غزيّة شهدت على مجزرة بحق عائلتها ودرست القانون لتجريم الاحتلال
لم تفارق مرارةُ الفقدان قلب الفتاة الفلسطينية هدى غالية، التي فقدت أفراد عائلتها أمام ناظريها في مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على شاطئ غزة عام 2006.
أفاقت الطفلة هدى نهار الجمعة، في التاسع من تموز/ يونيو من عام 2006، على مقتل والدها وخمسة من أشقائها بقذيفة أطلقتها بارجة إسرائيلية على شاطئ بحر بلدة "بيت لاهيا" شمالي قطاع غزة، ليكون البحر شاهداً على رحلة استجمام كُتب لها أن تُحال إلى مجزرة.
ووثّق مصور تلفزيوني فلسطيني بعدسته تفاصيل المجزرة، وبحث هدى التي كانت طفلة لا يتعدى عمرها الـ12 ربيعًا عن والدها وأشقائها، وما إن وجدتهم مضرجين بدمائهم على رمال الشاطئ حتى بدأت بالصراخ والنحيب، وأثارت تلك المشاهد سخطًا كبيرًا على مستوى العالم.
اليوم، وبعد أربعة عشر عاماً، حصلت هدى التي وثّقت عدسات الكاميرات بكاءها على صدر والدها المُسجى بدمائه على الشاطئ، على رخصة مزاولة مهنة المحاماة، وبدأت تشق طريقها كمحامية واعدة تسعى لمحاكمة مَن حرَمها حنان الأب بعد أن تعذّر ذلك طوال سنين مضت.
وقالت هدى في حديثها عن حياتها من ذلك الحين إن "العيش بعد فقدان أب وخمسة أشقاء لم يكن سهلًا على طفلة مثلي في ذلك الوقت، فكل طفل يودّ أن ينعم ويكبر في حضن والديه، إلا أنني سُلبت هذا الحق منذ طفولتي، حين كنت في أمسّ الحاجة لحنان الأب وعطفه".
وأشارت إلى أن "الرحلات إلى الشاطئ باتت تجبرها على استرجاع ذكرياتها الأليمة، مشيرةً أنها لم تعد تحبذ هذه الرحلات منذ وقوع المجزرة، حيث يمر الصيف تلو الآخر ونادرًا ما تذهب العائلة إلى الشاطئ"، مضيفةً أن "قوات الاحتلال لم تدع عائلتي وشأنها، فبعد سنوات قليلة قتلت إحدى شقيقاتي وزوجها خلال العدوان الإسرائيلي على غزة 2008– 2009، لتُضيف صفحة جديدة في سجلها الأسود".
واسترسلت قائلةً إن "مشاهد فقدان عائلتي لازمت وجداني وذاكرتي، شكّلت حافزًا شخصيًا يدفعني نحو السعي لاستعادة ولو جزء بسيط من حقنا، لذا قررتُ دراسة الحقوق لأغدو محاميةً أدافع عن حق أبناء شعبي المظلوم"، واستدركت قائلةً "لست وحدي من فقدتُ والدي وأشقائي بفعل مجازر الاحتلال، فهناك مئات العائلات الفلسطينية، التي نزعت قوات الاحتلال البسمة من شفاه أطفالها، وسلبتها أبسط حقوقها".
لكن الفتاة المكلومة لم تيأس، بل تحدت ظروفها القاسية وتغلبت على ألم الفراق ومعاناته، فذاك قدر الشعب الفلسطيني أن يصنع من المحنة منحة، ويولّد من الألم أملا.
وتستعد الفتاة الفلسطينية بعد أن حصلت على منحة دراسية وأتمّت درجة البكالوريوس عام 2017، إلى الالتحاق بالدراسات العليا (الماجستير) في نفس التخصص، وذلك على نفقة الجامعة.
ووثّقت المراكز الحقوقية خلال الشهور التي تلت الحادثة شهادة هدى وباقي أفراد عائلتها الناجين من المجزرة، لكن هذه التقارير كما قالت هدى "لم تتوصل إلى نتائج عملية تُفضي إلى تدفيع إسرائيل ثمن جرائمها بحق شعبنا الأعزل".
وتحدثت الفتاة بصعوبة طريقها نحو تحقيق أملها، لا سيما في ظل إرادة دولية مُنحازة، لكنها في ذات الوقت، تؤمن بأنه لا يضيع حق خلفه مُطالب.
وتأمل "هدى" في تلقّي العون والمساعدة من المؤسسات الحقوقية، العربية والدولية، لتحقيق مسعاها، في ظل اعتزام محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، إلا أنها لم تتلقّ بعد تواصلاً من أي جهة.
وختمت هدى بالقول إن المحامي هو أكثر الناس قدرة على الدفاع عن القضايا الإنسانية، والتعبير عن أصحاب الحقوق المغتصبة، لذا فهي تسعى لتطوير ذاتها في سبيل خدمة قضيتها، وهي واثقة من تحقيق ذلك عاجلاً أم آجلاً.