صَرَفَنْد العَمَار

أحتلت بتاريخ 1948-05-19 - ( 28298 يوم )

معلومات عامة عن صَرَفَنْد العَمَار - قضاء الرملة

قرية فلسطينية مُهَجّرة كانت مبنية على رقعةٍ مستويةٍ في السهلِ الساحليِّ الأوسط على بُعدِ 5كم شمال غربي مدينة الرملة، وعلى ارتفاع لا يزيد عن 50م عن مستوى سطح البحر.

بلغت مساحتها المبنية حوالي 36 دونم من مجمل مساحة أراضيها البالغة 13267 دونم.

سقطتْ صرفند العَمار ليل 19 أيار/ مايو 1948 بيد الكتيبة الثانية من "لواء جفعاتي" في سياق عملية  "بَراك"

وتدل المدافن والصهاريج الأثرية في موقع القرية على أنها كانت معمورة في الماضي. وكان إلى جوار القرية بعض المرافق العامة، كملجأ الرجاء للأيتام لإيواء أبناء الفلسطينيين الذين استشهدوا في ثورة 1936-1939 ضد البريطانيين، والمحطة الزراعية والمشفى الحكومي، وقد أنشأت سلطة الانتداب البريطاني معتقلاً بجوار القرية لاعتقال المناضلين الفلسطينيين، بالإضافة إلى معسكر الجيش والذي تم استخدامه في بعد كقاعدة برية وجوية لقوات الاحتلال الصهيونية. وكانت القرية مشهورة بكثرة المقاهي، أشهرها قهوة مصطفى عمارة، قهوة يوسف نوفل، وقهوة شاكر العطار والقهوة الصفراء (على الطريق العام)، والتي كانت تحتوي على راديوهات كبيرة، فيجتمع أهل البلد، وكذلك الغرباء، يتسامرون ويعرفوا الأخبار العامة والسياسية، كما كان لديهم فريق لكرة القدم قوي ومشهور.

أسماء أشهر عائلات صرفند العمار: 

  • عائلة الحاج: الحاج: وأفخادها: حمدان، الهبلي، أمونة، دردس، حمودة، الزبيط، المصري
  •  عائلة حماد وأفخادها: نوفل وبرهم وعودة
  • عائلة عبد الرحيم وأفخادها: عليان والجاروشي
  • عائلة محمود علي وأفخادها: العلي ودريع
  • عائلة الكدش وأفخادها: حمو والنوش
  • عائلة الجحيش وأفخادها: راغب وسكرية وخريبة
  • عائلة العطار
  • عائلة أبو السعود
  • عائلة الغول
  • عائلة أبو جزر
  • عائلة سند
  • عائلة الرفاعي
  • عائلة نجم
  • عائلة الحضري
  • عائلة طرخان
  • عائلة أبو سنديان

يمكننا ان نلخص الوضع الاقتصادي للقرية فيما يلي:

  1. كانت الزراعة أبرز الأنشطة الاقتصادية في القرية حيث بلغت مساحة الأراضي التابعة لصرفند العمار 13267 دونماً، منها 565 دونماً للطرق والأودية.. حيث تتميز أراضيها بخصوبة تربتها التي تنتمي إلى تربة البحر المتوسط الطفالية الحمراء، وتشتهر فيها زراعة الحمضيات، وقد شغلت مساحة 3770 دونماً.
  2. زرعت أشجار الزيتون في 120 دونما، وتزرع حول القرية مختلف أنواع الخضر والحبوب كالقمح والشعير والسمسم والفاكهة، والعديد من البساتين. 
  3. كانت الزراعة تعتمد على الأمطار ومياه الآبار التي تروي البساتين خاصة.
  4. بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل. 
  5. كان كثير من سكان القرية يعملون في معسكر الجيش الإنجليزي مما أكسبهم إتقان اللغة الإنجليزية تحدثاً. 
  6. كان هناك بعض الحرف البسيطة كالنجارة والخياطة والتطريز للبنات.
  7. كان أهالي القرية يعتمدون على الكيروسين للإنارة (اللمبة أو اللوكس)، ومخابز القرية.
  8. استخدموا أفران الطين (الطابون) للخبز والطبخ، وكانوا يستعملون الحطب لذلك من أشجار بياراتهم.
  9. كان يتم توفير مياه الشرب للسكان من خلال الآبار الارتوازية. أو الآبار الخاصة في البيارات.

أسست سلطات الاحتلال على أراضي قرية صرفند العمار مستوطنتين منذ احتلالها:

"مستعمرة تسريفيين" عام 1949

"مستعمرة نير تسفي" عام 1954

كان في القرية مدرستان ابتدائيتان، إحداهما للبنين والأخرى للبنات، أسست مدرسة البنين عام 1921 اكتملت في العام الدراسي1946/1947 وكان يؤمها في ذلك الوقت 292 تلميذاً، ثم الحق بها أربعة عشر دونماً لأغراض التدريب الزراعي. أما مدرسة البنات فقد أُسست عام1947 والتحق بها 50 تلميذة.

عملية باراك وما رافقها من عمليات ضد أهالي صرفند

تعرضت قرية صرفند العمار للكثير من الحملات التفتيشية التي كان يشنها الصهاينة بدعم من الجنود الانجليز، حيث يقومون بتفتيش البيوت وتخريب محتوياتها بحثاً عن أي شيء يمكن أن يدين رجالها، وفي هذا السياق تروي الحاجة غالية العطار وتقول: "كان الجنود يدخلون القرية كل يومين أو ثلاثة لتفتيشها، فيعمل أهالي القرية على إخفاء ما يمكن أن يسبب لهم المشاكل، من كانت لديها سكين تخبئها، ومن يملك رصاصة يخفيها، وعندما لا يجد الجنود شيء في الدور يقومون بتخريب محتويات المنزل، فيسكبوا الدقيق على الزيت، والزيت على العدس...ويقوموا بتكسير الأبواب والنوافذ"، ثم تلا ذلك العديد من الهجمات المباشرة منها:

  1. عبوات ناسفة في قاعدة الجيش:

في صباح 2 كانون الثاني/يناير 1948، اكتشف العاملون من العرب في قاعدة الجيش البريطاني الضخمة في صرفند العمار، اثنتي عشرة عبوة، كانت مؤقتة كي تنفجر ظهراً، عندما يصطف هؤلاء العمال لقبض رواتبهم الأسبوعية. وقد لاحظت صحيفة (فلسطين) أن أياً من العمال الصهاينة لم يحضر إلى القاعدة للعمل في ذلك اليوم، لافتة النظر إلى أن الجماعات الصهيونية المسؤولة عن العملية كانت حذرتهم. [2]

  1. اعتداء في المقهى

في فترة ما بعد ظهر يوم 19 كانون الثاني/يناير 1948، مر ثلاثة في سيارة يهودية بمقهى عربي في الصرفند وأطلقوا الرصاص على من فيه، فقتلوا رجلا وجرحوا ستة آخرين[3].

  1. تدمير مبنى للمقاومة

في 15 نيسان/ أبريل 1948, شنت مجموعة من لغامي الهاغاناه غارة على صرفند العمار. وقد توغل المهاجمون في عمق الأراضي العربية- استنادا إلى رواية لصحيفة نيويورك تايمز ودمروا بناء مؤلفاً من ثلاث طبقات. وذكرت السلطات البريطانية أن 16 شخصاً قد قتلوا تحت أنقاض البناء، وأن 12 جرحوا. أما المهاجمون فقد زعموا، في بيان أصدروه أن البناء كان يستعمله مجاهدون تابعون للشيخ حسن سلامة، قائد منطقة يافا- الرملة- اللد- غزة، وأن 39 شخصا قتلوا في الغارة. [4] كما ذكر أن المقاتلين كانوا قد وصلوا إلى المكان بعد منتصف الليل، واقتحموا السور، وفتحت وحدات المشاغلة النار على نوافذ المبنى المضاءة، مما جعل العرب يردوا بنيران قوية، وفي هذه الأثناء تسللت وحدة الاقتحام إلى ساحة المبنى وأدخل عشرون مقاتلاً 400 كلغ *T.N.T جلبوها معهم وشرعوا بوضعها في اماكنها مما تسبب بتفجير وانهيار المبنى على من فيه، إلا أن القائد نفسه لم يكن في المبنى تلك الليلة.[5] وفي هذا السياق يذكر د. محمد الهبلي ما كان يسمعه من والده: "كان هناك مبنى يسمى الملجأ، وكان يستعمله المقاومون بقيادة حسن سلامة، وفي أحد الأيام تمكنت العصابات الصهيونية من التسلل، وقامت بنسف هذا المبنى مما أدى إلى استشهاد العديد من الرجال، فكانت هذه العملية نقطة تحول في حياة أهالي صرفند حيث شعروا بالتهديد والخطر لقرب موقع العملية من قلب القرية، فقام عدد كبير منهم بالرحيل إلى اللد، ومن بينهم والدي الذي أخذنا مع الوالدة، حيث كان يرى أنه ان تأخرنا بالرحيل، فسيأتي يوم نرحل به سيراً بدلاً من أن نرحل راكبين، وطلب من أخيه ووالده أن يذهبوا معه، لكنهم رفضوا وآثروا البقاء، حتى جاء اليوم الذي توقعه والدي واضطروا للرحيل سيراً على الأقدام" [6]

 

  1. عملية باراك

منذ النصف الأول من شهر أيار /مايو 1948 شرع لواء غفعاتي في الاعداد لعملية (باراك) والتي قاموا من خلالها بعمليات تطهير عرقي في منطقة الرملة وضواحيها، حيث قامت الكتيبة الثانية من لواء غفعاتي في 19-20 مايو، وفي سياق عملية باراك باحتلال معسكر صرفند، فعندما غادر الجيش البريطاني فلسطين، في منتصف أيار/ مايو، سمح للقوات العربية باستلام القاعدة العسكرية التي كانت تشغل مساحة تقارب 500 أكر. وقد نقلت نيويورك تايمز عن وزير خارجية الاحتلال، موشيه شرتوك (شاريت)، قوله: "إن المؤسسات اليهودية ابتاعت القاعدة، وإنها سلمت على الرغم من ذلك إلى العرب". واستنادا إلى تاريخ حرب الاستقلال فقد سلم الموقع إلى القوات العربية في 14 أيار/ مايو. ولقد طردت القوة العربية شبه النظامية الصغيرة المرابطة هناك بعد خمسة أيام، نتيجة هجوم ذي شعبتين شن عليها من الشمال ومن الجنوب الشرقي، ذلك بأن تشكيلة الدفاع لدى تلك القوة العربية لم تكن معدة إلا لهجوم من مستعمرة ريشون لتسيون المجاورة (إلى جهة الغرب). ونقلت وكالة إسوشييتد برس، عن مصادر صهيونية لم تفصح عن اسمها، أن الصهيونيين وفروا 2,5 مليون دولار بالاستيلاء على تلك القاعدة، وهو المبلغ الذي كانوا عرضوه، فيما روي، (ولم يدفعوه قط) ثمناً للقاعدة، وقد أعلنت المصادر عينها أنها تأمل بالاستفادة من أبنية القاعدة لإيواء 20000 مهاجر يهودي جديد. ومن المحتمل أن يكون سكان القرية قد فروا أو طردوا في الوقت نفسه.

  1. عملية داني

لم تكتفي العصابات الصهيونية وجنود الاحتلال بما قاموا به من عمليات على أهالي الرملة بشكل عام وصرفند بشكل خاص، فقاموا بوضع خطة عسكرية بهدف احتلال مدينتي اللد والرملة عرفت باسم (عملية داني)، حيث احتلت المدينتين والقرى المحيطة بها يوم 8-9 تموز/يوليو1948، وطرد 60-70الف شخص منهما بأوامر مباشرة من اسحق رابين وبموافقة بن غوريون، وفي يوم 11 تموز/يوليو شنت قوات الاحتلال هجوما من جهة الشرق، وتم قصف المدينتين بمدافع المورتر والطائرات قصفاً شديداً، كما تعرض سكان قرية صرفند والذين التجأوا إلى مسجد اللد، مع بعض سكان القرى الأخرى إلى مجزرة، عرفت باسم مجزرة اللد أو مجزرة مسجد اللد، حيث تم اطلاق النار على المدنيين في الشوارع دون تمييز، وقتل كل من لجأ إلى مسجد دهمش (مسجد اللد)، وبلغ عدد القتلى وفق المصادر إلى 426 شخص، منهم 167 قتلوا داخل المسجد، وطرد السكان تحت فوهات البنادق في حر تموز/يوليو أثناء شهر رمضان، مما تسبب بسقوط الكثير من المسنون والأطفال صرعى العطش. ونهب جنود الاحتلال النقود وحلي النساء وكل ما هو ذا قيمة. [9] يقول الدكتور محمد الهبلي " رحل معظم أهالي صرفند بعد قصف الملجأ إلى اللد، فقام الصهاينة بقصف اللد وجامعها بالطائرات، واستشهد عدد كبير، مما أجبر الناس على النزوح والهجرة مجدداً إلى مناطق أخرى أكثر أماناً.. فكانوا كلما وصل أو اقترب جنود الاحتلال من المنطقة التي هم فيها رحلوا إلى منطقة أخرى."

كثيراً ما يحدث لبس لدى البعض حين يسمعون اسم صرفند العمار وصرفند الخراب، حيث يظنون أنهما شيء واحد، وإنما سميت بالخراب بسبب الحرب والتدمير والتهجير والتطهير العرقي الذي مورس عليها عام 1948. لكن في الواقع قرية صرفند الخراب هي قرية مختلفة تماماً عن قرية صرفند العمار، حيث تقع على بعد 6 كم غرب الرملة، وعلى بعد 3 كم جنوب غرب صرفند العمار.

سميت بالخراب لأن الإنكليز أحرقوها في العشرينات انتقاماً لقتل أهالي القرية لبعض الجنود البريطانيين السكارى، الذي دخلوا واعتدوا على حرمة القرية. وتشتت كثير من أهلها على أثر هذه الحادثة المفجعة في القرى العربية المجاورة. وقد عرفت في الماضي أيضاً باسم صرفند الصغرى، تمييزاً لها من قرية صرفند الكبرى. لكن عادت القرية وأهلت بالسكان، وأعيد بناؤها، حيث كانت منازلها على هيئة صفوف متلاصقة، مبنية من الطين أو الاسمنت. وقد عد موقع قرية صرفند الخراب استناداً إلى بعض البقايا المعمارية المميزة (كالأقبية) الموجودة فيها، مطابقاً لموقع صليبي مجهول الاسم.

احتلالها ووضعها اليوم

يشير المؤرخ الإسرائيلي بني موريس إلى أن السكان فروا في 20 نيسان 1948 خوفاً من هجوم إسرائيلي. فقبل أسبوع من ذلك التاريخ نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مصادر يهودية قولها إن احدى وحدات الصهاينة قامت بضربة في عمق الأراضي العربية، وفجرت 223 منزلاً عند مشارف الرملة وقريتين مجاورتين لها. وربما ساهمت عملية نحشون التي نفذها لواء غفعاتي، وأدت إلى مجزرة دير ياسين في 9 نيسان، في مغادرة السكان. لكن ربما لم تقع القرية فعلياً تحت الاحتلال الإسرائيلي إلا في أواسط أيار/ مايو، تقريباً وقت احتلال شقيقتها صرفند العمار.   

دمر القسم الأكبر من القرية بعد أن احتل الصهاينة صرفند الخراب عام 1948، وطردوا سكانها منها. ومع ذلك بقيت عدة منازل قائمة: يقيم في ستة منها لا أكثر عائلات يهودية. ولمعظم هذه البيوت سقوف على شكل الجملون، وأبواب ونوافذ مستطيلة الشكل، ومنها منزل ذو طبقتين وسقف مائل، أما المدرسة فيؤمها التلامذة الإسرائيليون.  ويستغل أراضي القرية سكان المستعمرات الصهيونية المجاورة، إذ تقع مستعمرة وادي حنين” على بعد 3 كم جنوبي القرية، ومستعمرة ريشون لتسيون (عيون قارة) على مسافة كيلومترين شمالها، وإلى الشرق منها تقع مستعمرة بير يعقوب، في حين تقع إلى الغرب منها مستعمرة بيت حنان”.

كان أهالي قرية صرفند العمار محافظين يشتهرون بالطيبة والتسامح، يكرمون ضيفهم ويغيثون الملهوف، كانوا جميعاً كالجسد الواحد تجمعهم روابط وعلاقات اجتماعية قوية تتجلى بوضوح في أفراحهم وأتراحهم. فمثلاً: كان كل أهالي صرفند العمار يشاركون أهل الفرح فرحتهم، حيث يقوم الشباب بممارسة الدبكة مع الموسيقى أمام زفة العريس، أما العروس عندما تزف لعريسها فتركب حصاناً مزيناً، بمساعدة والدها، بعد أن يتم تغطيتها بعباءة والدها أو خالها، وترتدي تحت العباءة ثوباً باللون الأبيض عليه تطريز ذي ألوان زاهية، تطور فيما بعد ليصبح فستاناً أبيضاً مع الطرحة البيضاء، وتقوم العروس بخياطة سبع فساتين بألوان مختلفة، لترتديها خلال أيام الاحتفال، والتي قد تمتد لسبعة أيامٍ بلياليها، حيث تقوم النساء بإحياء الأفراح بالرقص والزغاريد، حول الحصان حتى بيت العريس، وتبكي العروس لفراق بيت والدها حتى وصولها بيت العريس، رغم أن من عاداتهم في الزواج أن العروس لا تستشار ولا يؤخذ برأيها، فالقرار لوالدها وما عليها سوى السمع والطاعة، وعندما تصل بيت العريس تعطى العروس مسدساً وتطلق رصاصتين في الهواء، كإعلان بداية الحياة الزوجية، وتدخل النساء ولا يسمح بدخول الرجال، لتبدأ حفلة النساء بجلوة العروس.

أما في أتراحهم فكان كل أهل القرية يشاركون أهل الميت ويساندون بعضهم مهما كانت التزاماتهم في أعمالهم، حتى أن الغريب عن القرية لا يعرف من هو المصاب.

الأكلات الشعبية:

هناك العديد من الأكلات الشعبية التي تشتهر بها القرية وخاصة في الأعراس مثل الجريشة، والمفتول، حيث تجتمع نساء القرية لتنجز كميات كبيرة لتكفي جميع الضيوف.

المواسم: 

كان أهل القرية يذهبون جماعات في موسم النبي صالح والنبي روبين، وسيدنا علي. وفي الحج إما عن طريق الجمال أو عن طريق اللد بالقطار إلى القنطرة بالسويس ثم بالسفينة إلى جدة، رحلة تمتد إلى ثلاثة شهور.

كيف خرج أهالي القرية

نمط التهجير

كان نمط الطرد والتطهير العرقي متشابهاً في كل مكان في فلسطين، لا يختلف باختلاف المنطقة أو التاريخ أو الكتيبة التي هاجمت القرية، فقد أكدت معظم الأبحاث وجميع الشهادات الشفهية التي أفاد بها اللاجئون في مختلف الأوقات والمناطق، تكرار نفس النمط، [1]  وهو ما حدث أيضاً في قرية صرفند العمار (لمن تبقى في القرية ولم يخرج منها مسبقاً)، حيث كان يجري جمع القرويين في ساحة القرية الرئيسة أو في حقل مجاور في مجموعتين منفصلتين: الرجال ضمن الأعمار 15-50 عاماً، والنساء والأطفال والمسنون، وكان جنود الاحتلال يحيطون بالقرية من ثلاثة اتجاهات، تاركين الاتجاه الرابع مفتوحاً للهرب أو الطرد في الاتجاه الذي يريدونه، كما كان يجري تجريد النساء من حليهن ومقتنياتهن الثمينة، ومن ثم يؤمرون بالسير باتجاه الفتحة دون الالتفات إلى الخلف، وكانت النيران تطلق فوق رؤوسهن لحثهن على الإسراع في الهرب.

أما الرجال فكان يجري إيقافهم في صف ليستعرضهم رجل مغطى الرأس، وغالباً ما يتم أخذ مجموعات مؤلفة من أربع شبان أو أكثر ويؤمرون بحفر قبورهم، ومن ثم يطلق عليهم النار ويرمون في الحفر[2]. يروي الدكتور محمد الهبلي ما سمعه عن والده فيقول: " قام الصهاينة بجمع الرجال والشباب في مجموعة، والنساء في مجموعة أخرى، وتم أخذ الأموال والذهب منهن، وأمر الرجال بأن يقفوا صفاً لساعات طويلة ثم أطلقوا النيران على بعض الرجال... وفي وقت آخر أخذوا مجموعة من الرجال إلى شاطئ البحر وتركوهم تحت الشمس لساعات طويلة ثم قاموا بإطلاق النيران عليهم، وكان والدي من بينهم فرمى نفسه بين الجثث ومثل الموت على أمل النجاة، ولحسن حظه انهم لم يتأكدوا من موت الجميع، بل اطلقوا النيران وانصرفوا، فلما تأكد من ذهابهم نهض وهو يتلفت حوله، واستطاع إنقاذ رجلين ممن أطلقت عليهم النيران من الموت، وذلك بمساعدة رجل آخر..." [3]

شهادات حية

تروي الحاجّة (غالية العطار) تجربتها في الهجرة قائلة:" كان جنود الاحتلال يقوموا بالهجوم على القرية باستمرار، وكنا قد سمعنا عن مذبحة دير ياسين وارتعبنا خوفاً، كانت ابنتي على يدي وعمرها شهرين، ولم أكن اعلم أين زوجي، فهربت مع أم زوجي إلى الحقول والبيارات، ثم ذهبنا إلى اللد، كما هرب العديد من أهالي البلد معنا إلى اللد أو إلى الرملة والمناطق القريبة، كنا ننام في كروم الزيتون على التراب وبين الأشجار، لا يسترنا سوى قطعة قماش أو أكياس الطحين والسكر الخيش، والتي كنا نخيطها ببعضها ونضعها كساتر بيننا وبين غيرنا من المهاجرين، وبقينا في اللد قرابة الشهرين، توفيت اثناؤهما ابنتي، ولم أعرف حتى أين دفنت، حيث أخذها الرجال ودفنوها في الجوار" [4] .

وعن خروجهم من اللد تروي العطار: "في أحد الأيام جاءنا أحد الرجال الكبار من دير عمار يدعى محمود رمضان وكان بيننا نسب، وطلب من أم زوجي أن تذهب بنا إلى الجبال قائلاً "خلال يومين ستسقط اللد والرملة"، وكان هناك هدنة بين العرب واليهود، لكن أم زوجي اتفقت مع ثلاث او اربع عائلات من أهل صرفند وطلبوا من الحاج محمد أبو طوق أن يوصلهم إلى بيرزيت، لكن قبل أن يصلوا إلى نهاية اللد، اوقفوهم اهل اللد واتهموهم بالخيانة والجاسوسية، وذلك لأنهم لا يريدونهم ان يخرجوا من اللد ويبقوا وحدهم، لكنهم تمكنوا أخيرا من الخروج ووصلوا إلى بيرزيت بعد طريق طويل ومتعب وجوع شديد، حيث هجموا على الحقول والبيارات ليأكلوا أي شيء يجدوه حتى لو لم يكن ناضجاً من شدة جوعهم، وبعد عدة أيام وصلت أفواج  من أهل البلد وأهالي الرملة واللد إلى بيرزيت بعد هجوم الاحتلال على اللد والرملة مما اضطرهم إلى المسير ثلاثة أيام عبر الجبال، بسبب عدم توفر أي وسيلة مواصلات".

ويصف آخرون مشهد الهروب من اللد بأن الناس كانوا يخرجون أفواج كل في اتجاه، وهناك عائلات لاحقتها قوات الاحتلال ورمت عليهم القنابل الحارقة، لتموت العائلة بكاملها، حيث كان الطريق مليء بالجثث، وكانوا يمشون مسافات طويلة دون طعام أو ماء فيموت كثير منهم على الطريق. وتؤكد ذلك رواية السيدة سلوى العطار والتي سمعتها من والدتها فتقول" كانت الهجرة عن طريق الجبال والطرق الوعرة، حيث ساروا لمدة ثلاثة أيام متواصلة في الحر الشديد، وكان خالي المقعد يبلغ من العمر حينها 10 سنوات، وكان جدي يحمله على ظهره أثناء سيره طول الطريق، وبلغ به التعب والجهد ما جعله يفقد الوعي، وكان معهم امرأة تحمل جرة ماءٍ على رأسها، فطلبت جدتي منها بعض الماء لجدي، لكنها رفضت فاقتتلتا على الماء حتى وقعت الجرة وكسرت ولم يبقى فيها الا بعض الماء الذي اخذته جدتي وسقته لجدي، وفي تلك الاثناء ماتت طفلة صغيرة كانت مع والدها من شدة الحر والعطش". وفي رواية أخرى تذكر سلوى العطار أن عم زوجها ع. أمونة، ماتت ابنته الرضيعة أثناء سيرهم وهجرتهم، ولم يتمكنوا حتى من دفنها، فتركوها على جانب الطريق بعد أن غطوها بالصخور كما سمعت منهم.

أما الحاج (محمد عبد الرحيم) فيروي معاناتهم، حيث عائلته كانت من اوائل من هاجر إلى "عقبة جبر" قبل نصب الخيام فيقول: " انتقلنا من اللد إلى عابود ثم مخيم عقبة جبر3 *، ولم يكن هناك خيام، فصنع كل شخص لنفسه (خُص) من الخيش والخشب، وفي الشتاء نصبت الخيام، لكن عدد الناس كان أكثر من عدد الخيام، فكانوا يضعون كل عائلتين أو ثلاث في خيمة واحدة، وكانت طبيعة الارض حجرية وقاسية، والماء متوفر لكنه بعيد عنا نوعاً ما، مما زاد من معاناتنا، ولم يكن هناك مكان للعلاج، الا خيمة نصبوها بعد مدة وكان يديرها طبيب مصري يعطي نفس الدواء لأي مرض أو عارض".

نهب المدينة وسرقة الأهالي

ومن المعروف أن مدينتي اللد والرملة وما يحيط بهما من قرى، كانتا قبل النكبة من المناطق التي تكثر بها الأموال وينتشر الخير، مما زاد من رغبة الصهاينة في السيطرة عليهما، حيث يذكر بن غوريون في يومياته ويقول: "ذهبت إلى الرملة واللد، ومحطة القطار في اللد، وبيت نبالا. شاهدت ثراءً فاحشاً يجب إنقاذه قبل فوات الأوان"، ويؤكد هذا سلمان أبو ستة حين قال" جرت أعمال نهب جماعية في مئات المدن والقرى التي أخليت من سكانها في اعقاب الهجمات العسكرية مباشرة لا سيما في مدن حيفا ويافا واللد والرملة وطبرية والقدس كانت المجموعة الثانية من الناهبين هم ضباط الجيش الذين استداروا بدباباتهم وشاحناتهم عائدين إلى المنازل والمخازن والورش وبدأوا بتحميل محتوياتها، لكن الغنيمة الكبيرة كانت مدينتي اللد والرملة.

يقول بن غوريون: أخذ ضابط كتيبته الخامسة إلى الرملة للنهب"، وتؤكد ذلك السيدة سلوى العطار فتقول ما سمعته من والدتها: " أثناء الهجرة والتنقل من مكان لمكان، كنا نتعرض للتفتيش من قبل جنود الاحتلال، فكانوا يوقفون النساء في صفوفٍ، ويقومون بتفتيشهن وأخذ ما يملكن من أموالٍ أو ذهب، ومن ينتهوا من تفتيشها يجعلوها تنتقل إلى صفٍ آخر، وكانت جدتي طويلة مقارنة بغيرها، فتمكنت من رؤية ما يفعلوه وهم مازالوا بعيدا عنها، فانتقلت إلى الصف الآخر دون أن ينتبه لها أحد، واستطاعت النفاذ بذهبها".

تشتت أهالي صرفند العمار وتفرقوا بعد ان كانوا كالعائلة الواحدة بسبب الهجرة والنزوح، فمنهم من ذهب إلى قرية عابود، وهناك من ذهب إلى بيرزيت، أو جفنة أو كوبر أو بيت ساحور، وما يقارب ثلث أهالي صرفند، خاصة ميسوري الحال انتقل إلى غزة، لكن الأغلبية ذهبوا إلى مخيم عقبة جبر القريب من أريحا. 

.

أما د. محمد الهبلي فيروي رحلة شتاتهم كما أخبره بها والده: "خرجنا من صرفند إلى اللد ثم جفنة، لكنها كانت شديدة البرودة فانتقلنا إلى بيرزيت، ثم استقر بنا الرأي ان نذهب لمنطقة ساحلية وليست جبلية تكون أجواؤها قريبة لأجواء صرفند، فذهبنا إلى قطاع غزة واستقرينا وعائلة عمي في البريج اولاً، ثم انتقل والدي إلى رفح، حيث جلسنا في خيام، وبعدها نقلولنا إلى مخيم البرازيل، بعد ذلك فكر والدي وعمي بالذهاب إلى الاردن، وبالفعل تمكن عمي وجدي من التسلل عبر خط الهدنة إلى الضفة الغربية فالأردن، أما والدي فقد تم اعتقاله فترة من الزمن، حتى تمكن من الهرب منهم بطريقة ما، وعاد إلى رفح وبقي فيها إلى أن مات".

توزع أهالي الرملة بشكل عام ما بين مناطق عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الخمسة، فهناك من ذهب إلى الضفة الغربية والاردن وقطاع غزة وهناك من وصل إلى سورية ولبنان وحلب، فمثلاً الذين هاجروا للقطاع من صرفند، استقروا مابين مخيم البريج ومخيم النصيرات ومخيم خان يونس ومخيم دير البلح. 

واستمر أهالي صرفند في التنقل والهجرة إلى يومنا هذا فكثير منهم استقر في الاردن، كعائلة المرحوم جاهد الهبلي الذي عاش في قطر مدة من الزمن ثم عاد إلى الأردن، وعائلة أمونة والحاج ودردس، ومنهم من انتقل إلى السعودية مثل المرحوم عبد الحفيظ طلب العطار، وبعض افراد عائلتي الهبلي وسند، أو إلى قطر مثل د. محمد عبد اللطيف الهبلي، عبد الحليم موسى الهبلي وكمال العطار، ومنهم من وصل إلى استراليا مثل د. محمد الهبلي، او إلى امريكا مثل نبيل العطار وبعض افراد عائلة الغول.

كغيرها من القرى المحيطة بالرملة، تم نهب كل ما يمكن نهبه، كما تم تدمير قرية صرفند العمار بالكامل، حتى مسجد القرية الوحيد، والذي يعود للعهد العمري، وتم إعادة بنائه في العشرينات في العهد العثماني من حجارة قرية عنابة، فلم يسلم منهم وقاموا بهدم أجزاء منه، وبات الموقع الذي يحتوي على ما يمكن اعتباره أكبر معسكر لجيش الاحتلال، وعلى قاعدة جوية، يعد منطقة عسكرية مغلقة.

ولم يبق من القرية إلا ستة منازل، معظمها مهجور، غير أن الصهاينة يشغلون منها منزلاً أو منزلين، بعد أن أكملوا طرد سكانها، وتطهيرها عرقيا بالكامل. أما الأراضي المحيطة، فيزرعها الصهاينة.

المصادر والمراجع

المراجع العربية:

  1. أبو ستة، سلمان. (2013).  فلسطين الحقوق لا تزول. ط. الأولى. لندن: هيئة أرض فلسطين.

  2. بالومبو، ميخائيل.(1990). كيف طرد الفلسطينيين من ديارهم عام 1948. ط.الأولى. بيروت: دار الحمراء للطباعة والنشر.

  3. بن غوريون، ديفيد.(1993). يوميات الحرب 1947-1949. ط. الأولى. (تر.سمير جبور). بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

  4. تمراز، سعيد جميل. (د.ت.). طرد الفلسطينيين في الفكر والممارسة الصهيونية. (د.م.): دروب للنشر والتوزيع.

  5. جرار، حسني أدهم (2008).. نكبة فلسطين 1947-1948 مؤامرات وتضحياتعمان: دار المأمون للنشر والتوزيع.

  6. الخالدي، وليد. (2001). كي لا ننسى قرى فلسطين التي دمرتها اسرائيل سنة 1984 وأسماء شهدائها. ط. العربية. (د.م.). مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

  7. الدباغ، مصطفى مراد. (1991). بلادنا فلسطين. (مج.الرابع). كفر قرع: دار الهدى

  8. زكارنه، كمال، و أبو حليمة، جمانة. (2016). شاهد على النكبة: شاهد احتلال، شهادات حية. الأردن: دار أمجد للنشر والتوزيع.

  9. العارف، عارف. (2007). النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود (مج.الثالث). (د.م). دار الهدى.

  10. العالول، إسلام. (2019). محطات فاصلة في تاريخ فلسطين القديم والحديث. ط. الأولى. عمان: دار المشكاة للنشر والتوزيع.

  11. مؤسسة الدراسات الفلسطينية . (1984). حرب فلسطين1947-1948 الرواية الاسرائيلية الرسمية. (ط. الأولى). (تر.أحمد خليفة). قبرص: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

  12. مصالحه، نور الدين. (1992). طرد الفلسطينيين مفهوم الترانسفير في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882-1948. ط. الأولى. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. 

  13. هيئة الموسوعة الفلسطينية. (1984). الموسوعة الفلسطينية القسم العام. (ط.الاولى. مج. الثالث).(عبد الهادي هاشم، المحرر) دمشق: هيئة الموسوعة الفلسطينية.

المقابلات الشخصية:

  1. مقابلة شفوية شخصية مع سلوى العطار، معلمة لغة عربية. قطر في 17/3/2020. 

  2. مقابلة شفوية شخصية مع محمد الهبلي، طبيب. قطر في 19/2/2020. 

المراجع الالكترونية:

  1. سلامة، فواز(2005 أ).  مقابلة تاريخ شفوي للنكبة الفلسطينية مع السيد محمد عبد الرحيم من صرفد العمار-الرملة. فلسطين في الذاكرة. (2005، 28/2) . استرجع في يناير 2020 من

https://www.palestineremembered.com/al-Ramla/Sarafand-al-'Amar/ar/Story1574.html

  1. سلامة، فواز(2005 ب). مقابلة تاريخ شفوي للنكبة الفلسطينية مع السيدة غالية العطار من قرية صرفد العمار-الرملة المحتلة. فلسطين في الذاكرة. (2005). استرجع في يناير 2020 من 

https://www.palestineremembered.com/al-Ramla/Sarafand-al-'Amar/ar/Story1573.html

  1. قناة الجزيرة.(2017، 22 يونيو). إفطار مع مجموعة من أبناء قرية صرفند المهجرة في الداخل الفلسطيني. [فيديو].  استرجع في تاريخ 2/2/2020 من: 

https://www.youtube.com/watch?v=TN8RjiQC3LY&t=188s

  1. وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية وفا. (2007، 30 يناير). مؤسسة الأقصى تنجح في إبطال إقامة مبانٍ إنشائية لشركات إسرائيلية على أرض مقبرة قرية صرفند المهجرة، فلسطين. استرجع بتاريخ 11/3/2020 من: http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=76UVb8a132292715247a76UVb8

صور

مقاطع فيديو

إضافة محتوى