ما أشبه حرب غزة بحرب النكبة!!!

ما أشبه حرب غزة بحرب النكبة!!!

ما أشبه حرب غزة بحرب النكبة!!!  | موسوعة القرى الفلسطينية

خاص- موسوعة القرى الفلسطينية- 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023

كتبه الباحث في أكاديمية دراسات اللاجئين الأستاذ أحمد ضميري:

وأنا أشاهد الحرب على غزة الدائرة الآن، وأتابع تفاصيلها مثلي وغالبية الفلسطينيين على قنوات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي. قررت زيارة جدتي أم يوسف مصطحباً ابن عمي باسل الذي ولد في دولة الإمارات والمتواجد في فلسطين ليكمل تعليمه الجامعي بتخصص الهندسة. جدتي والتي تهجرت من قريتها قاقون غرب مدينة طولكرم في حرب النكبة 1948م، تتابع هي أيضاً الأحداث التي تحدث في قطاع غزة ساعة بساعة عبر مذياعها القديم.

فبدأت بالنقاش والتحدث معها عن هذه الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال، فما كان منها إلا أن تأثرت كعادتها، وانهمرت بالدعاء والبكاء على أهل غزة، وقالت: "المسلم اللي بهتمش بشأن المسلمين مش مسلم" ثم وجهت وجهها إلى أصغر حفيد لها وهو باسل، وقالت له: "أنا عشت ياستي، كل الحروب من 48 لما أجلونا اليهود من قاقون وكنت وقتها صبية، لحد هسا". وبدأت تروي قصة حرب قاقون وجرائم العصابات الصهيونية من أجل طرد سكان القرية منها، فقالت بما معناه: في يوم من الأيام بعد صلاة العصر، ضرب اليهود علينا قنبلة في وسط القرية، فهرعت الناس وتجمع أهل القرية؛ ليشاهدوا ما فعلت هذه القنبلة بهم. 

وهم في تجمعهم هذا، ضرب اليهود قنبلة أخرى عليهم لكن على هذا التجمع الذي كان بجانب منزل "مصطفى الشولي"، مما أدى إلى قتل جميع من كان متجمعاً، بل ومن شدة الضربة تناثرت أشلاء الجثث من أيدي ورؤوس ودماء على الجدران وبين المنازل القريبة.

مما دفع بأهل القرية إلى أن يأخذوا أمتعتهم ويتركوا ديارهم لشدة ما رأوه من مشهد، ويهاجروا مؤقتاً إلى القرية المجاورة وهي قرية بير السكة إلى أن تنتهي الحرب. 

بعد عدة ساعات، أي في ساعات المساء، طوقت القوات الصهيونية قرية قاقون، وبدأت تضرب القرية بقنابل عنيفة، لو بقي أهل القرية حينها، لقتلتهم جميعا. وكل هذا وأهل القرية يتابعون من بعيد ما يحدث لقريتهم وهم في قرية بير السكة. 

بعد هذا القصف، دخلت القوات الصهيونية على القرية، واشتبكت مع المسلحين والثوار من أهل القرية، وأيضاً من الجيش العراقي. وكانوا يسمعون أصوات الرصاص والقذائف الذي لم يهدأ حتى تمكنت العصبات الصهيونية من السيطرة على القرية بعد قتلهم جميعاً. 

فاضطروا إلى الهجرة والسكن بالإيجار في قرية مجاورة لبير السكة وقرية قاقون، وهي قرية شويكة. وسكنوا فيها فترة على أمل أن تعود الجيوش العربية فتحرر قريتهم من تلك العصابات، إلا أن الحرب انتهت، دون العودة لوطنهم. وبقوا في قرية شويكة إلى أن بنت وكالة الغوث للاجئين المخيمات، ومنها "مخيم طولكرم" الذي عاشت فيه مع أهلها بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية الصعبة حينها، ومازالت تعيش فيه حتى يومنا هذا. 

أما معركة احتلال قرية قاقون في عام 1948، وما دار فيها بين القوات العراقية والثوار ضد العصابات الصهيونية، فقد ذكرت المراجع، مثل: " النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود" للأستاذ عارف العارف، والوثائق، مثل: "منشورات وزارة الدفاع" والتي صدرت عام 1964م، والكتب، مثل: "قرية قاقون" لعبد الرحيم المدور، والمقالات، مثل: "انعكاسات معركة قاقون وإسقاطاتها" للدكتور محمد عقل، و "معركة   قاقون في ذكراها  الثامنة والستين" للدكتور مصطفى كبها. تفاصيل كثيرة جداً ودقيقة عنها، لكني سأذكرها باختصار. 

بدأت الأحداث بمجموعة من الثوار من أهالي قاقون في 21 آذار 1948 بإطلاق النار على مستوطنة "همعفيل" -التي بنيت على أراضي القرية الشرقية في عام 1945- لمدة سبع ساعات متواصلة، مما أدى إلى إصابة جنديين من لواء "إلكسندروني" التابعة لعصابات الهاجاناه الصهيونية. 

مما دعا القوات الصهيونية إلى التخطيط من أجل اقتحام القرية والسيطرة عليها، من خلال مراقبتها ورصدها بالخرائط الجوية والمعلومات الميدانية من خلال الوحدة الاستطلاعية. وفي عصر الرابع من حزيران من نفس العام، بدأت القوات الصهيونية بضرب القرية بالقنابل لتفريغها من المدنيين، ومن ثم تطويقها واقتحامها ليلاً، من الخاصرة الدفاعية الضعيفة للقرية والتي كانت شرقي القرية وهي التي تربط بينها وبين طولكرم. 

كان الثوار متحصنون بالخنادق التي أعدوها يقودهم ابن القرية "عقاب أبو هنطش"، وهناك فيصل عراقي كانت عندهم حامية عراقية يطلق عليها "بيت العراقيين" في القرية، يتكون هذا الفصيل من 33 – 43 جندي يقودهم الملازم أول محمد يعقوب.

بدأت المعارك منذ محاولة اقتحام العصابات الصهيونية للقرية، ومع أن عددهم ما يقارب 1500 مسلحًا بالمدرعات والمدافع الثقيلة والرشاشة، وهو ضعف الثوار والقوات العراقية باثني عشر ضعفًا، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يسيطروا على القرية. حتى مع قرب نفاذ سلاح الفصيل العراقي، وخذلان اللواء العراقي الخامس عشر وجيش الإنقاذ من مساندة الملازم محمد والثوار أبناء القرية، حتى وصل بهم الحال من الدفاع عن أنفسهم بالمسدسات، بل والتعارك بالأيادي.  

وبعد حرب استمرت 17 ساعة متواصلة من البطولات والمقاومة الشرسة، دفع قائد اللواء الصهيوني "غرشون ريفلين" من مناجاة سلاح الطيران الذي امتلكته القوات الصهيونية، والذي قام بدك القرية ومواقع تحصين المقاومين كاملاً بأربع طائرات، مما أدى إلى استشهاد جميع الفصيل العراقي والثوار من أهل القرية، وقتل مقابلها 26 صهيوني، واستطاع الصهاينة من احتلال القرية وسقوطها نهائيا بيدهم في 6 حزيران 1948م.    

وهنا أقول: ما أشبه حرب غزة اليوم بالبارحة، فقد بدأت الحرب في 7 أكتوبر 2013 بعملية "طوفان الأقصى" لتحرير الأراضي الفلسطينية، والتي نجحت في تحرير "غلاف غزة" وفرار المستوطنين منها. مما دفع الجيش الإسرائيلي الصهيوني إلى إعادة السيطرة على تلك المستوطنات بعد حرب عنيفة، ومن ثم الإعلان عن أهداف العملية، وهي: تصفية حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المسيطرة على قطاع غزة، وقائدة هذه العملية، وإعادة احتلال القطاع.  

لكن قبل الدخول البري، بدأت بقصف وقتل الآلاف من السكان بالقذائف الصاروخية، وإلقاء المنشورات الداعية إلى طلب المغادرة من القطاع أو مؤقتاً إلى جنوب القطاع. 

وبعد أسابيع من القصف، دخل الجيش الإسرائيلي إلى القطاع من الخاصرة الرخوة وهي محور حي الزيتون وتل الهوى والذي تكثر فيه الأراضي الزراعية، ليسيطروا على شارع صلاح الدين ويتوغلوا إلى شارع "الرشيد" ومن ثم الساحل. 

ثم شددوا الحصار على مدينة غزة شمالاً من بيت حانون وجباليا التي ارتكب الجيش الإسرائيلي فيها أكثر من ثلاث مجازر بحق المدنيين، وشرقاً وجنوباً حيث يتمركز الجيش، وغرباً من البحر وقصفهم من البارجات العسكرية الإسرائيلية البحرية، وكل هذا، ومازال الطيران الإسرائيلي مستمر في قصف مدن القطاع الذي لم يتوقف عنها طيلة أيام العدوان. 

ومع الدخول الإسرائيلي البري لبعض من الأحياء في مدينة غزة، إلا أنهم تفاجؤوا انهم أمام مقاومة مستعدة ومتمترسة في أنفاقها، أعدت لهم الكمائن، وقتلت منهم الجنود، ودمرت لهم المجنزرات، واشتبكت معهم على المسافة صفر. مما جعل كل بقعة من أرض غزة ناراً قد تنفجر في أية لحظة. رغم أن عدد الجيش المقدر بـــ 300 ألف أضعاف عدد المقاومين المقدر بــ 30 ألف، ورغم غياب الدعم العربي بجيوشهم والسلطة الفلسطينية برجال أمنها، علاوة على ذلك، منع الجيش المصري إدخال المساعدات الإنسانية عنهم عبر معبر رفح بأوامر من الجيش الإسرائيلي الذي هددهم بقصف المعبر والشاحنات في حال دخولها بدون إذن منهم.

ورغم حصار دام عليهم ست عشر عاما، قبل هذه الحرب، ما زالت المقاومة تناور وتقاوم وتقاتل بكل شراسة.

خمسة وسبعون عاما، ومازالت سياسة العصابات الصهيونية وهي "الأرض المحروقة" وقتل المدنيين وتفريغ الأحياء قبل قتالها، منهجاً ثابتاً، رغم تحول هذه العصابات إلى جيش، وحتى إلى جيش قوي كما التصنيفات العالمية تصنفهم. 

خمسة سبعون عاماً، وما زالت ثقافة التهجير وطرد السكان واحتلال الأرض، راسخة في عقولهم لم تتغير، رغم كل المواثيق الدولية والمعاهدات الإقليمية واتفاقيات السلام معهم، ويبدوا أنها لن تتغير، مهما ادعى هذا الاحتلال تفوقه وحضارته وانسانيته وقيمه المزعومة، التي شاهدها العالم ملياً بهذه الحرب، وتصريح أحد وزراء هذا الكيان المحتل بإلقاء قنبلة نووية على غزة للتخلص منها إذا لزم الأمر. 

خمسة وسبعون عاماً، أي كأن التاريخ يعيد نفسه... حفظ الله غزة وسلمها، ونصر جنودها؛ لأنهم الأمل الأخير في هذه الحرب، في أن يحافظوا على بقائهم وبقاء شعبنا على الأقل، ويمنعوا من تكرار نكبة ثانية للشعب الفلسطينية بعد نكبة 48 ونكسة 67.