روايات أهل القرية - المنصورة - قضاء عكا

ابنة قرية المنصورة المهجّرة سهيلة إبراهيم حنا الياس مطر (أم الياس) 93 عاماً (مواليد سنة 1918).
 
بعد التعارف وقبل أن نبدأ حديثنا قالتلي بخفّة ظلّ: ما تآخذني يا حبيبي، نظري على قدّي بس بسمع منيح وذاكرتي بعدها بخير.
 
قلت: يعني انْحرَمتي من شوفِة بلدك المنصورة؟... إم الياس: هو ظل إشي من البلد، كومِة حجار.. صحيح نظري خفيف بس المنصورة محفورة بذاكرتي وبقلبي... قلت: تجوّزتي بالمنصورة يا إم الياس؟، ردّت عليّ باعتزاز: جوزي مارون مطر كان دكتور، قلت: بهذيك الأيام كان في دكاترة بالمنصورة؟، ضحكت أم الياس وقالت: أهل المنصورة كانو مَعّازِة وطَرّاشِة، وجوزي مارون كان لما تِنِكْسِر عنزة يِجَبِّرها، وصار يِجَبِّرْ بنآدمين وينادوه دكتور. مرّة، مات ولد بِبَطن إمُّه الحِبلى، أجا مارون عمِلّها عملية وسحب الولد من بطِنها وأنقذ حياتها. كان مارون لما يِنِكْسِر واحد يُطْلُبْ صَبونِة زيت (بِكِرْ)، يَعني ما حدى مْغَسِّلْ فيها وما كان يوخُذ أجار من حدى، كانو يْسَموه بالبلد دكتور العظِمْ... ابتسمَت إم الياس وضحكت ضُحكِة رَجّعتها لقبِلْ 63 سنِة وقالت:
 
قلُّه، يا أمير إرحَلْ وشيل
 
وخَلّي لِمْقَدَّر يصير
 
ما بِدوم إلا وجه الله الكريم

 
كانت شَلْعِة المِعْزَة تْغَطّي عينْ الشمس
 

 
قلت: إحكيلي عن طفولتِك... إم الياس: شو طفولتي يَمّا، مات أبوي ابراهيم مطر واحنا صغار، وكان ملاّك ومَعُه مصاري كثير. وإمّي ملكِة مطر ما عَلَّمتنا بالمدارس... شو كان يشتغل أبوكي؟... إم الياس: أبويْ كان عِندُه شَلْعِة مِعْزَة بِتْخَوِّفْ، بس بدّي أقُلّك، دار مطر كانو مَعّازِة، لما كانو يِطلَعوا على الرْعِيِّة، كانت الشَلْعَة تْغَطّي عينْ الشمس، ولما مات أبويْ تقسّم الطرش بين قرايْبُه.
 
قلت: شو بْتِتْذكّري من أغاني وأشعار المنصورة؟... إم الياس: هاي واحنا صغار يا حبيبي كنّا نغنّي:
 
يا ريم الفلا مَيِّلْ تا شوف
 
شو هالذنب اللي صَدَرْ بعد المعروف
 
وشو بدّي أقلّك كمااااان، بَذكُر كان مارون الياس إبن بلدنا شاعِر ويْلَحِّن أشعارُه هو يغنّي ويْرُدّْ .. يقول:
 
صار بْبَلَدنا قتيلْ
 
واحد من قرية ترشيحا بعرِفْشْ أهلُه مينْ
 
أجانا المِستِرْ كوهِن
 
أكثَرْ ضَربُه عالإجرينْ
 
ليلِة وِنْهارين والرِعْيانْ مْكَتّفينْ
 
إتجَمّعنا جَمْعِة شُبّان وقُلنالو بْشورَكْ يا بو جُبران
 
بِرُدّْ المُختار وبِقول:
 
قالوا ادْغَشوا بالمُطران
 
وِاحنا بها العيشِة مظلومين
 
إجانا الأوتومْبيلْ بالليل
 
وِامشينا أكثر من الخيل
 
قبل ما طِلِعْ نِجمْ سْهيلْ
 
كُنّا عالمدينِة واصلينْ
 
قُلنالُه دَخْلَك يا سَيِّدنا
 
وشايِفْ حالِة بَلدنا
 
خِتيارْنا مع وَلَدنا
 
وِالجميع مْكَتّفينْ
 
وبعدين يغنّي مارون عن إمرأة إسمها زهرة، قتلولها جوزها وِيْقول:
 
صاحِتْ زهرة يا شحارْ
 
تْرَمّلتْ بأوّل زماني
 
خَذوه عالأكزَخانِة
 
ونِيّالكو يا مِسعَدينْ
 
ويِكَمّلْ مارون ويْقول:
 
شَرْبَكْتينا بأفكارِكْ
 
يِخَلّيلِك عِزّْ دْيارِكْ
 
مُفتاحِكْ بْجيبْتِكْ
 
وفَرْدِكْ تحت زُنّارِكْ
 
تْمنيت أكونْ لِكْ جارْ
 
وبابي يِفْتح عَبابِكْ

 
ما كُنت أعرِفْ أعِدّْ لَلعشرَة كنت أقول معي ثلاثْ عِشرينات وسَخِلْ

 
قلت: كيف تْعرَّفتي على أبو الياس؟... إم الياس: حفيدْتي بِنتْ إبني سألَتني: كيف تْعرَّفتي يا سِتّي على سيدي مارون؟، قُلْتِلّْها: ما كُنت أعرِفْ أعِدّْ لَلعشرَة، يقولولي مثلاً قديش معك مِعْزَة؟ أقُلّْهِن ثلاثْ عِشرينات وسَخِلْ... يااااا سِتّي كنّا نِرعى مِعْزَة، وشو بِعرِّفني شو يعني الزواج.. أنا الصراحَة رفضت وما كان بَدّي، أجَت إمّي كَبّتْ كازْ عَلَيّْ بدها تِحرِقني. كُنت صغيرِة يا زَلَمِة واتجوَّزت بعد قَتْلِة.
 
أنا أصلي من الجش، كل الشباب كانت تُرْكُض ورايْ، بسّْ هذا النصيب، هيكْ كانْ يَمّا زَمانْ قَبِلْ. وبعِدْ ما أكلت قتْلِة، هَربت من الجش عِندار أخويْ في حيفا، وأجوا أخذوني من حيفا طَوّالي عالمنصورة وجوّزوني... قلت: كُنتي تِعِرفي أبو الياس قَبِلْ؟... إم الياس: مِعْزانا كانت تْشَتّي بِالمنصورة، وكُنتْ أروحْ مع مَرتْ عَمّي وكان مارون يِشوفْني هناك. ضِحكَت إم الياس وقالتلي: إلنصيب يا حبيبي النصيب.

 
طييييب بُكرة بيجو البراعْمِة يْذَروا عالبيادر مِنْفَرْجيهِن

 
قُلت: وكيف كانت أغاني لِعراسْ؟... إم الياس: كانت عتابا وميجانا، بَذكُر في أحد الأعراس، أجَت وَحَدِة خَيّاطَة بِتقول للشاعر الشعبي الحطّيني: إسمع يا حطيني، هذا صِهري مْطانِسْ (أبو فوزي) اللي بِغنّي عَقْبالَك، بَدّي تْبَهِدلُه. قام الحطيني قال:
 
إسْمَعني يابو فوزي
 
واسمَعني لَلِغْروزِة
 
ما بْريدْ النَذل جوزي
 
لو حِرْمِتْ عَليّْ الرجال

 
ردّْ عليه مطانِسْ وقال:
 
مِنْ كَلامَك بَتأبّى
 
صحيحْ إنّك مِشْ مْرَبّى
 
مُهُرْتَكْ روح ظُبّْها
 
ليش فيها حْصاني بَطْران
 
ضِحكَت إم الياس وقالت: أحكيلك هالقصة؟ بس صِعبِة شويّ؟... قلت: إحكي يا إم الياس إحكي.
 
إم الياس: إلبراعْمِة قالوا بين بعض: بُكرَة أهل الجش رايحين يبيعوا لبن، كُلّ واحد يجيب حجر نْسكِّر عليهِن الطريق، ثاني يوم أجوا أهل الجش لاقوا الطريق مْسكَّرة، قالوا بغضب: طييييب بُكرة بيجو البراعْمِة يْذَروا عالبيادر مِنْفَرْجيهِن، راحوا جابوا الحُصُر وسَكّروا الهوى.
 
وتابَعت إم الياس: مرّة المُطران شُكر الله أجا من لِبنان أجوا أهل المنصورة يْسلّموا عليه وسألوه: كيف كانت جوِلْتَك يا سَيِّدْنا؟... قال: شُفْتْ شوفِة، إذا بِتحُطّوها على بيتْ نمل بِهِجّْ، فَلْسَفِة أهل الجش وكِذِبْ أهل عين إبل والذَبايْنِة.

 
لا ضلّ دُخان ولا ضلّ ناطور

 
قلت: بْتيجي عبالِكْ المنصورة؟
 
إم الياس: الصحيح أنا أصلي من الجش واتجَوَّزت في المنصورة، وأهل المنصورة كان أصلهن من عين إبل في لبنان، كُلّهِن من عيلِة مطر بَسّْ أرضهن اللي بِمُلكوها كانت بالمنصورة، ولما حَلَّت النكبِة إشي رِجِع على عين إبل وإشي تشرّد بفلسطين... شوف تَقُلّك يمّا، كانت تِحْكيلي إمّي عن (عينْ إبِلْ) في لبنان، تْقُللي: في واحد كان عِندُه أربَعْ بنات وجَوَّزْهِن كُلّْهن غُرُبْ، بَرَّة البلد وِتْردِّدْ:

 
يا بَيّي آخِرْ وَحَدِة ليشْ غَرَّبْتْ واعطيتْ
 
يا بَيّي حَطّيتْنا بْكُلّْ ديرِة بيتْ
 
قُلت: كيف كانت حياتكو في المنصورة؟... إم الياس: دار مطر كانو زيّ ما قُلت ملاّكين وطرّاشِة، والمنصورة مشهورة بزراعِة الدُخّان، في موسم الدخان تيجي شركة دُخّان من حيفا وتشتري كل المحصول. بس بعدين، لا ضلّ دُخان ولا ضلّ ناطور، إسرائيل ما خلّت عيلِة مع عيلِة. قلت: وشو صار مع أهلِك إنتي؟... إم الياس: كان إلي عشر أَخَواتْ وأخو واحد إسمُه يوسف، وأنا بالمنصورة، كان عِندي حَلَقْ وأساوِر ذَهَبْ، كُل صبِيِّة كانت تُطلُبْ تِشْتري زَيّْ ذَهبْ سُهيلَة. وفي وقتها رُحنا حَكينا بْعروس ليوسف، وبشكل مفاجئ مات أخويْ يوسف شبّْ إبن 17 سِنة، كان وحيد وما إلنا غيرُه وفُرِقتُه كانت صِعبِة عليّ كثير، يومها، شَلَّخت سَبِعْ فَساتين عليه ورميت الأساور والذهب بالشارع.

 
هدَموا البلد يَمّا وما بقي منها واقِفْ غير لِكنيسِة

 
قلت: مِتْذكّرِة شو اللي صار بالمنصورة عشية النكبة؟... إم الياس: بّتذكُر أجا عِنّا علي المِلحِمْ من دير الآسيِة يِقْنِعنا ما نِطْلَع من البلد، وأجا كمان ضابِط إنجليزي قللي: ما تِطلَعي من البلد، إذا طَلَّعوكي من الباب فوتي من الشباك، بَسّْ ما ردّينا، هَرَبْنا على فسّوطة.
 
قلت: وشو مع بلَدكو المنصورة شو اللي صار بالضبطْ... إم الياس: إليهود هدَموا البلد يَمّا وما بقي منها واقِفْ غير لِكنيسِة، سيدْنا الهادي (مثل المُطران عِنْدنا)، كان يوخُذْ هدايا من أهل البلد في أيام الإنجليز، أعطى لِكنيسِة 60 دونم أرض.. قلت: مين اللي بنى لِكنيسِة؟... إم الياس: اللي بناها البطرَكْ أبونا بِلْسيانْ الراهِبْ وحَطّْها بإسِم العيلِة.. دار مطر كانوا يِخَوّْفوا، سمّاها (كنيسِة مار حنا). وفي الـ48 قبل ما يفوتوا اليهود عالبلد، أجا جورج مطر، إبن عمّْ جوزي عِنّا السيعة أربعَة الصُبح، وقال لمارون: قومْ نِطلَع، لِبلادْ سَقْطَتْ، وما حسّينا إلا صوت قْواسْ في البلد، قمت من الخوف تْخَبّبيت أنا وبناتي الثنتين وأربَعْ بنات لجورج مطر ونِمنا على الأرض... شْوَيّْ، أنا بَعرِفشْ إنُّه (كَديما) بالعبراني يعني إمشي، سْمِعت صوت الضابِط فوقي بِقُللي (كَديما)، صُرتْ أصرِّخْ.. قُلت للضابِطْ: ما تُقُتلونا، طْلِعنا عالوَعر، والتقيت هناك مع وَحَدِة من دير الآسيِة بْتِبْكي يا حرام، مْضَيّْعَة إبنها وبِتنادي: وَلَكْ هييييي يا محمد، بَسّْ بعدين لاقَتْ الولد وبِقيَت مَعنا جُمِعتين ثلاثِة، إنتَقَلنا بَعِدها لَفسوطَة.

 
حياة عَمّي كان يِمِدّْ جلودْ الذَبايِحْ على عدد أيام السِنِة

 
قلت: يعني تشَعْتَلتوا زَيّْ غيركو؟... إم الياس: خَرابْ بيوت يا حبيبي، مَهو المثل بِقول (حاكْمَكْ لاكْمَكْ تِشْكي أمرَكْ لَمينْ)، طْلِعنا لـ12 يوم، وهاي صرْلنا 63 سِنِة... لَدار مطر كان إسمْ كبير، ما حدى يِسْتَرجي يْقَرِّبْ صوبْهِن، كانو حامْيينْ البلد وضيوفْهِن. حياة عمّي مطر مطر كان مُختار البلد وكَرَمُه لا يوصف، حتى سَمّيتْ إبني على إسْمُه، كان يِمِدّْ جلودْ الذَبايِحْ على عدد أيام السِنِة، حتى لما كانو ييجوا النَوَرْ يُرُقصوا عالحَبِلْ، كان عَمّي يِذْبَحِلهِن ذبيحَة.

 
الهيبْ وسرَقوا فَرَسْ عمي مطر لِمْعَشّْرِة عن البيادِر

 
وتابعت إم الياس وقالت بافتخار: إلا يا عمّي دار مطر كانوا يِخَوّْفوا... هايْ مرّة أجوا أكمّْ واحد من عرب الهيبْ وسرَقوا فَرَسْ عمي مطر لِمْعَشّْرِة عن البيادِر... قام لِبِسْ عَمّي العَباة وراحْ يِدَوِّرْ عالفرس، قَعد يِترَيّحْ على العينْ حدّْ عرب الهيب، وإلاّ الفرس واردِة عالعين تِشْرب. شْوَيّْ أجا واحد من الهيب وبسّْ شافْ عمّي انْحَرَجْ وقال: أهلا وسهلا، شو بِتْساوي هون يا مطر؟... قام عمّي مطر جاوبُه بِذكاء: والله الفرس ضاعَت وبَدَوِّر عليها.. قاموا الهيب عَزَموه وكَرَّموه، أعطوه سِتّْ عُبي ورَدّولُه الفرس، رِكِبْها ورِجِع عالبلد، وراحت صُحْبِة بين الهيب ودار مطر. لما وِصِلْ عمّي البلد، دَقّوا جرس لِكنيسِة واحتفلوا بِرجوع الفرس عالبلد.

 
إم الياس خبرتني عن قريبِة لها تسكن في فسوطة أصغر منها سنًّا، ممكن تثري موضوع الحديث عن المنصورة، فقررت مواصلة طريقي إلى فسوطة للقائها، استأذنت من إم الياس ورحت ع فسوطة وهناك التقيت مع رتيبة مسعد مطر (شَهلا) 85 عامًا (إبو أيوب)، زوجة المرحوم جُبران أيوب شهلا من فسوطة.

 
كُلّْ رِزِقنا بالمنصورة وبعين إبل راح

 
قلت: إحكيلي يا إم أيوب شو بْتِذكري عن تاريخ وموقع المنصورة وكيف كانت الناس عايشة؟... إم أيوب: والله كنا عايشين مرتاحين البال، نِفلح الأرض ونزرعها دخان وقمح وعدس وكرسنِّة وشعير وفول. كان من مصادر رزقنا الأساسيّة حليب المِعْزَة. كان ييجي لَعِنّا واحد يهودي من صفد إسمُه كوهن يشتري الحليب ويِجَبّْنُه، كان يِحمّْلُه بِسلال قصب ويِصَفْتُه بصحاحير ويوخذُه على صفد للتِجبينْ. كُنّا عايْشين يا يَمّا أحسن عيشِة. كان سيدي ناصِبْ كَرِمْ عنب وعنا الزتون والزعرور وكل شي. بس كُلّْ رِزِقنا بالمنصورة وبعين إبل راح، لا طْلِعنا من هون ولا من هون.
 
وتابعت إم أيوب: أنا تجوّزت سنة 1944 وسكنت في فسوطة، لمّا فاتوا اليهود عالمنصورة كان عندي ولدين وكنت عند أهلي، هربت مع لِولاد ونْزِلت على الخَلِّة تحت البلد، بَذكُر أجو اليهود على إمرأة بدويِّة بسيطة وعالبركِة، قالولها: بدنا نوخُذ مَيّْ للجيش، قالتلهِن: جيش ومِلاّ جيش هَ هَ .... لولا شوَيّْ طَخّوها. اليهود ما خَلّونا نِرجع عالبلد، كُلّ أهلي هربوا على لبنان على عين إبل وِبقيت أنا وخيّي (صاحب مطعم مكسيم في حيفا اللي صار فيه العمليِّة التفجيرية قبل أكمّْ سِنِة) بْقينا بِلِبلاد.

 
دَفَنّا الحِلو وذُقنا المُرّ

 
قلت: صعب فراق الأم؟... إم أيوب: إمي كانت بالنسبة إلي الإم والأبو، تِعْبَتْ بِحياتها كثير، كانت تِفْلَح زيّ الزلمِة وأكثر. لمّا سكّرت لِحدود بعد الاحتلال صار صِعِبْ نِلتْقي، ومرّة قالولي إنُّه إمي ساخْنِة ومريضَة، إنجنّيت، وقررت أروح أزورها، بْنُصّْ الطريق صار الجيش يِطُخّْ عليّْ عن صيبْ، صَرختْ وقلتلهِن: إحنا حَريم ليش بِتْقَوسوا علينا؟، قاموا أخذونا عالمركز وحطّينا ليرتينْ جزا.
 
نِزْلَتْ دموع إم أيوب واطلّعت فيّي وقالت: أنا وَحَدِة من الناس اللي ما ذاقت الحلو بِزمانها، الإم غاليِة يا حبيبي، لما كانت الطريق مفتوحة، كانت تيجي بالأوتومبيل من بيروت، عشر سيعات سفر بْعِزّْ دين الشِتا عشان تشوفني وتشوف ولادي.
 
لما صار إبني أيوب بصفّ الـ12 راح مع عمُّه جورج على جنين يجيب إمي، بعد ما غابت عنّا من الـ48، ولما شافَتْ أيوب قالَتلُه: قلبي بِقُللي إنّك إبن رتيبَة وهدّت عليه تْبَوِّسْ فيه... نَزّلَتْ إم أيوب راسها وصارت تِبكي وتقول: والله يا حبيبي دَفَنّا الحِلو وذُقنا المُرّ، إمّي وإخوتي ماتوا في لبنان وما شُفْتهِن. كانت وصيِّة إمي يِدِفنوها بعين إبل ولكن بسبب الحرب دفنوها ببيروت... قلت: ما زُرتي قبر إمّك وأخوكي؟... إم أيوب: سِنة 2002 رُحنا على بُوابِة لِحدود وبالقوِّة سَمحولْنا اليهود نفوت نْزورْ أخويْ بسبب الحرب، وعالقبر قلت لأخويْ: ما تِعتَبْ عليّ يا خَيّي، اليهود سَكّروا الطريق ويمكن ما أقدر أزورك بعْدْ.

 
كان عَمّي مْعَمِّر دار جْديدِة وما لِحِقْ يُسكُن فيها يا حَسِرتي

 
قلت: إحكيلي عن أهل البلد وحاراتها؟... إم أيوب: البلد كلها حارة وحدِة وعيلِة وحدِة، بلدنا صغيرِة فيها مِشْ أكثر من 15 بيت... قلت: بْتُذُكري أسماء أصحاب لِبيوت؟... إم أيوب: يَعني تقريبًا: دار حنا سعيد مطر، دار مارون سعيد مطر، دار إبراهيم سعيد مطر، دار أسعد مطر، دار إلياس سعيد مطر، دار وديع فرسان مطر، دار موسى فارس مطر، دار الياس أسعد مطر، دار يوسف أسعد مطر ودار حنا أسعد مطر... قلت: وكيف كُنتو تِشْربوا الميّْ وتِسْقوا الطرش؟... إم أيوب: ميِّة الشُرب كنا نِشْتريها بالمصاري من الرميش، أو نْروح نْمَللي ميّْ عالحمير من وادي الحبيب، أما الطَرشْ، فَكنّا نْسوقُه عل وادي القرن تحت معليا ونِسْقيه.
 
كان في وادي القرن مغارة إسِمْها (مغارة جليلي)، كانو الرِعْيان يِبَيْتوا الطرش فيها وِيِناموا فيها، يِبْقوا هَوْنيكْ لَتْشَتّي الدنيا ويِرْجَعوا عالبلد. والنِسْوان يوخذولهِن كل يوم زَواويد.
 
وتابعت إم أيوب وقالت: وأنا قويِّة كنت أروح أجيب حطب، ونُسْلُق سْليقَه. والله يا حبيبي كان عَمّي مْعَمِّر دار جْديدِة وما لِحِقْ يُسكُن فيها يا حَسِرتي بْتيجي عبالي هذيك الأيام بَبْكي. بَعِد ما سَقْطَت المنصورة وهربوا أهلي على لبنان، قُمتْ تْسَلّلًت عالبلد، سَكَّرت بيت أهلي وجِبتْ المُفتاح لَبينْ ما يِرْجَعوا من لبنان، بس أهلي ما رِجعوا واليهود فاتوا عالبلد وهدموا لِبيوت كُلّها.

 
بَصَللي تِتْذكّر الأجيال القادمِة في الشتات إنُّه إلهِن أهل هون

 
قلت: شو بِتوصَي بعد عُمُر طويل يا إم أيوب؟... قالت: إبن عمّي اللي رْبيتْ أنا وايّاه، لمّا طْلِعت على لبنان والتقيت معُه، ما عِرِفْني، طيب كيف بعد هالعُمُر الناس بدها تِعرِف بعض. هذا الجيل لِجديد بِسْمع بالمنصورة سُمْعَة. أنا بَصَللي إنو الأجيال القادمِة في الشتات، يِتْذكّروا إنُّ إلهِن أهل هون.