- معلومات عامة عن قرية إجْزِمْ/ قرى الروحة
- الحدود
- مصادر المياه
- بلاد الروحة وقراها
- سبب التسمية
- البنية المعمارية
- معالم القرية
- الآثار
- السكان
- مؤلفات عن القرية
- عائلات القرية وعشائرها
- الحياة الاقتصادية
- التعليم
- التاريخ النضالي والفدائيون
- شهداء من القرية
- احتلال القرية
- أمثال من القرية
- روايات أهل القرية
- أعلام من القرية
- القرية اليوم
- أهالي القرية اليوم
- الباحث والمراجع
خارطة المدن الفلسطينية
اشترك بالقائمة البريدية
معلومات عامة عن قرية إجْزِمْ/ قرى الروحة
روايات أهل القرية - إجْزِمْ/ قرى الروحة - قضاء حيفا
ملاحظة مهمة: البحث أدناه لباحث "إسرائيلي" نرجو الانتباه لذلك والبحث فيه شهادات ومقارنات مهمّة .
قرية إجزم الفلسطينيّة إباّن حرب العام 1948: صياغة تاريخ أنثروبولوجي من خلال روايات الفلّاحين ووثائق الجيش
الجزء الأول
تأليف: إفرات بن زئيف- معهد ترومان، الجامعة العبريّة
ترجمة: محمود الصباغ
تم الاستيلاء على قرية إجزم الفلسطينيّة، في صيف العام 1948، بعد اشتباكات دامت أكثر من ستّة أشهر، وتمّ اقتلاع سكّانها على يد القوات الإسرائيليّة، وتفرقوا في أنحاء الشّرق الأوسط. وإجزم من بين حوالي 400 قرية وبلدة فلسطينيّة، تم إخلاءها من سكّانها خلال الحرب في فلسطين في العام 1948. وما تحصّلنا عليه من المعلومات من وثائق الجيش الإسرائيلي والروايات الشفوية للّاجئين، وتلك الّتي تمّ جمعها في إسرائيل والأردن والأراضي المحتلّة في الضفّة الغربيّة، تُنتج صورة معقّدة عن السكّان المحليّين وحرب العصابات المحليّة والظروف الاجتماعيّة الّتي أثّرت على النتائج النهائيّة [للحرب وسقوط البلدة]. من خلال الرواية التاريخيّة لتلك الأحداث يظهر لنا جدال من شقيّن: يحدد الشّق الأوّل صورة جزئيّة للقرية، مقابل الصورة الكليّة للحرب. ويسلّط الشّق الثاّني الضوء على تفرّد الروايات الشفويّة ومساهمتها كمصادر تكشف جوانب مفقودة بخلاف ذلك(1).
أظهرت الأحداث الّتي وقعت في القرية الفلسطينيّة ومحيطها، أي السهل الساحلي لجبل الكرمل، خلال حرب العام 1948، غموضاً كبيراً يعتبر واضحاً على المستوى الكوني، وتكتسب العديد من المصطلحات معانٍ مرنه مثل "طرد" أو "فرار" و "مفاوضات" و "متعاون" واستخدام مصطلح "كان". وبعيداً عن التحقيق التّاريخي ومحاولة رسم المعاني والمخاوف والدوافع المحليّة، تكشف سرديّة اللّاجئين عن المفاهيم والأحداث الاجتماعيّة الّتي ميّزت حياة القرية والمجتمع الريفي الفلسطيني.
المصدران الرئيسيّان للمواد المعروضة هنا، هما الوصف الشفهي للحرب الّذي قدّمه لي الفلّاحون الّذين أصبحوا لاجئين (سواء من هم من أهل إجزم أو من سكّان القرى المجاورة) بالإضافة إلى الوثائق الموجودة في أرشيف جيش الدّفاع الإسرائيلي(2)، والّذي يشمل مواد عن تقارير الضبّاط عن الهجمات وسير المعارك، وتقويمات الاستخبارات، وتقارير المخبرين، والوثائق العربيّة المصادرة، واستجواب السجناء(3)، وتحقيق اللّجنة التّابعة للأمم المتّحدة الّتي تضمّنت استجواب الفلّاحين بعد وصولهم إلى الخطوط العراقيّة. وتشمل المصادر التكميليّة المدرجة في هذه الورقة الشهادات الشفويّة لجنود إسرائيلييّن شاركوا في القتال في إجزم وفي المنطقة المحيطة بها، بالإضافة إلى مواد أرشيفيّة وتقارير صحفيّة. والمشترك بين المصدرين الرئيسيين - روايات الفلّاحين، ووثائق الجيش- أنهما مستمدان من الأشخاص الّذين شهدوا أحداث الحرب، وهي في الغالب روايات مباشرة. وغني عن القول، أنّ التميّيز بين المصادر الأرشيفيّة والروايات الشفويّة للفّلاحين، هو أن هذه الأخيرة تعبّر عن انعكاسات قيلت بعد خمسين عاماً من "التذكّر". وحقيقة أنّ التفسيرات الشفويّة هي انعكاس لا تشير بالضرورة إلى أنّها روايات غير موثوقة أو مشوّهة (Thompson 1978؛ Samuel and Thompson 1990). وتنبني حجتي هُنا، بخلاف ذلك، على القول بعدم الاستغناء عن ذكريات تلك الفترة الحرجة. لقد احتفظ الفلّاحون المنفيّون [من قراهم] بالعديد من "المشاهد الفريدة" غير المغربلة في كثير من الحالات، والّتي أرخت ظلالها خلال فترة الفوضى من العام 1948. وتخلّد الروايات الشفويّة ذكرى بعض الفاعلين، وتشرح دوافعهم. قد قيل لنا كيف ولماذا انتقم سائق الحافلة الجزماوي من اليهود أو كيف حاول محامي جزماوي أن يحكم بين القرية واليهود. علاوة على ذلك، تصبح الديناميات الداخلية للقرية (مثل التوتر بين الطبقات، وتقسيم العمل بين الذّكور والإناث، أو تفكك النسيج الاجتماعي المعتاد بسبب الاشتباكات المستمرّة) تصبح، جميعها، عوامل ترتبط بصلة ما بالصورة العامة لفترة الحرب. وكان صموئيل هاينز قد لاحظ أنّ الفاصل الزمني بين الأحداث وسردها، يحوّل التركيز إلى الدّاخل، إلى المعنى والاستجابة الذاتية، إذ لم يكن الأمر مجرد "ما حدث" بل "ماذا يعني"؟ وكيف أثّر علي؟Hynes 1999: 208). ومن ثم، ينبغي بدلاً من التعامل مع الذكريات على أنها موضع شبهة، استخدامها كنماذج للمشروع، كانت ولا تزال ذات صلة بالفلّاحين (انظر Wachtel 1986 ، بعد Halbwachs 1980). وترسم وثائق الجيش، على عكس الرواية الشفويّة، حقائق محدّدة مثل الطبيعة والمكان والتاريخ وتوقيت كل اشتباك، والمحاولات والوسائل الحازمة الّتي استخدمها الإسرائيليون للاستيلاء على القرية. ومن ثم، فإنّ الجمع بين المصدرين المختلفين - وثائق الجيش والروايات الشفويّة- يوفّر قصّة متماسكة إلى حد ما عن أحداث العام 1948، لكنّها بذات الوقت، مليئة بالفروق الدقيقةّ
إجزم وموقعها
كانت إجزم [قبل العام 1948] قرية كبيرة ومزدهرة نسبياً، تقع على تل يبعد بضعة كيلومترات شرق طريق حيفا- يافا السّاحلي. أجبر الجيش اليهودي، في العام 1948، سكّان القرية البالغ عددهم 3000 نسمة على الفرار، بالإضافة إلى حوالي 750.000 نسمة من سكّان المدن والريف والقرى والفلسطينيون البدو (Abu Lughod 1971: 161 Morris 1987: 298 Takkenberg 1997: 19) . وتعدّ إجزم تاريخيّاً، مسقط رأس عائلة الماضي ذات النفوذ الّتي حكمت منطقة حيفا الساحلية كوسطاء للعثمانيين خلال النّصف الأوّل من القرن التّاسع عشر(4). وبقي آل الماضي يحتفظون بالمناصب السياسيّة الرئيسيّة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ويمتلكون قطعاً كبيرة من الأراضي بشكل استثنائي. كما تم إرسال بعض أفراد العائلة إلى الخارج لتلقي التّعليم العالي (بشكل أساسي إلى بيروت ودمشق). وأقام أفراد بارزون من العائلة في كل من مدينة حيفا المجاورة وفي القرية بذات الوقت. وكانت إجزم، من حيث ملكيّة الأرض والسكّان، ثاني أكبر قرية في قضاء حيفا (في المرتبة الثّانية بعد طيرة حيفا)(5). وبالإضافة إلى الأهميّة التاريخيّة للقرية، وتكوينها الاجتماعي الخاص، فقد تمّ اختيارها كدراسة حالة بسبب وفرة الوثائق المتعلّقة بالقرية المحفوظة في أرشيف جيش الدّفاع الإسرائيلي.
كان السّهل الساحلي لجبل الكرمل، الممتد من قيساريّة في الجنوب إلى حيفا في الشّمال، مكتظاً بالسكّان، وكان ينمو بسرعة في أواخر الحكم العثماني وبداية الانتداب. واستثمرت الحكومة البريطانيّة في المنطقة، فنفّذت مشاريع عديدة، مثل تعبيد الطريق الساحلي عند سفح سلسلة جبال الكرمل (اكتمل في منتصف الثلاثينيّات)، وإنشاء صناعة الملح في عتليت وتعميق ميناء حيفا، وإقامة معسكرات للجيش ومراكز للشرطة والسجون. وقد وفرت هذه الأشغال فرص عمل للسكّان المحليّين. وكانت حيفا، الّتي تقع على بعد 25 كيلومتراً شمال إجزم، المركز الحضري للقضاء. وازداد عدد سكّانها بسرعة خلال فترة الانتداب، من 24،640 في العام 1922 إلى 128،800 في العام 1944(6). واقترن الازدهار الاقتصادي بالسيطرة الأمنيّة المشدّدة، خاصة بعد الثورة العربيّة 1936-1939 ، عندما حظر البريطانيّون حيازة الأسلحة، خاصة في الوسط العربي.
احتل الجيش اليهودي حيفا يوم 21-22 نيسان-أبريل 1948، بعد الانسحاب البريطاني من أجزاء من المدينة (وتمركزهم في المعسكرات الّتي سيغادرونها فيما بعد نهائياً بعد بضعة أشهر)، غادرت الغالبية العظمى من سكّان حيفا العرب البالغ عددهم 60 ألفاً المدينة على عجل عبر الميناء، فور سقوطها في أيدي اليهود، ونزلوا أولاً في عكا، على الطرف الشمالي من خليج حيفا، ثم تابعوا بعد ذلك إلى لبنان(7). وكان لحالة العنف تأثير كبير على هذا النزوح الجماعي الّتي بلغت ذروتها في المدينة بين المجموعتين [العرب واليهود] والمذبحة الّتي قام بها اليهود ضد العرب في قرية دير ياسين قبل 10 أيام من سقوط المدينة.
صمدت العديد من قرى منطقة الكرمل لمدّة ثلاثة أشهر بعد سقوط حيفا، فقاتلت إجزم والقرى المجاورة لها معاً، مثل جبع (1140 نسمة) وعين غزال (2170 نسمة)(8) وكانت آخر قرى الكرمل الّتي سقطت يوم 26 تموز-يوليو 1948. هذه المقاومة المستمرّة والصمود للقرى الثلاث، الّتي أطلق عليها اليهود اسم "المثلث الصغير"، مذكورة في الكتب الإسرائيليّة عن الحرب(9). في حين تقتبس تقارير فلسطينيّة، بطريقة غريبة وعكسيّة، من مصادر يهوديّة لوصف صمود هذه القرى الثلاث. فعلى سبيل المثال يستشهد وليد الخالدي في كتابه" كل ما تبقى: القرى الفلسطينيّة المدمّرة،1992: 164 ) بالكتاب الإسرائيلي "تاريخ حرب الاستقلال" ويستشهد موقع بيرزيت على شبكة الإنترنت عن قرية الطيرة بالكتاب الإسرائيلي "تاريخ الهاغاناه"(10).
تم التعبير عن نيّة الجيش اليهودي في "تطهير الكرمل" في وثيقة نادرة تعود لأيار- مايو 1948. (المستندات المحفوظة في أرشيف الجيش الإسرائيلي IDFA والّتي تشير إلى المادة تخضع عادة للرقابة)(11). كان توفيا أرازي قد عمل في "شاي" (شروت يديعوت، وتعني حرفياً "خدمة المعلومات")، ذراع استخبارات الهاغانا، ولاحقاً في القسم العربي في الدائرة السياسيّة للوكالة اليهوديّة. وكان أرازى يجري محادثات مع ممثلين عن القرى الدرزيّة في جبل الكرمل، وأبلغ موشيه كرمل قائد لواء كرملي بالنتيجة(12). وفيما يلي رد أرسله موشيه كرمل إلى أرازي في أيار- مايو 1948 :. .. لقد أكدت لكم هذا عبر الهاتف قبل الاجتماع، وأكرر أنّ الهاغانا لم تأذن لأحد بالتفاوض مع الدروز في مسائل الأمن والدفاع، ولا عقد اتفاقات معهم في هذه الأمور سواء كتابة أو شفهيّاً. كل ما تقرر في هذا الاجتماع لا يلزم الهاغانا، وستعمل، الهاغاناه، وفق اعتباراتها وميولها. علاوة على ذلك، فإن تطرّق هذا الاجتماع إلى مسائل عسكرية، يتناقض مع ميل الهاغانا لتطهير الكرمل، إن مناقشة المسائل العسكريّة سوف يتسبب بأضرار على الصعيد الأمني. (13).
لم تُنفذ هذه الخطة "لتطهير الكرمل" بالكامل. فبقيت قريتان مسلمتان هما فريديس وجسر الزرقاء (عرب الغوارنة) على حالهما، وكذلك القريتان الدرزيّتان دالية الكرمل وعسفيا (اللّتان كانت لهما علاقات سابقة مع شخصيّات يهوديّة). وتم بالفعل إخلاء بقيّة القرى في هذه المنطقة من سكّانها. في بعض الحالات، كما في قرية صرفند (الّتي كانت صغيرة نسبيّاً)، ترك السكّان بيوتهم خوفاً قبل مهاجمتهم، بينما في معظم الحالات لم يغادر السكّان حتّى أدركوا أنّهم خسروا المعركة. كما هو حال إجزم(14).
1948 - الحوادث المبكرة
كان أبو أشرف، المولود في العام 1927، على دراية جّيدة بأمور الحرب، حيث كان مشاركًا فيها بنشاط، وكان في العام 1948 في سن القتال. التقينا حوالي خمس مرات في قريته الّتي يقيم فيها حاليّاً في إسرائيل(15). يقول أبو أشرف [ الحوار بالعبريّة]: سأخبرك عن حرب كرم مهرال [اسم المستوطنة اليهوديّة الّتي أقيمت في موقع إجزم](16). بدأت حرب كرم مهرال بالتدريج. بدءاً من الطريق الرئيسي. ناس رائحة على حيفا وناس قادمة منها، لم تكن حيفا قد سقطت بعد، الحادثة الأولى في الحرب - كانت هناك سيارة جيب يهوديّة على الطريق. وكانت هناك حافلة من إجزم إلى حيفا [حافلة عربيّة]. كان فيها ممرض ومعلّم اسمه توفيق.. [أبو أشرف يحاول أن يتذكّر اسم عائلة توفيق] فتقول أم أشرف [زوجته]: توفيق العارف(17). فيقول أبو أشرف [مصحّحاً لزوجته]: توفيق المراد. كان الجيب يطلق النّار على الحافلة. فقُتلت تلك الفتاة على الفور [أي، الممرضة] وذلك الرجل المتعلّم.
إفرات: لماذا أطلقوا النّار على الحافلة؟
أبو أشرف: كانت بداية الحرب.. عادت الحافلة إلى القرية في المساء. وقالوا: "قُتلت هذه الممرّضة، وذاك الرّجل من عائلة الماضي".(18)
وفي اليوم التّالي ذهب هذا الرّجل صاحب الحافلة [إلى حيفا]. وكان اسمه سعيد المدني وهو من إجزم. ذهب بالحافلة فشاهد الجيب على الطريق، فقال لركّاب الحافلة: "تشبثوا جيداً" فدهس الجيب وقتل من فيه، لكن الإنجليز ما زالوا هنا. لم يغادروا بعد. وبدأت اليهود تطلق النّار على الباصات والنّاس [تحديداً العرب] يطلقون النّار على اليهود. وصف أبو أشرف هذين الحدثين المتتاليّين على الطريق الرئيسي بأنّهما أول حوادث حربيّة مهمّة في المنطقة. صدم حافلة "إجزم" للسيارة اليهوديّة، كانت حدثًا لا يُنسى أيضاً لجميل الّذي يعيش في مدينة إربد شمال الأردن. وجميل هذا من بلدة عين حوض، كان في العاشرة والنصف من العمر وقت ذلك حادث الاصطدام، وبينما كان يدرس في قرية عين غزال، كان يركب الحافلة الّتي كانت تربط بين إجزم وحيفا وسائقها سعيد المدني. فيما يلي روايته (باللغة الإنجليزيّة، دون تصحيح للأخطاء) للحادثة الّتي دهس فيها سعيد المدني السيارة اليهوديّة[ الحوار بالإنكليزيّة]:
جميل: الأشهر الأولى.. بمجرد أن اتصل السائق بسعيد المدني، أعتقد أنّه كان يعيش في بغداد.. ربما مات. ربما لا يزال على قيد الحياة. حتّى ثلاث أو أربع سنوات قبل، كان لا يزال على قيد الحياة. كان سائق الحافلة التّي تخص إجزم وكان من إجزم. ورأى سيارة أجرة صغيرة، بداخلها - ثلاثة أو أربعة مهندسين- رجال سياسيّون، لا أعرف. وقال للنّاس في الحافلة - فقط امسكوا مقاعدكم بإحكام(19). كما نقول في الطائرة اربطوا الأحزمة. واستخدم الفرامل فوق التاكسي لتهبط الحافلة عليها، ويقتل النّاس هناك. بعد ذلك، طبعاً، عقد الإنجليز محاكمة في حيفا، وطوق أناس من الطيرة المحكمة لمنع إيذاء ذلك الشخص.. بعد ذلك، وهذا مضحك حقّاً، فبدلاً من الزجاج لنوافذ الباص، وضعوا نوافذ من الحديد الصلب. تصّور!.
من المحتمل أن يكون حدث موصوف في صحيفة "هآرتس" اليهوديّة في 3 شباط - فبراير 1948 يتعلق بـ "حادث" الطريق المذكور أعلاه. ذكرت صحيفة "هآرتس" أنّ يهودييّن اثنين قُتلا، وأصيب آخر عندما اصطدمت حافلة عربية بسيارتهم الصغيرة على طريق حيفا - تل أبيب. كان أحد الرّجال مهندساً هيدروليكيّاً، والثّاني كان رئيساً للجنة البناء العبري في منظّمة الإنتاج المنزلي، وكان المصاب عضواً في نقابة الموظفين(20). وكما هو متوقّع، ذكرت الصحيفة اليهوديّة أسماء الأشخاص اليهود في حين أنّ الجزماويين ذكروا أسماء أقرانهم الفلسطينيّين. (فقط الممرضة الفلسطينيّة في الحافلة، الامرأة، لم يتم الكشف عن هويّتها). وفي حين اقتصر أبو أشرف وجميل على سرد القصّة كجزء من تأريخ تاريخي متقطع إلى حد ما، أضاف شفيق نظريّة وضعت هذا الحدث في إطار تصعيد الحرب في إجزم. وشفيق هذا، مولود في إجزم في العام 1930، ويقيم اليوم في حيفا، ويرى شفيق أنّ أهل إجزم لم يختاروا الانخراط في الحرب لأنّهم "كانوا مزارعين بسطاء لا يمتلكون أسلحة ولا يعرفون كيفيّة استخدامها". وتحدث شفيق، وهو أحد أفراد عائلة الماضي، عن الطبقات الاجتماعيّة داخل القرية، وربط الأحداث بمسافة معيّنة من "الفلّاحين البسطاء". كان هو وفرد آخر من عائلتّه يحاولون معرفة ما حدث لقيادة القرية أثناء سرد الأحداث التاريخيّة. واستنكروا حقيقة أن القيادة قبل العام 1948 ،لم تستثمر موارد كافية في التّعليم والحفاظ على ممتلكات الأسرة. وأشار، هو وزميله، إلى أنّه بالإضافة إلى هذا المسار الدّاخلي، جاءت أحداث العام 1948. وفي رأي شفيق، أشعل عملين استفزازيّين يهودييّن "الحرب" المميتة. أحدهما اختطاف سبعة رجال كانوا يعملون في الحقول بالقرب من الطريق الرئيسي، والثّاني إطلاق النّار على حافلة سعيد المدني.
تم تسليط الضوء على جوانب معيّنة في الروايات الشفويّة عن سعيد المدني. وأشار جميل إلى أنّ سعيد المدني كان لا يزال يعيش في بغداد حتّى وقت ليس ببعيد. وقد عَلِمَ بذلك من التواصل مع أهالي قضاء حيفا المشتتّين. علاوة على ذلك، تم تداول قصّة المدني على مدار الخمسين عاماً الماضية، وما قام به وأهميته لم يمت في أذهان أهالي المنطقة في العام 1948. فالسّرد جزء من عمل تذكاري يتحوّل فيه النّاس إلى أبطال محليّين. وبالنظر إلى الماضي، يُنظر إلى هذه الأحداث على أنّها معالم أحداث مؤطرة ضمن النضال الوطني.
الخطف والمفاوضات
تبلورت قوة الجيش الإسرائيلي اعتباراً من ربيع العام 1948، واشتدّت الاشتباكات على طول الطريق [الساحلي]، ونجد أن الجيش أيضاً يوثق الأحداث الّتي وصفها أهل القرية. من المدهش إلى حد ما، أنّ كلا المصدرين يميلان إلى التكامل. أفاد مخبر عربي للجيش الإسرائيلي بما يلي: يوم الخميس، أسر اليهود ثلاثة عرب من إجزم في حقول عين غزال بالقرب من طريق إجزم. اسم أحدهما [الاسم خاضع للرقابة] والآخر [الاسم خاضع للرقابة]. احتفظوا باثنين وأطلقوا سراح الرّجل الثالث. وقبل أسبوعين من ذلك تم القبض على ستّة عرب في حقول جبع. تمّ الإفراج عن اثنين، أما الأربعة الآخرين فلم يعودوا بعد(21)، وكانت هناك مفاوضات مستمرّة وتبادل للأسرى طوال الحرب. وقد وقعت واحدة من الأحداث الأخيرة لقطع الطريق يتذكّرها الفلّاحون جيّداً، ما تم توثيقها في الأرشيف اليهودي، في السادس من تموز-يوليو، قبل ثلاثة أسابيع من سقوط القرية. وفيما يلي وصف الحادث كما هو في سجل أرشيف الجيش الإسرائيلي: في الساعة 11:15، وقع هجوم عنيف على وسيلة نقل [يهودية] على طريق عتليت- زخرون. كان الهجوم بالأسلحة الثقيلة والمدافع الرشّاشة وجاءوا من جانبي الطريق قرب جبع. وأصيب سائق السيّارة المصفّحة الّتي كانت ترافق ستّة عشر سيارة بجروح طفيفة، وأصيب راكبان آخران من السيّارتين. تمّ نقلهم جميعاً إلى المستشفى. وعند الساعة 11:15 وصلت سيّارة مدفعيّة إلى المكان من تل أبيب بسيارة أجرة. وبينما كانوا بالقرب من جبع أطلق ثلاثة مسلحون من العرب النّار عليهم. ردوا بأسلحة خفيفة. في ذلك الوقت وصلت قافلة كبيرة من حيفا. تم إيقافها بنيران كثيفة. بدأ صهريج الوقود يحترق ويسد الطريق. وتمكّنت بقيّة السيّارات من الهرب باتجاه مكان آمن. ومن المفترض أنّ بعض الأشخاص العزّل قفزوا من السياّرات أثناء الهجوم واختبأوا في حقول جبع. وفي الساعة 13:15 تم إرسال سيّارة مصفّحة من عتليت إلى جبع، وقصفت المواقع المواجهة للطريق. هناك جهود تبذل للعثور على الأشخاص الّذين ربما لا يزالون في الحقول(22).
خلال هذا الهجوم تمّ أسر عدد قليل من اليهود. كان أحدهم بيريتس فيلفل إيتكيس الّذي ورد ذكره في وثائق أرشيف الجيش الإسرائيلي، وفي الروايات الشفوية. كان إتكيس واحداً من بين العديد من السّجناء، لكنّه أصبح من أشهرهم، ربّما بسبب وظيفته السّابقة كمهندس في إدارة الأشغال العامّة البريطانيّة في حيفا. تتقاطع حادثة خطف إتكيس مع رواية أمين، بينما كان يخبرني عن العديد من السيّارات والشّاحنات الّتي تمّ الاستيلاء عليها على الطريق، وتمّ إحضارها إلى القرية. ولد أمين في إجزم في العام 1934، وهو يعيش، حالياً، في قرية في إسرائيل، [ الحوار بالعبريّة]:
أمين: أذكر ذات مرّة عندما أحضر المقاتلون على الطريق سيّارة محمّلة بالدّواجن.. ذات مرّة أحضروا الذّرة. وأذكر مرّة أنّهم قبضوا على شخص يدعى إيتكيس. كان يقود درّاجة ناريّة على ما أظن، فهاجموه وهرب إلى حقل الذّرة بالقرب من جبع وطاردوه وألقوا القبض عليه كسجين، بالتّالي نُقل إلى إجزم.
يذكر أبو نعيم، المولود في إجزم في العام 1936، إيتكيس أيضاً. ويعيش أبو نعيم في قرية في إسرائيل. التقينا مرّتين في منزله الّذي لا يزال يشبه مساكن الماضي. ويوجد لدى أبو نعيم، في المكان المجاور للمنزل، حظيرة دجاج وبعض الأغنام والماعز.[ الحوار بالعبريّة]
أبو نعيم: كان هناك رجل اسمه إيتكيس تمّ اختطافه. مرّ على الطريق السّاحلي بسيّارة، على ما أظن في منطقة عين كرمل- زروفا(23) لست متأكّداً.. أوقفوا سيّارته وأحضروه أصيبت زوجته، أتذكّرها، امرأة سمينة، أصيبت في يدها، وضعوا لها ضمّادة من قطعة قماش وأحضروها. ما هذا؟ [قلت لنفسي]. رأيت هذه المرأة في هذا الموقف، [وشعرت] بعدم الارتياح. شخصان يمسكانها وهي..؛ زوجها قيّدوا عينيه. إذن، ماذا يريدون أن يفعلوا بها؟ سوف تموت بأيديهم. وبعد ذلك سارع النّاس إلى ركوب حصان وركضوا إلى داليا(24). أحضر النّاس [الدّروز]، ووضعوها على حصان ثان وأخذوها. وأقام [الزّوج] في الماقورة [خربة الماقورة؟]. كان المقر الرئيسي في الماقورة. أين أقام؟ مع شريف. ومن كان حارسه؟ عمي مرشد؛ وأتذكّر أنّه كان الحارس، وكانوا في علاقات جيّدة. ورأيت كيف أطلقوا سراحه عبر مفاوضات في عسفيا.
كان شريف محامياً. أصله من إجزم ودرس في دمشق وعند عودته فتح مكتباً في حيفا. امتلك قطعة ارض كبيرة ملاصقة لإجزم من جهة الشرق حوّلها إلى بستان مثمر" بيّارة" تقع بالقرب من نبع الماقورة. أدّت محاولة اغتياله، خلال الثورة العربية عام 1937،إلى مغادرته البلاد لمدّة عامين، أمضاهما في بيروت مع عائلته. وعندما عاد اكتشف أنّ المتمرّدين دمّروا منزله وأشجاره. ومع ذلك، اختار إعادة بناء مزرعته، حيث أمضى أيام الأسبوع في حيفا لممارسة المحاماة، وعطلات نهاية الأسبوع في مزرعته في إجزم. وقد أقام، بفضل مهنته، علاقات وثيقة مع المسؤولين البريطانيّين، وكذلك مع اليهود ذوي النفوذ. وبسبب هذه الاصطفافات، عمل كوسيط خلال الحرب، محاولًا تحقيق اتفاق بين إجزم والهاغانا (المنظمة اليهوديّة الرئيسيّة المسلّحة الّتي سبقت إنشاء جيش الدّفاع الإسرائيلي).
وكان شريف قد كتب (في ذات اليوم الّذي تمّ فيه أسر إيتكيس واحتجز في منزله بالماقورة قرب إجزم) الرسالة التّالية إلى أحد معارفه اليهود: إلى السيّد دوف بن ألتر هاآدوم، أبو يوسف مرحباً، لقد تلقيت رسالتكم اليوم عن طريق رجل من عين غزال بخصوص المهندس إيتكيس. وتقدّم أيضاً، المحامي [يعقوب] سالومون من حيفا، بطلب في هذا الشأن. كما جاء السيّد خيّاط من حيفا، والتقى شيوخ جبع ووعد بالإفراج عن خمسة من الأشخاص الّذين أسرهم اليهود في عتليت. ربما تنتهي عمليّة التبادل غداً ويُطلق سراح المهندس إيتكيس. إنّه في بيتي، بصحة جيّدة ومعافى وموضع ترحيب كما العادة مع العرب(25)
ويتذكّر شفيق، نجل شريف، الأسرى بوضوح، وقد التقينا في تموز-يوليو 1998 في منزله في حيفا. [ الحوار بالعبريّة]
شفيق: ذات يوم جاء النّاس إلى والدي وقالوا له إنّ أحد اليهود قد استسلم وأطلقوا النّار عليه. قال لهم والدي إنّ هذا ليس فأل خير - فمن يستسلم يجب أن يؤسر فقط. بعد أيام قليلة أحضروا له سجناء - سائق شاحنة، عمل لاحقاً كحارس في مكتب ضريبة الدّخل في شارع المينا.. كان رجلاً مسنّاً. لا أعرف ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة، وسائق تاكسي عمل لاحقاً في مستودع ملابس في شارع هرتزل، وإيتكيس وزوجته. أصيبت زوجته في يدها، وتصادف يومها أن كان عندنا ضيوف من داليا. قال والدي بما أنّه لم يكن لدينا طبيب -"ماذا أفعل؟" وطلب من الضيوف اصطحابها معهم، فأخذوها كما تعلمون، عبر الجبال. بقي الثلاثة في المنزل وكانت والدتي تصنع لهم الطعام كل يوم. وكما تعلم، كان مثلث جنين تحت سيطرة الجيش العراقي، أرسلوا جنوداً عراقييّن لأخذ الأسرى، فرفض أبي تسليمهم وقال لهم: "لا يمكنكم أن تأخذوهم. هؤلاء هم أسرانا، سنبادلهم بسجنائنا الّذين أخذهم اليهود. لا نريد التخلّي عن الأسرى، وإلا سيبقى أسرانا هناك"، فغادروا ولم يأخذوهم. لا أحد يحرس السجناء الثلاثة، كنت أزور الغرفة الّتي يقيمون فيها كل يوم. قال لي السائق، الّذي من شارع المينا، على ما أذكر، "دعني أهرب" وقلت له: " لن تستطيع الهرب، فهناك الكثير من النّاس، سوف يقبضون عليك ويقتلوك، لا يمكنك الهرب". باختصار، حدث تبادل للأسرى لاحقاً.. وبمساعدة بعض الدّروز، أرسلت السيّدة إيتكيس هدية إلى والدتي وجوارب وعطور ولا أتذكر ماذا كان في هذه الحقيبة.
عندما عاد إيتكيس من سجنه، استجوبه جيش الدفاع الإسرائيلي، وقدّم معلومات حول الوضع في إجزم، بما في ذلك وصف للعراقييّن الّذين جاءوا لأخذه. فيما يلي مقتطف من التقرير الّذي كتبه محقق إيتكيس:
ليلة الخميس، ظهرت وحدة عراقيّة برفقة ضابط في العقار المحتجزين فيه. كان النّاس مسلّحين بشكل جيّد، وكان أحدهم يحمل رشاشاً. بدوا متعبين للغاية كما لو كانوا قد أتوا من بعيد. ثم اكتشف [إيتكيس] أنّهم أتوا من عرّابة [قرية تقع جنوب غرب جنين] حيث المقر العراقي، في الوقت الحالي. كان الضابط يتحدّث الإنجليزيّة بطلاقة، لكن إيتكيس متأكداً أنّه ليس إنجليزيّاً، إذ يبدو كأنّه عراقي. استجوبه الضابط لفترة وجيزة، ثم قال إنّه على وشك اصطحابه إلى عرّابه للاستجواب الشّامل. لكن بعد التشاور مع شريف، غيّر رأيه، وقال إنّ إيتكيس سوف يُطلق سراحه، إذا أطلقنا سراح سجناء إجزم. بقيت الوحدة [العراقيّة] لفترة قصيرة، ثم واصلت طريقها إلى جبع(26). كان اسم سائق الشّاحنة المسجون في منزل شريف، كوبرشتوك وهو الّذي ذكره شفيق، وقد أرسل هذا السائق، من سجنه، رسائل إلى يعقوب سالومون، المحامي اليهودي الّذي كان ضابط ارتباط للهاغانا في حيفا وأحد المشاركين في المفاوضات مع إجزم. عرف سالومون شريف قبل الحادث بوقت طويل، حيث كانا محاميين في حيفا. تم العثور على الرسالة التّالية في أرشيف يعقوب سالومون في مظروف صغير يحتوي على ملاحظات أخرى من تلك الفترة(27).
نص الرسالة:
15/7 / 48. عزيزي السيّد سالومون. لقد تلقيت رسالتك ولا أستطيع أن أفهم لماذا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً عندما لا يكون رأسي وجسدي على ما يرام.. وأحتاج إلى علاج طبي.. وليس لدي شيء هنا. "محمد أفندي"(28) مستعد لإطلاق سراحي إذا أعطيته عربيّاً واحداً. يجب أن تعلم أن الوضع هنا متوتّر للغاية، وأنا مستعد لأن اقدّم حياتي ثمناً باي لحظة. أسقطت طائراتنا العديد من القنابل.. وكان هناك العديد من الضحايا.. لقد أرادوا بالفعل أن يتخلصوا مني، فقط محمد أفندي لم يسمح لهم بذلك. لا يمكنك تخيل مدى خطورة وضعي. أكتب إليكم الآن بوضوح، وأطلب إجابة واضحة. وعندها سوف أعرف ما يتوجّب عليّ فعله، حيث لن يكون لدي خيار آخر سوى الهروب والمخاطرة بحياتي بنسبة مائة بالمائة(29). أنا ضائع وأجد صعوبة في الاستمرار. إنّهم يراقبونني بسبعين عين، يرجى أخذ كل شيء في الاعتبار، شكراً لك مقدما، تسفي كوبرشتوك(30).
في الثامن من تموز- يوليو، وبينما كان كوبرشتوك وإيتكيس لا يزالان في إجزم، وقع هجوم مشاة يهودي على القرية، وُصِف بأنّه انتقاماً للهجوم العربي على الطريق قبل يومين. فشل الجنود اليهود في الوصول إلى القرية وتعرّضوا لهجوم عنيف من قبل مقاتلي القرية، وتم تطويق موقعهم من ثلاث جهات، ثم تراجعوا على عجل، تاركين وراءهم قتيلين وعادوا بتسعة جرحى.
واختتم الضابط الإسرائيلي الّذي وثّق الحدث بالقول، من بين ملاحظات أخرى، أنّ "العدو كان سريعاً في التوجه والهجوم، ويتمتّع بقيادة جيّدة وروح هجوميّة وميل إلى الأذيّة"(31). وفي العاشر من تموز-يوليو تم إطلاق سراح إيتكيس، وفي السّادس عشر أطلق سراح كوبرشتوك أيضاً(32).
المحلي مقابل المنظور القومي
في حين أن الصورة المحلية تتطور بشكل متماسك إلى حد ما من الوثائق والروايات الشفويّة، فثمّة، هناك بعض التناقضات بين "العالم المحلي" (كما وصفه الفّلاحون ووثائق الجيش) والصور العامة والشائعة عن العام 1948 الّتي تطوّرت على مر السّنين. ويدور أحد النقاشات الجارية حول العام 1948 عن دور "القوى الخارجيّة" - سواء كانت قوات التحالف العربي (العراقيّة، الأردنيّة، السوريّة، إلخ) أو القوات المنضوية ضمن الأطر الفلسطينيّة كتلك الّتي نظّمها عبد القادر الحسيني من القدس أو محمد الصفوري من صفوريّة. وأشار الفلّاحون إلى أنّهم كانوا متردّدين في السماح للقوات الأجنبيّة بالاستقرار داخل القرية. وقيل لنا، من خلال تقرير استخباراتي من أرشيف الجيش الإسرائيلي يعود ليوم 12 آذار- مارس 1948 (قبل التصعيد الكبير للحرب)، أنّ مخبراً اسمه "المحامي" قال إن فرقة محمد الصفوري غادرت قرية إجزم، وهي الآن في منزل بالقرب من بستان الشّريف، كما قاموا بنقل ذخائرهم وأسلحتهم. خارج المنزل حيث يقف النّاس للحراسة ومعهم بنادق الكناري(33).
"المحامي" ،وهو على الأرجح شريف نفسه (لأنّه كان المحامي الوحيد في إجزم في ذلك الوقت)، أعطى المزيد من المعلومات لليهود بعد أيام قليلة: تم إعادة تجهيز 30 رجلاً بالإضافة إلى رجال الصفوري، وأُرسلوا إلى إجزم برفقة ضابط تركي، على الأرجح مرتبط بـ "جيش التّحرير العربي". قالوا إنّهم أرسلوا من قبل عبد القادر الحسيني، قائد القوات المقاتلة في منطقة القدس. وكان الضابط [التركي] والصفوري في صراع منذ أن كان التركي تابعاً لصفوري، لكنّه اعتقد أن الصفوري لا يعرف شيئاً عن الأمور العسكريّة، فقام الضابط التركي برسم المخطّطات لمناطق المستوطنات اليهوديّة القريبة. قام رجاله بزرع الألغام بين فريديس ومستوطنة زخرون يعقوب اليهوديّة (على بعد بضعة كيلومترات جنوب إجزم)(34). علِمنا من كلا المصدرين أنّ القوات الّتي أتت من الخارج جاءت وذهبت، وبقيت بالقرب من القرية، ويبدو أنّها واجهت مشاكل في التواصل فيما بينها ومع الفلاحين.
بعد سقوط حيفا، تمّ عزل سكان المنطقة. وحيث أنّهم مُنعوا من دخول المدينة خلال أشهر أيار وحزيران وتموز، فقد استعانوا بوسطاء دروز لنقل وبيع منتجاتهم الزّراعيّة في المدينة(35). وكان هناك طريق آخر للخروج من الحصار يؤدي إلى حيث تتواجد القوّات العراقيّة المتمركزة في جنين، على بعد عشرين كيلومتراً جنوب إجزم. دخل العراقيّون فلسطين مع قوات التحالف العربي الأخرى في 15 أيار-مايو 1948. ولا يزال الجدل مطروحاً حول ما إذا كانت الجيوش الأجنبيّة قد شاركت فعليّاً بشكل نشط، كما تميل الرواية الإسرائيليّة إلى تأكيد ذلك، أو أنّ الأمر كما تعرضها الرواية الفلسطينيّة غالباً، والّتي ترى أنّ وجود تلك القوّات كان رمزيّاً جزئيّاً ومضلّلاً للفلسطينييّن المحلييّن الّذين أخطأوا حين اعتمدوا عليهم لمساعدتهم. ولعبت هذه القوّات، في إجزم دوراً ثانوياً، كما سنرى، خاصة عندما كانت البلدة في أمس الحاجة إليها.
على الرغم من أنّ الخطاب العراقي الرّسمي كان مؤيداً للفلسطينيّين بشدّة، إلا أن المشاركة العراقيّة في الحرب كانت محدودة في الواقع. اتّهم العراقيّون، داخل جامعة الدول العربيّة ومن قبل الفلسطينيّين المحليّين، بـ "عدم وجود أوامر" (ماكو أوامر في العاميّة العراقيّة) وعدم وجود سياسة واضحة(36). ونتيجة لهذا النّقص، اتّخذ الضباط العراقيّون في مناطق معيّنة مبادرات شخصيّة. وقد وجدنا مراسلات بين ضباط محليّين عراقيّين ومحلييّن إسرائيليّين لتسوية خلاف حول استخدام قطعة أرض معيّنة على الخط الحدودي بين القوات اليهوديّة والعراقيّة، في مكان بين إجزم وجنين. فيرسل الضابط العراقي رسالة إلى الضابط اليهودي، يتحدّث فيها نيابةً عن المزارعين العرب المحليّين الّذين أطلق الجيش اليهودي النّار عليهم أثناء محاولتهم الوصول إلى أراضيهم. ويشير إلى أنّ اليهود يقومون الآن بجمع المحاصيل العربيّة ،وأنّ مثل هذا العمل لا يحمل أي معنى من معاني "الروح العسكريّة". ويدعو، من أجل حل المشكلة، إلى اجتماع، يكون فيه الطرفين غير مسلحين(37). وقد حصل هذا الاجتماع بالفعل. ربما تكون مثل هذه المبادرات المحليّة مؤشرات على الوضع العام غير المنضبط.
ومع ذلك، قدّم العراقيّون بعض المساعدة للمقاتلين الفلسطينيّين المحلييّن. نعلم من سجلّات أرشيف الجيش الإسرائيلي، أنّه كان هناك تدفّق للأسلحة والمنتجات بين "المثلّث الصغير" والمنطقة الّتي تشغلها القوات العراقيّة، خاصة عندما كان المثلّث الصغير محاصراً(38). يقول أبو أشرف: كنّا نذهب في اللّيل من إجزم إلى عارة [20 كلم جنوب إجزم] ،حيث يتمركز هناك الجيش العراقي. كنّا نذهب ونحضر الرّصاص على الجمال. في اللّيل وقد ذهبتُ بدوري عدّة مرّات". وتظهر الوثائق أنّ الجيش اليهودي كان على علم بالطريق المفتوح عبر الجبال: أفاد أحد المخبرين أنّ مقاتلي إجزم لديهم اتصالات جيدة بقريتي عارة وأم الزينات [تبعد حوالي 8 كيلومترات. شرق إجزم]. كانت عارة تقع تحت سيطرة العراقييّن ولهم فيها قوّة كبيرة، وكان العديد من الجنود العراقييّن يزورون قرية إجزم. الأسبوع الماضي زار قادة إجزم عارة وأبلغهم القائد العراقي أنّه عندما تنتهي الهدنة سيكون هناك هجوم عام على حيفا من اتجاه مشمار هعيمق من قبل القوات النظاميّة بالقوات الجويّة والبحريّة(39) وأبلغهم بعدم السّماح للعرب بدخول حيفا، وإبلاغ عرب حيفا بالابتعاد عنها بسبب الخطر(40).
الظروف الّتي غادر في ظلّها الفلّاحون الفلسطينيّون قراهم هي في صميم النقاش العام (وكذلك الخاص). في حالة منطقة الكرمل، ورغم إجلاء بعض السكّان، فإن المقاتلين تم تشجيعهم بل أجبروا على البقاء. ففي بلدة الطيرة، على بعد عشرين كيلومتراً شمال إجزم، قام الفريق الأردني بإجلاء العديد من النّساء والأطفال بطريقة منظّمة. ترتبط هذه الحماية للأسرة وخاصة المرأة بالدور المركزي للشرف في المجتمع العربي. وشرف الرّجل مرهون بمنع أي ضرر ولا سيما الأذى الجنسي الّذي يلحق بأقربائه. لذلك، شعر الرّجال أنّهم من الضروري إبعاد النّساء والفتيات عن أي ضرر محتمل، بينما ظلّوا هم يقاتلون. ومع ذلك، وبالعودة إلى الوراء، اعتبر بعض الفلّاحون تفكك العائلات خلال الحرب عاملاً ضاراً. وفي مقابلة في منزله في إربد، تحدث أبو وصفي، مختار الطيرة وشخصيّة بارزة في المنطقة، عن إجلاء النّساء والأطفال. أثار تعليقه ملاحظة (أم أنّها اتهام؟) من أبو مجدي الّذي كان جالساً معنا وكان طفلاً في الطيرة عام 1948: [ الحوار بالعربيّة] "لدي سؤال واحد، أبو وصفي: ما السّبب وراء إبعاد النّساء والأطفال وإبقاء الرّجال، ما هي السياسة المخطّطة من وراء ذلك؟.. هل كانت سياسات القوى من الخارج أم من الداخل؟ يعني، إذا غادرت أمي وزوجتي ماذا بقي لي أن أفعل؟"
أثار هذا التعليق جدلاً بين الرّجال في الغرفة. كان الافتراض الأساسي أنّ القرية كانت أكثر عرضة للخطر عندما لم تسمح ظروف الحرب بالحفاظ على النّظام الاجتماعي المعتاد
بشكل عام، تم تصوير النّسيج الاجتماعي للقرية على أنّه نسيج ريفي وتقليدي، حيث أدوار الجنسين تم ترسيمها بوضوح (Abu Rashed 1993). استلزم إجلاء النّساء والأطفال في نيسان-أبريل 1948 ترتيبات منزليّة جديدة - من سيطبخ للرّجال؟ من سيغسل الثّياب؟ علاوة على ذلك، لم تكن الجوانب العملية فقط هي الّتي تسبّبت في حدوث صعوبات؛ كانت صورة القرية كوحدة عاملة هي الّتي تحطّمت، حتّى قبل أن تسقط في أيدي اليهود.
كان الجيش العراقي عاملاً جديداً يتدخّل في النّظام الاجتماعي النّظامي. قد يفسّر ذلك إحجام القرويّين على السماح للعراقييّن بالاستقرار في القرية أو القتال نيابة عنهم. ومع ذلك، عندما أصبح الوضع أكثر خطورة (خاصة من منتصف شهر تموز- يوليو)، دعا الجزماويون العراقييّن للانضمام إلى القتال ومع ذلك لم تصل هذه المساعدة.
أبو نعيم [ الحوار بالعبريّة]: كنّا نتشاور مع الجيش العراقي. "ما رأيكم؟" فنقول لهم "استمرّوا" [فكانوا يجيبون]. "سوف نأتي الأسبوع المقبل. الأسبوع المقبل".
إفرات: إذن فعلاً أجبروا الرّجال على البقاء والقتال؟
ملاحظة مهمّة: البحث أدناه لباحث "إسرائيلي" نرجو الانتباه لذلك، والبحث فيه شهادات ومقارنات مهمة
قرية إجزم الفلسطينيّة إبّان حرب العام 1948: صياغة تاريخ أنثروبولوجي من خلال روايات الفلّاحين ووثائق الجيش
الجزء الثاني
أبو نعيم: نعم وخدعوهم. قالوا -"انظروا، ابقوا هنا.. واصلوا القتال، انتظروا، وسوف نأتي في الأسبوع المقبل". وبمجرّد أن كانت هناك معركة، في المكان الّذي يوجد فيه اليوم برج في جيفا كرمل (جبع)، كانوا ينادوا على [رجال إجزم]، كان لديهم اتصالات، الاتصال الأول، [نداء للجيش العراقي ] -"أرسلوا لنا تعزيزات". قالوا [العراقيون] إنهم سيرسلون طائرات. لقد جاءت الطائرات بالفعل لكنّها قصفتهم.
عنى أبو نعيم أنّهم ينتظرون الطائرات العراقيّة، واكتشفوا أنّ الطائرات يهودية. ظنوا أنّ الطائرات جاءت لمساعدتهم، وبالتّالي كشفوا أنفسهم للطيارين، مما مكّن الطائرات الإسرائيليّة من استهداف سكّان القرية. كان يلمِّح إلى حقيقة أنّ اليهود خدعوا القروييّن - جعلهم اليهود يعتقدون أنّها طائرات عراقيّة ثم قصفوهم. ووصف شفيق خداعاً مشابهاً. كانت طائرة تقترب من القرية ثمّ تطير باتجاه البحر وتلقي بها قنبلة كأنّها تستهدف مستوطنة يهوديّة. بعد ذلك، تطير الطائرة إلى الجبال إلى الشرق وتلقي قنبلة هناك. وعندما خرج أهل القرية لتحيّة الطائرة العربيّة، ألقيت عليهم قنبلة.
ربما كان اليهود يعرفون متى كان القرويون يتوقعون الطائرات العراقيّة لأنّ الجيش الإسرائيلي كان يراقب البث اللاسلكي بين المقاتلين العرب في إجزم والقوات العراقيّة في جنين. قد يكون هذا ما مكّن اليهود من تتبع المقاتلين بدقّة، وشرح قصّة أبو نعيم المذكورة أعلاه عن تفجير جبع.
فيما يلي بث لاسلكي تم اعتراضه بين مقاتلي المثلث الصغير اليائسين ومقر القيادة العراقيّة، بتاريخ 21 تموز- يوليو، قبل ثلاثة أيام من الهجوم الأخير على القرية الّذي أدى إلى سقوطها:
10:40. إلى حسن [من إجزم] (2)
من مدار [يفترض جيش الدفاع الإسرائيلي أن يكون ممثل القرية في جنين] (1)
1 - الصليب الأحمر سيصلون إليكم اليوم. يجب أن تدافعوا بأقصى قوة ممكنة حتّى تأتي لجنة الصليب الأحمر.
2 - متى ستصل اللّجنة؟
1 - ستصل اليوم. إنّهم في طريقهم إليكم.
2 - لا يزال الهجوم شرساً.
1 - نبلّغ الرئيس خليل. إذا كنت ترغب في ذلك، يمكنك التحدّث إليه.
2 - ليكلمني.
1 - سأذهب وأناديه.
لقد قمت للتو بالاستفسار عنك. ستصل اللّجنة خلال ساعة. ابقوا في خنادقكم.
2 - [غير واضح]
1 - ساعة واحدة فقط. سوف يصل إليكم المندوبون
2 - [غير واضح]
1 - لم أستطع النّوم طوال اللّيل. نسمع كل قنبلة تسقط عليك. لقد أرسلنا إنذاراً لاسلكيّاً لليهود.
2 - [غير واضح]
1 - أتحدث إليكم الآن من جنين. ذهبت إلى هناك لأتحدث نيابة عنكم.
2- إن شاء الله سينظرون إليه بعين العطف.
1 - ستصل إليك اللجنة قبل وصول المناضلين إليكم(41). موسى في المقر الرئيسي في نابلس ويهتم بأمركم.
2 – لقد انكشفنا. (42)
لا يزال القرويّون يتحدثون عن فشل العراقيّين في مساعدتهم. اتهاماتهم لهذه القوة العسكرية الأجنبيّة تأتي من تجربتهم الخاصة؛ إنّه ليس مجرّد اتهام غير متبلور شائع للجيوش العربيّة الّتي وعدت بالمساعدة وفشلت في توفيرها. وبالعودة إلى الوراء، يشعر القرويون بالأسف على حقيقة أنّهم ربما نظموا أنفسهم بشكل أفضل لو كانوا يعرفون محدودية المساعدة الّتي كان العراقيّون على استعداد لتقديمها.
أثر مذبحة الطنطورة وسقوط إجزم
تكشف الروايات الشفويّة، أكثر من وثائق الجيش، عن الأجواء الّتي سادت خلال الأشهر المستمرّة من قتال العصابات. ومن المعروف أنّ مجزرة وقعت في أيار-مايو في قرية الطنطورة المجاورة. كانت الطنطورة تقع على الشاطئ، على بعد كيلومترين جنوب غرب إجزم، وتم الاستيلاء عليها من قبل وحدة ألكسندروني اليهوديّة (الّتي كانت مسؤولة عن السهل السّاحلي) في 23 أيار-مايو 1948. وقُتل ما بين 70 و200 شخص، معظمهم من الرّجال، في الطنطورة أثناء الاحتلال وبعده. كان يغال فرايد قائد إحدى الوحدات اليهوديّة الّتي حاربت في المنطقة(43). عندما ذهبنا في جولة بالسّيارة على طول ساحل الكرمل لمناقشة أحداث العام 1948، أشار يغال إلى أنّه لم يكن يعلم بمثل هذه المذبحة في الطنطورة، ولكن كان هناك "ميل" لإطلاق النّار على رجال في سن القتال. وفي وقت لاحق صحّح أقواله وقال إنّ المرء سيطلق النّار فقط على "الرجال الّذين يحملون بنادق في سن القتال". على الرغم من أنّ عواقب اقتحام الطنطورة لم تكن معروفة للجمهور حتّى وقت قريب(44) بوصفها رمزاً عاماً مثل مذبحة دير ياسين، إلّا أنّها كانت معروفة في المنطقة (45). سمع شفيق، الّذي أقام مع عائلته في الماقورة بالقرب من إجزم بعد الحرب، من قريبه بأحداث الطنطورة. [ الحوار بالعبرية]
شفيق: قُتل الرّجال في الطنطورة. تم إخراج الرّجال وقتلهم. وكيف عرفت هذا؟ جاء عم أبي بعد العام 1948 من خلال.. [يبدو أن شفيق لا يريد أن يقول إن عمه جاء "بشكل غير قانوني"].. جاء إلى القرية، إلى والدي، لزيارة والدي. كان من الطنطورة. قال لي عم أبي ذلك، ولما دخل اليهود إلى الطنطورة أجبره أحد الجنود على الاستلقاء وأخذ سكيناً وكان على وشك أن يذبحه. ثم تعرف عليه أحد اليهود من زخرون وقال له [للجندي الّذي يحمل السكين]: "دعه يذهب". قال "ثم أنقذني". وأخذوه كأسير. وضع في السجن. ثم طردوه إلى الأردن. وقال لي: "عندما كنا نقف هناك، وأيدينا مقيّدة كل رجال طنطورة.. كانوا يقتلون خمسة منا ثم يأتون بخمسة آخرين. وهكذا.. وقد أحصيت مائة وخمسين رجلاً قتلوا بهذه الطريقة. خمسة يدفنوا خمسة".
داخل البلدة انتشرت قصة المجزرة بسرعة وزادت مخاوف أهل إجزم من مجزرة مشابهة بأيدي يهوديّة. وبحلول شهر تموز-يوليو، كان رجال إجزم قلقين للغاية، وكانوا في الغالب يحاولون الدّفاع عن القرية ضد سلسلة الهجمات. وفي أعقاب حادث الطريق في 6 توز-يوليو، وقع "هجوم انتقامي" للجيش الإسرائيلي في 8 تموز-يوليو، لكن الجنود فشلوا في الوصول إلى القرى(46). واستخدمت في الهجوم الطائرات على نطاق واسع من قبل جيش الدّفاع الإسرائيلي خلال الأسبوعين الماضيّين. لم تكن الطائرات في العادة مقاتلات أو قاذفات قنابل، بل كانت طائرات شحن واتصال (مثل داكوتا وبايبرز) الّتي كان يتم إسقاط القنابل منها باليد. وأشار أبو نعيم إلى ذلك بقوله [ الحوار بالعبرية]: بدأ اليهود في القصف بالطائرات. أتذكر المرة الأولى الّتي ألقيت فيها قنبلة. كانت الطائرات من نوع بايبرز. كانت ساعة الغسق. أوّل من قُتل بالقنبلة الأولى كان زوج خالتي. وكنّا نظن أنّك إذا هربت تحت شجرة فلن تراك الطائرة.
استمر القصف الجوي لمدة أسبوعين. في الثّاني عشر من تموز- يوليو وعند الساعة 21:00 ألقت الطائرات 420 كيلوغراماً من المتفجرات والقنابل الحارقة على قرية إجزم. وفي السابع عشرمن الشّهر، تم قصف إجزم مرّة أخرى. وفي التّاسع عشر من الشهر، تمّ قصف إجزم مرتين(47). وفي العشرين منه، سبقت الغارات الجويّة غارة مشاة: "... من الساعة 19:15 حتّى الساعة 20:10 [20.7] قصفت ثلاثة طلعات جويّة لطائرة داكوتا واحدة عين غزال وإجزم وجبع.. وألقت نحو أربعة أطنان من القنابل. وبدأت الشرطة العسكريّة هجومها في الساعة 23:00. "(48) . فشلت هذه المداهمة في الاستيلاء على القرية وتمّ تنظيم هجوم آخر بعد يومين، ليل الرابع والعشرين، هذه المرّة بقوّة أكبر(49). سقطت القرية في هذا الهجوم، الّذي سبقته غارة جوية أيضاً(50). وفي يوم 25 تموز-يوليو تم قصف إجزم مرّة أخرى، وكانت التعليمات إلى الطيار كما يلي: "تتركز قوّات العدو على رأس التّل في منتصف الطريق بين إجزم وجبع، قُصفت التلّة الواقعة بين جبع وإجزم بحوالي 800 كيلوغرام. وبالقنابل الحارقة بين 01:00 - 02:00 و 08:00 بنفس الحمولة"(51). ربما كانت قمّة التّل فارغة عندما تمّ قصفها في اليوم التّالي أيضاً(52).
سقوط القرية وهروب السكان
بدأت الهدنة الثّانية في 19 تموز، لكن كما نرى، لم يحترم اليهود الاتفاق في إجزم -جبع -عين غزال. بدأ الهجوم اليهودي الأخير على قرية إجزم، تحت غطاء عمليّة للشرطة، ليلة السبت (24 تموز) واستمرّ ليومين وليلتين. في اللّيلة الثانية 25-26 تموز، استسلم المقاتلون العرب، وقرّروا التراجع باتجاه الجنوب الشرقي، إلى عارة وعرعرة، حيث كان الجيش العراقي يعسكر.
لخّص أبو داود الأسبوع الأخير لإجزم بالقول [ الحوار بالعبريّة]: لمدّة سبعة أو ثمانية أيّام [كان هناك قصف ومعارك] ليلاً ونهاراً. بدأ ذلك على الطريق الرئيسي. الجيش والهاغانا والجنود وأهل إجزم وعين غزال وجبع. واحد سيطلق النّار على الآخر. ثم تركوا [المقاتلين العرب] بلا أسلحة، ولم يكن معهم رصاص. كانوا على وشك الهروب. كان شريف من القادة والضباط وعبدالله زيدان عمي ابن عم أبي. أحدهم [شريف] يقول: دعونا نستسلم، والآخر [عبد الله زيدان] يقول لا، والآخر يقول نعم. هربوا خلال شهر رمضان، في فترة ما بعد الظهر، فقط الرجال، متجهين نحو بت شلومو.
كان الكونت برنادوت، وسيط الأمم المتحدة، في حيفا خلال هذه الأيام الحاسمة. في الخامس والعشرين من الشّهر، وفي منتصف النّهار، توسّل المقاتلون إلى العراقييّن عبر الراديو للاتصال به لإنقاذهم على الرغم من أنّهم قالوا أيضاً عن برنادوت في نفس الإرسال اللاسلكي: "ماذا يمكننا أن نفعل؟ يمكنهم انتهاك الهدنة لأنّ الكونت برنادوت موجود في جانبهم"(53). برنادوت لم يتدخّل، وفي اليوم التّالي سقطت إجزم. يتم الآن استخدام جهاز الإرسال فقط لترتيب إرسال المركبات لإجلاء النّساء والأطفال(54).
عندما دخل الجيش إلى إجزم، كانت فارغة تقريباً. كانت ستمائة امرأة وطفل في خربة قمبازة المجاورة(55)، إما ينتظرون قافلتهم لتغادر إلى وادي عارة أو لأنّ بعضهم كانوا صغاراً أو مسنيّن أو مرضى أو مصابين لا يستطيعون السّير لمسافة خمسة عشر كيلومتراً أخرى إلى عارة، فقرروا الذّهاب إلى دالية الكرمل وعسفيا اللّتان تبعدان خمسة كيلومترات فقط. لم يكن طريق الهروب الجبلي إلى عارة آمناً. عندما أدرك الجيش الإسرائيلي أن القروييّن ينسحبون من خلال هذا الطريق، تدارك الأمر ونصب كمائن على طول الطريق قرب وادي الملح وقنير(56) وقتل ما يقرب من ستين شخصاً وهم في طريقهم إلى عارة(57). تم استجواب بعض شيوخ إجزم مثل علي محمد حانوتي وحاج حاد صالح (من المحتمل أن يكون الاسم خاطئاً في وثيقة الأمم المتحدة)، في 30 تموز-يوليو 1948 من قبل محققي الأمم المتحدة بشأن ملابسات سقوط القرية،والهروب. ووصفوا في أقوالهم المشتركة عمّا حصل عقب الهجوم الأخير في 25 يوليو / تموز:.. بعد هذه الهجمات العنيفة، بدأت النّساء والأطفال بالسير باتجاه الماقورة، وأثناء التحرّك، تعرّض النساء والأطفال للهجوم بنيران مدفع رشاش طائرة لكنني لم أتمكن من تقدير الخسائر لأنّ الجميع تفرقوا. غادر الرجال القرية وعادوا عبر الجبال إلى جنين. وكان شريف هو المسؤول عن النّساء والأطفال. ذهب معظم الّنساء والأطفال إلى عسفيا ودالية الكرمل وعرعره وعاره. عاد النّاس(58). سرق اليهود الماشية والأغنام وأطلقوا نيران الرشاشات على القطعان والنّاس. سرقوا المال من النّساء. لا يزال بإمكانك العثور على الموتى في الجبال. لم يُسمح لأحد بأخذ أمتعة(59). ويذكر أبو نعيم يوم الانسحاب [الحوار بالعبرية]: كان النّاس في الخطوط الأماميّة يخشون أن يُقبض عليهم ويقتلوا. بدأوا [الهروب]. كنّا في الماقورة - عائلتي. بدأ النّاس يمرّون. "ماذا حدث؟" [سألنا]. قالوا - "لا يمكننا الصمود". لقد ألقوا ببنادقهم [قائلين] -"ليس لدينا ذخيرة، ليس لدينا طعام، لا يمكننا الاستمرار". ثم جاء شريف وقال: لنتحدث، انتظر بضع ساعات. لم ينتظر النّاس، هرب أحدهم، وبدأ الجميع بالفرار.. ربّما كان شريف أحد الرّجال القلائل الّذين شكّوا في أن من غادر لن يتمكن من العودة. في تلك الأيام الحرجة الأخيرة في إجزم، فقد شريف نفوذه، وبدأت المخاوف تنتشر وتكبر مثل كرة الثّلج في أوساط القروييّن الهاربين. اختار شريف البقاء في الماقورة، في مزرعته، ولكن من المفارقات أنّه بعد سنوات قليلة اضطر لبيع العقار ولم يكن الشاري سوى يعقوب سالومون، المحامي اليهودي من حيفا.
ما بعد السقوط
كان ماعوز، الضابط اليهودي، خارج القرية عندما سقطت، ويتذكّر المشهد عندما اقترب من القرية بعد أن تمّ هجرها. ووصف ما يلي عندما التقينا في منزله في حيفا[ الحوار بالعبريّة[: كانت هناك قرى كنّا نسير فيها وكانت البيوت قاحلة وفقيرة. أكواخ.. لكن في هذه القرية كانت هناك منازل حجرية وشوارع ومنازل من طابقين. يمكنك أن تقول أن السكّان هنا لديهم اختلاف في مستوى المعيشة. كما وضّح لنا سبب إصرارهم على البقاء هناك. كانوا محاصرين وكان ينبغي أن يغادروا قبل ذلك بكثير. وأشار ماعوز، وهو يتأمّل في هروب القروييّن: إنهم شعروا بأنّ شيئاً ما كان يتطوّر من جميع أنواع الاتجاهات. لقد قاموا بواحد من أذكى الأشياء الّتي كان بإمكانهم القيام بها، قرروا ببساطة مغادرة القرى الثلاث. لا أعرف اليوم ما إذا كانت قد أتيحت لهم الفرصة، أم أنّه ببساطة لم ينتبه أحد. ساروا عبر أحد الوديان، وعبروا وادي ميليك (وادي الملح) وانطلقوا باتجاه أم الفحم. وعثر على بعض المسنين وبعض النساء والأطفال في محيط القرى الثلاث وتم نقلهم من قبل القوات اليهوديّة الى الخطوط العراقيّة. وعثر على ما يقرب من أربعين جثة في تجمعين خلف مسجد إجزم وقرب مدرسة عين غزال. كان من الواضح أنّه لم يكن هناك وقت كاف لدفن الموتى وأن الجثث كانت مغطاة بطبقة رقيقة من التراب(60).
قدمت الدول العربيّة شكوى إلى مجلس مراقبة الهدنة المركزي التابع للأمم المتحدة بشأن انتهاك إسرائيل للهدنة. وقامت لجنة تابعة للأمم المتحدة بالتحقيق في القضية، ووجدت الغالبية العظمى من اللّاجئين في منطقة جنين، في آب- أغسطس 1948. ومن هذا التقرير نسمع أنّه في حالة إجزم، تم الإبلاغ عن مقتل 32 شخصاً، وتم الإبلاغ عن فقدان 25 آخرين، وتم تحديد موقع 4153 شخصاً(61). ونُقل الفلاحون الّذين لجأوا إلى دالية الكرمل إلى الخطوط العربيّة من قِبل جيش الدفاع الإسرائيلي في ست حافلات في 17 آب- أغسطس 1948، بعد أن أُجبروا على التوقيع على وثيقة تفيد أنّهم ذاهبون بمحض إرادتهم(62). أولئك الّذين تهربوا من النّقل الأوّل "تم جمعهم" ووضعهم بالقرب من الحدود في 23 آب-أغسطس(63) ،ومرة أخرى، في عمليّة تسمى "التعادل" في السّادس من تشرين أول- أكتوبر(64).
تشهد المراسلات بين حارس أملاك العرب، الهيئة الّتي أنشأتها الدولة اليهوديّة للإشراف على الأراضي والممتلكات الفلسطينيّة، والجيش أنّ الجنود الأفراد وكذلك وحدات الجيش المنظّمة هم أوّل من نهب ممتلكات العرب. فعلى سبيل المثال، استولت وحدة ألكسندروني على جرار بعد ساعتين فقط من دخول الجيش إلى القرى الثلاث(65). وفي وقت لاحق، تجمّع جيران يهود من المنطقة لـ "جمع" ما في وسعهم. ووصف تقرير للجيش الإسرائيلي ما يلي: ".. في قريتي إجزم وعين غزال شوهد يهود يأتون بعربات من عتليت ومحيطها وينهبون ممتلكات العرب"(66).
سمح لعدد قليل من العائلات الجزماوية، في خريف العام 1948، بالعودة من دالية الكرمل والعيش في إجزم. لكنّهم مُنعوا من العودة إلى منازلهم، فاستقروا في منازل أخرى في البلدة، واضطر معظمهم للعمل في مزرعة شريف الّتي كانت لا تزال قائمة في الماقورة(67). وكتب وزير شؤون الأقليّات الإسرائيلي، بخور شطريت، وهو صديق شخصي لشريف(68)، رسالة إلى الجنرال أفنير، رئيس الحكومة العسكريّة (هاميمشال هاتسفاعي)، من أجل حماية هذه العائلات والسماح لهم بالبقاء في إجزم (69). هذه الرسالة، شأنها شأن الرسائل الأخرى الموجودة في هذا الملف، تشهد على اختلاف المواقف بين الوزير من جهة وضابط الجيش المحلي المسؤول من جهة أخرى(70). و"تقاسمت" الأسر الجزماوية العائدة للبلدة مع الجنود والمهاجرين اليهود الجدد من تشيكوسلوفاكيا. وصف أبو نعيم كيف قرّر الجيش في ربيع العام 1949 طرد العائلات العربيّة من بيوت القرية [ الحوار بالعبريّة]: ذات صباح حاصر الجيش حينا المشتّت. قالوا "يجب أن تنتقلوا إلى الخربة الخاصّة بكم [ الماقورة]. لا يمكنكم البقاء هنا" قلنا للجنود [المعروفين شخصياً] "ما هذا؟" قالوا: "نحن آسفون، نحن نتبع الأوامر فقط. نعلم أنّنا تناولنا الطعام معكم وجلسنا معكم".. لم يكن الأمر كما هو الحال اليوم، عندما يقول الضابط شيئاً على الجميع الامتثال، وهكذا أعطى الضابط الأمر لنا بالمغادرة.
إفرات: ولم يكن لديكم من تلجؤون إليه في هذا الأمر؟ أبو نعيم: لا أحد. لم نكن نعرف حتى بوجود شرطة. لم نكن نعرف كيف نصل إلى الشرطة. كان العالم دولة مغلقة - لم يكن أحد يعرف ما كان يحدث في محيطه.
بقيت بضع عائلات جزماوية في محيط إجزم في خربة الماقورة ومحيطها، بقي بعضهم حتّى سبعينيات القرن الماضي، عندما تمّ إخراجهم في النّهاية. الشّخص الوحيد الّذي بقي في الماقورة بعد السبعينيات هو أبو مازن (علي يونس الماضي) الّذي قضى سنوات من الدعاوى القضائيّة المتعلّقة بملكية أرضه. وقد توفي قبل بضع سنوات وما زالت أرملته وأبناؤه الصغار يعيشون في الماقورة، ومنعتهم الدولة من تجديد منزلهم المتهالك وما زالوا يخوضون في المحاكم، في حين انتهى الأمر بالغالبيّة العظمى من أهل إجزم لاجئين بعيداً عن القرية -في العراق (الّتي أخذهم إليها الوصي العراقي بعد وقت قصير من وصولهم إلى جنين كلاجئين في صيف العام 1948)، وسوريا والأردن والضفة الغربية.
ملاحظات ختامية
فيما تتكشف قصة إجزم -انتقام سعيد المدني وخطف الأسرى وتبادلهم، والمساعدة العراقيّة المحدودة، وسقوط القرية وتشتت سكانها -غالباً ما تكمل الروايات الشفويّة للفلّاحين ووثائق الجيش بعضها البعض وأحيانًا تتقارب. وبخلاف أحداث فيلم راشومون (1950) للمخرج الياباني أكيرا كوروساوا، فإنّ شهادات الشهود لا تختلف بشكل كبير. مع العلم أنّ وثائق الجيش تمّت كتابتها بعد فترة وجيزة من الأحداث (في غضون ساعات أو أيام قليلة)، للاستخدام الداخلي (عادةً ما يتم تصنيفها على أنّها "سريّة")، فقد يُتوقّع أنّها تحمل بصمة قليلة نسبيّاً لتدخل وإعادة بناء تمثيلات الدولة الرسميّة. ولكن الأمر الأكثر حيرةً، هو أنّ روايات الفلّاحين ليست إبداعيّة بدرجة كبيرة. يجب أن نضع في اعتبارنا أنّ روايات السيرة الذاتيّة هذه هي سجلات لفترة درامية (وصدمة) وأنّ الأحداث تركت بصمة على أولئك الذين مروا بها. علاوةً على ذلك، تمّت إعادة فحص العديد من هذه الحوادث مراراً وتكراراً بعد حدوثها، وتمّت مناقشتها في البيئات الأسريّة، وتم تعميمها بين مجتمع القرية المشتّت.
في الوقت نفسه، تتباعد المصادر الشفويّة والروايات المكتوبة في "روحها". فتفتقر وثائق الجيش إلى وصف الأشخاص المتميّزين وخصائصهم، لا سيّما سمات "العدو". وهذا لا يرجع فقط إلى حقيقة أن مؤلفي هذه الوثائق يعبّرون عن شعور قومي يهودي، ولكن أيضاً إلى طبيعة واحتياجات التوثيق العسكري. في المقابل، فإن السّرد الشفهي يدور حول أشخاص معينّين. يوجد رجال لا يُمكن نسيانهم مثل سائق الحافلة سعيد المدني أو توفيق مراد، الرّجل الّذي قُتل في حافلة المدني. أصبح هؤلاء الرّجال، عبر سنوات من تداول القصص، رموزاً للمجتمع المشتّت. وفي قصص أخرى، ثمّة بطل خاص لكل عائلة، كما هو الحال عندما يرتبط أبو نعيم بعمه مرشد الّذي كان يحرس الأسرى اليهود أو عندما يتذكّر أبو داود ابن عم والده، عبد الله زيدان، الّذي رفض خيار الاستسلام. وتتميّز الروايات الشفويّة، على عكس وثائق الجيش، بالقدرة على ضخ الحياة والحجم والمنطق الداخلي للقصة.
في الواقع، قد يستمرّ منطق حلقات فوضويّة معيّنة في الظهور لفترة طويلة بعد حدوثها.
يتم تنشيط الروايات الشفويّة بشكل أكبر من خلال تسمية الأماكن، وإدراج الحوارات (على الرغم من إعادة بنائها، وبالتّالي، فهي ليست مخلصة تماماً للحوار الأصلي)، وكشف العواطف والحوافز الّتي حفّزت النّاس. وقد علمنا، في المناقشة حول إخلاء نساء وأطفال الطيرة، التأثير العاطفي المدمّر على الرّجال عندما تُركوا بدون عائلاتهم.
ليس بالضرورة أن تكون الظروف الاستراتيجيّة فقط، مثل سقوط حيفا، هي الّتي حدّدت نتيجة الحرب. وبدلاً من ذلك، يمكن أن يكون، أيضاً، التفسير الذّاتي للفلّاحين لمعنى مثل هذه الأحداث تأثيراً في سير الأحداث. لقد تأثّرت دوافع المقاتلين عندما تغيّر النسيج الاجتماعي للقرية. وبالعودة إلى الوراء، يُنظر إلى تفكك القرية، الّذي اشتدّ خلال أشهر القتال المتقطّع، على أنّه ساهم في سقوطها.
لم يكن "فشل العراقييّن في الإنقاذ عندما كان القرويّون يائسين بالفعل أقل تدميراً. وتبرز القصّة المحليّة الّتي تظهر الفجوة بين الخطاب السياسي العربي والظروف العملية الفعليّة. في حين كانت الدول العربيّة صريحة فيما يتعلّق بنواياها القتاليّة، في الممارسة العمليّة، على الأقل في منطقة الكرمل، كان تدخلها محدوداً للغاية.
تأتي "فلسطين" ككيانين مختلفين - كيان رمزي وكيان متنقل استطرادي، كما يلوّح في الأفق في الموقف العربي العام، والأرض الفعليّة الّتي كان القرويّون يقاتلون من أجلها.
اخترت أن أختم بتأمّل أبو نعيم في الهروب السريع القاتل من إجزم. فروايته تطمس الانقسام بين الشخصي والمحلي والوطني، وتلخص نواة المأساة الفلسطينيّة: كان الشعور سيّئاً، لكنّنا خدعنا أنفسنا، معتقدين أنّنا سنعود الأسبوع المقبل. لم نشعر بالسوء الّذي يجب أن نشعر به لأنّنا اعتقدنا أننّا سنعود في غضون أسبوع أو أسبوعين. ماذا حدث؟ تخيّل النّاس أنّ هذا كان مؤقّتاً، كما لو كان نتيجة هطول أمطارأو فيضان. سوف نتحرّك لمدة أسبوع ثم ينتهي الفيضان(71). هذا هو الشعور الّذي أدى إلى هذه الكارثة.
ملاحظات:
1. هذه الورقة جزء من دراسة أكبر بعنوان: "روايات في المنفى: تأمّلات اللّاجئين الفلسطينيّين في ثلاث قرى، طيرة، حيفا وإجزم وعين حوض". اشتمل العمل الميداني، الّذي تم إجراؤه بين عامي 1996 و 1998 ، على أبحاث أرشيفيّة ومقابلات مع لّاجئين فلسطينيّين مقيمين في الأردن وإسرائيل والضفة الغربيّة. ويظهر جميع من أجريت المقابلات معهم بأسماء مستعارة. وأود أنّ أشكر بول دريش وسامر القرنشاوي وبيني موريس وجاي وينتر على تعليقاتهم المفيدة على هذه الورقة حين كانت لا تزال في شكل فصل الدكتوراه. وفي الآونة الأخيرة، قدّمت ساهرة درباس ولاري ليرنر وإيمانويل سيفان نصائحهم الجيّدة. الترجمة الصوتية تتبع اللّهجة الفلسطينيّة المحكيّة. على سبيل المثال، تُترجم التاء المربوطة إلى "هِ" كما في كلمة محرمِه. تتم ترجمة الكلمات من النّصوص المكتوبة (على عكس السّرد الشفوي) إلى اللّغة العربيّة الفصحى. تُترك الأسماء الّتي ظهرت غالباً بالّلغة الإنجليزيّة، كما هي في اللّغة الإنجليزيّة. ستظهر أسماء المؤلفين العرب الّذين نشروا باللّغة الإنجليزيّة بدون علامات التشكيل العربيّة. في العبريّة، تتم كتابة الحروف الساكنة بأحرف لاتينيّة، ولكن لا يوجد تمييز بين أحرف العلّة الطويلة والقصيرة (حيث يختلف تهجئة الحروف العبريّة ).
2. جيش الدّفاع الإسرائيلي هو الاسم الرّسمي للجيش "تسفا هاغاناه ليسرائيل". Tsva Hahagana L Yisrael
3. التحقيق مع الرّجال بعد سقوط القرية. لم يعد الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى تفاصيل حول القرية، لكنّه أراد بشكل أساسي إثبات مزاعم معيّنة أمام لجنة الأمم المتّحدة الّتي كانت تحقق في ملابسات سقوط قرية إجزم. بسبب المصطلحات المستخدمة في تقارير التحقيق هذه (مثل "عصابات" لمقاتلي القرية و"الشّرطة" لقوّات الجيش الإسرائيلي)، أظنّ أنّ بعض التقارير كتبها الإسرائيليّون، وأنّ القرويّين تم إجبارهم على التوقيع. ومن ثم، فإنّ هذه التقارير هي مصدر تاريخي مشكوك فيه، ولكن يمكن أن تسلّط الضوء على البنية الناشئة للرواية التاريخيّة الإسرائيليّة. انظر على سبيل المثال، Israel State Archive, 2427/ 1 Foreign Ministry files
4. حول عائلة الماضي، انظر Manna 1986 Al-Bash 1998 Yazbak 1998
5. تستند هذه البيانات إلى إحصاء بعنوان "إحصائيّات القرى" أجراه الانتداب البريطاني في1 نيسان-أبريل 1945. وتقول وثيقة أرشيف الجيش الإسرائيلي IDFA (2168/1950 ، file 57) ، يعود تاريخها للسابع عشر من أيلول- سبتمبر 1948، بناءً على آخر إحصائيّات بريطانيّة رسميّة تعود لشهر كانون الأول- ديسمبر 1946 أنّ عدد سكان قرية إجزم بلغ 3140 نسمة. الوثيقة هي مذكّرة ملحقة برسالة إلى وزير الخارجيّة بخصوص القرى الثلاث. أنظر أيضاً Khalidi 1992.
6. انظر Stern 1980: 52. التقسيم بين مختلف شرائح السكّان يرد في هذا الأطلس على النحو التالي: في العام 1922، وحسب إحصاء بريطاني، كان هناك 9377 مسلماً، و8663 مسيحياً، و6230 يهوداً، و164 "آخرون". تقديرات العام 1944 هي 35900 مسلم، 26600 مسيحي، 66000 يهودي و300 "آخرون". وبما أنّ السكّان منقسمون حسب الدّين، فليس من الواضح ما هي نسبة العرب من المسيحيّين، رغم أنّها كانت الغالبيّة العظمى بوضوح.
7. كتب موريس (1991: 150-154) عن الظروف القاسية في عكا بعد وصول اللّاجئين من حيفا وتفشي وباء التيفوئيد. بعد هجوم استمرّ يومين، استسلمت عكا للقوات اليهوديّة في 18 أيار- مايو.
8 - هذه الأرقام مأخوذة من الكتاب المذكور أعلاه للسّطلات الإنتدابيّة "إحصاءات القرى" للعام 1945. وربّما كان عدد السكّان أعلى قليلاً بحلول العام 1948.
9- انظرSlutsky 1965 (the Hagana history book), 1965: 1363± 4 Toldot Milhemet Haqomemiyut (The History of the War of Independence), 1959: 253 Lorch 1961: 277- 279.
10. انظرhref="http://www.birzeit.edu/crdps/tier@vil.html#1948" target="_blank" http://www.birzeit.edu/crdps/tier@vil.htm" class="aEml">class="aLink">http://www.birzeit.edu/crdps/tier@vil.html#1948. . كانت الهاغانا هي الذراع العسكريّة الرئيسيّة لليهود خلال حقبة ما قبل قيام الدولة.
11- بقيت وثائق العام 1948 في أرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي (IDFA) بموجب قانون الأرشفة الإسرائيلي، ممنوعة عن العامة، من الناحية النظريّة، لمدّة خمسين عاماً، أي حتّى العام 1998. ومع ذلك، قامت لجنة خاصة برفع السريّة عن بعض هذه الوثائق في وقت سابق، في ضوء الاهتمام المتزايد "الّذي نتج عن الاحتفالات بالذّكرى الخمسين للدّولة"، وكتب خبير المحفوظات، يورام مايوريك (www. search. co. il). نظراً لأنّ المستندات لن يتم فتحها تلقائياً، ولكّنها لا تزال تخضع للغربلة وبسبب بطء عمل المراقبون، فإنّ الغالبيّة العظمى منها لا تزال غير متاحة للجمهور. والإجراءات المتبعة حاليّاً للوصول إلى الوثائق تتمثل في أن يتحدث الباحث عن المواضيع الّتي تهمّه، فيختار أمين الأرشيف الملفّات ذات الصلة وينقلها إلى رقيب يقوم بفرزها، ثم يتم تحميلها على جهاز كمبيوتر. وقد تستغرق هذه العمليّة شهوراً حتّى يتمكّن الباحث من الوصول إلى الوثائق. عندما يتم فرز مستند من ملف، يتم إدخال نموذج يشير إلى مخططه العام في مكانه (من كتب لمن، وطبيعة المراسلات وماهيّتها). في بعض الوثائق، تخضع فيها جملاً أو كلمات محدّدة فقط للرقابة. يمكن للمرء أن يخمّن من السياق أنّها تشمل بشكل أساسي أسماء الأشخاص أو الأفعال مثل طرد المدنيّين الّتي لا يزال الأرشيف يرغب في إخفاءها.
12- نشر موشيه كرمل (1949) مذكّراته عن حرب 1948. وذكر احتلال إجزم في كتابه. السياسة الواردة في الوثيقة التالية ليست كذلك.
13. IDFA 244/ 1951 file 67 بتاريخ أيار- مايو 1948. وعلّق بيني موريس أنّ "التطهير" قد يشير إلى قوات الجيش فقط.
14- بقي كبار السّن وبعض النّساء والأطفال في كثير من القرى أثناء اقتحامها. في حالة الطيرة، على سبيل المثال، وبعد سقوط القرية، تمّ أخذ الرجال الأسرى للاستجواب في السّجن، وقامت القوّات اليهوديّة بنقل باقي السكاّن إلى الحدود مع الأردن.
15. عند الاقتباس من المقابلات، يشير H قبل الاقتباس إلى أن الحديث كان باللغة العبرية؛ A قبل الاقتباس يدل على أن الحديث كان في الأصل باللغة العربيّة؛ E قبل الاقتباس يدل على أن الحديث كان باللغة الإنجليزيّة.[ تم توضيح ذلك في الترجمة]
16- كان أبو أشرف من القلائل الّذين استخدموا الأسماء اليهوديّة الجديدة عند الحديث عن الأماكن خلال حرب العام 1948.
17. توفيق العارف هو أحد مخاتير القرية.
18. كما ذكر توفيق المراد من قبل عوض وعبد الرازق الّذين يقيمون الآن في مخيم اللّاجئين في إربد عند وصف معلمي مدرسة إجزم: عوض: "كان هناك أربعة إلى خمسة معلمين، وكان بينهم توفيق المراد". ويضيف عبد الرّازق [الجالس في الجوار]: "توفيق الماضي".
19. عندما يقول مكتب جميل يشير إلى المقعد الأمامي.
20. هآرتس (جريدة يهوديّة)، 3 شباط 1948، ص. 4.
21. IDFA 7249/ 1949, file 152 تاريخ 4 تموز- يوليو 1948.
22. IDFA 244/ 1951 file 67, 6 July 1948 [أرسل ضابط مخابرات المدينة إلى الضابط المسؤول عن حيفا]. نسخة أقصر عام 922/1975 ، ملف 1176 بتاريخ 7 يوليو 1948
23. كما هو الحال مع أبو أشرف، يستخدم أبو نعيم الأسماء العبريّة للموقع. ويعيش الاثنان في إسرائيل منذ العام 1948.
24. داليا، الاسم المختصر لدالية الكرمل، قرية درزيّة تقع على بعد 2 كلم شرقي إجزم.
25. IDFA 4663/ 1949 file 46. الرسالة مؤرخة في السّادس من تموز- يوليو. وثيقة الجيش الّتي تقتبس منها مؤرخة في العاشر من تموز (يوليو).
26. IDFA 6400/ 1949 file 66 بتاريخ 12 تموز 1948.
27. كان من بين الملاحظات رسالة أخرى من كوبرشتوك إلى سالومون، وقائمة بأسماء السّجناء العرب المحتجزين لدى اليهود.
28. ربما يشير كوبرشتوك إلى شريف.
29. قد يكون كوبرشتوك توصل إلى هذا الاستنتاج بعد حديثه مع شفيق. لاحظ أنّه في وقت سابق ذكر شفيق أنّ كوبرشتوك أراد الهروب، وأنه حذّره من خطورة ذلك.
30. Israel State Archive 931/ 6/ P
31. IDFA 6400/ 1949 file 66.
32. IDFA 7249/ 1949 file 137. أخبرني أفراد من عائلة إتكيس أنّه بعد فترة وجيزة من إنشاء دولة إسرائيل، غادر إتكيس وزوجته إلى الولايات المتحدة (حيث أمضى بضع سنوات قبل وصوله إلى فلسطين).
33. IDFA 7249/ 1949, file 152، 14 آذار 1948 [تقرير استخباراتي من حيرام إلى تينه]. تم ذكره أيضاً في مكان آخر5942/ 1949, file 23.
34. IDFA 5942/ 1949, file 23 16 آذار 1948 [تقرير استخباراتي من حيرام إلى تينه].
35. IDFA 7249/ 1949 file 152.
36. جادل تشارلز تريب بما ورد أعلاه في ورقة تتعلّق بالتدخّل العراقي في فلسطين عام 1948. تم تسليم الورقة في مركز دراسات الشرق الأوسط، أكسفورد، 4 كانون أول-ديسمبر 1998. لا يزال هناك قول شائع بين الفلسطينيّين بشأن هذا النقص العراقي. الأوامر: بين آكو وماكو الفلسطينيّين انتاكو. أشكر أفراهام سيلا، الّذي لفت انتباهي إلى هذا القول. إن الجنرال جبوري، الّذي ترأّس القوّات العراقيّة في فلسطين عام 1948، قال إنّ الاتهامات بعدم وجود أوامر لا أساس لها من الصحّة. وأضاف أنّها نتيجة المنافسة داخل جامعة الدول العربيّة، وبين مختلف قوى الجيش العربي. يصف نافذ نزال (1978) نفس النقص في الأوامر العراقيّة في منطقة الجليل.
37. IDFA 2506/ 1949 file 85. المراسلات باللغة الإنجليزية.
38. IDFA 6400/ 1949 file 66 بتاريخ 4 تموز- يوليو 1948Ð ". .. يتلقى أهالي إجزم أسلحة خفيفة من طولكرم، عبر مسارات في الجبال الّتي تمرّ بأم الجمال بالقرب من زخرون". IDFA 6400/1949 file 66-- ".. .. لا جيش أجنبي في إجزم.. كل ليلة يتم نقل الإمدادات الغذائيّة والذخيرة والأسلحة والمعدّات من المثلث إلى القرية".
39. مشمار هعيمق، كيبوتس يهودي جنوب شرق حيفا.
40. IDFA 7249/ 1949 file 152 بتاريخ 4 تموز- يوليو 48. المرجع بخصوص العلاقات مع أم الزينات محيّر حيث تم احتلال أم الزينات يوم 15 أيار- مايو.
41. يشير مترجم الجيش إلى أنّه لا يستطيع التعرّف على الكلمة "مناضل mundel". في العامية العربيّة الفلسطينيّة، غالباً ما تستخدم كلمة "مناضلين munadilin " بطريقة مهينة. أشكر عصام أبوريا على هذه المعلومات.
42. هذا المقطع مترجم من العبريّة محفوظ في أرشيف الجيش الإسرائيلي. كانت الكلمة المستخدمة في العبريّة "انكشفنا" هي نتغالينو IDFA 5942/ 1949 file 3
43. يغال، الّذي كان سياسياً وعضواً سابقاً في البرلمان وكان متشابكاً مع السكّان العرب في إسرائيل، فرض على روايته للحرب نظرته اليمينيّة إلى العالم. وكان، في العام 1948، ضابطا بالجيش مسؤولاً عن وحدة نصبت كمائن في الحقول شمال شرق الطنطورة، لمنع وصول أي مساعدة خلال المعركة. قال لي إنّه على حد علمه قتل أكثر من سبعين شخصاً. وقال أحد الناجين من الطنطورة الّذي يعيش في قرية مجاورة، أنّه سجّل أسماء القتلى، وأنّ القائمة وصلت إلى 95 شخصاً. المعلومات الّتي لدي ليست كافية للتأكد مما حدث في الطنطورة.
44. كتب تيدي كاتس من كيبوتس ماغال أطروحة الماجستير (مقدمة إلى جامعة حيفا) عن اقتحام الطنطورة وأم الزينات. ونشرت صحفة معاريف العبريّة وصفه لمجزرة الطنطورة، فقرر قدامى كتيبة ألكسندروني مقاضاته. وفي النهاية وقّع الطرفان [كاتس وقدماء المحاربين] على اتفاق قبل المحاكمة يتعهّد بموجبه كاتس بالاستنكار العلني للنتائج الّتي توصّل إليها مقابل إسقاط الدعوى. مما أدى إلى إلغاء المحاكمة.
45. ذكر يسري من عين حوض الطنطورة، عندما حاول شرح قراره بمغادرة قريته: "كان هناك بعض النّاس الّذين قالوا لا لخيار الاستسلام :" لا نريد البقاء هنا ". كان هناك أسباب أخرى أيضاً، خاصة بمذبحة الطنطورة الّتي شهدوها، والّتي راح ضحيّتها مائة شخص، فكان الناّس يخشون أن يأتوا [اليهود] ويذبحوهم.
46 - ضمّت القوّة المهاجمة وحدة من ألكسندروني (على الأرجح كتيبة). قذيفتا هاون من عيار 3.2 إنش( 81 مم)، وعشرة رجال وضابط؛ آليّتان بيزيه؛ وقوة طبيّة، وثلاثة أجهزة اتصال، وأربعين رجلاً من وحدة كرملي تم إحضارهم من دورة القادة؛ وثلاثين من رجال الحامية. في حين أنّ القوّات الميدانيّة كانت متنقّلة وتعيش في المعسكرات، كانت قوّات الحامية تتألّف في الغالب من رجال أكبر سنّاً، فوق سن الـ 35، والّذين سيبقون في منازلهم ويتم تعبئتهم لمهام محليّة. لذلك، عرف بعض المقاتلين من الجانبين بعضهم البعض. انظرIDFA 6400/ 49, file 66، و 2506/ 1949, file 85.
47- الوثائق المتعلّقة بالتفجيرات الجوّية ليوم 12 تموز- يوليو هيIDFA 137( 38)/ 1951 file 178 وكذلك IDFA 922/ 1975 file 1182. الوثيقة الخاصة بيوم 17 تموز- يوليو هي IDFA 922/ 1975 file 1176؛ الصفحات 1-18 من 31054 13..30: http//www.palestineremembered.com/Haifa/Ijzim/Ijzim.html#EFRAT ،والصفحات 17 من 19 12/04/03 8:12 .ووثيقة يوم 19 تموز- يوليو هيIDFA 922/ 1975 file 1032 .
48-IDFA 5942/ 1949 file 3. الوحدات الّتي شاركت في هذا الهجوم بتاريخ 21 تموز- يوليو، هي ست سرايا من الشرطة العسكريّة منظّمة على شكل ثلاث سرايا وسريّة واحدة من قوة مساعدة منظمة في ثلاث سرايا (IDFA 7249/ 49, file 130).
49. IDFA 922/ 75, file 1044Ð، العمليّة الأخيرة- كتيبة واحدة (ألكسندروني رقم 33) (حوالي 900 جندي) (تم ذكر سريّتين فقط من هذه الكتيبة في وصف المعركة)؛ سرية واحدة من الكتيبة الواحدة والعشرين (كرملي)؛ سريّة واحدة من الكتيبة الخامسة عشرة (جولاني). دعم الأسلحة - مدفعان من عيار 65 ملم؛ هاون عيار220 ملم (هاون ثقيل)؛ ست سيارات مصفّحة من اللواءين السّابع والثّالث؛ قاذفات قنابل وطائرات حربيّة.
50. IDFA 137( 38)/ 1951 file 178: "..، قصف الجزء الجنوبي الغربي من قرية إجزم، والمنطقة الواقعة بين القرية والجزء الشرقي من الطريق إلى القرية. حمولة القنبلة 1200 كغم. القنابل الحارقة. التوقيت 0030 ± 0130. منطقة الهدف الخفيفة بالقنابل المضيئة. أصاب الهدف أولاً بالقنابل الحارقة، ثم قصف بشكل منهجي الأهداف الّتي أصيبت بالقنابل الأولى ".
51. IDFA 137( 38)/ 1951 file 178.
52. IDFA 137( 38)/ 1951 file 178 بتاريخ 26 تموز-يوليو 1948 "قصف نفس القمّة في الساعة 10:00 والبحث من علو منخفض. [...]".
53. IDFA 5942/ 1949 file 3.
54. IDFA 5942/1949 file 3. تقرير استخباراتي أعدّه جيش الدّفاع الإسرائيلي، واستند إلى مصادر عربيّة قدّم الوصف التّالي لكيفيّة تطوّر الأمور في القرى الثّلاث:.. بعد معركة استمرّت طوال اللّيل والنّهار، تقرّر أن يغادر جميع الشبّان المسلحين القرى، ويتجهون نحو بلدة عارة وعرعرة. وعند الغسق هُجرت عين غزال وجبع. اجتمع الأهالي في خربة قمبازة وخرجوا من هناك في قوافل من خمسين إلى مائة شخص في كل قافلة. تم تأمين كل قافلة (IDFA 922/1975 file 1044).
55. IDFA 5942/ 1949 file 3بتاريخ 27 تموز- يوليو.
56. IDFA 5942/ 1949 file 3
57. IDFA 922/ 1975 file 1044. وفقاً لهذه الوثيقة وصل ثمانمائة شخص إلى عارة بسلام.
58. يتساءل المرء ما هو المقصود بـ "عاد النّاس". ربما يعني ذلك أنّ بعض الأشخاص الّذين بقوا بالقرب منهم (في الجبال أو في القرى الدرزيّة) حاولوا العودة إلى القرية لإنقاذ منتجاتهم وممتلكاتهم.
59. أرشيف دولة إسرائيل Israel State Archive ،
60. IDFA 5942/ 1949 file 3.
61. IDFA 2168/1950 file 26. وفي عين غزال، قُتل 22 شخصًا، وفقد 33 آخرون، وتمّ العثور على 2464 شخصاً. وفي جبع ثمانية قتلى وخمسة في عداد المفقودين وعثر على 1494.
62. IDFA( 2) 716/ 1949 file 1
63. كانوا تسعين شخصاً معظمهم من إجزم: تسعة وثلاثون طفلاً، وأربع وأربعون امرأة وسبعة رجال من كبار السّن. انظر IDFA 244/1951 file 129.
64. IDFA 7249/ 1949 file 82.
65. IDFA 4663/ 1949 file 125 ،. وأيضاً4663/ 1949 file 125 Ð في هذه الرسالة، يكتب نائب ضابط الأملاك العربيّة في حيفا إلى رئيس وحدة ألكسندروني يطالب بإعادة الممتلكات المأخوذة من القرى الثلاث.
66. IDFA 5942/ 1949 file 3، بتاريخ 11 آب- أغسطس 1948. في رسالة يكتبها شريف إلى شطريت، يرغب في الحصول على إذن لإنقاذ ممتلكاته في الماقورة "قبل أن تستباح للسّلب والنّهب" (Israel State Archive, gimel 302/ 86). وفي نيسان- أبريل 1948، تم إنشاء لجنة مؤلفة من ممثلين عن المستوطنات اليهوديّة للإشراف على التعامل مع الممتلكات العربيّة (IDFA 4663/ 1949 file 46). وفي نهاية آب- أغسطس، صادروا بعض الممتلكات المنهوبة مثل أربعة خيول، تم العثور عليها مع أربعة أشخاص مختلفين في زخرون يعقوب (IDFA 4663/ 1949 file 125).
67. في حين بقيت منازل قرية إجزم على حالها، تعرّضت معظم منازل جبع وعين غزال القريبة من الطريق الرئيسي للدّمار المنهجي بعد الاستيلاء عليها بوقت قصير.
68. كان شريف صديقاً لبخور شطريت لسنوات عديدة، منذ أن عمل شطريت مع قوة الشرطة البريطانيّة. وعند إعلان دولة إسرائيل، أصبح بخور شطريت وزيراً لمكتب الأقليّات، ولاحقاً وزيراً للشّرطة.
69. State Archive, gimel 1319/ 66, 12 December 1948.
70. State Archive, gimel 1319/ 66
71. استخدم الشّاعر الفلسطيني معين بسيسو نفس الصورة في قصيدة عن النكبة. وكتب: "لم يترك السيل غير الحبل والوتد.. من ذلك الشعب أو من ذلك البلد"، . انظر المختارات التي جمعها عبد الرحمن الكيالي، 1975: 235.
المراجع
Abu-Lughod, J. (1971) "The Demographic Transformation of Palestine", In: Abu-Lughod, I., ed, The Transformation of Palestine (Northwestern University Press, Evanston), pp 139-163.
عبد الصمد الحاج يوسف أبو راشد(1993). طيرة الكرمل : الأرض والإنسان، إربد، طبعة المؤلف
أحمد مصطفى الباش (1998) طيرة حيفا: كرملية الجذور’ فلسطينيّة الانتماء، دار الشّجرة للنّشر والتوزيع، دمشق.
Carmel, M. (1949) Ma arakhot ha Tsaphon (Battles of the North) (Hakibbutz Hame uhad, Ein Harod).
Halbwachs, M. (1980) The Collective Memory (Harper and Row, New York).
Hynes, G. (1999) In: Winter, J. and Sivan, E., eds, Personal Narratives and Commemoration, in War and Remembrance in the Twentieth Century (Cambridge University Press, Cambridge, UK).
صالح صائب الجبوري (1970)، محنة فلسطين وأسرارها السياسيّة والعسكريّة, دار الكتب، بيروت.
Khalidi, W. (ed.) (1992) In: All that Remains: The Palestinian villages occupied and depopulated by Israel in 1948 (Institute for Palestine Studies, Washington).
Lorch, N. (1961) The Edge of the Sword: Israel s War of Independence 1947± 1949 (Putnam and Co., New York).
عادل مناع ( 1986)، أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني 1880- 1918، مطبعة الدراسات العربيّة، القدس.
Morris, B. (1987) The Birth of the Palestinian Refugee Problem 1947-1949 (Cambridge University Press,
Cambridge, UK).
Morris, B. (1991) Leidata shel Be ayat haPlitim haPhalestinim 1947- 1949, A revised Hebrew edition of The Birth of the Palestinian Refugee Problem 1947± 1949 (Am Oved, Tel-Aviv).
Nazzal, N. (1978) The Palestinian Exodus from Galilee 1948 (The Institute for Palestine Studies, Beirut).
Samuel, R., Thompson, P., eds (1990) The Myths We Live By (Routledge, London).
Slutsky, J. (ed.) (1965) Sefer Toldot HaHagana (The History of the Hagana) (Ma arakhot Press, Tel Aviv).
Stern, Sh. (1980) "The British Mandate Period", In: Sofer, A. and Kipnis, B., eds, Atlas Haifa vehaKarmel (Atlas of Haifa and the Carmel) (University of Haifa, Haifa).
Takkenberg, A. (1978) "The Status of Palestinian Refugees in International Law" PhD thesis, University of Nijmegen (Netherlands).
Thompson, P. (1978) The Voice of the Past: Oral history (Oxford University Press, Oxford).
Toldot Milhemet Haqomemiyut (The History of the War of Independence), (1959)" Ma arakhot Press, Tel Aviv: Compiled by the History Branch of the General Staff, Israel Defence Force.
Wachtel, N. (1986) "Memory and History: Introduction", History and Anthropology 2( 1), 207-224.
Yazbak, M. (1998) Haifa in the Late Ottoman Period, 1864± 1914: A Muslim town in transition (Brill, Leiden).
ملاحظات المترجم
*كيبوتز عين كرمل: تأسس في العام 1950 على بعد كيلومتر واحد من قرية المزار، وبعض منازل الكيبوتز تقع على أراضٍ تابعة للقرية.
*زروفا: تأسست في العام 1949 من قبل مهاجرين من الجزائر وتونس. سمّيت القرية بهذا الاسم نسبة إلى قرية صرفند الفلسطينيّة الّتي تمّ إخلاء أراضيها من سكّانها. ويزعم سكان زروفا أنّ الاسم مشتق من آية المزمور 18: 30 ، الّتي نقشوها على مدخل القرية/ "اَللهُ طَرِيقُهُ كَامِلٌ. قَوْلُ الرَّبِّ نَقِيٌّ. تُرْسٌ هُوَ لِجَمِيعِ الْمُحْتَمِينَ بِهِ." لكن الأقرب للصحّة أن يكون الاسم مشتق من اسم قرية صرفند الفلسطينيّة المقام على أرضها، وكانت صرفند تدعى في الفترة الصليبيّة باسم سربتا يودي Sarepta Yudee بمعنى "مكان الصهر" وتم العثور على بقايا فخار روماني وبيزنطي في الموقع. وخلال العصر الصليبي، تم بناء قلعة ومصلى. ولا يزال من الممكن رؤية بقايا مسجد القرية.
*بت شلومو: وتعني بنت سليمان"، موشاف تأسس سنة 1889 على السّفح الجنوبي لجبل الكرمل بين بلدتي بنيامينا وزخرون يعقوب. وتمّ بناءه بتمويل من البارون روتشليد فسمي تيمّناً بابنته بيتي فون روتشيلد ابنة سلمون ماير فون روتشيلد، ومع بداية الانتداب البريطاني كان سكّان الموشاف خليط من اليهود والمسلمين، وإن كانت الغالبيّة من اليهود.
*راشومون: فيلم ياباني بالأبيض والأسود إخراج أكيرا كوروساوا في العام 1950، تدور أحداث الفيلم في العام 750 ميلادي في فترة الحرب الأهلية في اليابان حيث عمّت الفوضى والمجاعة في البلاد. وذات يوم يعثر أحد الحطابين على جثة رجل من الساموراي، ثم فيما بعد تقبض الشّرطة على قاطع طريق مشهور فيتم استدعاء بعض الأشخاص للشهادة، المفارقة في الأمر أنّ كل فرد يقوم بسرد القصة بطريقة مختلفة وبأسلوبه الخاص، وهكذا نحصل على عدة روايات للحادثة الواحدة، ويقدم الحطاب شهادته أيضاً وهو يزعم أنّها الأصدق، ويخرج من قاعة المحكمة و يلتجأ إلى أحد المباني القديمة المهجورة، وهناك يلتقي بأحد الرهبان البوذيين وبرجل آخر عابر سبيل، ويدور بين الثلاثة حديث حول المحاكمة، فيعترف الحطاب، في نهاية الحديث، أنّه أدلى بشهادة كاذبة أمام المحكمة، ثم يقص عليهم القصة الحقيقيّة.
الجزء الثالث من الروايات
إجزم: حكايات مؤلمة وذكريات لا تنسى
التقيتُ الحاجّة ندى صفدي- الماضي 'أم ماهر'، في مدينة حيفا، وخلال لقائي بها كانت طوال الوقت تذكُر قرية إجزم المهجرّة، فهي قرية الآباء والأجداد، حيث سكنت عائلتها في القسم الغربي من جبل الكرمل. تبلغ أم ماهر (85 عامًا)، والدها نايف الماضي، يذكره الفلسطينيّون الّذين سكنوا إجزم حتّى العام 1948، هُجّرت العائلة بعد النّكبة، كان الوالد مختارًا لإجزم لفترةٍ طويلة، وكان ملاّكًا لأكثر من ثلث أراضي القرية، كان يبيع الحبوب ويستأجر من يرعى مصالحه في الزّراعة ويعاونه في طلبات البيت. قالت الحاجّة ندى الماضي لـ(عرب 48):" إنّ والدي كان كريمًا، بيته كان عبارة عن مضافة للقريب والغريب، يأتون إليه لاستشارته في أمورهم وهمومهم، ولم يكن يبخل بالمساعدة، تميّز بكرمه. وكان يوفِّق بين النّاس، كانت نصائحه تعمِر البيوت".
عن طفولتها قالت أم ماهر: "عشتُ طفولتي في بيتٍ يشبه القصور، وفي أمسيةٍ من أماسي الشّتاء ترك أهل القرية ديوان والدي، على غير عادتهم، قبل الحادية عشرة مساءً، وإذ بنا نسمع دوي انفجارٍ هائل، فانفجر الركن الخاص بوالدي، ويومها أدركنا أنّه لا أمان في البيت، فقال والدي (الناس انسعرت)، وعند الصباح حملني وسرنا مع العائلة إلى برج البراجنة، أقمنا هناك سنتين، ثم عدنا في العام 1938، وفي جعبتي أجمل ذكريات الطفولة". روت أم ماهر حكايات لم يقوَ الزّمن على محوها من الذّاكرة، حتّى بدأت الذّاكرة تُحمّل صاحبتها ما لا طاقة لها بِه. تتابع قائلة:"تذكرينني بأيام العز، لو أنكِ رأيتِ البيوت الّتي كانت لدى أهلي، قام اليهود بنسفها، وتركوا بيتًا واحدًا لأخي الكبير، قصرٌ جميل، وكان كثيرون يزورون البيت لجماله".
تنهّدت الحاجة ندى الماضي: "رحمة الله على الوالد، كان شهمًا ومحبوبًا، وأوّل مَن علّم أولاده. قرّر والدي إحضار مدرّس ليعلمنا أصول القراءة والكتابة، لا أذكر كم من الوقت أمضينا في التعلّم، ما أذكره أنّنا حُشرنا في غرفة واحدة، ستة عشرة طالبًا، وأبناء الأجيريْن عند والدي، في تلك الفترة لم تكن هناك مدارس حكوميّة، وكان المدرّس ينام ويصحو في بيتنا. فتولّعتُ بالمطالعة، إذ لم يبخل عليّ أخي الكبير محمود بتفقُد مكتبته واختيار كُتب المطالعة من قصص وروايات، أنهيتُ كتاب 'ألف ليلة وليلة' و'في بيتنا رجل' و'بائعة الخبز' و'غادة كربلاء' وغيرها من القصص، لكن أكثر ما همّني في قراءاتي آيات القرآن الكريم". تعلّقت بوالدها، وقالت عنه مجدداً إنّه "لديّ الكثير ما يقال عن أبي رحمه الله، إذ كان من أهم رجال تلك الحقبة ومن كبار التجّار، شاركهُ سعيد المحسن وأبناؤه في زراعة أرضنا بالقمح والخضراوات، وكانَ يقسّم الأرباح مناصفةً، أما بناته فقد حُرّم علينا لقاء الغرباء باستثناء أبناء سعيد المحسن الّذين لم يتجاوز سنهم السّادسة عشرة، ولم يسلم من أذيّة أبناء شعبه، فبعضُ الحاقدين على أصحاب الأموال كانوا أشدّ قسوة وأكثر بطشًا بممتلكات والدي".
ثمّ أخفضت الماضي صوتها وقالت: "رحمة الله على أيام زمان، كنّا راضين عن حياتنا، حتّى وصل اليهود عين الغزال، وأصبح من المفروغ منه الخروج من البيت. بدأ اليهود بإطلاق النّار على كل من يمر في الشّارع، فهربنا ليلًا، وحمّلنا الملابس، وأغطيّة النّوم، فوق ظهر الخيل، ثم مكثنا حتّى الصباح فوق التلّة، حتّى وصلنا إلى دالية الكرمل".
'اليهود أذلّوا العرب'!
وصفت الحاجّة ندى الماضي التهجير من إجزم،"عندما وصلنا دالية الكرمل في حينه، فوجدنا مئات العوائل ممّن هُجّروا من قراهم، جاؤوا من جبع وعين غزال والمزيار والطيرة والطنطورة. في ساحة القرية حمل الجائع منهم في يده رغيف خبزٍ حاف، كانوا يأكلون عن جوع، ثمّ تجمهر المهجّرون وتشاوروا فيما بينهم في كيفية تدبير أمرهم. كالأفلام رأيتهم بأم عيني يقفون في طوابير، والأمّهات يحملن أطفالهنّ، والرّجال يحملون ما استطاعوا حمله من أكياس وحاجياّت بسيطة. صورٌ تنفطرُ لها القلوب: أطفالٌ حفاة، نساءٌ ورجال بلا مأوى، وعجائز غالبَتهم آلام الوقوف فبكيْن. لاحقًا سكنتْ عائلتي في بيت مختار دالية الكرمل، الّذي دعاه للمكوث بضعة أيام، والنازحون هرعوا إلى الحافلات، وعندما قيل لهم أنّها تابعة 'للأمم المتحدة'. قالوا: 'الأمم متحدة والصليب الأحمر كذبة، بل هذه حافلات إسرائيل، وبُشرت العائلات بالانتقال للدول العربية".
تابعت أم ماهر: "رأيتُ مشاهد محزنة، أمّهاتٌ لا تقوى على حملَ أطفالها، وشبابٌ يتبرعون بحملِ ما تبقى مِن الأطفال والحاجيّات، ورجال وضعوا مفاتيح بيوتهم في جيوبهم على أمل العودة، وقيل لهم: 'ستأكلون الأرُز وتعيشون في أمان لبعض الوقت ثم تعودون إلى بيوتكم'، هكذا نقلتهم الحافلات إلى أبعد من جنين، وقُذف بهم في بقعةٍ مفتوحة، ثم وصلوا الدول العربية، وأفلحت قلةٌ من الرجال بالتسلل ليلاً عائدين لديارهم، ليصف بعضهم محاسن 'الأمم المتحدة وصليبها الأحمر'، الّذي وزّع الحلوى على الأطفال مناصفة، وأجلس النّساء، وعادت الحافلات إلى دالية الكرمل بعد خمسة عشرة يومًا لتنقُل البقيّة الباقيّة من المهجرين من ديارهم، وبين المسافرين رجلٌ في الخمسينات، ساعد زوجته بالصعود وحملَ حقيبة فيها ما اتسع من الحاجيات ووضعها في الحافلة، ثم عادَ ليأخذ الفرشة خاصته، فأوقفه مسؤولٌ يهودي: قال له: 'ممنوع اصطحاب أحد، إذهب لوحدك'، عجِزَ الرجل عن انتزاع فرشته الّتي تحوي مدّخراته وشاهد كغيره كيفَ أحرقَ المسؤول ما تركه الفلسطينيّون خلفهم، وتحولت الأموال إلى رماد، دمَعت عينُ الرجُل وغابَ بين الجموع. رأيتُ أبي حين أخرجَ مفتاح بيته في إجزم، فتح الباب على مصراعيه لندخل ونرتمي بين زوايا البيت، ليعود اليهود فيطلقون النّار من فوق رؤوسنا، خفنا فعدنا للمرة الثّانية إلى دالية الكرمل، وهذه المرة قضينا هناك سنتين، كنّا قد سمعنا من بعض العائدين أنّ اليهود طلبوا من الرجال الوقوف بصفٍ واحد، وأداروا ظهورهم وفق الأوامر لتنطلق نيران الرشاشات فترديهم قتلى، وبينهم سجناء 'عتليت'. كان ختام أسرهم القتل، بينما هبطت معنويات أبي حتّى فارق الحياة".
حق العودة
اختتمت الحاجة ندى الماضي بأنّ والدها توفي بعد فترةٍ وجيزة قضاها برفقة صديقه طاهر قرمان الّذي دعاه للسكن في قرية إبطن، وقالت:"جاورَتنا عائلة مكوّنة من شابين ووالدتهما، فأعجب أحمد الصفدي من سكان طبريا بي، كنت في السّابعة عشرة من عمري، تزوجت من الشّاب أحمد الصفدي في العام 1951، وبعد ثلاثة أشهر انتقلنا إلى شفاعمرو، وعمِل أحمد الصفدي في مكتب الشؤون الاجتماعيّة. لم يكن زوجي يرد محتاجًا ولم يغلِق بابًا لزائرٍ أو سائلٍ أو ضيف. وبالصدفة 'تكرمّت' هيئة الأمم المتحدة على الفلسطينيين بمعلبات اللّحمة الّتي استلمها الحاكم العسكري اليهودي فوزّع معظمها على اليهود، وما تبقى منها سُمح للموظف أحمد الصفدي بتوزيعها على المحتاجين بالتساوي".
أنهت الحاجة ندى الماضي قائلة :"إنّ حق العودة إلى الديار سيتحقق ولو بعد حين.