روايات أهل القرية - جُولِسْ- غزة - قضاء غزة

جِرَاح "جولس"

 لا تفارق ذاكرة الحاج عبد المعطي العصار "أبو العبد" (87 عاماً) الذي يقطن مخيم خان يونس للاجئين صورة شجرة الجميز التي زرعها والده أمام بيته في قرية جولس داخل أراضي عام 48.

 يتذكر العصار الذي رزقه الله بما يزيد عن مائتي ابن وحفيد تلك الأيام، ويروي لـ "صفا" بآهات ووجع صورة الماضي الجميل الذي يحمل معه ذكريات الوطن وأحاديث الكرامة، حيث التقيناه خلال مشاركته في مسيرة في ذكرى النكبة نظمتها القوى والفصائل الفلسطينية.

  يقول العصار: "لم تغب عن ذهني صورة الديار، وأتذكر أكلة المفتول عندما كنا نقيم عرساً في القرية، ونظل نرقص الدبكة الشعبية في الليالي الملاح لمدة شهر حتى يدخل العريس عش الزوجية".

 ويضيف "لم أنس تلك الشجرة (الجميز) التي كان أهالي قريته يتسلقونها ويقطفون ثمارها، ولم تغب عن ذهني بيارة جدي التي كانت مليئة بشجر الرمان والعنب".

 ويبلغ عدد المواطنين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من بلادهم عنوة تحت قوة السلاح إبان النكبة700 ألف مهجر، توزعوا على 70 مخيمًا في داخل فلسطين وخارجها، وتركز تواجد المشتتين في الدول العربية في لبنان وسوريا والأردن.

 ويتابع الحاج العصار ـ وقد بدا على صوته حزن السنين التي مضت ـ "أتمنى أن أزور قريتي جولس قبل الرحيل من دار الدنيا إلى الآخرة".

 صورة مؤلمة

واغرورقت عينا الحاج العصار بالدموع وهو يستعرض ما حل بقريته جولس وتدمير أرضه، ويتنهد قبل أن يقول: "بقيت في القرية ولم أرغب بالرحيل حتى كنت آخر من خرج منها، لقد شاهدت تلك اللحظات الأخيرة في القرية ورأيت الخراب والدمار الذي حل في جنباتها".

  ويردف "كانت صورة الرحيل مؤلمة وموجعة، تفرق جميع الأخوة والأحباب ولم يعلم أحد منا أين رحلوا، وصلت إلى غزة على أمل العودة إلى ديارنا ومرت الأيام والشهور والسنون ولم نعد".

  "جاءت وكالة الغوث ووزعت علينا الخيام والغذاء، وبقينا ننام في الخيام أعواماً، لا تقينا برد الشتاء ولا حر الصيف، كانت الظروف مأساوية للغاية، وتعلمنا في الخيام ومرت السنون وكبرنا وتزوجنا ورأيت أحفادي ولا زلت أقطن مخيم خان يونس للاجئين" قال العصار.

 وتعد قضية اللاجئين من القضايا الأساسية المُتَنَازَع عليها بين الفلسطينيين و”الإسرائيلي”ين، فيما تمثل ذكرى النكبة قضية مركزية يوليها الفلسطينيون اهتماما كبيرا، يجسدون من خلالها حلم العودة.

 وتشير إحصائيات رسمية إلى أن أكثر من 5 مليون فلسطيني لاجئ يعيشون في مخيمات اللجوء التي تفتقر لأدنى متطلبات الحياة الآدمية.

 كواشين الدار

الحاج العصار لا زال يحتفظ بكواشين أرضه في قريته جولس وبمفتاح منزله وبالذكريات التي لم تفارقه يوماً، حيث تقع القرية التابعة للواء غزة في السهل الساحلي الجنوبي، وعدد سكانها إبان النكبة لم يتجاوز 1200 نسمة، وعمل أصحابها في مجال زراعة القمح والشعير وتربية الماعز وخلايا النحل وكروم العنب.

 واستذكر العصار شواهد معركة قرية جولس التي واجهت عصابات الهاغاناة، مشيرا إلى أن رجال القرية تصدوا للعصابات اليهودية، واستمر القتال لمدة أسبوعين في شهر يوليو حتى سقط عدد من رجال القرية شهداء.

وأشار إلى أن القوات المصرية قاتلت بشراسة في المعركة لاستعادة القرية لكن قوات غفعاتي ووحدات معادية جاءت وساندت الهاغاناة.

وارتكب اليهود والعصابات الصهيونية الغازية في العام 1948 ما يقارب 55 مجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى مقتل حوالي 3 ألاف فلسطيني أعدم معظمهم بدم بارد بتواطؤ وتعاون من المجتمع الدولي. 

     وأنهي العصار حديثه لـ"صفا "عن أمنيته وحلمه الكبير، في العودة إلى قريته الصغيرة، وأخرج من جيبه مفتاح داره في جولس، وقال لأحفاده الذين كانوا يسيرون إلى جانبه: "هذا مفتاح قريتكم لا تضيعوه لأنكم ستعودون قريبا".