مواقع النكبة: آبل القمح
سنتعرّف من خلال هذه المقالة على إحدى قرى فلسطين المهجرة، ألا وهي "آبل القمح". وتمثل نموذجًا لما حلّ بالقرى الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل وهجّرت سكانها وأقامت مستعمرات على أراضيها.
الاسم والتاريخ:
قرية فلسطينية – لبنانية تقع في أقصى شمال فلسطين، وكانت تتبع قضاء صفد (حسب التقسيمات الإدارية من فترة الاحتلال – الانتداب – البريطاني). وتقع تحديداً إلى الجنوب من بلدة المطلة. ولا بُدَّ من الإشارة هنا إلى أنّها حتى العام 1923 كانت تتبع لبنان، إلاّ أنّ ترتيبات الحدود بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني جعلتها تخضع لحكم الأخير. عِلمًا أنّ الحكومة اللبنانية لا زالت تُطالب بها وبقرى أخرى تُعرف باسم "مزارع شبعا" التي تحتلها إسرائيل.
معنى الاسم "آبل" وهو كنعاني الأصل: المرج والمياه والخصب. فيكون معنى اسم القرية "مرج القمح". حيث اشتهرت أراضيها بوفرة الحبوب المزروعة على يد سكانها. وتكثر فيها الينابيع لقربها من منابع البانياس.
بلغت مساحة أراضيها قرابة 4165 دونمًا. تسرّبَ منها الثلث ليد اليهود إلى ما قبل العام 1948.
فيما بلغ عدد سكانها عشية النكبة الفلسطينية قرابة 385 نسمة من مسلمين ومسيحيين، موزعين على 97 منزلاً. واعتمد سكانها في معيشتهم على زراعة الحبوب والزيتون والخضار ورعاية المواشي.
وتنتشر في القرية وأراضيها آثار تاريخية قديمة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد كبقايا جدران بيوت ومعاصر وقطع فخار وقبور منقورة في الصخر وخرائب عديدة، ما يُشيرُ إلى وجود بشري مستمر منذ آلاف السنين.
سقوطها وتدميرها:
هاجمت فرق من قوات البالماح (الصاعقة) الصهيونية قرية النبي يوشع وكان فيها مركز للشرطة الانتدابية، وتتوسط القرية الطريق الواصل بين صفد وآبل القمح. واحتلت هذه القوات مركز الشرطة وطردت عناصر من جيش الإنقاذ الذين تمركزوا فيه. وتندرج عملية السيطرة على الجليل الشرقي تحت مُسمّى "عملية يفتاح" والتي تقضي الاستيلاء على مدينة صفد مركز القضاء وفي جنوبها مدينة طبريا مركز قضاء أيضًا، ثمّ تسديد ضربات باتجاه القرى المجاورة لهما. بعدها تقدّمت فرق مدرعة نحو آبل القمح وتمّ احتلالها أسوة بباقي القرى في المنطقة، وكان ذلك في العاشر من شهر أيار 1948، وتمّ إخلاؤها من سكانها الذين التجأوا إلى قرى جنوبي لبنان وخاصّة قرية "دير ميماس" المجاورة.
ولا بُدّ مِنَ الإشارة هنا إلى أنّ قرية "آبل القمح" وقرى أخرى في ما أصبح يُعرف لاحقًا باسم "اصبع الجليل" وقرى منطقة بحيرة الحولة قد تمّ تفريغها من سكانها خلال معارك العام 1948 وطرد معظمهم إلى منطقة الجولان السوري ولبنان. واعتمدت قيادة البالماح على بث شائعات ودعايات الرعب والتفزيع والتهويل بواسطة زعماء المستعمرات اليهودية في المنطقة الذين كانت تربطهم علاقات صداقة مع سكان القرى الفلسطينية. فمع الترهيب والقصف المستمر نفّذت منظمة البالماح الخطة "داليت" بحذافيرها في قرية آبل القمح وشقيقاتها قرى المنطقة. وكان القائد الأعلى للبالماح يغآل ألون يهدف من وراء تنفيذ هذه الخطة إلى تطهير منطقتي الحولة والحدود اللبنانية من أي وجود للقرى الفلسطينية وسكانها لتوفير الأمن لإسرائيل في هذه المنطقة بعد إخلائها من سكانها. ووفقًا للمؤرخ الإسرائيلي بني موريس نقلاً عن ألون قوله: "لقد اعتبرنا أنّه من الضروري تطهير داخل الجليل وإيجاد تواصل بين الأراضي اليهودية عبر منطقة الجليل الأعلى كلها". وكذلك أمر ألون جنوده بإخلاء البدو القاطنين بين بحيرة طبريا وبين منابع نهر الأردن الجبلي.
وجدير ذكره أنّه لم يبقَ هناك أيّ قرية فلسطينية بين طبريا والمطلة مرورًا بصفد سوى قريتي عكبرة وطوبة – زنغرية. في حين أنّ عشرات من القرى تمّ طرد سكانها وطمس معالمها بالكامل، كما حصل لآبل القمح التي لم يبقّ منها إلاَّ حجارة وركام متناثرة في أرجائها. وأقامت حكومة إسرائيل مستعمرة "يوفال" على جزء من أراضيها.