البقيعة على صغرها تمثل حضارة لا مثيل لها
من كتاب مذكرات الكاتب الفلسطيني الكبير إبن سحماتا الجارة العريقة للبقيعة: محمد كمال خشان بعنوان جولة في الجليل على خطى المسيح، 15 صفحة عن البقيعة وهذه مقتبسات من أول صفحتين:
سلام على البقيعة.. ونعم الجار هي البقيعة ويقول إفلاطون: ان العالم روعة فنيّة.. فإذا أردت ان تتمتع بهذه الروعة فتعال معي نزور البقيعة.. لقد أحبها الله وجعل منها قطعة من جنته الساحرة على الأرض.. ولا تبدأ بإكثار الأسئلة فالبقيعة تصغير بقعة والتصغير للتحبب.. وفي طريقنا نصل الى المرشقة وقد أصبحت مغاور لطول الحفر فيها لأخذ ترابها الأبيض لترشق به البيوت ويبعث على البرودة صيفاً ورائحته طيبة.. وتصل طريقك الى عين طيريا طريق رصفتها ونعّمتها أقدام الصبايا.. وعلى الجوانب نبات الطيّون ورقه يدقّ وتضمد به الجروح فتطيب والدردار والحمّيض ومنحدرات من الزعتر والصيفي..
وهذه القرية البديعة الرائعة تمثل حضارة لا مثيل لها فهي على صغرها وعظمتها تضم الأديان السماوية كلها وإن أحد أبناء البقيعة اليهود واسمه إبراهيم هلالة ولقبه المهتدي انضم الى الثوار ضد الإنكليز سنة 1936.. هذه ذكريات ولد في السابعة كان في زيارته الأولى للبقيعة وفي الرابعة عشرة كانت آخر زيارة يوم الخروج والنكبة.. والبقيعة تستحق أكثر من هذا بكثير ولكن هذا ما استطعته.. وأود أن أقدم اعتذاري لوالدتي سليمة البليك صاحبة البستان على عين طيريا وقد امتدت يد الطفولة الى رمانها وتفاحها.. سامحيني يا سيدتي وقد يكون وصفي لبستانك الجميل في سيرة حياتي ما يشفع لي.. كما أرجو من والدي إبن البقيعة خليل عبود والذي استشهد في سحماتا أثناء القصف الإسرائيلي لها أن يسامحني فقد عزّ عليّ أن أعود خالياً فناديت عليك: يا عمي خليل بيسلّم عليك والدي أنا إبن كمال خشان فأعطيتني الرمان والفرفحينه.. ووالدي لم يعرف أصلاً أني ذاهب مع الأولاد الى عين طيريا.. وأنا متأكد وعلى يقين أن روحك وروح والدتي سليمة البليك تسامحني بل أنتم تضحكون من عبث الطفولة..
ولا أنسى الوجه الثقافي المشرف للبقيعة ففيها شعراء عديدون وأقدم من تعيهم ذاكرتي الشاعرالشعبي من أيام العثمانيين واسمه داود جبران وهو المعروف في فلسطيني بالحدّا كما لا أنسى أستاذي منيب مخول مدرس اللغة الإنكليزية والكاتب ناجي مخول مؤلف كتاب عكا وقراهاوقد لفت نظري توسعه في الكتابة عن سحماتا فقلت ذلك لأبي ماهر اليماني فضحك وقال: ما هُنّه السحامنه اخواله.. كما لا أنسى أن البقيعة احتضنت العديد من أهالي سحماتا بعد رحيلنا ومنهم أبناء صفي كرم موسى ورزق سمعان وغيرهم.
سلام على البقيعة سلام على أجمل بقغة رأيتها في حياتي وتركت أثراً في نفسي سلام على كل أهلها وكرمهم ونخوتهم سلام على كل حبة تراب فيها .. وسمعت أن كامل القاضي كان يقول لإبنه صالح عندما أنهى دراسته الثانوية: عليك أن تذهب الى سحماتا وتتعلم الحكي! وأخص بالذكر بوسف بيك أبو كمال فقد جاء الى سحماتا ونصح بعدم الرحيل لأن من يرحل لن يسمح له بالعودة وأنا الآن أبكي لأن أهلي رحلوا ولم يقبلوا النصيحة من الجار البار أبو كمال يوسف بيك.