روايات أهل القرية - تل الصافي - قضاء الخليل

كنا نرى اليهود يعملون عصابات وتكتلات ويخرجون في الخلاء يتدربون وصارت مضايقات في المدن يافا، وسلمة، واللد، وقطرة، والمغار وهذه المضايقات للذاهبين والعائدين.

 وبدأ الناس يشترون الأسلحة الإنجليزية، وكان الإنجليز يعطون لكل بلد أربعة بواريد، أما الناس الذين لديهم نقود أو أراض فصاروا يبيعون أراضيهم أو دوابهم لشراء الأسلحة والتي كانت مجرد بواريد.

  المهم في الأمر أن يتسلحوا، ثم وضعت الحراسات على البلد وكانت تتألف من خمسة كتل وأنا كنت من ضمن الذين يسهرون، ومما حدث في تلك الفترة أتى أناس وضربوا على بيت المختار قنبلة وهو فوق سطح بيته ونسفوا حارته وصار هناك تجمع في البلد حيث انفرطت الحراسة بعد هذه الحادثة.

  دخل اليهود البلد ليلا من جميع جهاتها حيث كان احتلال المغار وعاقر وكنا نسمع في يافا ويازور سقوط هذه البلدات، وسمعنا أولا سقوط بلدة الشيخ مونس، وبعد أربعة أشهر احتلت بلدنا كنا خائفين من الحرب لأن بلدنا عالية، وكل الناس قد هاجرت إليها، ثاني ليلة من رمضان سنة 1948 وبطريقتهم الخاصة دخلوا من غرب البلد والتفوا علينا من الجهة الجنوبية.

 المناطق العالية

وهنا قسم بقي في شمال البلد من الذين تسلحوا بالبرنات وقسم آخر لف باطن الهوا وعلى المدرسة وعند مقام سيدنا الخضر أطلقوا الرصاصات الحمراء والخضراء حيث احتلوا المناطق العالية.

  المدافعون عن البلد كانوا تقريبا عشرة وأذكر منهم محمد الشيخ ،وعلي سالم محمد، وعبد القادر الأملط، وأذكر من الذين سقطوا شهداء من البراهمية محمد حسن أبو عياش وابنه عياش وقد كانا من المدافعين وقتلا في بيتهما، استشهدت أيضا زوجة إبراهيم عبد أسمران وابنتها.

  سقط تقريبا أقل من ثمانية، أما من الغرباء فاستشهد منهم أكثر من عشرين، هؤلاء هم في الحارة الفوقى طبعا وكانت أسلحتهم إنجليزي وعصملي بعد ذلك هرب الناس خوفا على العرض، فقد كان في بلدنا أناس كثيرون قد هاجروا إلينا ، وقد انتشروا إلى مغلس وذكرين والدير، حينما سقطت تل الصافي اهتزت فلسطين إلى الشريعة إلى هنا في أربد.

مواجهة قائد "إسرائيلي"
 
أذكر حين وقف القائد الإسرائيلي على "التربة" في الحارة الفوقى والتي بها مقام سيدنا الخضر وتشرف على البحر وعلى الرملة وترقوميا، قمت أنادي على الناس الذين فزعوا من كل المناطق أقول "وين راحوا اللي بحبوا الموت في سبيل الله".

 
 
فقال القائد اليهودي بلغة عربية مكسرة "بين راسك يا أخو….."، وضربني ثلاثة شراشير رصاص حيث سقط ورق اللوز علي وأنا محتم في قصعة صخر، وكان معي رجل آخر من قرية ياسور اسمه عبد الله درويش وقد كان لاجئا في بلدنا قال لي لا تفارقني يا سليم، فإذا أصبت ساعدني، وإذا متت خذ البارودة.

 هربت من الفوار إلى عين السلطان كنت أقطع الحطب وأبيع. من منطقة العوجا، وأبيعه في عمان، كان رطل الحطب بـ8 مليمات غيري اشتروا دوابا وصاروا يحرثون. كنت أحس أنني سأموت بسبب إطلاق الرصاص حينما كنت أتسلل، آه لو كانوا يرونك تتسلل يحرقون الأرض وراءك الأخضر واليابس.

  أتذكر شبابا مثل الورد حينما تسللت إحدى المرات كانوا عظاما عرفت منهم عيسى أبو زهيري عرفته من ذراعه.

 المهم أتيت إلى عمان مشيا. أتيت من الخليل إلى القسطل فزيزيا فسحاب على ظهر حمار، وكان والدي رحمه الله قد أخذ أرضا هنا ليضع بذاره، فقد باع بارودته وزرع الأرض، قلت لوالدي أعطني البارودة كان ثمنها 150 ليرة فلسطيني لكنه باعها بثلاثين ليرة.

 أبي الذي كان باع نعاجه التي نشرب منها ليشتري بارودتين باع بارودته بثلاثين ليرة ليشتري بذارا وخبزا وطحينا.

  إيه يا بني تاريخنا أسود، ذهب الوالد إلى ذهيبة الدهام ورمى "شكارة" وعاد بعد ذلك إلى الخليل حيث توفاه الله مقهورا.

الجزيرة نت: شهادة  سليم أبو الحاج