تاريخ القرية - تجمع حَوَّاسَة/ بلد الشيخ - قضاء حيفا

تعود حكاية هذا الحي لعشرينيات القرن الماضي، حيث شهدت مدينة حيفا نهضة صناعية كبيرة، في ذلك الوقت تم افتاح مجموعة مصانع فيها بالإضافة لمصفاة تكرير النفط، والتي قصدها العمال الفلسطينيون وكذلك العرب (من سورية، لبنان، الأردن، العراق) للعمل فيها، في ذلك الوقت قام أهل قرية بلد الشيخ ببناء هذا الحي من ألواح التنك والصفائح والخشب، وكانوا يأجرونها للعمال الذين يعملون في حيفا واستقروا فيها مع عائلاتهم.

وفي مقال للكاتب "باسل مغربي" دَوَّن عن حواسة":

"في العشرينيات، مع الانتداب البريطانيّ على البلاد، وفي ظلّ تحوّل حيفا لمدينة عُمّالية، مع إنشاء سِكّة حديد القطار، وتطوُّر المنطقة الصناعيّة شماليّ وادي حوّاسة في خليج حيفا، حيث صار يقصدها العُمال للعمل والمبيت فيها؛ قام بعض السَهليين من أهالي بلد الشيخ، الذين يملكون أراضٍ في الوادي، ببناء بيوت من الصفيح والتنك فيها، وتأجيرها لبعض العُمال الوافدين وعوائلهم إلى مدينة حيفا، فبدأت حوّاسة تأخذ طابع الخِربة المُقَصدَرَة(5)، والتي لم يكن تعداد العُمّال المُستأجِرين فيها، يتجاوز العشرات في حينه، ممّا يعني أنّ حوّاسة قد نشأت كمساكن عُمال بالإيجار.

كانت حوّاسة، تقع بمحاذاة طريق خطّ سكة حديد القطار القادم شرقاً من العفولة إلى حيفا غرباً. وأطلق العُمال المُقيمون على محطّة القطار فيها، اسم محطّة "الأربعة ونص (ونصف). وذلك، لأن محطّة حوّاسة تبعد عن أوّل محطّة بعدها، عند مدخل حيفا، في "عين السعادة" (تشيكبوست)، مسافةَ أربعة كيلومترات ونصف.

الوقت الذي كانت فيه حوّاسة في طور نشأتها كمسكن للعُمال، كان "حي التنك" شرقيّ حيفا عند عين السعادة، قد صار مخيَّماً لآلاف الفلّاحين النازحين عن قراهم وأراضيهم التي باعها بعض ملّاكيها الإقطاعيين من أصول لبنانيّة وشاميّة في سهل عكا والساحل ومرج ابن عامر، للحركة الصهيونيّة من أجل استيطانها.

وقد أُطلق على سكّان حيّ التنك أيضاً اسم "فقراء بوابة عكا"(8)، نسبة للمدخل الشرقيّ- الشماليّ، للقادم من عكا إلى مدينة حيفا. كما أُطلق على النازحين الذين توطّنوا رمال المنطقة الواقعة ما بين حيفا وعكا، اسمَ "حيّ الرمل أو عرب الرمل". كان حي التنك في حيفا، بمثابة حكاية طرد مُبكِّر، وأوّل تشريد فلسطينيّ جماعيّ في القرن العشرين سابق على النكبة.

على الرغم من سماح سلطات الانتداب لهؤلاء النازحين بالإقامة شرقيّ حيفا في العشرينيات، إلا أنها وبعد عقد من الزمن على إقامتهم في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، أوعزت لبلدية حيفا، بهدم الحيّ واقتلاعه، بذريعة أن البرّاكيات وبيوت الصفيح العشوائيّة تُسيء لمشهديّة ومنظر مدخل المدينة. هذا، فضلاً عن الادّعاء، بأن الحيّ صار مبعثاً للأمراض البيئيّة والصحيّة. بينما يعود السبب الفعليّ وراء إخلاء الحيّ وهدمه، إلى التحاق كثيرين من سكّانه بالثورة الكبرى 1936-1939.

تمّ نقل قسم كبير من سكان حيّ التنك المُقتلَع في حيفا إلى حوّاسة، والتي صارت تُسمّى منذ أواخر الثلاثينيات بـ"حوّاسة الفوقا". كان قرار النقل بريطانيًّا، وبالتالي اتّسعت حوّاسة وازداد تعداد قاطنيها، واستعارةً، يُطلق عليها مسمّى "قرية"، كما لو أنها قرية طبيعيّة التكوين مثل باقي القرى، غير أنها كانت في حقيقتها مخيّما من أكواخ الخشب والتنك، وحتى أهلها الذين صاروا عُمالا باطلين عن العمل، كانوا يُطلقوا على حوّاستهم اسم "قرية بنت القدر".