"قلعة برقوق" لا تزال شامخة تحمي خان يونس منذ 600 عام
على الرغم من مرور أكثر من 600 سنة فإن خان الأمير يونس أو ما يعرف باسم "قلعة برقوق" لا تزال صامدة شامخة تحمي مدينة خان يونس الساحلية جنوبي قطاع غزة رغم ما تعرضت له من دمار واعتداءات.
فقبل أكثر من 600 عام أنشأ أحد سلاطين المماليك هذه القلعة الحصينة لحماية التجار وتأمين سلامة الطريق البرية التي كانت تربط بين مصر وبلاد الشام وتقع جنوبي قطاع غزة.
ولا تزال هذه القلعة أو الخان التي تقع وسط مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة وتحمل اسم "خان الأمير يونس" أو "قلعة برقوق"، وهي من أبرز المعالم التاريخية للمدينة الساحلية شامخة وشاهدة على التطور الحضاري والثقافي لها عبر العصور.
وأكد الدكتور أيمن حسونة الذي يحمل درجة الدكتوراه في علم الآثار القديمة، وأستاذ مساعد في قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة أن مدينة خان يونس وهي ثاني أكبر مدن قطاع غزة نشأت على أنقاض مدينة قديمة، عرفت باسم "جنيس".
وقال حسونة لـ "عربي21": "مدينة خان يونس الحالية مدينة حديثة النشأة، بنيت في عهد المماليك، حيث ازدهرت التجارة العالمية قديماً عبر دولة المماليك في المشرق العربي، وكان الهدف من بنائها هو حماية خطوط المواصلات العسكرية وقوافل التجارة بين مصر وبلاد الشام زمن المماليك".
وعن أصل تسمية المدينة بهذا الاسم أوضح حسونة أن اسمها يتكون من كلمتين: الأولى "خان" بمعنى "فندق"، والثانية "يونس" نسبة إلى الأمير يونس النوروزي الداودار.
وأشار حسونة إلى أن السلطان المملوكي "برقوق"، أرسل حامل أختامه، الأمير يونس النوروزي الداودار لبناء قلعة، وتم بناء القلعة التي تحمل اسم برقوق (منقوش على بوابتها 789 هـ الموافق 1387م).
وأوضح أنه بعد بناء هذه القلعة توجه الكثير من السكان للاستقرار بجواره لتصبح بعد ذلك مدينة خان يونس مدينة كبيرة تلعب دورا هاما في طريق التجارة الرابط بين مصر وبلاد الشام.
وأكد حسونة أن هذه المدينة بوصفها مدينة قديمة بها العديد من المواقع الأثرية التي يعود معظمها إلى العصر البرونزي مرورا بالفترة الرومانية والبيزنطية، ولكن كانت بشكل محدود سرعان ما تندثر هذه المستوطنات السكنية.
وأشار إلى أن من أهم المواقع الرومانية التي ورد ذكرها في الخرائط الرومانية القديمة "سوق مازن".
وأوضح أن الخان مربع الشكل يبلغ طول ضلعه حوالي 72 مترا، أما عرض الأنقاض المتبقية منه عند المدخل فيبلغ حوالي 11,50 مترا، وهو محصن من أركانه الأربعة بتحصينات دفاعية عبارة عن أبراج دائرية وهو مبني بالحجر الرملي والرخام كما يحتوي على تفاصيل معمارية أخرى غاية في الدقة وفن العمارة المملوكي كالشرفات المسننة والأقواس وغيرها.
ويتكون الخان بحسب حسونة من طابقين، الطابق السفلي للحيوانات والدكاكين ومستودعات تخزين البضائع والطابق العلوي فيه غرف لاستراحة ونزل الضيوف من المسافرين والتجار، كما يحتوي الخان على مسجد لا تزال مئذنته قائمة إلى اليوم على الرغم مما أصابها من تدمير، أما المسجد فهو عبارة عن غرفة مغطاة بقبة أصابها التلف أيضا.
وشدد على أن الخان احتوى على عناصر واستحكامات دفاعية متعددة كالأسوار الخارجية السميكة والأبراج وفتحات لرمي السهام ومساطب لقذف اللهب فوق المداخل وما زال بالإمكان رؤية هذه العناصر المعمارية حتى اليوم.
وقال حسونة: "إن هذا النوع من التحصينات الدفاعية يميز الخانات المبنية على الطرق التجارية عن الخانات المبنية داخل المدن التي بدورها تكون محصنة بأسوار واستحكامات دفاعية لحماية المدينة بأسرها وفي ضمنها الخانات".
وأضاف: "لعل دفاعات خان الأمير يونس الجيدة أهلته ليكون قلعة عسكرية أيضا في الفترات اللاحقة لا سيما في الحقبة العثمانية حيث استخدم هذا الخان في القرن الأول من عمر الإمبراطورية العثمانية (القرن السادس عشر الميلادي) مكتبا لجمع الضرائب".
وقد زار الكثير من الرحالة العرب والغربيين مدينة خان يونس، وخانها الشهير، وقد وصفوه بأنه أفضل خان على الطريق القديم بين مصر وفلسطين، كما زاره الرحالة الألماني (شوماخر) عام 1866م. بحسب هيام البيطار الباحثة في التاريخ والآثار.
وقالت البيطار لـ "عربي21": "في القرن الأول من العصر العثماني ـ أي القرن السادس عشر الميلادي ـ استخدم الخان كمكتب للضرائب، ولكن دفاعات الخان الجيدة، والتي قام العثمانيون بزيادتها أهلته ليكون قلعة عسكرية خلال الفترة اللاحقة من عمر الدولة العثمانية".وأكدت أن الخان يتكون من صحن تتوسطه بركة ماء، تطل عليه غرف مسقوفة، ومكونة من طابقين أُعدت لاستراحة ونوم التجار، في الطابق العلوي، ومخازن بضاعة وإسطبلات في الطابق السفلي.
وأوضحت البيطار أن الجزء الأكبر من هذا الخان تعرض للاندثار، ولم يبق سوى الجزء الأكبر من الواجهة الشمالية الغربية، وجزء من الواجهة الجنوبية الغربية وبها المدخل.
وقالت: "على جانبي المدخل من أعلى يوجد رنك السلطان الظاهر برقوق يتوسط رنكين للأمير يونس النوروزي، وهو رنك الدواة والكأس، وهما يشيران إلى المهن التي كان يشغلها الأمير يونس، حيث كان يشغل منصب الساقي وكذلك منصب الداودار".
وأكد رئيس جمعية القلعة لحماية التراث في خان يونس محمد يحيى الفرا أن القلعة تعرضت للتدمير والتخريب.
وأوضح الفرا في حديث لـ "عربي21" أن الأسطول البريطاني في البحر المتوسط قصف القلعة في الحرب العالمية الأولى حيث كان الأتراك قد اتخذوها كقلعة حربية للدفاع عن المدينة، وتضررت جراء هذا القصف المئذنة والقبة.
وقال: "بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1967، سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير كل أثر إسلامي وعربي وطمس المعالم التاريخية حيث وضع خطة ممنهجة ومبرمجة لهدم القلعة، لإخفاء معالمها الإسلامية، وذلك بالسماح للتعديات بأيد فلسطينية".
وبحسب الفرا فقد شهدت الساحة الأمامية للقلعة أحداثا كبيرة، منها مجزرة عام 1956 التي ارتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلي، وراح ضحيتها العشرات من أهالي خان يونس، وتحولت الساحة إلى ساحة شهيرة ومحطة جذب من قبل المؤسسات الأهلية والحكومية لإقامة المهرجانات والاحتفالات الوطنية والشعبية.
وأوضح المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض أن مؤسس القلعة (الأمير يونس) قُتل غدرا في نفس العام الذي أنشأ فيه القلعة، ليلحق بعد ذلك بالقلعة تاريخ من الجور، مرة بظلم العدوان وآخر من ذوي القربى.
وكشف أن القلعة شهدت معركة كبيرة بين العثمانيين والمماليك على السلطة وأصاب القلعة بعض الدمار جراء هذه المعارك، كما أنها تعرضت للتدمير والتخريب أثناء الحملة الفرنسية على مصر والشام سنة 1798، حيث ضربتها المدافع الفرنسية من البحر.
ومن جهته أكد المهندس أحمد البرش من وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أن وزارته قامت بترميم الخان مرتين عامي 2004 و2010.
وأوضح البرش في حديثه لـ "عربي21" أنه تمت عام 2004 عملية تدعيم للجدار الخارجي للخان، وكانت عملية تدعيم وترميم الواجهة التي أبقت القلعة صامدة إلى هذا الوقت.
وأشار إلى أنه تم عام 2010 تدعيم مئذنة الخان لأنها كانت آيلة للسقوط، حيث تم تكحيل الجسم الداخلي لها وتركيب سلالم داخلية، ورأس المئذنة "الجوسق".