روايات أهل القرية - الدامون - قضاء عكا

لا تفارق مشاهد النكبة والتهجير من  قرية الدامون  في الجليل الحاجة سميرة محمد عثمان، على الرغم من مرور 75 عاماً على الجريمة التي بدّلت طفولتها ورافقتها فصولها حتى يومنا هذا.

وسقطت قرية الدامون يومي 15 و16 يوليو/ تموز 1948، في عملية "ديكل" العسكرية التي أطلقها الصهاينة لاحتلال قرى الجليل. وبعد احتلال العصابات الصهيونية الجليل الأوسط خلال المرحلة الأولى من عملية "ديكل"، تحركت وحدات من لواء "شيفع" للسيطرة على قرى الجليل الغربي وكانت قرية الدامون منها.

لم تتم إقامة أي مستوطنة على أراضي الدامون، الواقعة على بعد 11 كيلومتراً جنوب شرقي مدينة عكا فوق أرض سهلية. وكانت تربطها طرق فرعية بالطريقين العامين عكا – صفد وعكا – حيفا. وهُجّر أهل القرية إلى الشتات وإلى القرى بالداخل الفلسطيني.

تمتلك عثمان، وهي من مواليد يوليو 1937، ذاكرة ثاقبة كأن الزمن توقف لديها عند النكبة. وعلى الرغم من أنها كانت يومها في سن العاشرة فهي تذكر وتسرد كل التفاصيل. حتى أنها تذكر اسم مختار الدامون في ذلك الحين ويدعى عبد الله الأحمد المختار.

تقول عثمان في حديثها مع "العربي الجديد": "يا رب أحفادي وأولادي والغريب والقريب وكل من في الداخل والخارج يعودون إلى الدامون لأنها بلد الخيرات".

وتضيف: "أتمنى الرجعة من الله ويرجع ربعنا في الشتات"، بينما تقطن اليوم في بيتها في مدينة طمرة، التي تبعد رمية حجر عن الدامون التي كانت عامرة حتى سقوطها وتحولها إلى أرض مليئة بالأعشاب بعد أن تم تدميرها بالكامل. وتحول بيتها إلى محطة شرطة عكا.

شاهدة على النكبة والتهجير

ابنة الـ86 عاماً، لا تفارقها مشاهد النكبة والتهجير وأيضاً مشاهد الطفولة الجميلة والحياة الريفية والأمن والأمان قبل النكبة، ولا تزال حاضرة في ذاكرتها مشاهد الحسرة على خسارة البلد وفقدان الدار والأرض، لتصبح لاجئة في طمرة مع عائلتها التي تروي بعضاً من سيرتها. وأنجبت 5 أولاد يقطنون بين طمرة وشفا عمرو.

سقطت الدامون بعملية "ديكل" للعصابات الصهيونية

تقول عثمان إن والدتها عملت في الخياطة في عكا على يد ثلاث سيدات كنّ يقطن الحي الغربي من المدينة المطلة على البحر، وتلفت إلى أن والدها عمل في صناعة الحصر. وتشرح أن العائلة كانت تملك خمس حواكير (أراض زراعية واسعة) تنتج العنب والزيتون والصبار واللوز. لكن اليوم لم يبق من كل ذلك، سوى عين الماء ومقبرة القرية.

وتسرد عثمان أن "الدامون كانت تضم مسلمين ومسيحيين، وكانت علاقتنا مثل الإخوة. البيوت متلاصقة، عدا أن الدامون كانت مركزاً للقرى المجاورة، وضمّت مسجداً وكنيسة ومعصرة زيتون، وأيضاً كان هناك مدرسة ابتدائية ومحطة حافلات. واشتهرت القرية بالينابيع". وتضيف: "الناس كانت مرتاحة وكان هناك أمان. كنت طفلة وأذهب مرات عدة في الأسبوع إلى عكا بالحافلة وحدي، حاملة سلة قصب مملوءة بالفاكهة من حاكورتنا".

وتكشف عثمان أنه "كان عمري عشر سنوات عندما هُجّرنا من الدامون، وقبل التهجير بشهر، توجه الأهالي بطلب لتعليم الفتيات في الكنيسة، وبدأت 10 منهن التعليم، وفي اليوم الثاني حصل التهجير". وتلفت إلى أنه "سكن الدامون عائلات البقاعية وعثمان وزيادنة واللوابنة والعيايشة والخوري وجميع العائلات، وكانت تدعم بعضها في الأفراح والأتراح".

سميرة عثمان: كانت الدامون مركزاً للقرى المجاورة

وتوضح عقمان أنه "كان يوجد في الدامون مغارة يطلقون عليها اسم (مفعرة)، كانوا يستخرجون منها تراباً أبيض، وبعد تذويبه تُدهن البيوت به لتكتسي باللون الأبيض". وتتابع: "قبل التهجير بشهرين أو ثلاثة ذهبت بعض النسوة لاستخراج التراب من المفعرة، فانهارت عليهن المغارة وتوفين".

مرحلة سقوط الدامون

وعن مرحلة سقوط الدامون في 15 و16 يوليو 1948. وعن هذا اليوم تقول عثمان: "يومها كانت الفتيات يلعبن في البيادر، أثناء دخول اليهود إلى قرية البروة المهجرة، وأطلقوا قنبلة أصابت طفلة ورجلاً مسناً وتوفيّا على الفور. وعندها حل الخوف فخرج أهالي الدامون منها".

وتشير إلى أن "هناك امرأة نسيت طفلها نائماً في السرير"، لكنها تشير إلى أنه لا يزال حياً ويسكن في طمرة. وتضيف: "نحن طلعنا إلى طمرة أنا وأهلي عند أقاربنا، الذين رحبوا بنا وبقينا شهراً عندهم. وبعد شهر انتشر خبر بأن اليهود سيدخلون للقتال في طمرة، وعندها خرج أهالي طمرة إلى الجبل في العراء إلى منطقة الصنيبعة الجبلية، وبقينا هناك أسبوعاً، نمنا فيه على الأرض". وتلفت إلى أنه بعدها جاء شخص وأخبرهم بالعودة إلى طمرة.

وتشير عثمان إلى أن " العصابات الصهيونية" هدمت البيوت وأخذت أحجارها، والمقبرة بقيت مبعثرة، عمي مدفون في المقبرة بالدامون، إذ توفّي قبل ثلاثة أشهر من التهجير أثناء عمله شرطياً في عكا".

وتستذكر عثمان بيت الشعر الشعبي: "عمومي يا عمومي وجسمي ذاب من تحت الهذومي، أجيت الدار أسأل عن عمومي، لقيت الدار ما فيها حدا، وصلت الدار عند أهلي وعمومي وسألت الدار وين أهلي وعمومي قالوا هاجين ما في منهم حدا".