ليلة سقوط الطنطورة: "جمعوا الشباب والنساء في ساحة وطخوهم"
ليلة سقوط الطنطورة: "جمعوا الشباب والنساء في ساحة وطخوهم"
تاريخ النشر: 25/04/2018 - 22:17
(عرب 48)
تحرير: محمود مجادلة
ضياء حاج يحيى
ليلة طويلة، هدير دبابة ومروحيات، وسلاح مصوب نحو الوجوه والهامات، أنين الضحايا يسمع من أماكن متوارية، بكاء وعويل. على شاطئ قرية الطنطورة قضاء حيفا أمطرت السماء قنابل وقتل الشعور بالطمأنينة، ما أنذر بليلة دامية أخرى تضاف إلى فصول نكبة الشعب الفلسطيني.
اقتحمت العصابات الصهيونية الإرهابية ليلة الـ22 من أيار/ مايو عام 1948 قرية الطنطورة، بعتاد عسكري كامل مكون من فرقة راجلة مؤلفة من مئات الجنود المدججين بالأسلحة، تحميهم طائرات ودبابات ومصفحات عسكرية. وظهر الهدف واضحًا؛ تهجير أهالي الطنطورة من قريتهم.
وسط حالة من الذعر سيطرت على الأجواء في سماء القرية، لم يخطر في ذهن الأهالي ولو لبرهة ما سيحل بهم، إذ كانت العصابات الصهيونية قد حاولت قبل اقتحام القرية وتهجير سكانها، لكن مقاومة الأهالي حالت دون ذلك.
بدأت الاشتباكات، القذائف تنهال من كل الاتجاهات كمطر غزير لا يتوقف، لهيب النيران المنبعثة من القذائف قد أوعز ببدء المجزرة. "اقتحموا القرية واعتقلوا واقتادوا الشبان إلى منطقة متوارية عند الشاطئ، جموعهم وقتلوهم بعد أن جمعوا أسلحتهم، كانوا نحو 250 شابا وامرأة، كلهم ماتوا"، هذا ما قاله خليل جربان، أحد المهجرين من الطنطورة وشاهد على المجزرة.
جموعهم وقتلوهم
خليل جربان (عرب 48)
يروي خليل جربان من قرية جسر الزرقاء، واقعة تهجير الطنطورة حين كان شاهدا عليها في العام 1948 وقال: "كنت أعمل في الصيد ولم يتجاوز عمري الـ12 عاما، وكنا نسكن في الطنطورة مع كل أقربائنا، وفي ليلة الـ22 من أيار/ مايو 1948، بدأت الحكاية كلها. لم نكن نعلم ماذا سيحل بنا".
وتابع "الأجواء كانت حارة، ولا يخفى على أحد أجواء الطنطورة الآن، انهالت القنابل من الطائرات، زادت القنابل من حرارة الجو، لتحدث دمارا في القرية".
وعن ليلة التهجير قال: "ليلة الـ 22 من أيار/ مايو، بدأ مسلسل الرعب، كنت أنا وشقيقي على الشاطئ نصطاد الأسماك كالعادة، اقتحمت القوات الشاطئ، وبدأوا باحتجاز كل من على شاطئ، وضعوا النساء على جانب والرجال على جانب آخر، وجمعوا كل الأسلحة التي كانت بحوزة المقاومين وكوموها على رمال الشاطئ".
وتابع "لم أكن أعرف الخوف في ذلك الوقت، كان أبي من بين المعتقلين، ركضت مفزوعا لأطمئن عليه، وحين وصلت إليهم بدأ الجنود يشيرون إلي بالتوقف، أنا بدوري توقفت، حتى حدث أمر غريب".
وأستطرد جربان: "بعد أن جمعوا الجميع وصفوهم صفًا واحدا، أتوا بشخص عميل مقنع الوجه فقط عيناه تظهران، لم نتعرف على هويته. أشار إلى المقاومين وكل من حملوا السلاح. بدأوا بانتقائهم من بين الآخرين واحدا تلو الآخر واقتادوهم إلى مكان متوارٍ، اعتقدنا أن يسجنوهم، واستمروا على هذه الحال أكثر من مرة، كانوا يعذبون الشباب أمامنا، أذكر أنهم وضعوا راس أحد الشباب في الرمال، كان المشهد مخيفا".
ذهب القارب إلى لبنان ولم يعد
وتابع جربان أنه "بعد فترة قصيرة جاءنا الخبر أن الشبان الذين أخذوهم، أطلقوا عليهم الرصاص من مسافة قريبة، قتلوهم، ولم يتركوا أحدا منهم، فهمنا أن هؤلاء الشبان الذين قتلوا كانوا مقاومين، ومن بين الشهداء كن نساء".
وعن الطنطورة قال إن "الطنطورة كانت مدينة عامرة كبيرة، فيها الأسواق والتجارة متينة جدا باقتصادها، ويرتداها التجار من كافة أنحاء البلاد، وكانت البلدة كبيرة، تتمتع بالبحر وخيراته".
وعن قصة لجوء عمه روى جربان أنه "كان لنا قارب نصطاد فيه الأسماك، وعندما وقت الاشتباكات العنيفة مع العصابات الصهيونية، أخذ أقربائي القارب ووضعوا أولادهم ونساءهم ورفعوا الشراع، دون أن يأخذوا أي شيء من البيت، وولّوا وجههم نحو لبنان، وحتى الآن هم في لبنان والقارب الذي كنا نصطاد فيه إلى اليوم موجود هناك".
وأوضح أنه "بعد الأحداث الدامية في الطنطورة، شرّدوننا، نحن ذهبنا إلى جسر الزرقاء، وآخرين تشتتوا في أنحاء البلاد، البعض إلى أم الفحم والبعض الآخر في الفريديس، والبعض في مخيمات اللجوء في الخارج والضفة الغربية المحتلة".
وروى جربان قصة حدثت مع والده في سجن الـ"جليل" بمنطقة نتانيا، أنه "بعث صديق والدي إلى شقيقه المسجون معه في نفس السجن رسالة، كتب فيها (يا سجن جليل قلبي اغتش منك، كثير الرجال تشكي الظلم منك، يا رب تفك كل مظلوم منك، ترى المظلوم والمسجون والميت سواء)، وحين قرأها والدي على مسامع المعتقلين بكوا بكاء شديدا".
وقال أيوب برية الملقب بـ"الرّيس"، الذي شهد على أحداث تهجير الطنطورة: "ما أجمل الطنطورة في ذلك الحين، كنا نصطاد أشهى أنواع الأسماك براحة وطمأنينة، كانت أيام جميلة جدا والطنطورة عامرة بأهلها على الشاطئ".
نسفوا بيتنا لكننا صمدنا
"الرّيس"، أيوب برية (عرب 48)
وروى أنه "في العام 1948 كان عمري 7 سنوات، حين شهدت أمام عيناي جريمة بشعة، وقف عنصران من العصابات الصهيونية على الشاطئ، ووجها سلاحيهما على كل من يقع عليه بصرهما في الشارع، عند المدخل المؤدي إلى الشاطئ قتلوا أحدهم، وكانت معهم دبابة مصفحة يطلقون منها الرصاص، قتلوا أمامي امرأة كان اسمها أم حسن، ومزارع اسمه أحمد أبو الشحم".
وعن صمود عائلته قال: "نسفوا بيتنا وبيت أقاربي. صمدنا رغم كل ذلك، وها نحن في الفريديس وجسر الزرقاء كالشوكة في حلوقهم، لم يكن لدينا أي رادع للخوف، بل قاوم أبي بكل قوته، لم يكن يعلم الخوف، أذكر أنه قبر بيده بعد المجزرة، في المقبرة الجماعية التي تحولت اليوم إلى موقف للسيارات، أكثر من 50 شهيدا من أهالي الطنطورة".
وتابع أن "السلطات تشدد علينا نحن الصيادون ولم تتغير سياسة الدولة تجاهنا ولن تتغير، يلاحقوننا في الصيد على الشاطئ من خلال فرض غرامات بحجج وذرائع واهية، التضييق علينا مستمر، لكننا نقول لهم لن نخرج من هنا لو متنا على هذا الشاطئ".
ووجه برية رسالة إلى الجيل الشاب وقال: "ادعو الشباب إلى وضع قوارب الصيد على شاطئ الطنطورة، لأن هذا يعبر عن صمودنا وفرض روايتنا، كي نبين للعالم أن الطنطورة للفلسطينيين ولهم فقط، غدا إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، سوف يختفي الأثر العربي في الطنطورة، لذا علينا فرض طابعنا وهويتنا هنا لأن الصيد هو آخر ما تبقى لنا في الطنطورة".