روايات أهل القرية - إدمث/ مغارة الفختة / شقيف الطاقة - قضاء عكا

-معك كرتونَة؟ 

-شو بدك بالكرتونة خالتي؟ 

-ما أدري.. يچولون منتشرة بكل البلاد

-آآه كورونا، ما تخافي ما عندي كورونا.. شو اسمك خالتي؟

-ما آدري.. 

-قديش عمرك؟

-ما أدري، أنا خلقانة من زمن فلسطين، من وقت ما كانت البصة والزيب..

-عايشة هون لحالك؟ 

-أنا وأخوي.. بستنى فيه راح يرعى الغنم بالوادي.. 

صادفت هذه السيدة الجالسة في هامش الصورة وهامش الحياة يوم أمس الماطر في خربة إدمث المهجرة، الواقعة في أعالي جبال الجليل بمحاذاة الحدود مع لبنان، والتي أقيم على أنقاضها متنزه "أدميت". تركتها ومضيت أتجول بين أنقاض البيوت المطلة على البحر بعد أن انزعجت من أسئلتي الفضولية التي بقيت بلا أجوبة. سكن ادمث المئات من أبناء قبيلة عرب العرامشة حتى سنوات السبعين والثمانين، لغاية تهجيرهم الصامت إلى بلدة عرب العرامشة. وفي حربها الهادئة ضد هوية المكان وأهله، لا تستخدم إسرائيل الطائرات والرصاص لتهجير من تبقى من فلسطينيين، فالهدنة مع العرب قد أعلنت قبل 72 عامًا، لكن بالإمكان اختراقها بأسلحة أقل ضجيجًا كي لا يلتفت أحد. "النقل" و "التنظيم" هما الأداة التي استخدمتها إسرائيل لتهجير الفلسطينيين البدو في عدة بلدات فلسطينية في النقب والجليل، والمبرر جاهز: "البدو قوم رُحّل وأسلوب حياتهم لا يواكب تقدم دولة إسرائيل المتحضرة، لذا يجب نقلهم الى أماكن أكثر تطورًا لتتوفر لهم الخدمات". إذا، يتم "النقل" بالإكراه بعد قطع كل سبل الحياة في وجه السكان الأصلانيين، فتقطع المياه عن ادمث ويمنع أهلها من بناء بيوت جديدة من خلال هدمها فور بنائها. هكذا تم تهجير العديد من قرى النقب في مطلع الخمسينيات، عبر قطع سبل الحياة وتركهم يموتون عطشًا في الصحراء، وإجبارهم على الانتقال الى مكان آخر. لم تحارب إسرائيل أهل ادمث فقط، بل حتى قطعان الماعز، هذا الحيوان الأليف الذي هو جزء من طبيعة فلسطين وأحد مصادر الرزق لسكانها. تحت ادعاء زائف أن هذا الحيوان يضر بالبيئة وهو ما أثبتت الأبحاث العلمية عكسه، سنت إسرائيل قانون "العنزة السوداء" والذي منع أصحابها من رعايتها. وعودة للمرأة مجهولة الإسم والميلاد، تأبى الحكاية إلا أن تروي نفسها كي تبقى في الذاكرة. في طريق العودة صادفت امرأة هجرت في الثمانينيات من ادمث. فروت لي أن تلك المرأة رفضت ترك ادمث، وأنها تجلس كل يوم طوال النهار تنتظر أخاها الذي ذهب مرة إلى رعي الماعز فوقعت عليه صخرة ومات. لا تعرف تلك المرأة مصطلحات الاستعمار والأبارتهايد والترانسفير التي نتقاذفها يوميًا، لا تعرف ما هي الكورونا وفي أي عام نحن، لكنها تجلس على هامش الحياة، في غرفة الصفيح، بينما يحيط بها المتنزهون المفتونون بمتنزهات "دائرة أراضي إسرائيل" المقامة فوق أنقاضنا، وتمارس فعل مقاومة يومي: تنتظر أن يعود أخاها مع قطيع الماعز المطارد من إسرائيل، وترفض أن ترحل من إدمث..

رواية ا. رنا العويسي، صفحة خرة إدمث على الفيس بوك