معلومات عامة عن دير القاسي / الآسي - قضاء عكا
معلومات عامة عن قرية دير القاسي / الآسي
(دير القاسي) قرية عربية فلسطينية كنعانية تقع في أقصى الشمال الشرقي من قضاء عكا وتتربع في أواسط الجليل الأعلى وهي أيضاً في الشمال الشرقي من مدينة عكا وهي على بعد (20) كيلومتراً منها وعلى بعد خمسة كيلومترات عن الحدود اللبنانية الفلسطينية ويقسم الشارع الرئيسي المعبد القرية إلى حارتين الشرقية والغربية هذا وقد نشأت حارة جديدة إلى الشرق من الحارة الشرقية فوق البركة ، ومعدل ارتفاعها عن سطح البحر (700) متر.
الموقع والمساحة
المساحة والحدود
تبين من خلال الوثائق الفلسطينية أن أراضي دير القاسي مساحتها شاسعة لكن أراضيها في دوائر المساحة والطابو قبل النكبة كانت مشتركة مع أراضي قريتي فسوطه والمنصورة ومجموعها (34011) دونماً ولا يملك اليهود فيها شبراً من الأرض .
ويحدها من الشمال الشرقي قرية المنصورة ومن الشمال الغربي قرية فسوطه ومن الجنوب الغربي قرية سُحماتا ومن الشرق قرية حرفيش .
سبب التسمية
التسمية
لقد اختلفت الروايات عند المهتمين حول التسمية ، ومهما يكن أصل تسميتها أو معناها فإن قرية دير القاسي المعروفة منذ عدة عقود من الزمن هي القرية الموجودة حالياً في موقعها الجغرافي والطبوجرافي الذي بنيت فيه مساكن حمايل القرية منذ مئات السنين ، وهكذا توارثها الأحفاد عن الآباء والأجداد ، والذي بين أيدينا من وثائق منذ القرن السادس عشر يببن أن اسم القرية كان دير الوقاسية ، واليوم دير القاسي ، ما معناه أنه نفس الاسم .
العمران
عدد البيوت المعمورة
في عام 1596م كانت البيوت المعمورة (77) بيتاً معموراً وفي فترة الانتداب البريطاني عام 1931م وصل عدد بيوت القرية إلى (169) بيتاً معموراً وعام النكبة 1948م كان عدد بيوتها (491) بيتاً .
المضافة أو الديوان
بعض حمايل دير القاسي يطلق على المضافة أو الديوان اسم منزول ، وفي القرية تقريباً لكل حمولة كبيرة منزول وأكبر منزول أو مضافة هي التي تخص المختار ، وهذه المضافة مساحتها كبيرة وفيها ناطور قائم على استقبال الضيوف وعابري السبيل والتجار ، وهي بناء خارج بيت المختار وبقية المضافات عبارة عن غرفة داخل بيت شيخ الحمولة ومن المضافات قبل النكبة :
1ـ مضافة المختار مجيد أو عبد المجيد الصادق .
2ـ مضافة المختار غانم معروف .
3ـ مضافة آل الظاهر .
4ـ مضافة أسعد معروف (رشراش) .
5ـ مضافة آل حمود .
المساجد
كان في القرية مسجدان : الأول ، مسجد في الحارة الشرقية وكان إمام المسجد الشيخ يوسف ظاهر وفي هذا المسجد كانت تقام الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين .
والمسجد الثاني مسجد الحارة الغربية وتقام فيه صلاة الجمعة والجماعة والعيدين وكان إمام المسجد الشيخ محيي الدين الصادق ، وقد هدم هذان المسجدان ولم يعد لهما أثر ، وكانت المساجد في العهد العثماني مدارس للكتاب ، وكان كثير من كبار السن يلمون بالكتابة والقراءة .
المقامات
1ـ مقام أبو جوهر وهو بجانب المسجد الشرقي في القرية .
2ـ مقام أبو هليون ويقع في المنطقة الشمالية الشرقية من أراضي القرية في خربة تل الرويس وهو على تلة مرتفعة يقدر ارتفاعها (710) أمتار عن سطح البحر .
3ـ مقام المباركة ويقع بين الحارتين الشرقية والغربية .
المقبرة
يوجد في دير القاسي عدد من المقابر الصغيرة منها المندرسة وأهم المقابر التي كانت مستعملة :
1ـ المقبرة الإسلامية وهي تجاور القرية من الجهة الشمالية الشرقية .
2ـ مقبرة البركة وهي إلى الشرق مع انحراف قليل إلى الشمال من القرية وهي على بعد حوالي (400) متر تقريباً منها .
3ـ مقبرة البير وهي مقبرة صغيرة تجاور المقبرة الإسلامية .
4ـ مقبرة المزاريب وهي أقرب مقبرة إلى القرية من الجهة الشمالية .
خرب دير القاسي
يوجد في دير القاسي عدد من الخرب الأثرية المليئة بالآثار ومن هذه الخرب :
1ـ خربة جميليا وهي خربة صغيرة تقع إلى الشرق من أراضي القرية .
2ـ خربة المريجات وهي تقع إلى الغرب من القرية .
3ـ خربة قرحتا وهي تقع في شرق القرية وفيها معصرة زيت قديمة ومدافن منقورة بالصخر وصهاريج وأحجار من بقايا برج وتسمى أحجار المزولة .
4ـ خربة البيّار وهي إلى الجنوب الشرقي من القرية وبها جدران متهدمة وأرض مرصوفة بالفسيفساء .
5ـ خربة البير وهي أيضاً في الشمال الشرقي من القرية .
6ـ خربة تل الرويسي وترتفع عن سطح البحر (735) متراً ومن محتوياتها جدران متهدمة وأحجار مبعثرة وشقف فخار .
7ـ خربة فانس وهي غرب القرية بانحراف قليل إلى الشمال منها وفيها معصرة زيت قديمة وصهاريج ومدافن في الصخر وأسس جدران .
8ـ خربة القرشية (نسيبة) شمال شرق القرية .
9ـ خربة الخضرا وتقع في غرب أراضي القرية .
المختار والمخترة
من مخاتير دير القاسي في فترة الانتداب البريطاني هناك المختار غانم معروف ثم المختار درويش الصادق وبعد وفاته تم تعيين المختار مجيد الصادق بطل حديثنا هذا اليوم.
ولد المختار مجيد الصادق في دير القاسي سنة ١٨٦٥ وتشرد مع أهلها سنة النكبة ١٩٤٨ حيث حطت بهم رياح اللجوء والتشرد والنكبة في مدينة صيدا اللبنانية. فسكن المختار مجيد الصادق في حارة صيدا. كانت تربطه علاقات متينه مع وجهاء آل الخليل وآل الأسعد وبعض وجهاء الجنوب اللبناني حسب ما أفاد حفيده الدكتور جهاد عبدالله الصادق المقيم حاليا في ولاية فرجينيا بالولايات الامريكيه المتحده، وقد عرضوا عليه التجنيس في لبنان في وقت مبكر لكنه رفض ذلك ايماناً منه بالعودة الى دير القاسي ووطنه فلسطين.
بقي مقيماً في صيدا بانتظار العودة والتحرير إلى أن توفاه الله سنة ١٩٥٨ في حارة صيدا.
كان للمختار ثلاث اولاد احدهم سكن في منطقة القياعه حارة صيدا وهو صاحب البيت ذو اللوحات الزيتيه على السقف والجدران الحاج عبدالله عبدالمجيد الصادق والثاني وأسمه الحاج فايق عبدالمجيد الصادق والثالث الحاج صادق عبد المجيد الصادق رحمهم الله جميعا
في دير القاسي واضح من الصور المرفقه مع النص ومن مشهد فيديو تم تصويره حديثاً في منزل الحاج عبدالله عبد المجيد الصادق، أنه كان ثرياً وأن البيت كان مبنياً ومزركشاً بشكل جميل جداً وحديث. وكأنه شيّد في هذا الزمان وليس قبل النكبة سنة ١٩٤٨.
السكان
عدد السكان
كان أهالي دير القاسي عام 1596م (474) نسمة وفي عام 1931م بلغ عدد أهالي دير القاسي (865) مسلماً منهم (450) ذكراً و(415) أنثى وعام 1948م كان عدد أهاليها (2668) نسمة ، واللاجئون من قرية دير القاسي عام 1998م (16384) نسمة أما المسجلون من نفس السنة حسب وكالة الغوث (6543) نسمة والمسجلون عام 2008م حسب وكالة الغوث (8386) نسمة لكن مجموع اللاجئين وفقاً لتقدير وكالة الغوث عام 2008م (22153) نسمة ، ويعني ذلك إن كان هذا الرقم صحيحاً أن كثير من أبناء دير القاسي لا يحملون بطاقة وكالة الغوث .
عائلات القرية وعشائرها
الحمائل والعائلات
كانت دير القاسي تعتبر من القرى بل من البلدات الكبيرة عام النكبة في تعداد الحمايل وقد أشتهرت فقط بأسماء الحمايل طبعاً ولكل حمولة عائلات ، ومن حمايل دير القاسي التي تمت معرفتها : معروف ، الصادق ، ظاهر ، حمود ، زيدان ، درويش ، العنيس ، الشولي ، مكية ، الشيخ طه ، الملك ، زللي ، البقاعي ، علوان ، الخطيب ، كساب ، عوده ، أورفلي ، حماده ، خشان ، سلامة .
المخاتير
كانت وظيفة المختار موجودة في قرية دير القاسي منذ إنشاء وظيفة المخترة تقريباً وذلك منذ عام (1887م) وفي الغالب كان يوجد للقرية مختاران مختار أول ومختار ثان ، ويتم اختيار المخاتير بالانتخاب ويجب أن يكون المختار من أصحاب الأخلاق الحسنة ويعرف القراءة والكتابة وأن يكون عمره فوق (30) سنة وكانت مهام المختار كثيرة منها الإبلاغ عن المواليد والوفيات وتسليم القتلة والمشاغبين إلى الحكومة ، وكان بيت المختار مجمعاً وملتقى رجالات القرية وكان مركز أصلاح في حل المشاكل وكان المسؤول عن المختار مدير الناحية ، وكان من مخاتير دير القاسي في فترة الانتداب البريطاني :
1ـ المختار غانم معروف .
2ـ المختار درويش الصادق وبعد وفاته عين المختار مجيد الصادق .
الحياة الاقتصادية
لقد كانت تربة الأرض في دير القاسي خصبة ، على الرغم من أنها جبلية وتعتمد على مياه الأمطار ، وكان أيضا في القرية عدد من الوديان المهمة مثل وادي الحبيس ويقع شمال القرية وكانت أراضيه تستثمر لبساتين الخضرة ، ثم وادي الحمام وهو شمال القرية وأراضيه بعد انتهاء الشتاء أيضاً تستثمر لزراعة البساتين ووادي القرن كان يستمر حتى نهاية الصيف وأحياناً طوال العام لوجود بعض العيون ومن عيون عين النجرة شرق القرية ، وكان قد بني على الوادي سبع طواحين للقمح وبعد عام النكبة (1948م) قام اليهود ببناء النواعير عليه .
لذلك كانت أراضي دير القاسي تشتهر ببساتينها رغم اعتماد الأهالي على الزراعة وفق الأساليب البسيطة الموجودة في تلك الفترة ، وتقسم المزروعات في القرية إلى شتوية مثل القمح والشعير والكرسنة والقطاني …إلخ وأخرى صيفية كالذرة والسمسم ، ولسعة أراضي الأهالي اهتموا بمقاثي البندورة والخيار والفقوس واهتموا كثيراً بزراعة الدخان الذي كان مصدر رزق لجميع أهالي القرية ، أما الأشجار المثمرة فكرومها كثيرة وأراضيها شاسعة مثل كروم التين والعنب والصبر واللوزيات والزيتون وجميع أنواع الخوخ والمشمش والدراق ، وأراضي القرية اشتهرت بأشجار غابتها وخصوصاً أشجار السنديان ، وكان سوق أهالي القرية الذي يبيعون فيه أكثر إنتاجهم الزراعي والخضراوات مشهوراً في مدينة عكا .
أما الثروة الحيوانية للقرية فكان لها وجودها ، حيث بلغ عدد رؤوس الماعز والغنم في نهاية الدولة العثمانية (8000) رأس وفي فترة الانتداب نقص إلى أكثر من النصف على الرغم من كثرة المراعي في أراضي القرية ، وكان يأتي إلى القرية الكثير من رعاة الأغنام لرعي أغنامهم ، أما الأبقار والبغال والجمال والحمير فكانت موجودة خصوصاً الأبقار والبغال من أجل الحراثة ، واستعملت الحمير والبغال والخيل كوسائط نقل بين القرى ، وكان لتربية الطيور الداجنة مثل الدجاج والحمام والبط والحبش نصيب عند أهالي القرية واهتموا بتربية النحل بالاضافة الى العسل البري .
التعليم
التعليم
التعليم في دير القاسي بدأ منذ العهد العثماني في المساجد بالكتاتيب التي اعتمدت على تحفيظ القرآن الكريم والحديث والقراءة والكتابة ، ومع بداية عام (1932م) تقريباً كان الصف الأول ، وعام (1933م) أصبح هناك الصف الثاني ، أحدهما في الحارة الشرقية والثاني في الحارة الغربية ، ثم بنيت مدرسة حتى الصف السادس ولها ملعب وساحات كبيرة ، وكان ذلك عام (1943م) وكان يتعلم في المدرسة طلاب من قرية حرفيش المجاورة .
وكان أول مدرسي القرية الأستاذ محمود دغمان والأستاذ أبو سميح وهما من خارج القرية ، ومع بداية عام (1940م) أصبح معظم الأساتذة من نفس دير القاسي ، وكان في القرية مدرسون يعلمون في القرى المجاورة ، ومن معلمي المدرسة في القرية :
1ـ الأستاذ أحمد محمد الصادق ـ مدير .
2ـ الأستاذ محمود سعيد صالح .
3ـ الأستاذ نايف معروف .
4ـ الأستاذ عارف معروف .
5ـ الأستاذ فايق الصادق .
6ـ الأستاذ محمود مكية
7ـ الأستاذ توفيق أحمد الصادق .
8ـ الأستاذ عبد الرحيم إبراهيم معروف .
9ـ الاستاذ محمد رضا .
مدرسة خاصة للبنات
في عام (1947م) فتحت مدرسة أهلية خاصة للبنات وكانت مديرة المدرسة المعلمة حياة عبد الله عبد المجيد الصادق ، وقبل أن تفتح المدرسة كانت تدرس في ترشيحا ، وكان عدد الطالبات عام النكبة (22) طالبة .
تاريخ القرية
قرية دير القاسي في العهد العثماني
من خلال الوثائق العثمانية القديمة والوثائق العربية الموجودة بين أيدينا تبين لنا أن قرية دير القاسي عام 1596م كانت ناحية جبرة لواء صفد وعام 1872م كانت قرية عامرة
دير القاسي عام (1596م)
هذه الوثيقة من كتاب : ( الجغرافية التاريخية لفلسطين وشرق الأردن وجنوب سوريا في القرن السادس عشر ) لمؤلفه شيخ الجغرافيين العلامة الدكتور كمال عبد الفتاح وزميله البروفيسور الألماني ديترهيتروت وقد جاء في هذا الكتاب الموسوعي أن قرية دير القاسي عام (1596م) كانت تتبع ناحية جبرة في لواء صفد وكان عدد أرباب الأسر الدافعة لضريبة الزراعة في دير القاسي (77) منهم (15) من العزاب غير المتزوجين وكانت نسبة الضريبة الزراعية 25% ودفعت الضريبة الزراعية على القمح (3310) أقجات وكانت ضريبة الشعير (700) أقجة وضريبة بقية الحبوب (1210) أقجات وضريبة الأشجار المثمرة من زيتون وعنب وأشجار الفواكه (3500) أقجة وضريبة الماعز (786) أقجة ومعاصر الزيت (36) أقجة وكانت رسوم الزواج في تلك السنة (320) أقجة والأقجة عملة عثمانية قديمة صنعت من الفضة وكانت قيمتها غالية وعالية الثمن ، وفي بداية الدولة العثمانية كانت هي العملة المتداولة بين المواطنين خصوصاً في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلادي ثم خفت قيمتها الشرائية في نهاية الدولة العثمانية .
وتشتهر بالأشجار المثمرة ، وعام 1904م أصبحت تتبع ناحية الجبل قضاء صفد ثم تحولت في فترة الانتداب البريطاني إلى قضاء عكا .
روايات أهل القرية
رواية حفيظة خطيب
"أعيش في لبنان منذ 70 عاماً.. ولكني لم أنس فلسطين أبداً"
بعد مرور سبعين عاماً على ذكرى "النكبة"، مازال الفلسطينيون يحلمون بالعودة، كما هو حال اللاجئة الفلسطينية المسنة حفيظة خطيب، التي فرت مع عائلتها إلى لبنان عام 1948، ليصبح المخيم في لبنان مسكناً لأجيال رغم حلم العودة. الصحافية ديانا هودالي زارت المخيمات الفلسطينية في لبنان.
تدثرت حفيظة خطيب بالبطانية وهي ممتدة على الأريكة. ابتسامتها تشق تجاعيد وجهها العميقة. هذه الفلسطينية البالغة من العمر حوالي تسعين عاماً تقول إنها لم تنس فلسطين، بالرغم من مرور كل هذه الأعوام: "أعيش في لبنان منذ 70 عاماً، ولكني لم أنس فلسطين أبداً" .
حفيظة خطيب تقيم في مخيم اللاجئين الفلسطينيين الواقع في قرية برج البراجنة، جنوب العاصمة اللبنانية بيروت. الطرقات داخل المخيم قذرة وضيقة، وغالبًا ما يسخر سكانه من ضيقها هذا، إذ يقولون إنه لا يمكن تمرير حتى تابوت منها. ولا يقتصر الأمر على الطرقات الضيقة، وإنما توجد هناك مشكلة أخرى وهي تشابك أسلاك الهاتف والكهرباء العارية فوق رؤوس المارة، والتي تحصد من الحين والآخر أرواح السكان صعقاً بالكهرباء.
كما أن العديد من المنازل رثة ومعرضة لخطر السقوط في أي لحظة. تعيش اللاجئة الفلسطينية حفيظة خطيب، داخل شقة صغيرة في الطابق الأرضي، وذلك لأن إحدى ساقيها قد بُترت قبل ثلاث سنوات بسبب مرض السكري. من دون مساعدة لم يكن ممكناً العثور على شقة حفيظة داخل مخيم اللاجئين هذا. فما ما كان من المفترض أن يكون حلاً مؤقتاً للفلسطينيين، أصبح مسكناً دائماً لعدة أجيال.
يعيش اليوم داخل المخيم هذا أكثر من 18 ألف فلسطيني، وهم مسجلون بشكل رسمي، ومع تدفق اللاجئين السوريين خلال السنوات الماضية، يُقال إن العدد ارتفع إلى 40 ألف شخص. حوالي نصف هذا العدد هم دون سن الخامسة والعشرين، والكثير منهم لا يعرفون حياة أخرى خارج المخيم.
تدثرت حفيظة خطيب بالبطانية وهي ممتدة على الأريكة. ابتسامتها تشق تجاعيد وجهها العميقة. هذه الفلسطينية البالغة من العمر حوالي تسعين عاماً تقول إنها لم تنس فلسطين، بالرغم من مرور كل هذه الأعوام: "أعيش في لبنان منذ 70 عاماً، ولكني لم أنس فلسطين أبداً" .
حفيظة خطيب تقيم في مخيم اللاجئين الفلسطينيين الواقع في قرية برج البراجنة، جنوب العاصمة اللبنانية بيروت. الطرقات داخل المخيم قذرة وضيقة، وغالبًا ما يسخر سكانه من ضيقها هذا، إذ يقولون إنه لا يمكن تمرير حتى تابوت منها. ولا يقتصر الأمر على الطرقات الضيقة، وإنما توجد هناك مشكلة أخرى وهي تشابك أسلاك الهاتف والكهرباء العارية فوق رؤوس المارة، والتي تحصد من الحين والآخر أرواح السكان صعقاً بالكهرباء.
كما أن العديد من المنازل رثة ومعرضة لخطر السقوط في أي لحظة. تعيش اللاجئة الفلسطينية حفيظة خطيب، داخل شقة صغيرة في الطابق الأرضي، وذلك لأن إحدى ساقيها قد بُترت قبل ثلاث سنوات بسبب مرض السكري. من دون مساعدة لم يكن ممكناً العثور على شقة حفيظة داخل مخيم اللاجئين هذا. فما ما كان من المفترض أن يكون حلاً مؤقتاً للفلسطينيين، أصبح مسكناً دائماً لعدة أجيال.
يعيش اليوم داخل المخيم هذا أكثر من 18 ألف فلسطيني، وهم مسجلون بشكل رسمي، ومع تدفق اللاجئين السوريين خلال السنوات الماضية، يُقال إن العدد ارتفع إلى 40 ألف شخص. حوالي نصف هذا العدد هم دون سن الخامسة والعشرين، والكثير منهم لا يعرفون حياة أخرى خارج المخيم.
"أتذكر كل شيء"
حفيظة خطيب التي عاشت حياة أخرى في لبنان، كانت تبلغ من العمر 19 عاماً عندما فرت مع عائلتها إلى لبنان في حرب 1948 بين إسرئيل وجيرانها العرب. كانت حفيظة تعيش آنذاك مع عائلتها في قرية دير القاسي، على بعد 20 كيلومتراً من عكا. كان الهواء هناك نظيف، على عكس ما هو في مخيم اللاجئين هنا.
تطرق حفيظة متذكرة وتقول بنبرة حزن: "لو كان بإمكاني العودة، كنت سأعرف بالضبط أن يقع بيتنا، مازلت أتذكر كل شيء، حياتنا، بلدنا، القرى". وتضيف اللاجئة الفلسطينية :"أخبرني والدي بعد ذلك أننا لن نضطر إلى البقاء في لبنان لفترة طويلة، وتحدث عن فترة ما بين الثلاثة إلى الأربعة أسابيع على الأكثر". وبابتسامة يطغى عليها الحزن: "لقد صدقنا ذلك جميعاً". ولكن بعد مرور 70 عاماً، ما زالت حفيظة في مخيم اللاجئين في لبنان.
إنها لا تتذكر حياتها في فلسطين، التي اضطرت إلى تركها وراءها فقط، ولكن الماضي ترك أثره أيضاً في ممرات مخيم اللاجئين. ففي كل مكان تظهر العبارات نفسها وعلى تشابك أسلاك الكهرباء أيضاً، وهي "تحيا فلسطين" أو "الحق في العودة".
أحيانًا تُطبع هذه العبارات على الأعلام الفلسطينية، وأحياناً تُرش على جدران المنازل. كما أن شخصية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي توفي عام 2004، حاضرة في كل مكان داخل مخيم اللاجئين.
اللجوء والتهجير
حين أعلنت فيه إسرائيل استقلالها في الـ14 من أيار/ مايو 1948، كان الـيوم الذي تبعه بداية مرحلة اللجوء والتهجير للفلسطينيين من أراضيهم. ومنذ ذلك التاريخ يطلق الفلسطينيون على هذا اليوم بـ"يوم النكبة". وفي الـ30 من تشرين الأول/ أكتوبر 1948، كان ذلك اليوم هو يوم فرار عائلة خطيب من فلسطين.
فحين كانت الحرب دائرة بين كل من مصر ولبنان وسوريا والعراق والأردن، استولت الميليشيات الإسرائيلية آنذاك على قرية دير القاسي. في الوقت الذي حزمت فيه حفيظة خطيب وعائلتها حقائبهم، كانت قد تمت السيطرة على مئات القرى الفلسطينية الأخرى خلال الأسابيع اللاحقة.
عن هذه الفترة تقول حفيظة: "قمنا بحمل الأشياء الضرورية فقط معنا، وبعدها أغلقنا باب منزلنا وغادرنا". خوفاً من التعرض للعنف فرت حفيظة خطيب ووالدها وأشقائها الخمسة عبر الحدود على بعد بضعة كيلومترات إلى لبنان.
ماتت الأم عندما كانت حفيظة لا تزال طفلة صغيرة. وتتذكر حفيظة التي ستكمل عامها التسعين قريباً: "في ذلك الوقت كانت هناك قرية مسيحية بالقرب من قريتنا، خدمنا الأرض معاً، كما كان يزورنا جيراننا اليهود في كثير من الأحيان، ويجلبون لنا معهم زبادي محلي الصنع. كانت لدينا علاقة جيدة، مسلمون ومسيحيون ويهود". وتضيف: "لم يكن أحد من أصدقائنا يريد أن نهرب ونتترك أرضنا، ولكن خوفنا كان أكبر".
تهجير قسري
من لم يهرب من الفلسطينيين، تعرض للتهجير القسري. وبحلول أيار/ مايو 1949، كانت كل من دير القاسي والقرى المجاورة كلها تحت السيطرة الإسرائيلية. وفي الوقت الحالي لم يتبق إلا القليل من الآثار المدمرة، التي تذكر بسكان هذه القرى، كما تم تغيير أسماء القرى أيضاً وتحولت قرية دير القاسي إلى ألكوش.
ومع نهاية الحرب في حزيران/ يونيو 1949، كان قد فر أو هُجر حوالي 750 ألف فلسطيني. ومنذ ذلك الحين عاش بعضهم في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة أو في الضفة الغربية. لكن معظمهم وجد الملجأ في الدول المجاورة مثل لبنان والأردن وسوريا. وسمح قانون يعود لعام 1950 لدولة إسرائيل بمصادرة أملاك الفلسطينيين الغائبين.
لا تنحدر حفيظة من عائلة ثرية، ولكنهم كانوا يمتلكون منزلاً صغيراً، كما تقول. لا يزال لديها مفتاح منزلها في دير القاسي، وهو مفتاح لمنزل لم يعد له وجود اليوم. تعيش حفيظة حالياً داخل شقة بغرفتين مظلمتين بالإيجار في أحد مخيمات اللاجئين المكتظة. إذ لا يُسمح للفلسطينيين بامتلاك الأراضي أو العقارات في لبنان. وتقول أنه بالرغم من قلة المال، إلا أنها لا تشكو
التمسّك بفلسطين
لم تعش حفيظة خطيب في مخيم برج البراجنة للاجئين منذ فرارهم من قريتهم في فلسطين، إذ عاشت هي وعائلتها في بعلبك، في جبال لبنان، بعد وصولها عام 1948. وتقول: "باعتباري الابنة الأكبر، كان علي أن ألعب دور الأم في وقت مبكر من عمري". وتضيف: "اعتنيت بكل شيء، كما سهرت على تربية أشقائي الصغار أيضاً، مع الظن أنه سنتمكن من العودة إلى قريتنا في أقرب وقت، كما عرض علي أحد اللبنانيين الأثرياء الوسيمين الزواج، لكني رفضت، لأنه لم يكن يريد الذهاب معي إلى دير القاسي".
تزوجت حفيظة من ابن عمها إبراهيم وأنجبت عشرة أطفال، وتقول عن زوجها بأنه كان زوجاً صالحاً وأباً جيداً. في عام 1978، انتقلت حفيظة مع أبنائها غير المتزوجين إلى مخيم برج البراجنة. ويوجد ما مجموعه 12 مخيماً رسمياً للاجئين للفلسطينيين في بلاد الأرز، منظمة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة من أجل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) هي المسؤولة عنهم، لأن لبنان لا تقدم المساعدات المالية للفلسطينيين.
توفي زوج حفيظة قبل ثماني سنوات، ومنذ ذلك الحين تعيش وحدها، وتقول: "لم نكن نعيش حياة سيئة هنا، لكنني وأولادي لم نحظ بفرصة حقيقية". لهذا طلب أبنائها اللجوء في الخارج. وقد أتى مؤخراً أحد أبنائها من الدنمارك لزيارتها، ولديها ابنان آخران يعيشان في الولايات المتحدة، كما توفي أحد أبنائها خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976.
ومنذ ذلك الوقت تعاني حفيظة كثيراً إلى يومنا هذا. من حين إلى آخر تشير إلى صورة ابنها المعلقة فوق الباب الأمامي، فقط حتى تتمكن من رؤيتها من الأريكة. باقي أبنائها الستة الآخرين يعيشون في مخيم برج البراجنة.
لا يوجد علاقات جيدة مع لبنان
لم يُحترم الفلسطينيون في لبنان من قبل أي حكومة لبنانية. وذلك لأن منظمة التحرير الفلسطينية كانت طرفاً في الحرب الأهلية. في لبنان يورث اللاجئون الفلسطينيون صفة لاجئ لأطفالهم، ولا يُسمح لهم بالعمل في أي مهنة أكاديمية، كما يتقاضون أُجوراً أقل من اللبنانيين المؤهلين.
ويتم تبرير سبب هذا الاستبعاد رسمياً باستمرار بأن الاندماج الكامل للاجئين في لبنان يجعل عودتهم إلى وطنهم صعبة. لا حفيظة ولا أولادها يشعرون بأنهم جزء من المجتمع اللبناني: "لم نكن نريد أن نكون ضيوفاً دائمين"، يقول صبحي خطيب ابن حفيظة من الدنمارك. "نريد منزلاً حيث يمكننا العيش بكرامة، لقد نشأت مع فلسطين، وهي تعيش في قلبي".
وعلى عكس لبنان، شعر صبحي خطيب وعائلته في الدنمارك بالاحترام، ولهذا لم يكن يريد العيش في لبنان.على الرغم من أن بيروت الصاخبة والمليئة بالألوان تقع بالقرب، لم ترغب حفيظة خطيب في العيش خارج المخيم. في مخيم برج البراجنة يمكنها على الأقل الاحتفاظ بذاكرة فلسطين. "لطالما قمت بطهي الأطباق الفلسطينية لأطفالي، وكلهم يتحدثون باللهجة الفلسطينية." كما أخبرت أطفالها وأحفادها عن قصة النكبة، لكي يتم نقل الأحداث القديمة. ويقول ابنها: "في مدارس الأونروا لا تتعلم تاريخ فلسطين، وهو أمر غير مسموح به".
أمنية أخيرة
يبلغ عدد الفلسطينيين المسجلين لدى منظمة الاونروا في لبنان 450 ألف فلسطيني. ولكن حتى لو كان العدد الفعلي أقل من هذا، فإن الصعوبات المالية موضوع دائم، خاصة منذ أن أوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المساعدات المالية للأونروا.
نادراً ما تترك حفيظة خطيب شقتها منذ أن أصبحت تجلس على كرسي المقعدين: "الشوارع سيئة للغاية، أولادي يطبخون لي الطعام، وأحيانًا تأتي امرأة لمساعدتي بالأشياء الضرورية".
السوق الصغير للمخيم، والذي يُطلق عليه السكان بسخرية "سيرك بيكاديللي"، لم تره منذ فترة طويلة. ورغم مرور ما يقرب من 90 عاماً، فإنها لا تزال تحلم بالسفر في رحلة، وتقول اللاجئة الفلسطينية: "أحلم بالعيش في فلسطين لأسبوع آخر، وأريد أن ألمس الأرض مرة أخرى ومن ثم أدفن هناك".
توقفت لبرهة عن إكمال حديثها وذلك لأنها تعلم أن ذلك لن يحدث. رغم أنها تتمتع بحق العودة وفقاً للقانون الدولي وقرار الأمم المتحدة رقم 194، مع ذلك لا أحد يريد الاعتراف بهذا الحق في إسرائيل. وإذا حدثت يوماً ما أي مفاوضات، يخشى العديد من اللاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم حوالي خمسة ملايين أن يتم التضحية بحقهم في العودة من أجل إحلال السلام.
الباحث والمراجع
المرجع
1- موقع قنطرة
2- وليد الخالدي: كي لا ننسى.
3- موقع ذاكروت.
4- الباحث عباس نمر http://www.abbasnimer.com/%D8%AF%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%83%D8%A7/ وقد قابل مجموعة من ابناء القرية