الجاعونة والجواعنة

الجاعونة والجواعنة

الجاعونة والجواعنة  | موسوعة القرى الفلسطينية

كتب الباحث علي بدوان في مقال له نُشِرَ عبر موقع دنيا الوطن: 

الجاعونة، بلدة فلسطينية، تتربع على مرتفعات الجليل الأعلى، بجوار مدينة صفد، حيث تتبع لقضائها. وتبعد خمسة كيلومترات الى الشرق منها. تعرضت أثناء حرب العام 1948 لحملة تطهير عرقي بعملية عسكرية واسعة لعصابات الهاغاناه وبدعم من طيران سلطات الإنتداب البريطاني (عملية يفتاح)، تلك العملية العسكرية التي قادها (ديفيد بن غوريون) شخصياً، وهدف من خلالها تفريغ مدينة صفد وكل قراها من مواطنيها بالقتل والإبادة، وبحملات ترانسفير باتجاه سوريا ولبنان. فلجأ جميع مواطنيها عام النكبة الى سوريا ولبنان.

 أقام الإحتلال فوق أراضيها مستعمرة (روش بينا)، ومطاراً عسكرياً (مطار روشبينا العسكري)، الذي ترابط بها اسراب من القاذفات "الإسرائيلية" وهو على مرمى صاريخ المقاومة بكل الأحوال.

 يتميز مواطني بلدة الجاعونة، وبشكلٍ عام، بالعلم، والتحصيل العلمي، والتفوق على الكثير من اقرانهم من مواطني قرى وبلدات الجليل، وقد برزت اسماء لامعة من ابناء الجاعونة في ديار النكبة والشتات، منهم على سبيل المثال : الدكتور والناقد المعروف والمثقف الإستثنائي فيصل دراج، والدكتور عصام الكوسى عميد كلية الآداب في جامعة حمص، والأستاذ المرحوم تاج الدين عم علي الذي ذاع دوره في التربية والتعليم في سوريا، والطبيب المختص بمشفى ابن النفيس الدكتور أحمد دراج ...الخ.

 يتمتع أهالي الجاعونة، بــ "النباهة"، و "الحذق"، وتجاوز للبساطة التي يتمتع بها اللوابنة واهالي الطيرة والطنطورة وغيرها من ابناء قرى الجليل والساحل والشمال الفلسطيني بشكلٍ عام... كما يتميزون بالحرص الشديد، والدراية في مسار حياتهم الإقتصادية، وتنظيمها، وهو الأمر الذي شَكَّلَ عند الأخرين منصة النقد لــ "الجواعنة" كوصفهم بــ "البخل أو التقتير"..

 كما يتميز الـ "جواعنة" بسرعتهم في التأقلم، مع المستجدات، في العمل والحياة العامة، وهو مايصفه ناقديهم بقدرة ــ الجواعنة ــ على التقاط المتغيرات والسير معها، حتى بخلاف قناعاتهم، وهي على كل حال صفة ايجابية بشكلٍ عام، وليست سلبية، حال حافظت على القيم العامة ودون المساس بها.

 تتفاوت احوال عائلات الجاعونة، من الناحية الإقتصادية، وحتى التعليمية، من عائلة لعائلة. وعسى أن تسعفني ذاكرتي بالإشارة لعائلات الجاعونة في مخيم اليرموك : عمايري، عم علي، تميم، جلبوط، دراج، شحادة، زيتوني، دخل الله،  لوباني، الأصبح، الكوسى، أبو عيد، عبد الله، أحمد، نعيمي، سلامة، حليحل، ابو حسين، شعبان، يونس، ستيتة، عواد، السيد، سالم، الكردي، سلامة ... كما اقام في الجاعونة قبل النكبة عائلات من باقي قرى فلسطين، ومنهم عائلات الحاج علي، والحوراني، وقبسي، وفق ماذاكره الحاج خالد عمايري في كتابه (الجاعونة قرية بحجم وطن)...

 حكايا وقصص الجواعنة في مخيم اليرموك ومخيمات لبنان (مخيم ويفل في بعلبك)، ومايقال عنهم، اكثر من أن تُعَد وأن تحصى، منها ماله علاقة بــ "سيادة روح النكتة" و "القفشات" سريعة الإنتشار، ومنها ماله علاقة بــ "الغيرة والكيدية" جراء شطارة الجواعنة على غيرهم من اقرانهم من ابناء شعبهم.

 وعلى سبيل المثال، والتندر، وعندما كنا اطفالاً في مدرسة صرفند التابعة لوكالة الأونروا، صَدَفَ أن دخل علينا مُدرس جديد لمادة الرياضيات ونحن في الصف السادس الإبتدائي عام 1971، وهو المرحوم الصفدي لطفي الخضراء، وبعد حل تمرين رياضي على السبورة، تركنا لدقائق من اجل كتابة التمرين مع الحل، واثناء تجواله بيننا وجد تلميذاً يستخدم الممحاة ويعيد الكتابة، فقد كان قد حَلَّ التمرين في المنزل بقلم الرصاص، فنهره المدرس وقال له :

 

ليه يا ابني بتكتب بقلم الرصاص وبترجع تمحي ...

فكان الرد على المدرس لطفي الخضراء، وبصوتٍ يكاد يكون واحداً، ودفعة واحدة، من أكثر من عشرة تلاميذ من الشعبة الصفية :

جاعوني استاذ ... جاعوني استاذ ... (في اشارة للتقتير أو البخل وتوفير الورق) ... 

لكن الحقيقة، مغايرة للسمعة، وكما يقول الناس فقد يكون "الصيت لهم والفعل لغيرهم". أصدقائي الجواعنة، الكثير منهم، إن لم أقل اغلبهم، اصحاب كرم، وشيم، وقيم، واخصهم المهندس زهير زيتوني، وابو علي عمايري، والمحامي نوح عمايري، وماجد ومحمد عم علي، ومحمد سيف، وفايز أبو عيد، ومحمود سلامة (أبو سلام) الرجل العتيق والخبير في الإعلام والتوجيه المعنوي في جيش التحرير ... وغيرهم...

قدم أهالي الجاعونة أعداد كبيرة من الشهداء، على رأسهم العقيد خالد الكوسى من أبطال حرب تشرين على جبهة الجولان في القطاع الشمالي، والنقيب ضرار الكوسى، والأخوة الأربعة الشهداء من عائلة شحادة، ومن بين الشهداء استذكر : سالم سالم، مرعي تميم، مروان نعيمي، صلاح نعيمي، ماهر عمايري، ابراهيم عمايري، محمد سلامة، سامر نعيمي، عبد اللطيف سالم ...

واخيراً، علينا أن نُشير لشارع الجاعونة، الواقع في المنتصف الشرقي لمخيم اليرموك، حيث شهد مجزرة حقيقية يوم الثاني من آب/اغسطس 2012، أودت بحياة 26 شهيداً من ابناء المخيم قبل دقائق من آذان المغرب في شهر رمضان الكريم، نتيجة سقوط قذيفتي هاون متتابعتين وسط الشارع.