد شبلي (أبو خالد) كان عمره عندما وقعت المجزرة 21 عاما فيتحدث عن أحداث عشيرته ويقول: ((زمان الـ 48 كانت عرب الصبيح ساكنه هون من الشجرة إلى منطقة الشرار (أم الغنم) مجموعات مجموعات.. بيوت شعر وبيوت طين كل كيلو متر، نص كيلو تلاقي (4-5) بيوت، يعني التمركز كان من الشجرة إلى الشرار.

بدأت المناوشات في الـ 48 واحنا ما بديناها مثلنا مثل باقي الناس. اليهود عندهم مجموعات إضافية مثل قوة العسكر كانوا يعملوا اعتداءات على الفلاحين والرعيان والناس ترد عليهم. وبقيت هاي المناوشات من أول شهر (1-11) يعني أخر (12).

اتفق العرب واليهود، لكن الفرق الإضافية من اليهود (هجانا) نكثوا العهد وبقوا يعتدوا على العرب، اعتدوا على بيوت الصبيح بطريق الشارع العام عند العفولة، احنا صُرنا ندافع عن بعض ظلت المشاكل لشهر 2 تقريباً.

كان طرش (بقر) عند “بيت كيشت” اليوم فاتوا على مزروعات اليهود. أجا اليهود الإضافية بدهن ينهبوا الطرش، اجا المسلحون العرب اعترضوهم وصار قتال وانقتل من اليهود 7 وتصاوب 2 وشرد 2 كانوا هن 11 ومن وقتها صارت مقاومة رسمية بينا وبينهن حتى شهر 4 بآخره تقريبا.

وأجت قوة بالليل وطوقوا عرب الصبيح من تلا كفر كنا وعين ماهل، وكنا نصلي الفجر وكنت أتوضأ، وبدأت الطلقة الأولى وقتلوا حوالي 30 نفر نسوان وأطفال بالبلطات وبالطخ (المعركة كانت بيت كيشت-اليوم-) واحنا هجينا على الجبل وأجتنا قوة وفزيع من الجيران وانقتل من اليهود تقريبا 40 واحد).

يضيف الشاهد: (هاجموا الناس بشهر 2-4، الصبيح كانت بلد طويلة، الجهة التي كنا احنا فيها لم يأتوا عليها لأنها لم تكن المركز (جيش الإنقاذ العربي كان يساعد، ويهاجم اليهود بس والله ما ساعدت لا عرب ولا غيرها بشكل جدي). ظل العراك للساعة 11 وقتل اليهود حوالي 40 قتيلاً. كلهن أطفال وعجز نسوان، بتذكر ثلاث ختيارية وواحد مجنون، وكذلك عم زوجتي رفض يطلع معنا اسمه علي أحمد الخروب، وكمان حامد جليل كان شاب يقاتل بالمقدمة، ونسوان وأطفال قتلوهم بدورهم، بفراشهم. عرب الصبيح هي 7 حمايل، احنا اسمنا عيلة الشبلي ضلينا هون ولما صارت المعركة حمينا حالنا بالدير. ولما قامت إسرائيل استسلمنا واحنا بالدير، يعني كان معهم مدافع هاون وبواريد ومصفحات، كانوا مسلحين من الانجليز، واحنا كان معنا يا دوب لكل عيلة بروده كنا نوخذها من الحاكم العسكري بالناصرة. الدول العربية مثل الأردن كانت خاينة وما إلها مساعدات. في عائلات كانوا يبيدوها بالمرة من عيلة وحدة قتلوا تقريبا 12 نفر، غزالة وعليه خوات قتلوهن هن واولادهن (بنات نمر).

المصادر:

(1). “عرب الصبيح – تاريخ ورواية ” عيسى محمد ذياب عونة.

(2). إبراهيم أبو جابر، “جرح النكبة” الجزء الأول، ص 275-287.

(3). مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، الجزء السابع-، ص 122.

(4). الميادين، هكذا بدم بارد.. تم تهجير عرب الصبيح وناصر الدين.

رابط المقال الأصلي: https://www.mawteni48.com/archives/114712