يوم من عام 1948... 2 أيار نكبة ومجزرة عين الزيتون
بقلم: الباحثة رشا السهلي/ دمشق
صدر قرار تقسيم فلسطين يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 ومنذ ذلك اليوم صَعَّدَت العصابات الصهيونية هجماتها على المدن والقرى الفلسطينية بشكل كبير.
كثيرة هي القرى التي تم تدميرها واحتلالها قبل 15 أيار 1948 بالإضافة للمجازر التي نفذتها العصابات الصهيونية داخل المدن والقرى الفلسطينية والتي استطاعت عن طريقها ترهيب الفلسطينيين ومهدت خلال أشهر قليلة لاقتلاع أبناء الأرض من موطنهم، فلم تكن تداعيات تلك المجازر تؤثر على أبناء القرية التي حصلت فيها وحسب، بل امتدت تأثيرها لجميع القرى والبلدات وحتى المدن المجاورة لها أو التي سمعت عنها، ولنا في مذبحة عين الزيتون أكبر دليل.
عين الزيتون بوابة صفد الشمالية ومفتاح السيطرة على صفد
كانت قرية عين الزيتون البوابة الشمالية لمدينة صفد إذ تبعد عن مركزها مسافة 1.5 كم، كانت مدينة صفد على ارتفاعٍ أكثر من عين الزيتون، وبالتالي من السهولة بمكان مشاهدة وسماع ما يجري في عين الزيتون من قلب مدينة صفد بكل وضوح، بالإضافة لذلك فإن الحي اليهودي في صفد يرتبط بطريق مباشر مع قرية عين الزيتون.
تعرضت عين الزيتون مطلع العام 1948 إلى هجوم بعدة قنابل يدوية ألقاها بعض الصهاينة على القرية، واستشهد رجل آنذاك، وبقي أهل القرية عقب ذلك على استعداد لأي هجوم صهيوني مباغت يشبهه. وعلى الرغم من أن أبناء عين الزيتون لم تكن لديهم تلك القدرات والإمدادات العسكرية التي كانت تمتلكها العصابات الصهيونية، إلا أنهم استطاعوا خلال الأشهر التي تلت تلك الحادثة وبإمكانياتهم المحدودة التي لاتزيد عن عدة بنادق حراسة القرية من أي هجوم.
بحدود الساعة الثالثة فجر يوم الأحد 2 أيار/ مايو 1948، مُهِّدَ لهذا الهجوم بقصف مدفعي وبعض القنابل اليدوية التي استهدفت أحياء القرية، بعد ساعات قليلة هاجم جنود من البلماخ بقيادة "موشيه كالمان" عين الزيتون من جهتها الشمالية، فيما تسلل بعضهم من الجهات الأخرى حتى وصلوا إلى جميع أحياء القرية.
اقتراب العصابات الصهيونية من القرية والخيارات المتاحة أمام أهلها
ذكر الحاج "سامي أحمد حسين ذيب خطاب" أن مجموعة من المتطوعين العرب كانت متحصنة على مقربة من القرية، ولكن عندما بدأ القصف المدفعي رحلوا وتركوا مواقعهم، وبقي أبناء القرية العُزَّل يواجهون خطر العصابات الصهيونية بمفردهم.
في تلك الأثناء اجتمع وجهاء القرية ودار بينهم نقاش حول كيفية مواجهة هذا الهجوم، بأسلحتهم الفردية المتواضعة وذخائرهم التي كادت تنفذ، تضاربت آرائهم بين البقاء في القرية والدفاع عنها حتى آخر لحظة، وبين محاولة الهروب من القرية والنجاة مما قد تفعله العصابات الصهيونية، خصوصاً وأن الجميع سمع عن فظائع ما حدث في دير ياسين، قبل أقل من شهر.
لم تتح الفرصة حتى للذين اتخذوا قرار الرحيل والفرار بأن يفعلوا ذلك فعلاً، إذ حاصر جنود البلماخ القرية من جميع جهاتها، وبدؤوا اقتحام بري على القرية مع ساعات الصباح الأولى.
مجزرة عين الزيتون جريمة أخرى في سجل الصهاينة
وصل الجنود إلى داخل القرية وأمروا السكان بالخروح من منازلهم باتجاه ساحة القرية، واقتادوا 37 رجل وشاب من أبناء القرية إلى مكان مجهول، ثم اختاروا بشكل عشوائي حوالي 70 رجل وامرأة وطفل وأجبروهم على الذهاب لمسجد القرية والدخول إليه، وعندما قام الجنود بأمر من قائدهم "كالمان" بنسف المسجد بمن فيه من رجال ونساء وأطفال.
كان هذا المشهد أمام أعين أبناء القرية وبدأت أصوات صراخ الأطفال والنساء تعلوا في ساحة القرية وسمعها أبناء مدينة صفد حتى، بعد ذلك سمح أمر الجنود أبناء عين الزيتون بالخروج من القرية في جهة واحدة هي جهة الشمال، وبحلول مساء يوم الأحد وصبيحة يوم الاثنين 3 أيار كانت عين الزيتون قد خلت تماماً من أهلها ونسفت معظم منازلها وأبنيتها.
تداعيات المجزرة وسقوط مدينة صفد
منذ اللحظة الأولى للهجوم على عين الزيتون كان أبناء مدينة صفد يشاهدون ويسمعون ما يجري من أحداث داخلها، وفي الواقع كانت هذه خطة الصهاينة لخلق الذعر في نفوس أبناء مدينة صفد ودفعهم للرحيل منها دون مقاومة، خصوصاً وأن الجيوش العربية لم تكن قد تدخلت فعلياً في الحرب باستثناء بعض المتطوعين بإمكانياتهم المحدودة وخبراتهم القتالية البسيطة، وهذا ما حدث فعلاً فلم تمض سوى ثلاثة أيام، حتى خلت صفد من معظم أبناءها وتعلن العصابات الصهيونية يوم 6 أيار/ مايو 1948 سقوط مدينة صفد بيدها.
لم تكن مجزرة عين الزيتون السبب الوحيد الذي دفع أبناء مدينة صفد للرحيل منها وإنما اجتمعت مجموعة أسباب غير مباشرة مع مشاهد هذه المجزرة الوحشية، والتي جعلت أبناء صفد يوقنون أن ما جرى في دير ياسين ليس مجرد خبر تناقلته روايات الناس، بل هو فعلي وستنفذه العصابات الصهيونية في كل مكان تصل إليه.
من عين الزيتون إلى مخيمات الشتات نكبات متواصلة ومصير مجهول
كانت أولى محطات اللجوء التي وصل إليها أبناء عين الزيتون هي بعض القرى في جنوب لبنان، لاحقاً استقروا في مخيمات الشتات هناك تحديداً في مخيم عين الحلوة، وبعضهم الآخر وصل إلى مخيمات الشتات في سورية مثل مخيم اليرموك وكانوا يقيمون هناك حتى العام 2011 ومنها إلى بعض الدول الأوروبية بعد أن اندلعت الثورة السورية ووجه النظام سلاحه ضد اليرموك ولاجئيه.
بالعودة إلى عين الزيتون فقد أكد أهل القرية أن مصير الـ 37 شخصاً الذين أسرتهم العصابات الصهيونية لايزال مجهولاً حتى اللحظة وأن أبناء القرية حاولوا كل جهدهم ولم يستطيعوا معرفة أي خبر عنهم، فيما يرجح بعض كبار السن أن العصابات الصهيونية قامت بقتلهم في مكان آخر خارج القرية أو على أطرافها، ولكنها لاتعدوا كونها توقعات لأن أحداً لم يرى جثثهم أو يتأكد منها.
أما عن أراضي القرية فقد أعادت سلطات الاحتلال بناء مستعمرة "عين زيتيم" التي بنيت عام 1891 على أراضي القرية، وهُجِرَتْ منذ ثورة البراق عام 1929 بعد أن هاجمهم أبناء عين الزيتون وطردوا المقيمين فيها، وعندما أعادوا تأسيسها عام 1954 توسعت على باقي أراضي عين الزيتون وسكنها صهاينة مهاجرين من هنغاريا وترانسلفانيه.
أسماء الشهداء والأسرى
استطاع أبناء القرية بعد فترة من الزمن ذكر ومعرفة أسماء الشهداء من ضحايا المجزرة، ولكنهم لم يتمكنوا من معرفة سوى اسم 53 شخصاً، فيما أكدوا أنه عدد الضحايا كان 70، وكذلك أكدت الروايات الصهيونية أن عدد الضحايا الذين اقتادوهم للمسجد كان 70 فعلاً.
عُرِفَ من شهداء المجزرة:
- قاسم أحمد قاسم الشعبي.
- عرابي قاسم الشعبي.
- عبد الله حسن الشعبي.
- حامد حسن الشعبي.
- حسين محمد حسن الشعبي.
- ابراهيم العبد الشعبي.
- عبد محمد الشعبي.
- مرعي أسعد طه الشعبي.
- نمر أسعد طه الشعبي.
- أسعد نمر الشعبي.
- أحمد محمد الشعبي.
- خليل رشيد الشعبي.
- سعدة خليل الشعبي.
- رشيد الشعبي.
- محمد محمود رشيد الشعبي.
- ابراهيم محمد حميد.
- فؤاد موسى حميد.
- محمد توفيق حميد.
- حسين عبد الله خليل حميد.
- زكريا عبد الله خليل حميد.
- قاسم ابراهيم حميد.
- قاسم محمد علي حميد.
- محمود أحمد حميد.
- محمد حامد حميد.
- عبد محمد حميد.
- قاسم زكريا حميد.
- الطفلة زهرة خليل حميد.
- حسن سعيد حسون.
- سعيد شحادة حسون.
- حسن محمد خطاب.
- أمين قاسم خطاب.
- كايد عبد الله خطاب.
- محمد أسعد خطاب.
- محمد عبد الرحمن خطاب.
- قاسم عبد الرحمن خطاب.
- محمود حمد خطاب.
- حسن سعيد خطاب.
- عكيلة خطاب.
- الطفلة نهلة عبد الله السعيد خطاب.
- المسنة وردة زوجة عبد الرحمن خطاب.
- محمد الحاج عبد الله غريب.
- علي الحاج عبد الله غريب.
- محمد سليمان غريب.
- خالد محمود غريب.
- محمد محمود غريب.
- موسى محمود غريب.
- ابراهيم عبد الغني غريب.
- صالح يوسف إدريس.
- أحمد يوسف إدريس.
- محمود يوسف إدريس.
- جميل محمد إدريس.
- محمد ابراهيم نابلسي.
- محمد الزين أحمد أيوب (الحجار).
- يوسف أحمد أيوب (الحجار).
على الرغم من جميع محاولات الاحتلال لإخفاء حقيقة ما حدث في عين الزيتون في ذلك اليوم إلا أن بعض الجنود الصهاينة المشاركين في تنفيذها اعترفوا لاحقاً بما فعلوه في عين الزيتون مطلع أيار 1948، كما أن شهادة أبناء القرية حول المجزرة وثقها بعض الباحثين العرب في مخيم عين الحلوة عام 1972، لن ننسى عين الزيتون وسنبقى نروي حكايتها مهما طالت السنوات وازداد إجرام الاحتلال.