متنزه الشابورة... متنفس فقراء رفح
في الجانب الغربي من مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، تنشط الحركة داخل مخيم الشابورة. ويحرص سكان المخيم على عيش أجواء شهر رمضان في متنزه يعتبرونه متنفسهم الوحيد، ويقع على مقربة من منازلهم. ويعد الشابورة من أكثر المخيمات تهميشاً وفقراً، ويعاني أهله للحصول على الخدمات الأساسية، وعلى رأسها مياه الاستخدام المنزلي، ويشكون من تردي البنية التحتية والبيوت، علماً أن أسقف أكثر من نصفها من الإسبست أو الحديد.
وعلى الرغم من صغر مساحة المتنزه، يعتبره كثيرون نبض حياة المخيم ومركزه. يهرع إليه الأطفال منذ ساعات الصباح الأولى، وترافقهم أسرهم وحتى المسنون في العائلة. وما من خيارات أخرى لأهل المخيم، إذ إن عرض بعض أزقته لا يتجاوز المتر ونصف المتر، ويعاني أهله بسبب درجات الحرارة المرتفعة صيفاً. أما في الشتاء، فتتدفق مياه الأمطار إلى داخل بعض المنازل.
تعيش أسرة حامد نصر (50 عاماً)، في قلب المخيم. يقول: "في بعض الأحيان، أشعر أنني أعيش في سجن". لكن لا بديل أمامه بسبب الفقر. لديه سبعة أولاد، وقد أصيب ابنه خلال مشاركته في مسيرات العودة وأصبح من الأشخاص ذوي الإعاقة. معاناته كبيرة في المنزل الذي يسكن فيه صيفاً وشتاء، وخصوصاً أن سقفه مصنوع من صفائح حديدية. على الرغم من الظروف الصعبة، يحرص على الخروج إلى المتنزه، حيث يتبادل الأحاديث مع سكان المخيم، ويشكون مشاكلهم لبعضهم بعضاً، ويشير إلى أن الحديث عن الظروف المعيشية الصعبة بات ثقافة يومية في ظل استمرار الأزمة. لكن ما إن يحضر أبناؤه الطاولة الخشبية الصغيرة له ولأصدقائه، حتى يجهزون ورق اللعب ويعيشون أجواء تنافسية.
يقول نصر لـ"العربي الجديد": "الشابورة هو المخيم الأكثر تهميشاً في قطاع غزة لناحية سوء الخدمات. كما أن تلبية مطالبنا الأساسية بطيئة جداً. حتى أن سيارات الإسعاف لا تستطيع الدخول إلى بعض الأزقة والبيوت لإخراج المرضى. المتنزه قد لا يعني شيئاً للآخرين، وقد يكون مكاناً سيئاً وصغيراً في دول أخرى، لكنه بالنسبة إلينا مساحة للجلوس واللقاءات وتبادل الأحاديث. وأحياناً نزف العرائس والعرسان فيه".
وكلمة الشابورة تعني بالعامية منطقة متبقية من قطعة أرض. ويشير بعض المسنين في المخيم إلى أنها كانت قطعة أرض فارغة تفصلها عن المخيم سكة الحديد القديمة. فعمدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) إلى بناء مساكن عليها، وأطلق عليها اسم الشابورة.
ويشهد قطاع غزة اكتظاظاً سكانياً كبيراً وسط حصار إسرائيلي فرض منذ عام 2007، بالإضافة إلى مشكلة التمدد العمراني في ثمانية مخيمات أنشئت عقب النكبة الفلسطينية عام 1948، ليحرم الغزيون من المساحات التي يمكن تحويلها إلى متنزهات أو أماكن ترفيهية.
يعيش المسن فايز أبو مدلل (70 عاماً)، في مخيم الشابورة. لم يتغير حال منزله منذ ثلاثين عاماًن، ويعيش مع أبنائه الأربعة في المنزل نفسه بالإضافة إلى 12 حفيداً. يقصد المتنزه كل يوم برفقة أحفاده وإن كان لا يعتبره متنزهاً بعدما رأى المتنزهات في عدد من الدول التي سافر إليها. كما تغيب معايير السلامة والمساحات الملائمة لسكان المنطقة.
ويقول أبو مدلل لـ"العربي الجديد": "هو ليس متنزهاً بالمعيار العام. ليست فيه أشجار كثيرة أو أزهار أو نباتات. هو أشبه باستراحة أو مكان في منتصف شارع. إلا أن الأطفال يلعبون فيه على الرغم من صغر حجمه والازدحام الشديد فيه. أما نحن، فنستنشق فيه هواء أفضل من الذي في منازلنا، إذ نعيش في مخيم نشم فيه رائحة طبخ كل جيراننا بسبب تلاصق البيوت".
وتتعطل بعض ألعاب الأطفال البلاستيكية في المنتزه، ما يؤدي إلى إزالتها أو الانتظار أكثر من شهرين ريثما يتم إصلاحها من قبل متبرعين. وتغيب معايير السلامة في المتنزه للأطفال.
إلى ذلك، يجد بعض الباعة في المتنزه ملاذاً لكسب الرزق. وتنتشر عربات بائعي المشروبات الساخنة ومأكولات الأطفال. ويعتبر سكان المخيم أن هذه العربات أفضل من المقاهي القريبة من المخيم، إذ يمكنهم تناول القهوة أو الشاي بشيكل واحد (0.2 دولار) فقط. لدى بلال سلّام (35 عاماً)، عربة يبيع المشروبات عليها على مقربة من المتنزه، كما أنه مستمع جيد لمشاكل وهموم الزبائن اليومية من سكان المخيم. يعيش في قلب المخيم في منزل يضم 20 فرداً، من بينهم والده المسن ووالدته التي تعاني من أمراض مزمنة، وغالباً ما يرافقه طفلاه للعب في المتنزه. يقول لـ"العربي الجديد": "هذا المتنزه متنفس المخيم في الشتاء وفي الصيف إلى جانب شاطئ البحر".