الآثار - الجفتلك - قضاء أريحا

الجفتلك .. سجن شاهد على 4 حقب تاريخية في مرمى الاستيطان

  كل ما يخشاه أهالي قرية الجفتلك "30 كلم" شمال أريحا في الأغوار الوسطى، أن يكون "سجن الجفتلك" الأثري هدفاً جديداً للاستيلاء عليه من قبل المستوطنين، في ظل استمرار سلطات الاحتلال بمنع الجهات الفلسطينية المختصة من ترميمه.

وتفوح من هذا الموقع الأثري، رائحة تراث عريق تركته تلك الدولة العثمانية في فلسطين، وكان عبارة عن مركز للشرطة "نظارة" ومملكة للعثمانيين وإسطبل للخيول، قبل أن يقوم الاستعمار البريطاني بترميمه فأضاف عليه بعض المباني ليصبح سجناً عسكرياً كبيراً.

ويقع "سجن الجفتلك" في الجهة الشرقية من القرية، وأصبح تحت سيطرة جيش الاحتلال الذي كان يستخدمه أحيانا لأغراض التدريبات العسكرية، وصنفه الاحتلال على أنه منطقة عسكرية، وهو قريب جدا من ثاني أكبر معسكر لجيش الاحتلال في منطقة الأغوار، ومنع لسنوات طويلة أي فلسطيني من مجرد الدخول إليه.

ويشد مبنى السجن الضخم والذي يتوسط سهول القرية الخضراء المحاطة بالتلال الصخرية المليئة بالكهوف، الأنظار، فهو كبير يعبق بالتاريخ تماما كقرية الجفتلك التي أوقف الاحتلال تطورها الحضاري بحظر البناء أو التوسع العمراني فيها، فتبدو ببيوتها المشيدة من الطين وأشجار النخيل شبيهة ببيوت الزمن القديم.

وتتألف القرية من خمسة تجمعات على مساحة نحو 63 ألف دونم مصنفة وفق أوسلو على أنها مناطق "ج"، ويحدها من الشرق نهر الأردن حيث تبعد الحدود الأردنية عنها مسافة ستة كيلومترات، ومن الشمال قرية مرج الغزال وأراضي محافظة طوباس، ومن الغرب مدينة نابلس وأراضي قرى مجدل بني فاضل ودوما وعقربا.

وبحسب الناشط الحقوقي عارف دراغمة، فإن "سجن الجفتلك" أصبح مهجوراً وموحشاً بسبب منع الاحتلال أي سيطرة فلسطينية عليه.

وأضاف دراغمة: "إن هذا السجن مهجور وحجارته مثقوبة بآلاف الحفر جراء التدريبات العسكرية الإسرائيلية داخل السجن وخارجه، وأرضيته مليئة بالأتربة والأوساخ، وجدرانه مليئة بالتشققات، وأرضيته تالفة، وهو مهدد بالسقوط إذا لم يتم ترميمه والعمل على تحويله إلى معلم أثري وسياحي وربما فندق ومركز سياحي".

"ورغم حالة بؤس السجن، ووشايته بقسوة السنوات التي مرت عليه، إلا أن هذا المكان يمكن له أن يتحول إلى معلم ثقافي وأثري واجتماعي مهم يخدم المواطنين في تلك المنطقة، فترميم غرف السجن وإصلاحها، يمكن أن يحولها إلى مكاتب لمؤسسات عامة، وكذلك ساحاته الخارجية المؤهلة لكي تتحول إلى متنفس طبيعي لأطفال المنطقة"، قال دراغمة الذي عبر عن خشيته من إقدام المستوطنين على الاستيلاء على هذا الموقع الأثري.

وكشف دراغمة، النقاب عن قيام المستوطنين باقتحام "سجن الجفتلك" لعدة مرات تحت حراسة وحماية جنود الاحتلال، في وضع مريب يثير خشية الأهالي من أن يكون هذا المكان الذي يحلمون بترميمه، الهدف التالي للاستيلاء عليه من قبل المستوطنين.

ومن داخل مبنى السجن الذي يطل بموقعه الاستراتيجي على سهول الجفتلك، تحدث رئيس نادي الجفتلك الرياضي يوسف بني عودة عن ذكرياته القليلة للمكان والعصية على النسيان بحكم الهالة المحيطة بالسجن، فقال: "زرته وأنا صغير مع صديقي، وكان لدينا شغف البحث عن مخلفات الجيش الإسرائيلي".

ومضى بني عودة: "تنبهنا في القرية والمجلس القروي إلى أهمية الموقع وإمكانية صنع حراك ما من أجل انتزاعه من الاحتلال الذي يمنع السيطرة الفلسطينية عليه وإحياءه سياحياً، فاتصلنا بالوكالة التركية للتنمية والسفارة التركية وعرضنا عليهما الأمر، فطلبتا منا كتاباً خطياً يشرح واقع السجن والرؤى والاستراتيجيات الممكنة لإعادة تأهيله".

وأردف: "في حال رمم المبنى، سيكون من أجمل مواقع الجفتلك السياحية، ويمكن أن يتحول إلى قاعدة للمؤسسات الأهلية لخدمة مناطق الأغوار".

ونقل عن الحاج السبعيني محمود مساعيد وهو أحد الذين شهدوا قصة "سجن الجفتلك" منذ الفترة البريطانية قوله: "خلال الفترات المتعاقبة ومن ضمنها فترة الانتداب كان السجن يستخدم إسطبلاً للخيول، وبعد الإدارة الأردنية تمت إضافة قسم آخر للمكان وهو السجن، وكان ينطلق منه جيش الخيالة إلى الحدود الأردنية الفلسطينية لحراسة الحدود وتمشيط المكان، كما كان يتم استخدامه كسجن للفلسطينيين، وبعد الاحتلال الإسرائيلي استمر كسجن للأسرى حتى ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان يتم احتجاز المناضلين لفترات قصيرة حتى يتم ترحيلهم إلى سجون مختلفة".

وأشار مركز العمل التنموي "معا"، إلى محاولات حثيثة بذلها الأهالي في الجفتلك من أجل الحصول على أذونات وتصاريح من أجل تحويل هذا المكان إلى متحف يجسد تاريخ الدولة العثمانية، خاصة وأنه تراث تركي على أرض فلسطين، ومن ناحية أخرى ليكون توثيقاً للتاريخ الفلسطيني خاصة في تتابع الاحتلالات المختلفة للأراضي الفلسطينية، ولكن للأسف قوبلت هذه الجهود بالرفض من قبل الجهات الإسرائيلية".

 المرجع

محمد البلاص/ جريدة الأيام

 https://www.al-ayyam.ps/