تاريخ القرية - عسلين - قضاء القدس

 

القرية بالعهد القديم 

     لقد روي في كتب التّاريخ أنّ أوّل من أقام في المنطقة الّتي تقع بها قرية عِسلين قبيلة كنعانيّة شيخها يدعى (أبا قابوس) حيث أقاموا قريتهم المسمى ( إشنة ) بالجهة الغربيّة من بيت المقدس على بعد 21 كم من القدس. وذلك لما تتمتّع به من جو زراعي دافئ حيث أنّ متوسط إرتفاعها عن سطح البحر 280 م. وقد ضمّت هذه القرية أراضي إشوع أيضاً. في العهد الروماني وبعد زوال الكنعانييّن ظلّت هذه القرية معمورة، وقد سميت بإسم (إشتأول) وكانت تدخل ضمن قضاء إيلوثيرولوليس الإداري (بيت جبرين). مع العلم بأنّ اسم المستعمرة الاسرائيليّة الحاليّة المقامة على نفس الأرض تسمى إشتاؤول أيضاً.

القرية بالعصر العثماني إلى ماقبل إحتلالها من قبل اليهود

     لقد ذكر في سجلّات الضرائب العثمانيّة أنّ سكان عِسلين ( وهو اسم قرية عِسليت في ذلك الوقت) يقدّر عددهم بـ 77 شخص فقط كانوا يؤدون الضرائب للخزينة العثمانيّة، وقد كانت تعتبر من لواء غزّة جهة الرّملة، وقد إزدهرت القرية لقربها من القدس وزاد عدد سكانها حتّى أنّها أصبحت من أكبر القرى في المنطقة وكانت آثار وبعض بيوت القرية (عِسليت) ظاهرة للعيان حتّى إحتلالها من قبل اليهود. في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر هجرت قرية عسلين ولم يبقَ بها أحد كما تروي كتب التاريخ، ولم أجد سبب واضح لهذا الخراب الّذي أصاب القرية إلى أنّ القرية هُجرت لعدة سنوات، فربما كان وباءً ما إنتشر فيها أو سنين قحط مرّت عليها. بعد فترة وجيزة من خراب عِسلين إزدهرت قرية إشوع الّتي تقع جنوب قرية عِسلين وأصبحت هي الّتي تعد مركز للمنطقة وللقرى المجاورة، حيث زاد عدد سكّانها وأقام بها العثمانيون مدرسة ومرافق عامة وتم فتح الشارع الواصل بين القدس ويافا بجوارها، كما تفجّرت بها ينابيع المياه. وكادت أن تضم أراضي عِسلين إلى إشوع، مع العلم بأنّ إشوع توسّعت فعلا بإتجاه عِسلين حوالي 500 متر. بعد عام 1820 بمدّة غير محددة عادت عِسلين لتعمر حيث عادت بعض العائلات لتسكنها (وهذا قد تم ذكره في تاريخ القرية ورواه كبار العائلة أيضاّ أنّ أوّل من عاد ليسكن عِسلين بعد الهجر هم عائلة رضوان) وقد توسّعت عِسلين بإتجاه الغرب، حيث أصبحت القرية تقسم إلى قسمين ( شرقي قديم وغربي حديث). بقيت عِسلين فقيرة بالخدمات والمرافق العامّة طوال الفترة ولغاية إحتلالها من قبل اليهود، وكانت تعتمد على قرية إشوع بالخدمات العامة من تعليم ومواصلات وتجارة.


وثيقة من الأرشيف العثماني

      لقلّة وندرة الوثائق الرسميّة عن قرية عِسلين اجتهدنا في البحث بين الوثائق العثمانيّة منذ عام 1529ـ 1596م ،والحمد لله وفقنا في ذلك وان اسمها عِسلين. كانت مزدهرة عامرة لذلك إرتأيت أن أضع بين يدي أهالي عِسلين إحدى الوثائق المهمّة والموجودة في دفاتر النفوس وضريبة الزّراعة والموجودة في مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلاميّة في قرية أبوديس والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وتاريخ هذه الوثيقة 1538م ـ 1539م. لذلك قرّرت أن نترجمها من اللّغة العثمانيّة القديمة إلى اللّغة العربية ، فتوجهنا إلى الاستاذ القدير محمد الصفدي ( ابو صبحي ) عميد مؤسّسة إحياء التراث والخبير في قراءة الخطوط العثمانيّة وخصوصاً خط السّياق العثماني. والصفدي هو البارع في قراءة هذا الخط وترجمته .

     هذا وقد جائت الوثيقة في ستّة أسطر وفي أسفلها عدد اشجار الزيتون التابعة للمسجد وتضمنت اسماء أرباب الأسر الدافعة لضريبة الزّراعة في عِسلين وإليكم قراءة الوثيقة مع تفسيرها :

السّطر الأوّل جاء فيه أنّ قرية عِسلين تتبع الرملة ،والرملة في القرن السّادس عشر كانت ناحية الرملة تتبع لواء غزّة .

السّطر الثّاني : جاء في بداية عدد من أرباب الأسر الدافعة لضريبة الزّراعة وهم : 

أحمد ولد ناجي  ، ناجي ولد حسين ، أحمد ولد مذكور ، ومذكور أي الأسم السّابق أي أنّ أحمد ولد مذكور هو أحمد ولد حسين ، ذيب ولد مذكور ، محمد ولد مذكور ، علي ولد علي ، علي ولد موسى .

السّطر الثّالث : وفيه الأسماء وهم : عبد الله ولد صغير ، صالح ولد صغير ، خليل ولد خليل ، ديب ولد بلال ، ذياب ولد عطا الله ، سفيان ولد علي ، هلال ولد هلال .

السّطر الرّابع وفيه بقيّة الأسماء وهم : سعد ولد حسّان ، شناوي ولد مذكور ، سعد الله ولد عطا الله ، علي ولد غريب ،  مصلح ولد مذكور .

هذا وقد جاء في نهاية السّطر أنّ عِسلين فيها (15) خانة أو بيت معمور، وأيضاً ثلاث عزّاب وفي القرية إمام مسجد .

السّطر الخامس جاء فيه أن ّالقرية تدفع ضريبة الزّراعة .

السّطر السّادس فقد تضمن أسماء المزروعات وقيمة الضريبة وهي : الحنطة ( القمح ) وعليها ثلاث غرارات قيمتها (960) أقجة ثم الشعير وعليها ثلاث غرارات وقيمتها (780) أقجة ، ثم خراج الأشجار وعليه (100) أقجة، ثم رسوم على الأغنام والمعزا وقيمتها (60) أقجة ، بالإضافة إلى رسم على خلايا النحل وقيمتها (100) أقجة ، والأقجة عملة عثمانيّة مصنوعة من الفضّة كانت متداولة في بداية العهد العثماني وقيمته الشرائيّة غالية ، أمّا الغرارة فهي وحدة قياس للقمح والشعير وقد جاء في نهاية الوثيقة أنّ عدد أشجار الزيتون الموقوفة في القرية عددها (170) شجرة وهي وقف لمسجد القرية .

هذا وقد قدر عدد أفراد البيت المعمور (خانة ) في القرن السّادس عشر ما بين خمسة أنفار إلى سبعة، وفي القرية خمسة عشر بيتاً معموراً .

عِسلين في فترة الحكم المصري

     عندما ثارت فلسطين على الحكم المصري بقيادة إبراهيم باشا بن محمد علي باشا حاكم مصر انذاك ، كانت قرى غربي القدس وخصوصاً منطقة باب واد علي ( باب الواد ) وقف المقدسيّون وبنو مالك وبني حسن ومنطقة العرقوب بزعامة ابراهيم أبو غوش وهزمت إبراهيم باشا في الهجوم الأول والثاني على المنطقة، فقرر الإنسحاب حتّى جائه دعم من مصر ، وبعد شهرين وصل إلى المنطقة  بعد أن وصل إلى القدس من منطقة الشّمال، وزحف بجيشه إلى منطقة باب الواد ودمّر القرى الّتي وقفت ضده وقتل وشرّد أهلها. ومن القرى التّي دمّرت كانت عِسلين واللطرون ودير أيوب وصرعا وعرتوف أشوع ودير ذاكر ويالوا وبيت محسير وبيت ثول وساريس، برغم أنّ أهلها قاموا بمداواة الجرحى من الجند المصري في الهجوم الأول ومن المعروف عن إبراهيم باشا على مستوى فلسطين أنّ كل من وقف أمامه قتله وشرّده ودمّر أملاكه .

    أمّا بخصوص عِسلين، فقد دُمّرت تماماً. وقتل وشرد أهلها وبعد خروج إبراهيم باشا من فلسطين عام 1839م ،ورجع من عاش من أهلها وفي نهاية القرن التّاسع عشر كانت عِسلين قرية صغيرة هادئة ومضياف .

 


المرجع

1- موقع موسوعتي https://mawsoati.com

2-  الباحث والمؤرّخ عبّاس نمر، موقع جريدة