الشهيد البطل عيسى فارس النمر
الكاتب عمر فارس
في هذا اليوم، الخامس من تشرين الثاني، تمر الذكرى التاسعة والخمسون لاستشهاد والدي (الشهيد البطل عيسى فارس النمر).
تمر ذكراه، في كل عام، حاملة معها لحظاتٍ مؤثرة، منها تلك التي وقفت فيها على ثرى فلسطين، بالقرب من مكان استشهاده، وهو يقارع المحتل صامدا حتى آخر رصاصة، لتعانق دماؤه الطاهرة تراب الوطن، وتروي أرض فلسطين الجريحة.
ولد أبي في عام ١٩١٨ بقرية (خاطي)، إحدى قرى عشيرة الزنغرية الأربع التابعة لمدينة صفد؛ وقد شهد والدي الانتداب البريطاني على فلسطين لينخرط مع الفدائيين في مقاومة المحتل، تحذوه الغيرة على الأرض، فشارك في الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت في عام ١٩٣٦.
وبعد نكبة عام ١٩٤٨، لجأ والدي وأسرتي إلى الجولان، حيث لم يأل جهداً مع رفاق السلاح في مهاجمة المستوطنات الصهيونية، التي بدأت تتشكل على أرض فلسطين وتسلب ما فيها. ثم رحلت أسرتي إلى جوبر، شرقي مدينة دمشق، ليلتحق أبي، في عام ١٩٥٨، بالكتيبة ٦٨، التابعة للجيش السوري، لجمع معلومات استخباراتية بهدف تنفيذ عمليات فدائية؛ وكان والدي من المكلفين بمهام الاستطلاع لمعرفته الجغرافية الواسعة لأرض فلسطين.
مضى ليكون على موعد مع الشهادة في الخامس من تشرين الثاني عام ١٩٦٣، بعد اشتباكات عنيفة دارت بينه، ومعه رفيقان من رفاقه، وبين الجنود الصهاينة.
كيف لنا أن نتجاوز ذلك النقاء، وتلك الطيبة؛ كيف لنا أن نتجاوز من زرع نفسه عنوة في أرض فلسطين، في وجه الاحتلال البغيض؟ كان لاستشهاد والدي كبير الأثر وعظيمه في نفسي وفي أخوتي. تركت ملاعب الطفولة والتحقت وأخوتي بالعمل الثوري في ذاك الزمان الجميل، يحدوني الأمل بأن حرية فلسطين حتمية، وما زال هذا الأمل، وكذلك فعلنا النضالي، ما زالا الشاغل لنا.
أفخر بك يا والدي، وأعتز باستشهادك، وأشعر في الوقت ذاته بحزنٍ كبير على ما وصلنا إليه من وهن الحال وتوهانه، ربما، أفرح لأنك لم تعش مرحلة الخذلان والتضييع، تطويع الشعوب والتطبيع مع كيان مصطنع ناضلت من أجل زواله.
والدي ورفاقه في النضال والشهادة، أولئك الذين صنعوا الثورة، وعبدّوا الدرب بالدماء نحو الحرية... عاشوا في الزمن الجميل، زمن الثورة والنهوض القومي... سيبقى أبي دوما في ذاكرتي وقلبي... وسأبقى، ما حييت، أناضل....
سلام على روحك والدي العزيز ... ويا للأسف، لم أشبع منك!