عسقلان.. من أقدم مدن العالم سكنها العرب قبل 5 آلاف سنة
كانت مدينة عسقلان (المجدل) على مدى تاريخها الطويل ذات شأن اقتصادي كونها ميناء بحريا، ونظرا لموقعها الاستراتيجي القريب من غزة ومصر ومواجهتها للقادمين من البحر تجارا وغزاة، فقد كانت منذ القدم محطة هامة من سلسلة المحطات الممتدة على طول السهل الساحلي الفلسطيني، حيث اعتادت القوافل التجارية والحملات العسكرية المرور بها للراحة والتزود بالمؤن.
وتقع عسقلان جنوب فلسطين التاريخية، على ساحل البحر المتوسط، على بعد 13 كيلومترا إلى الشمال من قطاع غزة، على بعد 65 كلم غربي القدس، وخلال التاريخ القديم كانت عسقلان عبارة عن قرية تُسمى "المجدل". والمجدل كلمة آرامية بمعنى البرج والقلعة والمكان العالي المشرف، وهي بلدة كنعانية قديمة كانت تسمى "مجدل جاد" وجاد هو إله الحظ عند الكنعانيين.
وتعد عسقلان واحدة من أقدم مدن العالم وفقا لما عثر عليه في الحفريات الآثارية التي قام بها لورنس ستاغهار من جامعة هارفرد الأمريكية عام 1985 الذي أكد أن أول من أسس المدينة كان العرب الكنعانيون في العام 3000 قبل الميلاد تقريبا. وقد عثر على بقايا المدينة الكنعانية في عمق 15 مترا، وقدر عدد سكان المدينة في ذلك الحين بنحو 15 ألف نسمة، وأن المدينة كانت محاطة بسور عريض.
في عام 1150 قبل الميلاد سكن الفلسطينيون القدماء المدينة قادمين من جزر البحر الأبيض المتوسط وجعلوها أحد أهم مراكزهم. وتذكر المدينة في العهد القديم (التوراة) كمركز فلسطيني كبير.
وفي عام 604 قبل الميلاد احتلت الإمبراطورية البابلية برئاسة نبوخذ نصر المدينة من الفلسطينيين، وباقي بلاد الفلسطينيين حيث قام الجيش البابلي بإحراق المدينة وأجلى سكانها.
لكن ما لبثت المدينة أن عادت إلى الحياة في القرن الثالث قبل الميلاد في العهد الهيليني، وأصبحت ميناء كبيرا. واحتل الملك اليهودي الحشموني إسكندر يناي محيط المدينة ولكن المدينة نفسها بقيت مستقلة من ناحية إدارية وثقافية.
فتحت المدينة في العهد الإسلامي على يد القائد عمرو بن العاص، وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب: "لكل شي ذروة، وذروة الشام عسقلان".
ووفقا للعديد من المصادر الإسلامية الشيعية، فإن رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، دفن في عسقلان ونقل ضريحه إلى مزار جديد في الفسطاط في مصر، اسمه "مشهد الإمام حسين" عام 1153 وقت الغزو الفرنجي لعسقلان، وبقي ضريح الحسين موجودا في عسقلان وكان عبارة عن مقام كبير على قمة تلة.
وفي عام 1950 بعد عامين على النكبة الفلسطينية، دمر الضريح بناء على تعليمات وزير الحرب الإسرائيلي موشيه ديان، في محاولة لمحو المواقع التاريخية للمدينة.
وبعد أن وقعت المدينة تحت حكم الفرنجة، قام القائد صلاح الدين الأيوبي بتحريرها عام 1187 من الصليبيين مع باقي فلسطين، ولكنهم عادوا واحتلوها مرة ثانية على يد ريتشارد قلب الأسد عام 1192 بعد سقوط عكا بأيديهم.
إلا أن صلاح الدين قبل انسحابه من المدينة أمر واليها بهدم المدينة وسورها حتى لا تكون حصنا للفرنجة يقطع الطريق بين مصر والشام. وفي عام 1247 استطاع العرب استعادة عسقلان في فترة حكم الصالح أيوب.
وبدأ نجم عسقلان في الأفول إلى أن دمرت نهائيا عام 1270 على يد السلطان الظاهر بيبرس، لتسلم الدور التاريخي إلى المجدل التي تقع على بعد 6 كلم إلى الشمال الشرقي منها.
وبدأت المجدل في التوسع أواخر العهد العثماني وبداية الانتداب البريطاني وقد شهدت أحداثا وطنية عززت من مكانتها كمدينة متطلعة إلى المستقبل. ودخلتها القوات البريطانية عام 1917.
وقامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم المدينة وتشريد أهلها البالغ عددهم نحو 11 ألف نسمة في حرب أيار/ مايو عام 1948 وبلغ مجموع اللاجئين من هذه المدينة في عام 1996 حوالي 70 ألفا، وأقام الاحتلال على أراضيها مدينة "أشكلون".
واشتهرت المجدل بصناعة الأقمشة القطنية والحريرية التي كانت تباع في أسواق فلسطين وتعتبر من أهم مدن فلسطين في صناعة النسيج أو هي الوحيدة. ويعتبر الجامع الكبير من أبرز آثار المجدل، بناه سيف الدين سلار من أمراء المماليك عام 1300.
ويوجد في عسقلان خط الأنابيب الإسرائيلي، الذي يحضر المنتجات النفطية من إيلات إلى محطة تصدير في الميناء.
وتتميز مدينة عسقلان بأنها تحتوي على العديد من الآثار التاريخية القديمة، حيث يوجد بها متحف يحتوي على المكتشفات الأثرية، من بينها نسخة طبق الأصل من العجل الفضة الذي يعود تاريخه إلى عسقلان الكنعانية. ويضم المتحف كذلك تابوتين دفن يرجع تاريخهما إلى العصر الروماني.
وتحتوي المدينة على بقايا كنيسة بيزنطية يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، وبها أرضيات من الرخام والفسيفساء والزجاج الملون، وتم اكتشاف قبر روماني على بعد كيلومترين شمالي عسقلان عام 1937، بالإضافة إلى كهف الهلنستية المزين بلوحات من الحوريات، ومشاهد المياه، والشخصيات الأسطورية والحيوانات.
وكان هناك مسجد يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وبني في عهد الفاطميين، لكن بعد نكبة عام 1948 فجره الجيش الإسرائيلي بناء على تعليمات من موشيه ديان، كجزء من برنامج أوسع لتدمير معالم المدينة، وبني مستشفى إسرائيلي على أنقاض المسجد.
ورد ذكر مدينة عسقلان في الحديث النبوي الذي رواه الطبراني في معجمه "الكبير" بهذا اللفظ قال: حدثنا أحمد بن النضر العسكري ثنا سعيد بن حفص النفيلي ثنا موسى بن أعين بن شهاب عن فطر بن خليفة عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكاً ورحمة ثم يكون إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان". وهو حديث صحيح كما قال الألباني في "السلسلة الصحيحة".
وأنشئ سجن عسقلان المركزي في عهد الانتداب البريطاني كمقر لقيادة الجيش البريطاني في عسقلان ومحيطها، وكسرايا لاستقبال الوفود البريطانية الرسمية. وخصص جناح منه كمركز تحقيق وتوقيف للثوار بعد هزيمة عام 1967م وتصاعد المقاومة ضد الاحتلال. وافتتح سجن عسقلان المركزي لاستقبال الأسرى الفلسطينيين في بداية عام 1970 وكان الافتتاح الأكثر دموية، من خلال ما عرف بعد ذلك بتسمية "التشريفة"، حيث إن الأسرى كانوا يمرون من وسط طابورين لدرك السجون من البوابة وصولاً إلى غرف وزنازين السجن، بينما الهراوات تنهال على كامل أجزاء أجسادهم.
ويعمل الاحتلال على مشروع خط "دبي عسقلان" الذي يبلغ طوله 158 ميلا، من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث سيوفر بديلا أرخص لقناة السويس المصرية، عبر شبكة خطوط أنابيب ستنقل النفط والغاز، ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تصل إلى كل العالم. وهو ما سيلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد المصري.
وقد تلقت مدينة عسقلان التي يسكنها حاليا نحو 160 إسرائيليا الضربة الأعنف في كل فلسطين المحتلة، حيث تم قصفها بأكثر من 930 صاروخا أطلقتها المقاومة الفلسطينية من غزة في موجة القتال الأخيرة.