سمخ كما عرفتها الجزء الخامس،، العائلة السمخية

سمخ كما عرفتها الجزء الخامس،، العائلة السمخية

سمخ كما عرفتها الجزء الخامس،، العائلة السمخية  | موسوعة القرى الفلسطينية

لقد آن لي أن أكتب، أو أن أتذكر أبناء القرية أو عائلاتها، بما احتفظت به ذاكرة الطفولة، التي لا بد وأن يكون قد تسرب منها الكثير...

 

على أية حال، لقد أشرت إلى الشارع الرئيسي في بلدة سمخ وهو الشارع الأوحد فيها على كل حال، وكنت أرى فيه الرعاة وهم يسوقون القطعان في المساء إلى بيوت القرية، وكان الأطفال في تلك الساعة يصيحون: ( جاء العجّال) ولا ريب أن هذه الكلمة مأخوذة أو مشتقة من العجل، وإن كان القطيع يتألف من الأبقار والأغنام أي الخرف والماعز، وكانت كل (شلعة) أي مجموعة من المواشي تعرف طريقها إلى (أحواش) الذين يملكونها إذا كانت بيوتهم تقع على الشارع نفسه، وأما سكان الأزقة فكانوا ينتظرون حيواناتهم التي تنفصل عن القطيع تلقائياً فيسوقها مالكوها، وكنت ترى أرض القرية عندما تجف من مياه الأمطار، وقد ارتسمت عليها حوافر وأظلاف تلك المواشي.

لقد توضعت بيوت القرية شمالي شارعها الأوحد من الغرب إلى الشرق، في حيين أو حارتين رئيسيتين هما (الفلاحون والمغاربة) وهذا لا يعني انقساماً مطلقاً، فقد كان بعض المغاربة يسكنون حي الفلاحين، كما كان بعض الفلاحين يسكنون حي المغاربة، كذلك لا بد من القول إن الجميع مغاربة وفلاحين كانوا يستمدون حياتهم من الأرض مباشرة أي أنهم جميعاً كانوا فلاحين قرويين، ففي شمالي القرية كانت عائلة (العالم) وهي مغربية تليها عائلة (العربي) أو(العرْبي) بتسكين الراء وهي بدورها عائلة مغربية، ثم عائلة (الساسي) وهي مغربية، عائلة الساسي هذه كانت تملك أمام منزلها ساحة (قوراء) حسب تعبير (أبي الفرج الأصبهاني) في موسوعة (الأغاني) أي ساحة مستديرة ومسيجة أيضاً، ويليها (كراج للسيارات) هو عبارة عن حافلة، وعدد من السيارات الصغيرة يملكها السيد (تيسير الهنداوي)، وتنقل الركاب إلى مدينة طبريا المجاورة، وبعد ذلك تألفت شركة للحافلات هي (شركة العفيفي) تبعتها شركة أخرى هي (شركة جرجورة) وهذا يشير إلى نشاط في حركة السياحة الداخلية، أي إلى حمامات (الحمة المعدينة)، ولكن تلك السياحة شهدت حادثاً مؤسفاً، إذ تدهورت حافلة بركابها من قمة الجبل إلى ما قبل قاع الوادي، وأعني وادي نهر اليرموك، فقتل جميع ركابها إلا السائق الذي قذف بنفسه من الباب، وراكب آخر كان يقف في مكان باب الحافلة، وتلك الحافلة المنكوبة لا تزال في مكانها منذ عام 1946، ولقد رأيتها قبل أربعة أعوام من بلدة أم قيس الأردنية، ويلي ذلك المرآب والكاراج، كما يسميه أهل القرية ويلي ذلك دار (عائلة العايدي)، وكان لهم فرس أصيلة تتحدث عنها القرى المجاورة، ثم عائلة (كايد) ويليها دار واسعة لعائلة (أبو زياد) الذين يعودون في أصولهم إلى قرية (المرصَّص) في مرج بني عامر، وقد أصهروا إلينا، فتزوج المرحوم (محمد أبو زياد) شقيقتي الكبرى (فاطمة قنديل)، وبعد تلك الدار دكان لرجل عجوز اسمه (حسن مطير) اشتراها منه رجل يدعى إبراهيم اليعقوب، ثم حانوت صغير لصاحبه أبي قاسم الحجي وهو جد الشاعر الفلسطيني الراحل (فواز عيد) ثم مخزن أو متجر واسع جداً من الحجر الأبيض المنحوت، لصاحبه (حسن سعيد الداموني) الذي يعود بأصله كما يبدو إلى قرية (الدامون) بين عكا وصفد في شمالي فلسطين، ولكنه انتقل بعد ذلك إلى وسط السوق التجاري للبلدة وكان تاجر جملة، ثم دكان لعائلة (البيطار) من صفد ودكان آخر للحاج (زكريا الهواري) من مدينة الناصرة، ودكان لشخص اسمه أبو فؤاد وكان أباً لشابين هما فؤاد وجاك. وأظرف ما في حكاية هذه العائلة وهي بدورها من الناصرة، أن حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين، أنشأت في الحرب العالمية الثانية، جهاز شرطة إلى جانب الجهاز القائم، وأسمت الجهاز الجديد (البوليس الإضافي) وكانت مهمة هذه الجهاز حراسة القطارات، فكنا نرى المتطوعين فيه يتدربون في ساحة البيادر ويبدو أن تجارة أبي فؤاد لم تكن رابحة، فتطوع مع ابنيه فؤاد وجاك، وكان الثلاثة جميعاً يتدربون في الطابور نفسه ...!!

 

وبعد دكان أبي فؤاد كانت تقوم دار (موسى الترعاني) التي كان يؤجر بعضها لعائلات من بلدة سحيم في الجنوب اللبناني، كانوا شعارة أي أنهم كانوا ينسجون شعر الماعز الأسود الذي كان يستخدم لإقامة بيوت الشعر أي الخيام في مضارب البدو المجاورين، أو لأهل القرية إذا ذهبوا إلى الحصاد صيفاً أو للضيوف في الأعراس التي كانت حلقات دبكاتها تنعقد في ساحة أمام جامع القرية بين الأصيل والغروب والليل وعند هذا البيت يشق الحي من الجنوب إلى الشمال زقاق واسع نسبياً تبدأ بعده أملاك الحاج (صالح اللحام) وكان من (سيلة الظهر) بين نابلس وجنين. وفيه مخبز يديره أرمني فلسطيني اسمه (وارطان) ويعمل فيه ابناه ميشيل وديكزن، اللذين امتهنا المهنة نفسها في درعا بعد لجوئنا إليها أثر نكبة فلسطين عام 1948، كذلك كان الحاج (صالح اللحام) يؤجر داراً لأحد رجال الجمارك الفلسطينية، وكان من مجاهدي ثورة عام 1936 المعروفين، واسمه (عبد الله الشاعر)، وهو من صفد وتتصدر داره صورة فوتوغرافية كبيرة كتب تحتها (البطل المجاهد عبد الله الشاعر) وكنيته (أبو جهاد) كذلك كان يؤجر دكاناً لأخوين من (سيلة الظهر) في قضاء نابلس وكانا يتعاركان ويتضاربان يومياً، ومرة كاد أحدهما يقتل الآخر، على طريقة هابيل وقابيل ولكنهما كانا يتصالحان في آخر النهار .. وبعد ذلك البناء (وكان طبعاً من اللبن، أي الطين المخلوط بالقصل أي عيدان القمح الجافة المكسرة) كان هناك فرن آخر يملكه رجل من طبريا هو (الحاج زكريا) الذي أسمى ابنه البكر (آدم) وأسمى ولده الثاني (نوح) وكان الرجل ميسوراً ويؤدي الحج في كل عام تقريباً وكان يستقبل رجلاً من المملكة العربية السعودية يسمى المطوف، أي أنه كان يتولى قيادة الطواف حول الكعبة المشرفة في الحرم المكي الشريف فيأتي إلى سمخ بالقطار الحديدي حيث يستقبله الحاج زكريا مع أهل القرية وهم يحملون الرايات الخضراء، وأظنه كان يسجل الحجاج الذين يتولى قيادتهم في الطواف حول الكعبة، أما (أبو آدم) رحمه الله، فكان قبل الذهاب إلى الحج يجيء إلى والدي رحمه الله ومعه صفيحتان أو ثلاث تمتلآن بالنقود الورقية، أي الجنيهات الفلسطينية والمعدنية أي القروش والشلنات جمع شلن الذي يعادل الليرة السورية بالقوة الشرائية للعملة في الأربعينات، لكي يضعها أمانة عند الوالد، وكان (أبو آدم) يرفض أن يعد أمواله، فيطلب إليه الوالد أن يضعها حيث يشاء من بيتنا، وعند عودة (أبو آدم) من فريضة الحج، كان يسترد الأمانة من المكان الذي أودعها فيه من منزلنا، كذلك دون أن يعدها وقد اشترى أبو آدم داراً في طبريا كان يفخر بأنها من عهد الزيادنة أي (ضاهر العمر الزيداني) وبعد بيت أبي آدم ومخبزه، ابتنى مدير المحجر الصحي أي الكرنتينا، محلات من الحجر الأبيض المنحوت وهو السيد أحمد إبراهيم ومن مواليد قرية في جبال نابلس، ولكنه عاش في سمخ بحكم مهنته وكان صديق الوالد، وفي تلك المحلات كان له دكان يديره أبناؤه، ومقهى يديره شخص من أصل لبناني يكنى (بأبي سليم البيروتي) وبعد ذلك البناء يبدأ عملياً (حي المغاربة) بمجموعة من البيوت كانت تمتلكها عائلة (أبو عفّار) وهم من أصل جزائري تلك البيوت كانت تدعى (الخان) حيث كان الخان أي (الفندق) العربي قديماً، وينزل فيه أصحاب المواشي الذين تأوي مواشيهم إلى إسطبل مجاور، شبّ فيه حريق ذات مرة، فأضطر الحاج (صالح أبو عفّار) إلى طلب المطافئ من مدينة طبريا المجاورة، لأن وسائل الأطفاء البدائية في سمخ كصفائح الماء لم تنفع في ذلك، كذلك كان هناك أي قرب الخان محل حدادة مديره (أبو عبد الله الحداد) الذي كان يصنع أو يصّلح الأدوات التي يستخدمها الفلاحون مثل سكك الحراثة والفؤوس و(الطواري) جمع طورية أي الكظمة كما أنه كان مبيطراً أي بيطاراً ليس طبيباً بيطرياً طبعاً بل كان يحذو الخيول الأصيل منها وكذلك الكدش جمع كديش أي حصان العمل وحصان الجر (ولولا حصان الجر ما تبختر الرهوان !!) وهي مهنه امتهنها أيضاً رجل من صفد يدعى (العم طه) وحداد آخر مجاور يدعى (حسن الحداد) وهو هنداوي من عشيرة الهنادي وبوجه الإجمال كان أولئك الحرفيون ميسورين نسبياً وخصوصاً في ظروف الحرب العالمية الثانية، التي عضَّ الفقر فيها الفلاحين، على تفاوت بين فلاح أجير، ومالك للأرض صغير.. وفي مطلع (حي المغاربة) هذا كان ثمة دكان صغير، يدعى صاحبه الحاج (صالح غميرد) ويليه دار صغيرة أو عٌلِّيّه أي طابق فوق الأرض كان يقيم فيه الرجل الذي أدار الحسبة أي سوق الخضار اليومي وهو من عائلة منصور من صفد ولكنهم انتقلوا بعد ذلك إلى بيت في ساحة الجامع هرباً من ضوضاء سوق الخضار وأما أبناؤه بدر الدين ونور الدين فعملا موظفين في الخط الحديدي الحجازي وأما ابنه الأصغر حسيب فقد عمل مستخلصاً أو مخلصاً جمركياً، ووراء دكان الحاج صالح غميرد أقامت سيدتان مغاربيتان، من أصل تونسي، بل من منطقة سوسة في تونس كما كانت إحداهما تقص على الوالدة رحمها الله وكنا نشتري منهما البيض، ثم دار واسعة لعائلة (مغاربية) هي عائلة (عمار) وكان بعض أفرادها يعملون في صيانة الخطوط الحديدية بين بلدة سمخ وبلدة (جسر المجامع) ولعل المجامع هنا تعني اجتماع نهري اليرموك والأردن فقد أقيمت على المكان مستعمرة صهيونية تدعى (نهرايم) أي النهران، وبعد هذه البيوت باتجاه الشرق كان هناك بقالية كبيرة نسبياً أي بمقاييس أهل القرية وصاحبها الحاج (فياض الحاج أحمد) الذي كان يمتلك أيضاً شاحنة وجراراً زراعياً، وبعده يبدأ حي المغاربة بمنازل اليخالفة أي عائلة يخلف، تماماً كما كان أهل سمخ يتحدثون عن اللوابنة أي عائلات اللوباني وعن التراعنة أي عائلة الترعاني.

 

وإن لم تخن الذاكرة فقد كان اليخالفة أي عائلة يخلف يتألفون من ثلاث عائلات هي: عائلة (الطاهر يخلف) وله ولدان أي شابان هما أحمد طاهر وكان يعنى بجرار زراعي وبخان يخلف في ظاهر البلدة حيث تأوي المواشي التي تمتلكها الأسرة قريباً من الحقول المروية من مياه بحيرة طبريا، فقد أسلفت القول إنه كان لهم موتور لضخ المياه من البحيرة إلى العراق أي حافة السهل المرتفع عن البحيرة وأما الولد الثاني فهو محمود طاهر وكان متفوقاً في المدرسة فأرسل إلى الكلية العربية في القدس وأما العائلة الثانية من اليخالفة فهي عائلة (حسن يخلف) وكان الأكثر أولاداً ومنهم المختار ومحمد وصبحي وعبد الله والأخيران كانا من زملائي في المدرسة الابتدائية، وأما العائلة الثالثة من اليخالفة فكانت عائلة (مصطفى يخلف) وكان له ولدان هما فتحي والسنوسي وأما السنوسي يخلف فكان الابن الأكبر، وأتذكر أن قد أسست في البلدة حركة كشفية، ورأى البعض فيها بدعة فشتموا الكشافة فقال السنوسي يخلف: ليس من باب التحذلق بل من باب إظهار المعرفة والمعاصرة، قال: (ما لوش مبدأ اللي بسب بادن باول وكشافيه) أي أن الذي يشتم الكشافة التي أسسها (بادن باول) في دولة بريتوريا أي جنوب إفريقيا ليس له مبدأ، وبطبيعة الحال لم يكن أهل قريتنا يعرفون شيئاً عن العنصرية البيضاء في جنوبي أفريقيا كما أنهم لم يسمعوا أصلاً بالأورانج والترانسفال، أي دولة جنوب إفريقيا، وكانت مستعمرة بريطانية وعلى كل حال، فإن الزميل العزيز الروائي الفلسطيني (يحيى يخلف) هو أحد أبناء اليخالفة أي أسرة يخلف وإلى جوار دار (مصطفى يخلف) كانت هناك عائلة مغربية أو مغاربية جاءوا إلى سمخ وهم عائلة صغيرة على كل حال هي عائلة (حمادة) وكان أحدهم وهو وجيه أحد أبناء صفي في المدرسة الابتدائية كما كان إلى جوارهم عائلة مغاربية أخرى هي (عائلة الأخضر) وكان في صفي منهم منصور، ووراء هذه الدور شرقاً كان هناك فندق تحته مطعم كل واجهاته من الزجاج صاحبه (صلاح العشي) يرتاده زوار القرية المميزون وكذلك المعلمون وبقية الموظفين وضابط الشرطة العربي وضباط قوة حدود شرقي الأردن وهذا الفندق وهذا المطعم إن أطلا على شارع البلدة الرئيسي والأوحد وكذلك على البحيرة فقد كانت لهما إطلالة رائعة أيضاً ... على المقبرة !!

 

طبعاً لا بد من الإشارة إلى أن سوقاً تجارياً كان يفصل حي اليخالفة عن الشارع الرئيسي وجل الحواتيت فيه كان يملكها تجار من دمشق من عائلات (العقاد) و(النجار) و(العطار) ثم سوق للخضار والفاكهة أولها وكان يتميز بالفواكه النادرة في بلدتنا كالتفاح المغلف بالورق يملكها رجل اسمه (حسن الشف)، ولعله الشيف أي رئيس الخدم في المطعم أو رئيس دائرة معينة، وكان ابن زوجته علي زميلاً لي في المدرسة الابتدائية وقد توفي طفلاً فخرجت المدرسة في جنازته، وكتب لي أحد الأساتذة كلمة لألقيها بعد صلاة الجنازة أي بعد دفنه، ومما جاء في تلك الكلمة عبارة: فويل للقدر القاسي الذي جمعنا بك، وبعد الجنازة، قال لي أستاذ الدين، وهو الأستاذ الشيخ أحمد العنبتاوي في كلام هادئ كيف تقول ويل للقدر القاسي؟؟ إن القدر يا بني هو إرادة الله تعالى: على أية حال أتذكر أن السيد حسن الشف كان يحب ابن زوجته المتوفى حباً جماً، وعندما رأى الأساتذة، ذهب ليأتي لهم ببعض الشراب فقد كان القيظ شديداً، وعندما رأى أطفال المدرسة انخرط في بكاء حزين لقد كان أول رجل رأيته يبكي في طفولتي، وأما الرجل الثاني الذي بكى، فقد فعل ذلك لأن رجلاً في سوق الجمعة في القرية يقتلع الأسنان بالكلابه، قلع ضرسه وبدون تخدير طبعاً !! ووراء بيوت اليخالفة كان ثمة بناء من طابقين من الحجر الأسود، الطابق الأول فيه مستخلص جمركي وكيل للسبيعي في دمشق، وهو الحاج(حمدي الزبارته) من أبناء دمشق وكان يقيم في الطابق الثاني، وله ثلاثة أبناء هم عدنان وكان شاباً رياضياً درب شباب القرية على المصارعة، وأخوه عبد الله وأما أخوه الثالث فهو زهير وصار بعد ذلك موظفاً في مديرية الجمارك السورية، وأراه بين وقت وآخر قرب الإذاعة السورية المجاورة لمديرية الجمارك، وأما الحاج حمدي فكان له شقيق آخر يعمل مستخلصاً جمركياً في جسر المجامع قرب سمخ هو أبو ممدوح الذي كان يعتمر الكوفية والعقال المقصب بسبب الغبار في جسر المجامع بينما كان الحاج حمدي يعتمر الطربوش والغبار مألوف جداًُ في سمخ ولكن في ساحة البيادر أكثر من غيرها، كما أن الطربوش إذ ذاك كان يعتبر عصرياً وأما على حافة العراق فكانت هناك عائلة مغاربية لست أدري هل هي من اليخالفة أم لا ولكن اثنين من أبنائها كانا زملائي في المدرسة الابتدائية هما مصطفى عبد القادر، وأخوه سنوسي عبد القادر الذي درس في جامع تنكز ثم في جامعة دمشق وأظن اليخالفة جميعاً استقروا في المملكة الأردنية الهاشمية بعد النكبة، وأعود إلى غربي البلدة كي أعبر بالأزقة الموازية للشارع الرئيسي لأتذكر أن قد كان هناك بيت من طابقين يسكنه تاجر جملة من الناصرة هو (جميل الحلو) وكان كذلك صاحب كازية وكان مكتمل الأناقة حتى في فصل الصيف وله ولد اسمه أغسطين وشقيق له محل تجاري أصغر ،وكان بدوره أنيقاً، ولكنه كان مقبلاً على الحياة ومسراتها عكس شقيقه جميل     .. وبعد ذلك نرى ممراً شديد الانحدار إلى المورد على البحيرة إلى شرقيه عائلة (المصري)، ومنها زميلاي في المدرسة إسماعيل ومصطفى وكانا أبناء عم، وأما إسماعيل فقد اشترى في السبعينيات سيارة دودج أجرها للإذاعة السورية، وكان يقودها هو نفسه وكانت عائلة المصري تؤجر الطابق الثاني لأستاذين في مدرستنا الابتدائية هما الأستاذ (رائف الزعبي) من الناصرة والأستاذ (حسن زكاري) من صفد والذي صار في دمشق مديراً لأحد فروع البنك العربي، وأمام دار المصري هذه كان ثمة دار من ثلاثة طوابق من اللبن أي الطين المجفف في الشمس أقام في أحد طوابقها رجل من عائلة الأرناؤوط وكان يعمل سائقاً في السكك الحديدية ... ولقد عرض هذا (الأرناؤوط) الطيب عرضاً عجيباً لنقل النجدات الشعبية القادمة من سورية إلى سمخ هو أن يقوم الحدادون بلحام الدامر أي قضيب السكة الحديدية الذي نسفته عصابة الايرغون عام 1946 تحسباً لاحتمال وصول النجدات السورية في المستقبل فإذا لحم الحدادون ذلك الدامر فإنه مستعد لقيادة القطار الحديدي وعرباته .. ولقد كان جاداً في عرضه ذاك !!! ولكن أهل البلدة شكروا أريحيته واعتذروا عن تنفيذها فلو قد فعلوا ذلك لهوى القطار وعرباته، ومن فيها من البشر من حالق إلى وادي اليرموك!! وبعد ذلك البيت يأتي بيت (أبو شالة) وكان من ملاك الأرض وله ولد اسمه عبد الرحمن كان يتقدمني بعامين في المدرسة وكان يؤجر غرفة لرجل من كفر كنا يدعى (فرح حنا الدايه) ويعمل في تبييض الأواني والحلل ولكن ماذا يبيض أهل القرية ومتاع مطابخهم محدود للغاية، وكان هذا الرجل موضع احترام أهل القرية، لأنه كان على فقره الظاهر عزيز النفس ولا يقبل معونة من أحد، كما أن أبناءه كانوا متفوقين في المدرسة، وخصوصاً في الحساب والهندسة، وخصوصاً ولده أسعد وبعد ذلك بيت لرجل يدعى (إبراهيم الكردي) وكان بائع حلوى متجول، وفي ليلة هجوم الهاغانا على سمخ كان يغطي رأسه بحوذة من مخلفات الحرب العالمية الثانية التي كانت قد انتهت وشيكاً ويحمل مسدسه ويقفز في الهوا، يطلق الرصاصة لكي يصرخ بأعلى صوت الله أكبر فتزداد حمية المقاتلين المدافعين عن القرية، وإلى جانب بيته دار واسعة يمتلكها أحد شباب البلدة اللامعين، وهو (السيد صالح أبو حمادة)، وكان يعمل في السكك الحديدية وكان يحسن لغته الإنجليزية، ولما كان يؤجر بيته لبعض شراكسة سمخ فقد تعلم اللغة الشركسية ثم يأتي بيت (عائلة السعد)، ويجاورها بيت تاجر الجملة المعروف في سمخ ثم في إربد وهو (حسن سعيد الداموني) ثم بيت (داية القرية) أي القابلة الحاجة (أم سليمان) وهي التي ولدنا على يديها أنا وأشقائي وشقيقاتي جميعاً، بعد ذلك تأتي ساحة الجامع، وكانت الأعراس والدبكات تنعقد أمامها ليلاً، ويتبارى الحداؤون في نظم الأزجال وكلها كانت أزجالاً أو مواويل وعتابا وطنية تحيّي الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر، وكان البوليس البريطاني يصمت عنها على مضض لأنه لا يريد المشاكل في خضم الحرب العالمية الثانية، كذلك كانت مصلحة الدعاية البريطانية في فلسطين تعرض أفلاماً عن الحرب العالمية الثانية و ترغبياً للجمهور تخللها مشاهد من بعض أفلام السينما العربية إذ ذاك، وأتذكر أنه عندما عرض فيلم عن انتصار الصحراء أي انتصار الإنجليز في ليبيا في الحرب العالمية الثانية ،انفض السامر أي تفرق أهل القرية الذين يكرهون الاستعمارين البريطاني والفرنسي مثل كل أبناء الأمة العربية.

 

 ومن ساحة الجامع زقاق إلى ساحة فيها كرم زيتون لا أعرف من كان يملكه ولكنه إلى جانب بيت رئيس المجلس المحلي والذي كان أهل القرية يسمونه رئيس البلدية أي السيد (سليم الترعاني) والذي حل محله ابنه السيد (يوسف السليم) أي (يوسف الترعاني) وإلى شمالي هذا الزقاق أبنية (عائلة العيد) وكانت ثلاث عائلات هي سالم العيد ،وموسى العيد، وعبد الرحمن العيد، وكان منهم جاويش البلدية وهو السيد سالم العيد وبعد ذلك تبدأ (حارة اللوابنة)، أي العائلات القادمة من بلدة لوبية بين طبريا والناصرة ويستطرق الزقاق إلى ساحة أخرى كساحة الجامع حولها بيوت تقيم فيها بعض العائلات الدمشقية وعائلة (أبو زيد) وعائلة المنشد الشعبي (كحول) ومن هناك تبدأ بيوت اليخالفة أي عائلة يخلف التي أشرنا إليها مراراً، ولا يفوتني أن أشير إلى أن في سمخ جامعاً آخر في حي المغاربة يصلي فيه أهل السوق، وكان خطيبه رجلاً فاضلاً يدعى (محمد حوا) وكان ابنه طالباً ممتازاً في صفي هو السيد عبد الفتاح وأظنه صار معلماً في مدارس وكالة الغوث الدولية في دمشق، هذا شيء عن البلدة شمالي الشارع الرئيسي، أما جنوبيه أي على الرصيف المقابل فكان هناك حانوت لتاجر الجملة (غرير) أو (عفيف) تليه كازية لشقيقه أبو خضر ثم خان للدواب والركائب يعرف باسم صاحبه زاهر ثم متجر كبير صاحبه (حسن سعيد الداموني)، ثم دكان أقمشة صاحبه (إدريس الشركسي) الذي أبتنى لنفسه بيتاً في ظاهر القرية، وقيل إن الصهاينة أبادوا العائلة كلها. وكان ابناه بدر الدين ونور الدين متفوقين في المدرسة كمعظم شراكسة سمخ، ولكني عرفت مؤخراً أن الجميع نجوا من ذلك المصير المروع لأنهم انتقلوا إلى المنشية المجاورة وعندما لعلع الرصاص ... وبعد دكان إدريس الشركسي بعض اللحامين من عائلة العكام الدمشقية علماً بأن في دمشق العديد من العائلات تدعى العكام لأن مهنة العكام هي أحد المهن المتصلة بالحج إلى بيت الله الحرام، مثل مهنة المهتار بالهاء لا بالخاء أي تجهيز الحجاج بما يحتاجونه في رحلة الحج الطويلة إذ ذاك، وأمام متجر حسن سعيد الداموني جرى احتفال للتبرع لصندوق الأمة، بحضور النّجادة من طبريا حيث أسسوا فرعاً لها في سمخ وينتهي السوق بمقهى كبير صاحبه اسمه (رباح) ويعود في أصله إلى مدينة اللاذقية.

 

هذا عن البلدة وأما (المنشية) فتقع جنوبي محطة القطار، ورغم أنها منشية أي مستحدثة فكانت بيوتها من اللبن، وهي ثلاث منشيات أو مناشي فيها بعض فروع عائلة اللوباني ومنشية أخرى فيها موظفو الخط الحديدي الحجازي من سوريين وفلسطينيين، ولكني أتذكر على وجه التحديد بعض زملائي في مدرسة سمخ الابتدائية من سكان المنشية وبتحديد أكثر أتذكر السيد (كرم بطرس زريق) من موظفي السكك الحديدية، لأن أخاه الأصغر واسمه لطف بطرس زريق، كان معي في نفس الصف، وقد زرته مرة، ولفت نظري أن بيتهم حافل بالكتب ومنها سلسلة كانت تصدر في الثلاثينيات بالقاهرة تحت عنوان (الوقت من ذهب) أي أنها تزود القارئ بمقتطفات أحسن اختيارها من الأدب العربي القديم ... ولكن هذه الذكرى الجميلة غابت بعد عشر سوات، إذ قرأت عند بداية عملي الإعلامي كتاباً صدر عن جامعة الدول العربية أوائل الستينيات حول المجازر التي اقترفتها إسرائيل ومنها مجزرة بلدة عيلبون وهي بلدة ذلك الزميل، وقد أحرقت "إسرائيل" القرية في حريق عيلبون الشهير وحزنت حزناً شديداً عندما قرأت اسم لطف بطرس زريق رحمه الله بين شهداء الحريق وأما المنشية التالية في سمخ فكان يمتلكها رجل واحد اسمه (محمد عيد قويدر) وأقام فيها سبيلاً أي حنفية ماء يشرب منها العابرون وكان مستخلصاً جمركياً قد رعى حركة الفتوة التي أسستها الهيئة العربية العليا عام 1946 وكان يخرج في سنه المتقدمة إذ ذاك على رأس ذلك الطابور وبعد النكبة عاش رحمه الله حياة ضنك شديد..

 

في منشية قويدر كان يقيم أيضاً موظفو السكك الحديدية ومنهم (أبو رجب الشرقاوي)، ولعله يعود في أصوله إلى محافظة الشرقية في مصر، و(محمد ديب شتا)، وكان ابنه محمود في صفي بالمدرسة ثم بعض عائلات التجار الدمشقيين مثل (علي الحوارنة)، وأما في الجانب الآخر من منشية قويدر فقد أقام فيه مدير مدرستنا الابتدائية المربي الفاضل (فلاح الماضي) الذي التحق أيضاً بجامعة دمشق فكنت أنا وأياه في صف واحد، هو في الحقوق وأنا في الآداب، وتحولت علاقة الأستاذ القديم بتلميذه القديم، إلى صداقة في الجامعة، خصوصاً وأنني درّست اللغة العربية سنة واحدة في معهد فلسطين التابع لوكالة الغوث والتي كان مديرها الأستاذ فلاح الماضي هذا بعض ما استطاعت ذاكرة الطفولة أن تحتفظ به من وقائع حياتي في بلدة سمخ، لكي تبدأ مرحلة اليفاع لكنها كانت في القدس هذه المرة وتحديداً في الكلية العربية التي اشتهرت في القدس والوطن العربي وقد ألف عنها الدكتور محمد يوسف نجم الأستاذ في جامعة بيروت الأمريكية كتاباً، لم أتمكن مع الأسف من الحصول عليه حتى كتابة هذه السطور ،ولكني قرأت ما كتبه عنها الكاتب الفلسطيني المعروف الأستاذ فيصل حوراني في كتابه (دروب المنفى) يتحدث فيصل حوراني عن خاله الأستاذ نافذ حوراني الذي صار مديراً للجمارك في دمشق فيقول: ( أما نافذ فقد قامت في وجه تنسيبه للكلية العربية عقبة لا يمكن تجاوزها وقد اتضح للجد، أي لجد نافذ، أن سن نافذ أكبر بسنة واحدة من السن المقبول في المدرسة الشهيرة، وكان من شأن أي فلاح آخر أن يتراجع حين يتعلق الأمر بما لا يمكن تخطيه من أنظمة ،ولكن خيري ما كان من هذا النوع، فهو إذن لم يتراجع بل ذهب إلى المحكمة وفي المحكمة جلب الجد شهوداً وقدم أدلة للقاضي حتى أقنع المحكمة بتصحيح سن ابنه وهكذا انتسب نافذ إلى مدرسة معتبرة وصار زميلاً لأبناء الصفوة من أغنياء المدن وكبار المتنفذين فيها، وواحداً من المحظوظين القليلين من أبناء وجهاء الريف، وتلميذاً لأكثر الأساتذة شهرة في فلسطين، هذا ما قاله الأستاذ فيصل حوراني عن الكلية العربية، ويبدو أنني كنت بانتسابي إليها أحد أولئك المحظوظين القليلين بالانتساب إليها.

 خاص مؤسسة فلسطين للثقافة، رابط المقال الأصلي: https://www.thaqafa.org/site/pages/details.aspx?ItemId=2171