قرية الدوايمة الحلم الفلسطيني بين العطاء التنموي والتشبث بحق العودة
أقيم الكيان "الإسرائيلي" عام ثمانية وأربعين على ركام حاضرة النهضة العربية فلسطين التي أُفرغت من أهلها بالقوة مع تواطؤ أُممي مشهود.. لذلك نكلت بأهلها وأرهبتهم من خلال سلسلة من المذابح الشهيرة كدير ياسين والدوايمة.. لكن بن غوريون التلميذ الذكي لهيرتزل نفذ أجندة الصهيونية وفق نتائج مؤتمر بال الأول الصهيوني بسويسرا في أواخر القرن التاسع عشر.. واقتلع الشعب الفلسطيني من أرضه عنوة.. وكان يتوقع وفق الرؤية التلمودية العنصرية بأن الأجيال الفلسطينية القادمة ستندمج في بيئتها المكانية الجديدة.. وكان يحلم بيوم يعود فيه الفلسطيني إلى أرضه كسائح أو مستثمر أجنبي يرفد مشاريع التنمية الشاملة في الكيان الإسرائيلي بأسباب البقاء في وقت تموت فيه الرهانات على الدعم الخارجي المستمر من قبل الدول التي غرست هذا الكيان من أجل ضرب احلام الوحدة العربية.. في أي إطار محتمل.. لكنه كما يبدو وقد كان منهمكاً في انتصاراته على العرب المتشرذمين عام النكبة؛ تغافل متغطرساً عن حقيقة بأن أحلام الشعوب لا تموت.. فماذا فعلت الأجيال الفلسطينية اللاحقة، بعد الهزائم العربية المتكررة امام الأطماع الصهيونية التوسعية؟ فقد أعادوا بناء فلسطين في الذاكرة.. حجراً حجراً.. أوقفوا عقارب الساعة على الرقم 48 الذي يمثل هزيمة العقل العربي! واستعادوا مدنهم الفلسطينية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمهرجانات والفعاليات الثقافية المختلفة.. فأطلقوا أسماء عكا ويافا وحيفا على بناتهم.. وروسوا شعاراتهم بأسماء قراهم السليبة.. فباتت فلسطين معقلهم الوجودي.. في الوقت الذي أخذوا معهم الخبرة الفلسطينية المتفوقة للمساهمة في بناء العواصم العربية في إطار تنموي ومواطنة صالحة للمكان الذي يقيمون فيه.. إن عامل الخوف الذي اعتمدت عليه الصهيونية في تفريغ فلسطين من أهلها؛ داست عليه الأجيال الجديدة في الجليل الأعلى والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.. فلسطين أمست أشد حضوراً من ذي قبل .. وبات للعودة مشروع واقعي وخطواط تنفيذية.. وكان على الفلسطيني أن يتميز تنموياً ويتفوق على نفسه لإثبات الذات وخاصة بأن القضية الفلسطينية باتت تشكل بعداً أساسياً لشخصيته فلا يجوز انتهاكها.. من هنا سأدرج قرية الدوايمة كنموذج على اعتبار ما تعرضت له عام النكبة من أكبر مذبحة شهدتها فلسطين التاريخية.. وكأن بن غوريون قد وضع نصب عينيه إبادة أهل القرية وتنظيف يده بذريعة أن “شعب الله المختار” يدافع عن وجوده القومي في “أرضه التاريخية” حتى لا تتكرر مأساة “الهلوكوست” من قبل العرب” الأشرار”.. لكن أهل القرية بحثوا عن تفاصيل مذبحتهم التي كانت مغمورة.. وأحيوها إعلامياً.. ناهيك عن تبلور شخصية إبن القرية من خلال تطوير مكوناته الشخصية وبلورة حضوره على كافة الصعد مع الحفاظ على ثابت حق العودة إلى فلسطين.. فساهموا في رفد التنمية العربية بالكفاءات المتميزة.. وأقاموا منشآتهم الاقتصادية العملاقة متعددة الجنسيات واقتحموا كل الميادين بعناد دحضوا به الرؤية الصهيونية بأن من أبيدوا على يد العصابات القاتلة كانوا عالة على الحضارة ما توجب غض الطرف عن جرائمهم من قبل العالم.. فبرزت أسماء من أهل القرية في الفيزياء ومن أشهرهم البروفسور العالمي محمد المقوسي.. وفي مجال الاقتصاد أسماء لامعة على مستوى العالم ( شخصيات خلافية أو غير ذلك) غطت مشاريعهم دول العالم من أمثال الحاج خليل عشا وأولاده والحاج محمد أبو عمر أبو معيلش وأولاده( ابنه المهندس حاتم مرشح لعضوية إدارة نادي الوحدات) وآل القيسية وكلاء كاسيو.. وآل أبو حنيف وكلاء سنجر.. وآل الأقطش( الخضور) في مجال السيراميك.. وغيرهم من الاقتصاديين والخبراء في مجالي الصناعة والاقتصاد مثل الصناعي المهندس ياسين نشوان والمهندس عمر محمود السباتين وأبناء الحاج حسن أبو شلنفح .. وآل سنور المناصرة في مجال الألبسة والقماش.. والمئات ممن غفلتهم ذاكرتي .. وهناك العشرات أيضاً من حملة الدكتوراه الأكاديميين من أمثال المرحوم الدكتور عبد القادر هاشم رمزي من رواد التخطيط في قطر.. علي عشا( عربي) حسن زارع هديب ( رياضيات) والدكتور علي قنديل( نقيب الأطباء فرع الزرقاء).. الدكتور المهندس أحمد قنديل ( هندسة ميكانيك) وغيرهم.. وفي مجال الثقافة برز شيخ الفنانين العرب رائد الفطرية والترقين عبد الحي زرارة الذي اقتنت المتاحف العالمية أهم أعماله بأسعار تجاوزت مئات الآلاف.. وفي مجال الموسيقى والغناء الفنان الملتزم المقيم في القاهرة عبد الحليم أبو حلتم الذي أحيا تراث عمالقة الأغنية السياسية العربية كسيد درويش.. وفي مجال الإخراج التلفزيوني المخرج الشهير محمود الدوايمة.. وفي المجال السياسي نتذكر دور الدوايمة السياسي قبل عام النكبة حينما أسس أول حزب عربي للفلاحين قبل عام 48على مستوى فلسطين من قبل السياسي البارز موسى هديب ( تم اغتياله) والمرحوم أبو زيد أحد أهم قادة ومؤسسي حركة فتح.. وبرز أيضاً المرحوم المفكر يوسف السباتين.. وأبو صخر نشوان (حزب العهد).. إبراهيم سربل ( قيادي حزبي).. موسى هديب.. المحامي نبيل أبو دبور( معتقل سابق) المفكرة نجاح السباتين.. وأفرزت القرية أربعة نواب فاعلين (بغض النظر عن الأداء والتميز وما دار من خلاف حول بعضهم) وهم النائب المخضرم الدكتور عبد المجيد الأقطش.. والنائب الجاد محمد الحجوج.. والنائب د. محمد خليل عشا.. والنائب محمد هديب.. وفي مجال العمل الاجتماعي ياسين هديب رئيس تحرير مجلة المعاقين سابقاً.. هشام الزعبي مؤسس الكثير من المؤسسات الاجتماعية في إطار جمعية الاعتصام الخيرية وهو من الفاعلين في خدمة المجتمع المحلي.. ومن قادة العمل النقابي المخضرم أحمد أبو خضرة.. ورئيسة جمعية نساء عربيات فرحة ابو خضرة.. وفي مجال الإعلام ياسر الزعاترة (رئيس تحرير فلسطين المسلمة اللندنية سابقاً).. وحسن أبو هنية.. وهما من الوجوه المألوفة إعلامياً على نطاق المحطات الفضائية العربية.. وجمعة نصار رئيس تحرير مجلة الصقر الرياضية ويوسف نصار جريدة الغد والعبسي نائب مدير جريدة الرأي وفي مجال الأدب وقيادة المشهد الثقافي العربي من أعضاء رابطة الكتاب الأردنيين كل من المرحوم يوسف قنديل رئيس اتحاد المكتبيين العرب.. الشاعر جهاد أبو حشيش( صاحب دار فضاءات وهي من أشهر دور النشر العربية) والتشكيلي والأديب حسين نشوان رئيس الصفحة الثقافية في جريدة الرأي ( دار الآن ناشرون) الشاعر جميل أبو صبيح رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين في الزرقاء.. الشاعر جهاد هديب في عُمان.. القاص خليل قنديل عضو هيئة إدارية سابق لرابطة الكتاب الأردنيين.. الأديب المخضرم إبراهيم العبسي.. الروائي والتشكيلي بكر السباتين.. الشاعر المهندس زياد هديب.. الروائي أحمد أبو صبيح. أما خارج إطار رابطة الكتاب فهناك الباحث عبد الرحمن هاشم رمزي.. الشاعر جمال زرارة.. الكاتب نهاد السباتين ( أوراق مبعثرة) والشاعرة الناشطة أفنان هديب.. وفي مجال توثيق التراث الشعبي الفلسطيني الباحث كمال هديب وأسماء كثيرة ربما سهوت عنها.. ( من لديه أسماء معنية في النص أرجو تزويدي بها).. لقد تبلور انتماء أبناء القرية إلى قضيتهم من خلال التصدي لظاهرة التطبيع والخيانة بقسوة على اعتبار أنها من المحرمات.. ولسنا بصدد تناولها في سياق هذا المقال على اعتبار أننا نتحدث عن ملامح إحياء الذاكرة الفلسطينية التي تأبى على النسيان.. الذاكرة التي تنبه العقل العربي إلى أن اللاجئ الفلسطيني حينما ينتمي لأي بلد يقيم فيه كمواطن شامل الحقوق فإنه أيضاً يعتبر نفسه جزءاً من تداعيات القضية الفلسطينية.. وقد اتخذت قرية الدوايمة كنموذج على اعتبار أنها من رموز القضية الفلسطينية لارتباطها بمذبحة الدوايمة.. فقد تأسست عدة مؤسسات تحمل اسم الدوايمة عنت بإقامة عدة فعاليات ثقافية لإحياء مذبحة الدوايمة الشهيرة حتى نثبت لقادة الكيان الصهيوني بأن قضيتنا ما زالت بخير .. وأول هذه المؤسسات مجلس عشائر الدوايمة.. ملتقى الجذور الثقافي الناشط جداً بهمة هيئته الإدارية.. ثم هناك موقع الدوايمة الالكتروني.. وجمعية أبو خضرة للتنمية الاجتماعية.. وجمعية عيسة الخير.
ولكن السؤال المطروح هو كيف يحافظ أهل القرية على رمزية الدوايمة في إطار القضية الفلسطينية دون أن يتعارض ذلك مع الشروط التأسيسية.. ويمكن الإجابة على السؤال من خلال محورين:
الأول: المحورالثقافي من خلال متابعة الفعاليات الثقافية السنوية لإحياء ذكرى مذبحة الدوايمة لإفشال رؤية بن غوريون التي تنبأت بموت القضية الفلسطينية في الأجيال المتلاحقة.. وقد خُيِّبَ ظنه.
الثاني: المحور الاجتماعي من خلال ربط أهل الدوايمة بميثاق شرف لا يتعارض مع القوانين المحلية القائمة على أساس المواطنة.. وذلك بعمل ميثاق شرف لأبناء الدوايمة يتوافق مع مقتضيات الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأهل الدوايمة والاتفاق على شروط ميسرة تنظم مناسبات الأفراح والأتراح.. ويشمل هذا الميثاق منع أبناء الدوايمة من الانخراط في المشاريع التطبيعية مع الكيان الإسرائيلي ومحاربة الفساد.. حتى نكون على قدر المسؤولية فيما يتعلق باسم الدوايمة ومذبحته الشهيرة.. كي يقتنع القريب والغريب بأن الأجيال الفلسطينية الجديدة ما زالت تزرع حلم العودة في قلوب أبنائها.. ونقول للمتخاذلين والعملاء وقادة الكيان الصهيوني ” كذب بن غوريون وصدق الشعب الفلسطيني وإنا عائدون!
المرجع