معلومات عامة عن قرية مسافر يطا/ قرى مهددة بالزوال

تفاصيل أخرى - مسافر يطا/ قرى مهددة بالزوال - قضاء الخليل

عقدان من المحاكم مع الخصم والحكم

لم يقبل أهالي مسافر يطا القرار .الصهيوني، وتوجهوا مع جمعية حقوق المواطن في الكيان المحتل للمسار القضائي، وقدموا التماسًا للمحكمة الصهيونية العليا، رفضًا للقرار. مما فتح المجال أمام 20 عامًا من عملية التقاضي. ففي يناير/ كانون ثاني 2000 قدم أهالي المسافر التماسهم الأول للمحكمة العليا، التي استمرت مداولاتها حتى عام 2002، وفي حينه اقترحت عملية وساطة على سكان مسافر يطا، استمرت حتى العام 2005، وكانت نتيجتها اقتراح الجيش .الصهيوني نقل السكان إلى منطقة أخرى. وهو ما رفضوه بشكلٍ تام لتنتهي عملية الوساطة، مما فتح المداولات أمام المحاكم مرةً أخرى، وصولًا إلى عام 2012 حيث اقترح الجيش التنازل عن إخلاء قرى مغاير العبيد، والمفقرة، والطوبة والصرورة، مع إصراره على إخلاء 8 قرى والخرب المتبقية، والسماح لسكان القرى المخلاة بزراعة أراضيهم ورعاية مواشيهم في أيام السبت وفي الأعياد اليهودية، إلى جانب فترتين خلال السنة، تستمر كل منها لمدة شهر. ومع رفض السكان الاقتراح تقرر في آب/ أغسطس 2012، مسح الالتماس من قبل المحكمة العليا، بدون البت فيه. وخلال عملية التقاضي، وافقت المحكمة على منع تهجيرهم من المكان.

 

استغرق الجزء الأول من عملية التقاضي حوالي 13 عامًا. وفي يناير/ كانون ثاني 2013، جدد أهالي مسافر يطا التماسهم للمحكمة العليا الصهيونية، التي أدخلتهم في مسار شبيه مرةً أخرى، واقترحت عملية تفاوض ووساطة جديدة، كان الوسيط فيها قاضي المحكمة العليا السابق اسحق زمير، وانتهت بالفشل في 1 شباط/ يناير 2016. ورغم تمديد سريان أوامر منع إخلاء أهالي مسافر يطا، إلّا أنّ الجيش .الصهيوني وفي اليوم التالي نفذ واحدة من أكبر عمليات الهدم في المنطقة، وقام بتدمير 15 منزلًا في قرية جنبة و9 مباني في قرية حلاوة. عقب الهدم قدمت المحكمة في آذار/ مارس 2016 مقترحًا لإعادة تخطيط منطقة تدريب الجيش .الصهيوني، رفضه السكان باعتباره أسوأ من المقترحات التي قدمت خلال عملية الوساطة.

استمرت المحكمة حتى أيار/ مايو من العام الحالي، وحاول خلالها السكان المجادلة بأن القرار ينطوي على بعد سياسي أساسًا، ويفوق البُعد الأمني في المحاولة الصهيونية من أجل تهجيرهم من المكان، كما أنهم أشاروا إلى أن التدريبات استمرت طوال فترة التقاضي، رغم صدور قرارات تطالب بالحد منها، ولكن بالمحصلة صدر القرار بالموافقة على ادعاءات الجيش .الصهيوني. خلال المداولات القضائية قدم السكان العديد من الإثباتات على وجودهم في المكان مثل صور جوية وسندات ملكية، كما اعتمدوا على كتاب "الحياة في كهوف الخليل" الصادر عن وزارة الأمن الصهيونية للأنثربولوجي يعكوب حبقوق، الذي درس المنطقة بين سنوات 1977- 1981، وكان حبقوق قد منع من تقديم شهادته خلال المحكمة في عام 2000 باعتباره يعمل في وزارة الأمن. كما اعتمدت المحكمة على الكتاب بشكلٍ انتقائي وما يخدم تفسيرها وهو ما يرفضه الكاتب.

خلال كل هذه الفترة كان يعاني أهالي مسافر يطا من نمط حياة صعبة، نتيجة عدم وجود مخططات هيكلية تسمح بالبناء في القرى، ومنع الاحتلال إدخال المواد اللازمة، وكذلك إقامة بنى تحتية مناسبة مثل شق الطرق التي ما يزال أغلبها ترابية، عطفا على الإغلاقات المتكررة. كذلك تحصل المنطقة على الكهرباء من خلال ألواح طاقة شمسية تكفي الاحتياجات الأساسية، فيما دمر الاحتلال شبكات المياه الممدودة للمكان.

شرعنة نزع الملكية

في 4 أيار/ مايو 2022، وقبل يوم من احتفال الكيان المحتل بما تسميه "يوم الاستقلال" بحسب التقويم العبري، صدر قرار المحكمة الذي كتبه القاضي الصهيوني ديفيد مينتس، المستوطن في مستوطنة  قرب رام الله والمنتمي للصهيونية الدينية، وانضم إليه القضاة يتسحاق عميت وعوفر غروسكوف، رافضًا التماس السكان بشكل جوهري، دون النظر في صلب القضية، أي مصادرة الأرض، وألزمت سكان مسافر يطا وجمعية حقوق المواطن في الكيان المحتل، بدفع حوالي 11 ألف دولار بدلًا من مصاريف المحاكم.  كما تشير مؤسسات عديدة فلسطينية وغير فلسطينية، فإن قرار المحكمة أظهر كيف تساهم اللغة القانونية وطبيعة العمل الإجرائي في إفراغ القضية من جوهرها السياسي، باعتبارها قضية نزع ملكية ومصادرة أرض في أساسها، وتناغم المحكمة العليا مع المؤسسة الأمنية في الكيان المحتل.

 

ورفضت المحكمة الالتماس بسبب ما أسمته تسويف السكان، فاعتبرت تقديم الالتماس بعد عشرين عامًا من إعلان الجيش المنطقة للتدريبات العسكرية، تأخيرًا غير معقول. أما السبب الثاني فهو بحسب المحكمة "عدم نظافة يد الملتمسين" وإقدامهم على فعل "مشين"، باعتبار أنهم قاموا بالبناء خلال فترة التقاضي، مما دفع القاضي إلى رفض الالتماس، رغم أن عملية البناء غير متصلة بالالتماس أساسًا، وبذلك صدر الحكم بإغلاق الملف لصالح الجيش .الصهيوني دون مناقشة أساس القضية وهو نزع ملكية السكان الأصليين.

واعتبرت جمعية حقوق المواطن في الكيان المحتل القرار خطيرًا باعتباره يمكن أن يؤسس لحالات طرد شبيهة في مناطق أخرى من الضفة الغربية، حيث تبلغ مساحة المناطق التي تم إعلانها من قبل الجيش .الصهيوني مناطق تدريب حوالي 16% من إجمالي أراضي الضفة الغربية، وجزء منها مأهول بالسكان. كما أن القرار شرعن أسبقية القانون .الصهيوني والعسكري على القانون الدولي الإنساني عند حصول التعارض، فيكون القرار .الصهيوني هو النافذ. ولم يلتفت إلى ملكية السكان، فقد اعتبر أن الدخول إلى الأرض في مناطق التدريبات العسكرية يستلزم الحصول على تصريح، باعتبار أن حقوق الملكية لا تمنح أصحابها الوصول إلى الأرض.

ماذا حصل بعد قرار المحكمة؟

يعيش سكان مسافر يطا في قلق دائم، يلازمهم في كل نشاطات الحياة. عند سؤال "الترا صوت" رئيس مجلس قروي مسافر يطا نضال يونس عن حال المسافر، قال: "كيف نوصف الحال؟ الناس يعيشون بخوف وقلق دائم، القرار أنهى كل نشاط السكان. إذا نصبوا الخيام ممكن أن تهدم، والدار اللي عايشين فيها ممكن تهدم، يعني كل الوجود مهدد"، مضيفًا بشأن خطورة القرار في المنطقة أنه يمس مكان العيش ونمطه. "هاي المنطقة مصدر رزقها يعتمد على الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية الشتوية في الأراضي المملوكة للسكان، وهم على وشك خسارتها بشكل دائم. الوضع صعب جدًا من كل النواحي".

في ظل ذلك، كانت الجرافات الصهيونية تتحين الفرصة، وفي اليوم التالي لقرار المحكمة المباشرة نفذت عملية هدم. وحتى الآن نفذ الجيش .الصهيوني عمليتي هدم للمنازل والمباني التابعة لها مثل حظائر الأغنام في قرى الفخيت والمركِز، والخيام التي أقامها سكان هذه القرى بعد عمليات الهدم السابقة. وعن ذلك يقول يونس: "هدموا البيوت، راحت الناس وسكنوا الخيام، وبعد تسوية الخيام في الأرض، عادوا إلى الكهوف بعد تركها من سنوات طويلة، الوضع صعب جدًا في المسافر".

 

ومنذ شهر ونصف، ينشر جيش الاحتلال حواجز طيارة ودائمة في منطقة مسافر يطا، تزيد من صعوبة تنقل الناس. كما نشر قواته بشكلٍ كبير في المنطقة، وأعاد إشغال معسكر قديم تركه عام 2006. كما أبلغ الجيش سكان المنطقة بنيته إقامة تدريبات عسكرية في المنطقة خلال الفتررة القادمة. يشير يونس إلى احتمالية أن يستغل الجيش التدريبات من أجل إخلاء القرى، خاصةً أنه أبلغ أهالي قرية خلة الضبع بشكل رسمي بإخلاء المنازل لمدة 3 ساعات خلال أيام التدريب. كما قدموا إخطارات هدم نهائية للمنازل في قرية التبان.

الخطوات الصهيونية شملت إحصاء سكان قرى المجاز والتبان والفخيت وجنبة وخلة الضبع واصفي التحتا، ولم يتضح هدف جيش الاحتلال من هذه الخطوة حتى الآن، لكن السكان قدموا اعتراضًا قضائيًا ضد الخطوة، مما أوقفها بشكلٍ مؤقت.

يوضح يونس أن اعتداءات المستوطنين ارتفعت منذ عام 2020، خاصةً في المناطق القريبة من المستوطنات وكلها تتم بحماية جيش الاحتلال. لكن ما برز منها مؤخرًا هو الاعتداء على نشطاء الكيان المحتليين مناهضين للاحتلال ذهبوا للتضامن مع أهالي مسافر يطا، وهو ما تم تسليط الضوء عليه في الإعلام .الصهيوني. فقد كان قائد لواء الجيش .الصهيوني في المنطقة شاهدًا على الاعتداء، فيما حصل الحدث على تغطية دون الإشارة للسياق الأوسع من مصادرة الأرض وسلب الملكية، أو الإشارة إلى اعتداءات المستوطنين المتكررة، لدرجة أن القناة الـ12 الصهيونية وصفته "بالحدث غير العادي".

تشمل المعاناة أيضًا الجانب التعليمي، ففي هذه التجمعات توجد 4 مدارس واحدة منها ثانوية، لكن مع رغبة السكان في عدم عرقلة تقدم الطلبة إلى امتحانات الثانوية العامة قرروا نقل الامتحانات إلى قرية التواني، وهي جزء من مسافر يطا لكنها خارج ما يعلنه الجيش كمنطقة إطلاق نار. وفي يوم الامتحان الأول اعترضت الطلبة قوة من الجيش .الصهيوني، وأوقفتهم حتى بداية الامتحان، لتسمح لهم بالمرور.

يبدو الآن أن أهالي مسافر يطا لا يمتلكون خيارات كثيرة سوى الصمود على الأرض ومحاولة إفشال القرار .الصهيوني، فيما قرروا التوجه نحو خطوة قانونية أخيرة، في المحكمة العليا التي لا تفتح الباب للاستئناف، ولكن من أجل إعادة قراءة القرار ضمن جلسة موسعة تحتوي على 9 قضاة بدلًا من 3، فيما توجهوا لهذه الخطوة دون أي أمل في أن تحقق نتيجة فعلية، تساهم في إنقاذ وجودهم في المكان.