روايات أهل القرية - الْلَجُّونْ/ قرى الروحة - قضاء جنين


 

الحاج محمد عبد القادر صالح محاجنة (أبو جابر) كان عمره 26 سنة عندما تزوج في اللجون يقول: كنت طالبا ناجحا في المدرسة وعندما أنهيت الصف الرابع وهو الصف الأخير في المدرسة، قال لي والدي: أريدك أن تكمل دراستك. فقلت له: لا أريد، فأنا أريد أن أصبح مزارعا”. وفعلاً عملت في أرض اللجون التي كانت تعطي الخيرات وعاشت منها أم الفحم والعريش والشبع والخليل، وكانت مصدر رزق لكل أهالي أم الفحم، فلم تكن هناك بطالة، لأن الكل يعملون في الأرض، فهي واسعة جدا تمتد حتى العفولة تقريباً. وحتى عندما كانت مجاعة في زمن تركيا لم يشعر بذلك أهالي اللجون لأن المحصول كان وافراً لشدة خصوبة الأرض”.
 
ويتابع أبو جابر: “كانت في القرية أربع عائلات تسكن في أربع حارات: المحاجنة، الإغبارية، الجبارين، والمحاميد، لكنهم كانوا إخواناً لا يفرقهم شيء، فمصيرهم كان واحدا. وفي عام 1936 كان الثوار يأتون إلى البلدة ويناومون فيها، وفي اليوم الثاني يأتي الإنجليز ويعيثون فساداً، وأذكر أنه في عام 1948 جاء إلى المنطقة القاوقجي وجيشه وقصفوا مستوطنة “مشمار هعيمك، وحسبنا أنهم دمروها، لكن عندما ذهبنا إلى هناك لنرى ما حصل، لم نشاهد أية إصابة في المستوطنة، وأرجعنا الإنجليز. وعندما أطلق اليهود النار هرب جيش القاوقجي إلى اللجون وهم يقولون: “ما في عتاد ما في عتاد”.
 
ويضيف: “قبل خروج الناس من اللجون كان اليهود يطلقون النار على القرية، فخاف الناس وأخذوا يعودون إلى أم الفحم، وعندما خرجت من اللجون عائداً إلى أم الفحم كان اليهود يطلقون الرصاص عليّ كزخ المطر، لكني لم أصب بأي أذى بإذن الله. وعدت إلى أم الفحم، وأعلن في حينه عن هدنة، فعدت إلى أرضنا في اللجون ووجدت فيها قتيلين، وعندما رآني جنود اليهود قالوا لي: “عودوا إلى بلدكم. ولما كنا نسمع ونعرف أن اليهود يقتلون الشباب في كل قرية يحتلونها، فقد خفنا وبقينا في أم الفحم”.
 
حاول اليهود أن نوقع لهم على بيع الأرض، فبعد قيام دولتهم أرسلوا في طلبي إلى المحكمة المركزية في حيفا، وهناك سألت المدعي: لماذا طلبتموني؟ فقال: لنعطيك تعويضاً على أرض اللجون. فقلت له: هل قدمت لك طلبا بذلك؟ قال: فيها بلاط، نعطيك عليه أموالاً. فقلت: لا أوافق على قبض أي قرش. وعدت إلى البيت، وحتى يومنا هذا لا أوافق على التنازل عن شبر من الأرض التي جبلنا ترابها بعرقنا”.

لا تأخذوا معكم شيئا لأنكم ستعودون
 
أما الحاج محمد مصطفى العبد الحسن جبارين (أبو عمر) فيقول عن خروج الناس من اللجون: “راح الجيش إلى “أبو شوشة” ثم عاد، وقالوا لنا: “البلاد بيعت، فمن استطاع الخروج فليخرج من القرية”، وفي نفس الوقت سمعنا أنه في 15 أيار ستدخل سبعة جيوش عربية تحت إمرة قائد واحد، وقالوا لنا: لا تأخذوا معكم شيئا لأنكم ستعودون. لكننا لم نر جيوشا عربية، بل أعلن قيام دولة إسرائيل، وقبل أن يحتل اليهود اللجون احتلوا المركز وتل المسلم (جبل بجانب اللجون) ثم أعلنت الهدنة لمدة 15 يوما، لكن اليهود نقضوا العهد، واحتلوا ظهر دار “أبو سعادة”، وكانوا يطلقون النار على كل راع أو أي انسان يخرج لقضاء حاجة معينة، وكانوا يتعمدون إرهابه وتخويفه ليهرب. وقد قُتل حينها ثلاثة أشخاص من بينهم امرأة. وخرج الناس من القرية ولم يستطيعوا العودة”.
 
يقول أبو عمر: “طلب اليهود من كبار السن من اللجون، الذين يسكنون في أم الفحم، الحضور إلى مركز اللجون، وكان من بينهم أبي وعمي، وباتوا تلك الليلة في مركز اللجون، وخلال مكوثهم هناك قال القائد: غداً سنتحل أم الفحم، فلا تخرجوا منها. وعندما سألوه: ما هو مصير من كان عسكريا؟ قال: من قتل يهوديا فليخرج، ومن لم يقتل فليبق في البلد. وخلال هذا الحديث سمع أهالي القرية الموجودون في المركز أصوات تفجيرات، فقيل لهم إنها أصوات تدريبات عسكرية، لكن الحقيقة كانت غير ذلك، ففي تلك الساعة كان اليهود ينسفون بيوت اللجون عن بكرة أبيها، ولم يبق منها إلا الذكريات الالمية وقصص نحدثها لأولدانا وأحفادنا، لكن تبقى في النفس أمينة، وهي أن أبني فيها بيتا قبل وفاتي تقر به عياني”.