روايات أهل القرية - بيت جِمال (الحكمة)/ بيت إجمال/ دير بيت إجمال / من قرى عرقوب - قضاء القدس

لقاء  مع الاستاذ والمؤرخ سعدي العيسه أبو شادي والمولود بعد النكبة من قرية زكريا الخليل، حول   جارته قرية بيت جمال التي تجاور قرية زكريا ، وقد كان والده عمل فيها قبل النكبة مزارعاً ومسؤولاً عن كثير من الأعمال في الزراعة وغيرها حيث استلم العمل في الدير الموجود في بيت جمال منذ عام 1918م حتى عام النكبة 1948م .

ولأهمية ما لديه من معلومات تم معه هذا اللقاء

مدير اللقاء: الباحث عباس نمر رحمه الله
 
سؤال الاستاذ القدير سعدي العيسة (أبو شادي) نرحب بكم وبداية حدثنا عن نفسك؟
 
جواب الحمد لله أنا من ابناء جيل ما بعد النكبة عام 1948م، جيل عاصر الشقاء وحاربنا الشقاء بالشقاء، تحملنا الحياة بمرها واختلقنا لحظات السعادة من العدم.

جئت إلى هذه الحياة بداية صيف عام 1954م ، ولم أكن لأعرف ما ينتظرني من شقاء أخاله لا ينتهي، نحن جيل الأسمال البالية التي لا تقي حر صيف ولا قر شتاء، تحدينا الظروف الصعبة وتعايشنا معها رغما عن الأجواء الغاضبة، صيفاً وشتاءً، لا يرحم بشرا ولا شجر ولا حجر.

سؤال أين تلقيت التعليم الابتدائي والثانوية والدراسات العليا ، وشيء عن سيرتك الذاتية؟
 
جواب التحقت في مرحلة التعليم الابتدائي بمدرسة ذكور الدهيشة في مخيم اللاجئين مابين عام 1960-1969.

اكملت تعليمي الثانوي في مدرسة بيت لحم الثانوية ما بين عام 1970-1973م(دار جاسر أو قصر جاسر).

بعد ذلك التحقت بمعهد تدريب المعلمين – وكالة الغوث في رام الله 1973 – 1975، ثم عملت معلما في مجاهل المناطق الريفية الصعبة في المعيشة في منطقة جيزان في السعودية كان ذلك مابين عام 1975-1978.

وكلما امتدت الايام شعرت بأني والشقاء وصعوبة ظروف الحياة صنوان.

شدني الحنين إلى أرض الوطن الذي أحبنا وأحببناه وعشنا في حناياه، قصة عشق لا ينتهي، وكثرة ضغوط والدي علي حتى لبيتها حباً لهم,

واقترنت بزوجتي أم أبنائي (أم شادي) عام 1978م، ومنذ عام 1979-1980م عملت مشرف قسم داخلي في الجمعية المسيحية، للأراضي المقدسة (بني) واضطررت للخروج قسرا إلى الأردن وعائلتي للعمل في مجال التعليم وتحمل الظروف الصعبة القاهرة التي تأبى ان تفارقني وهذا من عام 1980-1988م، حيث كنت ضمن مجموعة المعلمين المعارين إلى جمهورية اليمن الشقيق من عام 1988-1992م.

حتى اضطرتني الظروف للاستقالة من العمل في الأردن واليمن والعودة إلى مخيم الدهيشة مسقط الرأس وملعب الصبا الذي حبه أوجع قلبي وسيطر على مشاعري ، انه الحنين إلى أرض فلسطين الحبيبة.

وشاءت الأقدار ان يتوفى والدي وأنا غريب عن الأوطان، كمان ان وفاة والدتي جعلتني أشعر بأن كل الاشياء الجميلة انتهت.

تبسمت لي الحياة للحظات، حين عاودت العمل في مدينتي بيت لحم،والقدس فقد عينت معلما في مدارسها عام 1992 حتى تقاعدي في العام 2014.

سؤال ما هو دافعك الرئيس للبحث حول تاريخ قرية ( بيت جمال) بالتحديد؟
 
جواب بيت جمال – ذاكرة الاباء والأجداد، موقف متشبث بذاكرتي رغم ثنيات الأيام والشهور والسنوات، عاد أخي الأكبر أمين( رحمه الله) زائرا إلى أرض الوطن عام 1974 بعد نزوحه عام 1967 وكانت فرحة والدي بعودته كفرحة طفل وجد لعبته المفضلة التي فقدها ولا أمل لديه بعودتها؟

فخططوا لرحلة عائلية إلى مرتع أيام شبابهم وصباهم ولحظة الوصول كنت أرى فرحا طفولياً في عيونهم ، أهازيجهم الرائعة تملأ المكان، ، أمضينا أياما قد كانت حلما جميلا تحقق، عاد بهم الزمن سنوات وسنوات، تعرفنا على مساكنهم وعلى أماكن عملهم وكأنهم لم يفارقوها إلا بالأمس وهي أربعة بيوت طينية كانت بمثابة قصور الجنة لهم، رأيت في عيونهم الحنين والاشوق إلى زمن جميل.

كنت أروي هذه الذكريات لأبني الاصغر “وجدي” هو الجزء مني الذي لم أكنه ، فتمنى انه لو يقرأ هذه الذكريات في كتاب عن بيت جمال، ولمع هذا التمني بداخلي، فقررت ان اقوم بإنجاز هذا العمل، علني أكون قد ساهمت في إثبات حق من حقوق ابنائي، والاجيال التي علمتها، في التعرف على ربوع الاباء والاجداد قريتي زكريا ومجاورتها قرية بيت إجمال التي ارتبطت بها اشد أرتباط، لعمل والدي وسكناه فيها ورغبتي في اعادة ما كتبته وأعيد ولو بالكلمات جزء من الذكريات التي سرقت.

سؤال على ماذا اعتمدت في البحث، وإلى أين وصلت؟
 
جواب لا زلت في البدايات من البحث والتقصي، حيث قمت بعمل مقابلات شفوية مع كبار السن التي وصلت إلى ما يربو على (20) مقابلة للرجال والنساء تتراوح اعمارهم مابين 78 والـ90 عام.

جميعهم أجمعوا على ان قرية بيت إجمال آهلة بسكانها منذ لا يقل عن 150 عاما خلت والدير القائم المشهور الآن، تم بناؤه عام 1881م.

فالكثير عملوا كمزارعين في أراضيه، وسكن عدد منهم فيها ، ونعموا بخيراته، حتى هجروا قسرا عام 1948م، وكان الشتات.

استقر الأغلب في مخيم الدهيشة وفي شرقي الأردن بحسب تتبع الروايات الشفوية.

سؤال ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك في مجال هذا البحث ؟
 
جواب لعل من ابرز الصعوبات كانت بالحصول على موعد للمقابلات الشخصية، وقد أبحث عنه لأسابيع حتى يتحقق اللقاء الذي قد يمتد لساعتين فقط.

والبعض لا يستطيع لظروفه الصحية القاهرة.

ومن الصعوبات الاخرى تشعب الحديث إلى مواضيع يرغبها ذلك الشخص ، فاتركه على سجيته.

اما انا الآن بصدد تفريغ هذه الروايات حسب مواضيعها ومن ثم تدعيم البحث بالمراجع اللازمة التي تدعم الأقوال، والتي تحتاج إلى جهد مضاعف لإنجازه وقد يأخذ فترات زمنية غير قصيرة، للعثور عليها وتوثيقها.

أما والدي رحمه الله فقد عمل في بيت جمال في أراضي الدير مزارعا بعد عودته من الخدمة، في الجيش العثماني، وكان عمره(26) عاما حتى عام النكبة 1948م.

سؤال استاذنا الكريم سؤال أخير عرف القارئ الكريم بماذا كانت تشتهر قرية بيت جمال قبل النكبة 1948م
 
جواب قرية ( بيت جمال ) والتي ظن البعض أن أثرها اندثر ولم تعد لها قائمة بعد عهد طويل من التغيرات في عدد البيوت والسكان كما ورد أنفا ً، حيث عاد نجمها ليسطع واشتهرت يديرها الذي حمل اسمها ( دير بيت اجمال ) الذي بناه وانشأه الراهب ( أنطون باولي ) عام 1881م وبعد أن انقشع غبار الحرب العالمية الأولى قام على العناية به عدد من رجال الدين ، حيث حملوا على كاهلهم عبء العناية بهذا الدير وأراضيه ومرافقة أمثال – الراهب أرتين وسبرديون وكودانه والطبيب الماهر ( السروجي ) الذي عني بعلاج الفلاحين وعائلاتهم وأشرفوا على ادارة مرافق الدير وكان المسؤولين والفلاحين يعملون بنشاط منقطع النظير كخلية نحل حيث احتوت مرافقه على معصرة للزيتون نتاج أراضيه ومطحنة للحبوب ومخازن للغلال من القمح والشعير والخضار والفواكه التي يعتمد عليها في توفير المواد الغذائية للمقيمين في الدير وغيرهم ويكفي أنه عمل في تلك الفترة الممتدة ما بين الحربين العالميتين وحتى ما قبل عام النكبة ما يربو على (15) حراثا ً لخدمة البيارتين الفوقا والتحتا حيث اشتهرت البيارة التحتحا بزراعة الاشجار المثمرة مثل الحمضيات والزيتون والعنب والرمان والنخيل أما بالنسبة للبيارة الفوقا فقد اشتهرت بزراعة الحبوب والخضار وبتكاثف جهود المزارعين والمسؤولين على خدمة الأرض وسقوها بعرقهم ودماءهم ولم يبخلوا عليها بجهودهم لتدر عليهم من خيراتها ونعموا بها هم وقاطنوا الدير .

ونما إلى علمي أن هناك مسؤولين عن العمل بعد رجال الدين من كان مراقبا ً للعمال في البيارة الفوقا أمثال ( عبد الفتاح عبد الجواد الفرارجة ) والبيارة التحتا مثل حسين شعبان الفرارجة ، وخلاوي الأسمر مسؤول عن الجميع وهو من قرية بيت نتيف وقدم المزارعين اغلبهم من قرية بيت نتيف وقرية زكريا وقد كان عددهم يربو على (60) فردا ًووالدي محمود عبد الرحمن العيسة رحمه الله كان مسؤولا ًعن الري وعن من يقطفون الثمار خاصة وكان هناك حارس لأراضي الدير وهو ( ابراهيم محمود حمدان العيسة ) حيث يمتطي فرسه ليتجول حول أراضي الدير وطبعا ً يحمل بندقيته ليحمي أراضي من المعتدين واللصوص .

ولا زال الدير يعمل حتى يومنا هذا ولا نستغرب أنه يحتوي على منحله لإنتاج العسل كما هو الحال في قرية زكريا وأغلب الظن أنه كان من مرافقه مزرعة تحتوي على عدد من الأبقار والأغنام يقوم على خدمتها عدد من الرعيان تسرح في السهول التابعة للدير أو يجلب لها العشب في أيام الشتاء إلى زرائبها والمثل الشعبي الدارج عند أهل زكريا (بقر الدير في زرع الدير) لم يأتِ من فراغ .