عشيرة عرب السمنيّة
يطلق لفظ العرب عادة على العشائر البدوية العربية المتنقلة منها ، وتلك التي استقرت على أطراف بعض القرى الفلسطينية المتناثرة ، في بيوت حجرية اجتهدت من أجل بنائها ، وتملكت الاراضي ، وأخذ المكان اسمه منها . على تلّة صخرية تتميز بانحدارها الشديد ، وعلى مبعدة قرابة عشرين كيلومتراً شمال شرق قضاء عكا وعلى أرض مساحتها 1872 دونما تقع عشيرة السمنيّة وهي من اكبر عشائر قضاء عكا . تنحصر حدودها بين بلدة البصّة من الغرب وبلدة إقرث من الشرق ومن الجنوب يحدّها وادي القرن كما امتدّ وادي كركره ليكون حدوداً لها من الشمال . يقطع شارع من الاسفلت اراضي السمنيّة يربط بين البصّة وصفد ، ويمتد حتى رأس الناقورة على الحدود اللبنانية وصولاً الى مدينة عكا . كما يقطع أرض عرب السمنيّة طريق آخر يربط عكا بمدينة صفد . وبيوتها مبنية من الحجارة ، يربطها بالطريق العام الساحلي طريق ترابي يوصلها بعكا .
يعتمد السمنيون في حياتهم على تربية الحيوانات اضافة الى زراعة الحبوب واشجار الفاكهة كالتين والزيتون والتفاح والعنب . كما زاد اهتمامهم بالزراعة حين امتهنوا زراعة التبغ وتسويقه الى ( شركة الديك وقرمان ) للتبغ ، وشركة ( عبدالرحمن للتبغ ) في حيفا كما اضافوا لنشاطهم استخراج الفحم وبيعه ، كذلك الحليب و مشتقاته .
تتفرع من عشيرة عرب السمنيّة اربعة بطون :-
1) السراحنة ، وهم اكبر بطون السمنيّة ، وقد أقاموا في جالين و الصوانة و حواره .
أما عائلات السراحنة --;-- فهم : كلّم ، فاعور ، عقلة ، جمعة ، المحمود .
تعود ملكية معظم اراضي خربة عربين الى عشيرة السمنيّة . وتعود ملكية عين حور القريبة من عربين الى علي قيطان كلّم . والى خليفة جمعة ترجع ملكية مرج ادمث القريبة من عربين .
ان معظم اراضي الصوانة تعود ملكيتها الى عائلتي كلّم والهوشي .
وفي اراضي خربة الصوانة وخربة سُمح دفن السراحنة موتاهم كذلك في ارض الحوطة الى الشمال من مستوطنة إيلون قبل اقامتها عام 1938.
2) العطاعطا ، في جالين كانت إقامتهم ومناطق سكناهم .
يملكون أراضي وادي العطاعطا ويسمى (( خُر العطاعطا )) باللهجة البدوية ، ويمتد من خربة عربين إلى عين يارين في لبنان ، أمّا عائلاتهم فهي : حفيان ، الأحمد ، قاسم ، المحمد ، ابو خليل ، فاعور وهي عائلة غير عائلة آل فاعور من بطن السراحنة ، علوان ، يقيم قسم منهم في الاردن بشكل دائم وقسم في شفاعمرو في فلسطين ، شحادة ، الظريف هم الآن في ترشيحا قضاء عكا .
في الصوانة دفن العطاعطا موتاهم .
3) القريعات ، وكانوا يقيمون قرب معليّا وقرب معصوب ، أمّا عائلاتهم : الجعبوص ، الحسن ، الأسمر ( رباح المحمود).
4) المناصرة ، وكانوا يقيمون في الصوانة ، عائلات المناصرة : أبو سودة ( يقيمون في سوريا منذ زمن بشكل دائم ) ، الهوشي ، المحمد ، العلي ، الجسيم ( هم من عائلة الهوشي وبعد حصولهم على الجنسية اللبنانية صار اسم العائلة الجسيم في السجلات الرسمية ) . في الصوانة دفن القريعات موتاهم .
جدّ عرب السمنيّة يدعى خطّاب ، دُفن في علما الشعب في لبنان ، وتذكر بعض الروايات إنه دُفن في منطقة البطيشية على الحدود اللبنانية الجنوبية ، اغتيل مختارهم نايف الحسن عام 1948 في مروحين وفيها دفن .
ذكر الدكتور شكري عرّاف في كتابه(( بدو مرج ابن عامر )) صفحة 174 نقلاً عن (( عقل ، المفصل في تاريخ وادي عارة )) ما يلي : (( في مقابلة مع إيلياهو رجل الأمن في كيبوتس إيلون ، وقد أطلعني على دفاتر يومياته وتضم صوراً وتاريخ كل بدوي من عرب السمنيّة ، قال إن اليهود اجتمعوا بالقبائل البدوية المجاورة : عرب السمنيّة ، الهيب المرادات ، وعرب العرامشة وغيرهم في موقع الصوانة بهدف حث هؤلاء البدو على حسن الجوار خلال المعارك التي قد تنشب في عام 1947 وما بعده ، وكان ردّ نايف الحسن مختار عرب السمنيّة تهديداً لهم مع انتهاء الانتداب البريطاني وانهم سيلقون من البدو مصيراً أسود)) .
كان هذا الرد كافياً لاتخاذ قرار بترحيل عرب السمنيّة .
يقول احمد الناصر ( أبو حسين ) : في شهر أيار 1948 بدأ اليهود تنفيذ مخططهم لتهجير عشيرة عرب السمنيّة باطلاق النار عليهم فغادروا الى تربيخا وسكنوا بالقرب من ثكنة الجيش الانكليزي .
ثم نزحوا الى بلدة مروحين على الحدود اللبنانية الفلسطينية ، لكن أهل مروحين لم يستقبلوهم فسكنوا بالقوة وبالعناد .
بعدها عادوا ثانيةٍ الى جنوب بلدة إقرث شمال فسوطة ، ثم الى الصوانة لحصاد ما تبقى من القمح . وعندما بدأت المعارك بين اليهود وجيش الانقاذ وبسبب الضغط اليهودي نزحوا ثانية الى بلدة شيحين اواخر تشرين اول 1948 واستقبلهم السيد عبدالله صفي الدين احد وجهاء بلدة شيحين . اجتمع شمل جميع السمنيين في منطقة شيحين الواقعة على الحدود اللبنانية الفلسطينية ، وفي العام 1950 قام الجيش اللبناني باحصاء العشيرة حيث اجبر ابناءها بعد ذلك على الرحيل عن الحدود الفلسطينية بالقوة الى داخل الاراضي اللبنانية .
كما ذكر عبدالله كلّم (ابو علي) في مقابلة اجريتها معه بتاريخ 5 حزيران 2003 عن كيفية خروجهم من ارضهم في فلسطين ، تحدّث : خرجنا من فلسطين بعد المجازر الى يارين في لبنان والى الاسكندرونه ولا بد أن اذكر بأن الجيش اللبناني هو الذي ادخلنا الاراضي اللبنانية ولكنه تركنا في العراء حيث سكنا الكهوف حول منطقة شمع . اضطررنا بعدها الى عمل شوادر وتخاشيب من الصفيح في اراضي القرى اللبنانية . كانت معاملة اهل القرى حسنة وبعد الاسكندرونه انتقلنا الى بلدة الحنيّة وقسم ذهب الى بلدة القليلة والعزيّة . توفى والدي محمود في الحنيّة عام 1966 ودفن في مقبرتها ، تركت وفاته اثراً في نفسي . كانت امي عليّا جمعة قد سبقته في الوفاة في عام 1947 في فلسطين ودفنت في مقبرة خربة جالين . اما اصدقاء طفولتي في فلسطين ، فهم : مصطفى حمود فاعور ، محمد حمود فاعور ، احمد فهد الموسى وقد ماتوا جميعاً ودفنوا في ارض فلسطين .
في 30 تشرين اول 1948 تم احتلال ارض عرب السمنيّة إثر عملية (( بيفتاح )) من ضمن مخطط احتلال الجليل وتهجير سكانها الى منطقة عرب العرامشة في إدمث وعربين ، وقسم آخر منهم الى الدول العربية المجاورة ( سوريا ، لبنان ، الأردن ) حيث أقاموا على أنقاضها مستعمرة (( يعرا )) سنة 1950 . وفي التاريخ ذاته ارتكبت قوات الاحتلال الصهيوني مذبحة اخرى بحقهم في منطقة (( سويجيرة )) ، وهي تلة مرتفعة قليلا يحتضنها سهل المناوات الى الغرب من بلدة ترشيحا في قضاء عكا شمال فلسطين ، وعرفت باسم مجزرة عرب السمنيّة .
وبعد عام 1948 يعيش قسم من عشيرة عرب السمنيّة في فلسطين في بعض أحياء شفاعمرو : -
1) آل علوان ، في حي عثمان .
2) آل عقلة ، في حي سركيس .
كما يعيش قسم من السمنيين من آل شتيوي في قرية عبلين كذلك يقيم آل الظريف وآل حمود مصطفى فاعور في ترشيحا ، وعائلة فزع في الصوانّة .
في عام 1955 وحسب ما تذكر الروايات ان احمد فهد الموسى ( من الخوالد ، حسب ما اوردته بعض الروايات ) انتقل الى معليا وسكن هناك حتى العام 1964 . انتقل بعدها الى ترشيحا واستقرّ في احد بيوت التراشحة الغائبين ، لكنه غادرها الى حيث تقيم عشيرة زوجته العرموشية في بلدة عرب العرامشة ، اثر مقتل ولده عبدالرحمن في ترشيحا .
وقد اعطي له نصف دونم ليبني داراً عليها مقابل عشرة دونمات كانت ملكيته في موقع جالين الشرقية .
الناظر إلى حيث كانت تقيم عشيرة عرب السمنيّة لا تقع عينه اليوم إلا على بقايا اطلال واكوام اتربة وكدس حجاره . لم يبق من مَعْلَم الامس الذاهب سدىً سوى قاعاً بلقعاً ومأوىً للبوم والغربان تنعي سكانها صباح مساء .
الشاهد الحي الوحيد الذي يذكّر العابرين بهذا المكان ويعيد الى الذاكرة المأساة بكل فصولها وحيثياتها هو جلالي التين واشجار الزيتون والعنب تحكي للصغار الذين سيكبرون في ظل آلة الحرب تاريخ ومسيرة اولئك الشرفاء الذين تمسكوا بالارض ورووا عطشترابها من دمهم .