عائلات القرية وعشائرها - صوبا - قضاء القدس

جذور الحمائل - لمحة تاريخية 
 
من أشهر الحمائل الّتي أقامت في صوبا واستوطنت فيها منذ بداية القرن الثالث عشر وحتى منتصف القرن العشرين 1948م. ثلاث حمائل هيالفقيه، رمان، نصر الله. "1" كما ورد في كتاب حكاية قرية – قرى فلسطين المدمرة عام 1948م في منطقة القدس ص 142.
والصحيح أنّ القبائِل الّتي أقامت في قرية صوبا واستوطنت فيها حتّى منتصف القرن العشرين أربع حمائل هي: الفقيه، رمان، نصر الله، جبرانوأصل هذه العشائر يعود إلى اليمن، بني مالك، وهم من قبائل وبطون سعد العشيرة بن مذحج "مالك بن كنده" بن أود بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ عبد شمس بن قحطان بن هود ابن سام جد العربوكان أجدادهم يقيمون في تهامة اليمن بين الجون وجازان."2"
وفي تهامة عسير كانت تعيش قبائل بني مالك وبني قيس مع معظم القبائل العربيّة حتى القرن الحادي عشر، وكان شعار بني مالك الشعلة. "3"
      
وقد قدِم وفد منهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأعلنوا إسلامهم، فأقطعهم الرسول صلى الله عليه وسلم وادي جعفي باليمن. منهم من شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما شهد بعضهم أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وشهدوا واقعة صفين مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. "4"

    
مع الفتوحات الإسلاميّة وهجرة القبائل إلى شمال الجزيرة العربيّة، غادرت بعض القبائل الجزيرة، واستقرّت في ضواحي الكرك الشماليّة والجنوبيّة، ومن بين هذه القبائل استقرّت بعض قبائل بني مالك في الربّة. والربّة قلعة "حِصْن" تقع إلى الشّمال من مدينة الكرك، على مسافة ثمانية كيلومتر منها، والمنطقة تتألّف من عدد من التّلال يصلها طريق روماني مع الكرك، ويقال أن الربّة هي ربّة مؤاب، وهي مدينة الكتّاب والإغريق والرومان.

 
   وقد جاء اسم الربّة من اتحاد كلمتين هما "آر" و "أبه" أي نجمة الصبح، ويعرف "جيرموا" هذين الاصطلاحينالربّة تحمل جميع علامات المدينة الرومانيّة المتأخرة، ويبلغ طول أضلاعها ثلاثة أرباع الميل لكل جهة "5"، وهي قريبة من مؤته، وكانت في منتصف الطريق بين دمشق ومكة، وعلى مسافة متساوية بين مصر وبابل في العراق، وفيها ما يدل على أنّه كان بها حضارة زاهية، وفيها أشهر عين في بلاد العرب، كما عثر فيها على نقوش آراميّة، تعود إلى أنّها من القرن الخامس أو السادس قبل الميلاد، وكانت محطة للقوافل اّلتي تأتي من الشام إلى اليمن، ومن العراق إلى مصر. "6" في عام 580هـ - 1182م وعلى أثر الغزو الصليبي لمدينة القدس وفلسطين والكرك، توجّه صلاح الدّين الأيوبي إلى قلعة الكرك لاستعادتها من أيديهم، لكن المساعدات الّتي وصلت حماة قلعة الكرك من القدس دفعت صلاح الدّين لفك الحصار عن القلعة وعودته لاستعادة القدس أولاً.. فعبر معاقل الصليبيّين في نابلس وسبسطية وجنين، ثم عاد إلى دمشق بكثير من الغنائم. "7"

 
    في تلك الفترة جُنّدت قبائل "الأزد" و "مذحج بني مالك" الّتي كانت تقيم شمال الكرك وجنوبها، وانطلقت إلى الشام للإنضمام إلى جند صلاح الدّين الأيوبي للجهاد في سبيل الله ضد الغزاة الصليبيّين تحت قيادة "مالك بن سنان المرادي"، وقد استعاد صلاح الدّين الأيوبي القدس من أيدي الصليبيّين عام 582هـ - 1186م. "8"

   
في عام 1187م استولى صلاح الدّين الأيوبي على القرى الغربية للقدس، ومن بينها قرية صوبا الّتي كانت تدعى قلعة "بلمونت" بعد أن طرد منها الحماة الإسبتاريينوفي عام 1191م دُمّرت قلعة بلمونت مع بقيّة القلاع المجاورة في اللطرون ويالو والقسطل على أيدي جند صلاح الدّين بأمر منه، حتّى لا يستفيد منها جنود الصليبيّين عندما حاول ريتشارد قلب الأسد استرداد بيت المقدس من يد المسلمين، وبعدها اختفت بلمونت من السجلّات.

   
على أثر ذلك عيّن صلاح الدّين الأيوبي "مالك بن سنان" أميراً على "أوضاخ" الّتي كانت ملتقى الحجيج العراقي القادمين من البحرين، وأبقى عدداً من القبائل المجندة الّتي كانت تحت إمرته في جبال القدس، بينما عاد صلاح الدّين الأيوبي مع بقيّة جيوشه إلى الكرك، وبعد حصار دام سنة ونصف استطاع أن يفتح القلعة في رمضان سنة 584هـ 1188م.

     
قد أعاد صلاح الدّين الأيوبي أثر الفتح الإسلامي لفلسطين الأمور إلى نصابها، والأرض إلى أهلها، بعد أن طرد الفرنجة من أرض فلسطين، وبخروجهم فقد فرغ قسم كبير من مختلف المدن الفلسطينيّة، وفرغت الحصون وبعض الاقطاعات من سكاّنها، فتوافدت عناصر السكاّن العربيّة إلى ملء البيوت والأراضي والحصون، وقد أعاد المظاهر الإسلاميّة إلى بيت المقدس وغيرها، وأتى بعدد من مجموعات القبائل العربيّة المختلفة وأقطعها المنازل والأحياء في المدينة، فأنزل بني الحارث خارج المدينة عند القلعة، وبني مالك القسطل وبيت نقوبا في الجهة الغربيّة من القدس، وبني مرّة من جهة الغرب الشّمالي إلى سوق الفخر"خان الزيت"، وأعطى بني سعد حارة السعديّة، وكانت لهم حراسة باب الخليل ومفتاحه بأيديهم، وفي شمال عقبة الشيوخ أنزل بني زيد، وأنزل الجرامنة في حارتهم بسوق القطانين، ثم فرق قبائلهم وغيرها على البلدان، وبذلك عاد المجتمع الإسلامي في المدينة المقدّسة متشابهاً مع غيره في بلاد الشام ومصر، ولم يبق للفرنجه إلا بعض الموانئ فقط على الساحل. "9"

 
    قد استمرّت صوبا في الوجود، وذكرت من قبل الجغرافي العربي ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان حوالي عام 1225م، حيث قال إنّ قرية صوبا من قرى بيت المقدس، وقد استفاد القرويّون من الأماكن الموجودة في قمة التلّة، حيث توجد القلعة المدمّرة لسنين خلت . في رواية يتناقلها الأجداد أنّ أحد أجداد عائلات صوبا "وهو من بني مالك" "أحد الّذين قدموا من الربّة، أقام مع من أقاموا في الجهة الغربيّة من القدس، واستوطن بقعة من الأرض بين بيت نقوبا وقالونيا والقسطل، ويقال أنه أوّل من أقام مع عائلته في أرض اللطرون بعد تحريرها من الفرنجة على يد صلاح الدّين الأيوبي، وقد ضمّت هذه العائلة أربعة أفخاذ هم:

1- الفقيه – وإليه تُنسب عشيرة الفقيه، وقد ورد اسمه كثيراً في سجلات محكمة القدس الشرعية.

 - 2 
رمّان – وتنسب إليه عشيرة رمّان، وقد ورد اسمه رمّان بن خليل في احدى حجج سجلّات محكمة القدس الشرعيّة، أثر شكوى أهالي صوبا على أهالي عقور لاعتدائهم على أشجار قرية صوبا، عام 1077هـ- 1666م، سجل 167، ص163.

  
3- نصر الله – وتنسب إليه عشيرة نصر الله، حيث ورد اسمه في احدى حجج سجلّات محكمة القدس الشرعيّة في حجة رد رهن الدّار بعد قبض المبلغ، عام 1091هـ - 1680م. سجل 183، ص234.

  
4- جبران – وتنسب إليه عشيرة جبران.

 
     قد استقرّت هذه العشائر في هذه المنطقة حتّى أواخر القرن الثّاني عشر ترعى أغنامها ومواشيها في الجبال الغربيّة للقدس، وترد بها على عين ماء في قرية قالونيا، وهي قرية تقع إلى الشرق من القسطل. و في أحد الأيّام وبينما كان أحدهم يرعى أغنامه جنوب قلعة صوبا، وإذ به يكتشف عين ماء مغمورة تحت الأشجار الكثيفة، فورد بأغنامه إلى هذه العين، وبالتالي رحلت هذه العائلات وأقامت قرب العين في أراضي صوبا، وقد سميت هذه العين فيما بعد بعين صوبا "عين البلد"، وكان ذلك في أوائل القرن الثالث عشر. "10"

     
كانت صوبا عبارة عن بيوت أثريّة قديمة "قلعة رومانية مرتفعة ذات جوانب حادة، تتوسط الأراضي المحيطة بها من سهول ووديان وعيون"، أخذ الأهالي يتسلقونها، ثم أقاموا في قلاعها.. وتدلّ بيوتهم الّتي أقاموا فيها على قمّة التلّة المخروطيّة الشكل في قرية صوبا، أنّهم أوّل من سكنوا فيها بعد أن دمّرها صلاح الدّين الأيوبي .ومنذ أوائل القرن الثالث عشر وعائلات صوبا تعيش جنباً إلى جنب في صوبا، وهم يشكّلون عشيرة واحدة، يتفرّع منها عائلات عديدة وأسر عريقة، ومع استقرارهم في صوبا انتقلت حياتهم من حياة الرّعي والباديّة إلى حياة الفلّاحين، فأخذوا يحرثون الأرض المحيطة بالقلعة ويزرعونها حسب مواسم الزّراعة، كما غرسوا الأشجار في أراضيها، بالإضافة إلى احتفاظهم بالماشية . في حوالي منتصف القرن السّابع عشر للميلاد، وبعد أن تحالفت قبيلة المجالي مع بني صخر وبني حميدة والحجايا في الكرك، أغاروا جميعاً على قبائل العمرو وهزموهم هزيمة منكرة، فالتجأت هذه القبائل إلى العدوان ثم رحلت مع قبائل بني مالك والأزد إلى شرق الأردن وفلسطين، فمنهم من أقام في بئر السّبع أو في غزّة، ومنهم من استوطن جبال الخليل، أو رحل إلى رام الله أو نابلس، أما عائلات بني مالك فقد توجّهت إلى جبال القدس الغربيّة حيث يقيم اليمنيون في تلك القرى."11"

 
     من خلال السجلّات العثمانيّة عام 1588م ، حيث أشارت هذه السجلّات إلى أنّ عدد عائلات قرية صوبا في تلك السنة (21) عائلة مسلمة و(6) عائلات من النّصارى، يتبيّن لنا أنّ بعض العائلات الّتي قدمت من تركيا ونزلت مدينة القدس، قد تصاهرت مع عائلات صوبا، وانضمّ بعضها لعائلة الفقيه أو غيرها من العائلات طلباً للحماية والاستقرار، وبعضهم من اشترى أرضاً وزرعها واستقر جنباً إلى جنب مع عائلات صوبا، ومما يرجح هذا القول أن صوبا في العهد العثماني كانت واقعة تحت نظام التيماري "الإقطاع العسكري"، لهذا استوطن كثير من الأتراك والجاليات الإسلاميّة والنصرانيّة الأخرى قرية صوبا، واشتروا كثيراً من الغراس في القرية، مما زاد في عدد السكّان، فاستصلحوا الأراضي وزرعوها بالحبوب والأشجار المثمرة، وقد أظهرت لنا سجلّات المحكمة الشرعيّة في القدس (1560- 1620م) عن كثير من الحجج الشرعيّة لعمليّة البيع والشّراء في أراضي القرية، كما أظهرت لنا تلك السجلّات الكثير من عقود الزواج والمصاهرة بين عائلات تركية مقيمة في قرية صوبا وبين عائلة الفقيه أو غيرها من العائلات."12".

     
كما تشير سجلّات محكمة القدس الشرعيّة إلى هذا التصاهر ونزول بعض العائلات التركيّة الّتي قدمت من مدينة بياس التركياّ الّتي تقع في لواء إسكندرون، ونزلوا مدينة القدس، أنّ بعض أفرادها قاموا بشراء غراس وأراضي لهم في قرية صوبا، ومنها أنّ "عبد الحليم بن محمد البياسي اشترى غرساً من عامر معالي الصوباني بأرض قرية صوبا عام 1019هـ - 1610م"، سجل91، ص271.

 
وأنّ "أبو بكر بن قويدر بن الفقيه من سكان القدس تزوّج من فاطمة بنت محمد الفقيه نزيلة قرية صوبا في عام 1025هـ - 1616م"، سجل 98، ص556.
  
كما أنّ "قاسم بن علي الفقيه وعبد الرزّاق بن محمد البياسي اشتريا من رجب بن محرم من قرية صوبا نصف حصّته من غراس العنب وغيره القايم أصوله بأرض قرية صوبا" عام 1028هـ - 1618م"، سجل 101، ص262.  وأن "الشّيخ الصالح الدّين علي الفقيه بن ولي الرّومي البياسي اشترى من عناية الله بن طريف ومن اسماعيل بن عبد الرحمن وكلاهما من قرية صوبا جميع غراس العنب والتين وغيره الثايم أصوله في قرية صوبا، عام 1029هـ - 1619م"، سجل 102ص448.

 
عشائر صوبا وحمائلها

      
مع بداية القرن الثّامن عشر لم يبق في قرية صوبا أية عائلة نصرانيّة، فقد رحل بعضهم خارج القرية، وبعضهم الآخر اهتدى لدين الإسلامفي تلك الفترة انضمّ لعائلات صوبا بعض أقاربهم الوافدين من ربّة الكرك، وقد بلغ عدد عائلات الفقيه في صوبا في منتصف القرن الثّامن عشر تقريباً 1760م سبع عائلات، وكذلك عدد عائلات رمّان وعائلات جبران، أمّا عائلات نصر الله فقد بلغ عددهم ثلاث عائلات فقط. في الفترة اللّاحقة حيث دار صراع مسلّح بين القيسييّن واليمنيّين "بني مالك" كان يتزعّم اليمنييّن أبو غوش، ويحاول أن يبسط نفوذه على بني مالك في محاولة للسيطرة على القرى المحيطة به، مما دفع بعشائر صوبا وعائلاتها لمد يد العون إلى "أبو غوش"، فسيطروا على الأراضي المحيطة بقرية صوبا بما فيها أرض اللطرون، وعندما تمت السّيطرة لأبي غوش على القرى المجاورة، تغاضى عن الأراضي الّتي استولت عليها عائلات صوبا من بني حسن، مقابل أن تدفع هذه العائلات خاوه "أتاوه" لأهل "ابو غوش" وتتم حمايته لهم. من هذه المعارك ماحدث في أوائل القرن التّاسع عشر، واّلتي سيطر فيها بنو حسن على قرية سعيدة من أملاك بني مالك، وسيطر فيها بنو مالك على منطقة القطمون من أملاك بني حسن، وكان أهالي صوبا يحاربون بجانب بني مالك برئاسة ابو غوش، وقد دامت الحرب والشّقاق بينهما عدّة أيّام حتّى توسط الصلح بينهما جناب عمدة الأكابر والأعيان الحاج أحمد آغا قائم مقام والي الديار القدسيّة، في الثّالث والعشرين من ربيع الأوّل سنة 1223هـ - 1808م."سجل محكمة القدس الشرعية رقم 353– ص 141".

 
    في عام 1831م حيث أعلن محمد علي باشا والي مصر العصيان على تركيا، أرسل جيشاً بقيادة ابنه ابراهيم باشا المصري لاحتلال مدن فلسطين وقراها، بما فيها القدس، إلا أنّه جوبهَ بمقاومة عنيفة من قبل السكّان المحليّين والثوّار.

 
    صوبا الحصن المنيع، حيث أصبحت مركزاً لتجمع الثوّار لمواجهة جيش ابراهيم باشا، مما دفعه للتقدّم نحوها واحتلالها قبل مدينة القدس، لكن الثوار تشبثوا بقلاعها وأسوارها، ودافعوا عنها دفاع الأبطال، فاستعصت عليه، وعند "باب لواد" دارت مواجهات ومعارك دامية بين جيش ابراهيم باشا والثوار الّذين كان معظمهم من بني مالك، مما أدى إلى تراجع ابراهيم باشا ثانيةً، والالتفاف على مدينة القدس من الجهة الشرقيّة، وعندما تم له ذلك عاد ليقتحم صوبا عنوة، وينتقم من حماتها المتشبّثين بحصنهم، وبعد عدّة محاولات من جيشه لاقتحام القلعة، اضطرّ أخيراً إلى هدم الجزء الأكبر من السور المحيط بالقرية، ودخلها عنوة، فدمّر بيوتها وقلاعها، وانتقم من سكّانها وسكان القرى المجاورة، فأعدم أربعة من رجالات أبو غوش، كما أعدم أحد رجالات قرية صوبا شنقاً على حيط البد أمام جميع الأهالي ليرهب به بقيّة أهل صوبا والثوار.
     
كانت النتائج أن تناثرت عائلات صوبا، فمنهم من رحل إلى البيرة ومنهم من رحل إلى قرية العمور أو دير جرير أو دير عمرو أو بيت نقوبا أو العيزريّة والقسطل وعين كارم. ومن عشيرة الفقيه من رحل إلى شرق الأردن أو رحل إلى قطنة أو بيت ساحور، ومنهم من رحل إلى شمال فلسطين، وبعضهم رحل إلى صيدا جنوب لبنان. مع ذلك بقي في قرية صوبا بعض العائلات القليلة من الفقيه، منهم عوض الله وأبو صبيح والمشني ومنصور، كما بقي عائلتان من عشيرة رمان هما سلمان وبرهوم، وبعض العائلات من نصر الله وجبران.

 
   قد أدّى الدمار الّذي لحق بقرية صوبا من عساكر ابراهيم باشا، ورحيل معظم أهلها من وجه المعارك، إلى ضعف القرية مما دفع بني حسن الهجوم عليها واحتلالها، فجمع أبو غوش رجاله من بني مالك وأبناء صوبا، وحاصروا رجال بني حسن في صوبا، وهاجموهم وطردوهم منها. لم يكتف أبناء صوبا وبني مالك باسترجاع صوبا بل استمروا في ملاحقة فلول رجال بني حسن واستولوا على الأراضي الأميرية الواقعة في منطقة بني حسن بين صوبا وقرية صطاف، وضموها إلى قرية صوبا، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أراضي صوبا، وقاموا بزراعتها وتشجيرهارغم أنّ أهالي صاطاف رفعوا دعوى لاسترجاع الأرض، إلا أنّ المحكمة حكمت بالأرض لصالح أهالي صوبا، بإعطائهم صكاً يثبت أن الأرض أصبحت ملكاً من أملاك أهالي صوبا دون معارض أو منازع لهم من أحد في ذلك ، وقد ورد في بيان الدعوة وحكم المحكمة منع أهالي صطاف من التعرض لأهالي صوبا على تصرفهم في مزارعة الأرض والأشجار المرقومة منعاً شرعياً وعلى ما هو الواقع(. أنظر سجلات محكمة القدس الشرعية – سجل 353 – ص 9 و 95 و 96)

 
    في عام 1841م استرد السلطان عبد الحميد بمساعدة انجلترا والنّمسا القدس وفلسطين، وظلّت تحت الحكم العثماني حتّى الحرب العالمية الأولى. لأنّ الصراع استمرّ بين قيس ويمن بعد رحيل ابراهيم باشا، فقد تأثرت عائلات صوبا بهذا الصراع أيضاً، حيث ورثوا العادات اليمنيّة وتقاليدهم، كما اكتسبوا منها الشيء الكثير.
   
خلال الأعوام الّتي تلت عام 1250هـ - 1846م وحتّى عام 1856م، دار صراع مسلّح بين القيسييّن واليمنييّن خاصة بعد معركة قرية الوسطيّة عام 1846م - الوسطيّة قرية تقع قضاء رام الله- كان من نتائجه أن التحقت القبائل اليمنيّة إلى مكان حمايتهم في جبل القدس، حيث كان أبو غوش "بني مالك" يبسطون سيطرتهم على تلك المنطقة، والتجأ القيسيّون إلى جبل الخليل، فتفرقت حمائل صوبا وأسرهم مرّة ثانية، وتبعثروا في القرى الفلسطينيّة، كما رحلت عائلات جديدة إلى شرق الأردن. "13"
    
مع بداية عام 1860م انتهت الحروب المحليّة في جبل القدس عندما تمكّن مصطفى باشا ثريا متسلم القدس آنذاك من القضاء على نفوذ عدد كبير من هذه الأسر والشيوخ. "14"

 
   كما رحلت بعض العائلات عن صوبا، فقد عادت بعض العائلات الّتي غادرت أثناء حملة ابراهيم باشا إليها، فتوافدت بعض عائلات رمّان قادمة من البيرة قرب رام الله، وقد أطلق عليها عائلة البيراوي. وأقامت في البداية في قرية عقور على حدود ديرعمرو، ثم أطلقوا عليها أرض المربعة، و عادت إلى صوبا. وعادت كذلك عائلة العابد من دير جرير، وكما عادت عائلات رمان عادت عائلات من الفقيه، منها عائلة أبو ربيع عادت من خان يونس - قطاع غزة – وعائلة عبد أبو عرب من دامون – قضاء عكا – قد دعيت فيما بعد بعائلة الشمالي لإنّها أقامت في بادئ الأمر، وقبل عودتها إلى صوبا في قرية قباله المجاورة لقرية صوبا من الجهة الشماليّة. كذلك عادت بعض عائلات حمولة جبران قادمة من "الكبّاره"، وهو جبل يقع شمال قرية صوبا بجانب شارع يافا – القدس، وقد أطلق هذا الأسم على بعضهم بعد أن عادوا إلى قريتهم الأممن لم يعد من عائلات صوبا رحل إلى قرى ومناطق جديدة، فمنهم من رحل إلى شرق الأردن، ومنهم من رحل إلى شمال فلسطين، واستقروا في أماكنهم الجديدة.
    
الجدير بالذّكر أن العائلات اليمنيّة "بني مالك" الّتي رحلت تلك الفترة وغادرت أماكن سكناها طلباً للأمن والحماية والاستقرار بلغ عددها أربعين عائلة.
  
كما كان الصراع يدور خارج صوبا، فقد امتد إلى داخلها أيضاً، فحيث كانت تقيم عائلة المزاهرة جنباً إلى جنب مع عائلة الفقيه وعائلات صوبا اليمنيّة، إلا أنّ الصراع دفعهم للتمّرد على عائلة أبو غوش، وعدم دفع الخاوة "الأتاوه" لهم، مما دفع فرسان أبو غوش للتقدم نحو صوبا، ومحاصرة هذه العائلة داخل حصن في سور القرية، لكنهم لم يستطيعوا اقتحام القرية، وفي عتمة الليل ساعد أهالي صوبا عائلة المزاهرة ليتسللوا من باب سري داخل السور الغربي من القرية، حيث أفلتوا من فرسان أبو غوش، ورحلوا إلى الفالوجة – قضاء غزة – وانقطعت أخبارهم لفترة من الزمن، وقيل أنهم أقاموا فيما بعد في خلده – قضاء الرملة.  كذلك رحلت إحدى العائلات وأقامت في عين كارم، وكوّنوا حمولة دُعيت فيما بعد بحمولة الصوباني.  لأسباب خاصة بظروفهم المعيشية، نزح بعض الأفراد والعائلات عن صوبا، خاصة أثناء حرب اليمن في أوائل القرن العشرين، ومنهم عائلة الميرة من نصر الله التي انقطعت أخبارهم منذ ذلك الوقت، وكذلك أولاد شاهين– محمد ومحمود عثمان شاهين- من عائلة جبران، رحلا إلى يافا وانقطعت أخبارهم أيضاً. ممن فُقدوا أيضاً محمد اسماعيل سلمان– غادر مع الجيش التركي إلى اليمن ولم يعد، ويقال أنه بقي في اليمن وكوّن عائلة تدعى اليوم بعائلة الصوباني.  من عائلة الفقيه فُقد ابراهيم عيسى واسماعيل حسن الفقيه.
    
من الّذين فقدوا أو استشهدوا في المعارك الّتي خاضها الجيش العثماني مع الأعداء: أحمد علي، محمود العبد منصور، عبد الحليم نينع، علي مصلح علي صالح، محمد علي جبران، هلال محمد جابر، محمد إسماعيل سلمان وغيرهم. في عام 1929م رحل محمد اسماعيل الفقيه عن صوبا متجهاً إلى سوريا، وأقام في طفس– إلى الغرب من مدينة درعا، جنوب سوريا– وتزوج هناك، وأصبحت عائلته تعرف فيما بعد بحمولة الفقيه، وما زال أولاده وعائلته تقيم هناك حتّى هذا اليوم.  من الذين تركوا صوبا أيضاً صالح محمد وعلي صافي حيث أقاما في العيزرية، وكوّنا لهما عائلات هناك، ولا زالت عائلاتهم تقيم حتى اليوم.
     
فيما بين 1930م و1948م انتقلت بعض عائلات صوبا من القرية إلى "عين رافا" في الجهة الشماليّة الغربيّة من قرية صوبا، حيث أقاموا لهم بيوتاً واستقرّوا فيها، ومن هؤلاء عائلة علي موسى وأولاده محمود وموسى ومحمد ، وتبعهم خليل عمر وكذلك محمود الحاج ابراهيم، وما زالت هذه العائلات تقيم في عين رافا حتّى اليوم. "15"

     لأن حياة الأهالي لم تكن مستقرة في معظم المدن والقرى الفلسطينية، بسبب النزاعات الّتي أثارتها فتنة قيس ويمن، يضاف إلى ذلك مجموعة الضرائب الّتي فرضتها الحكومة التركيّة، والّتي أثكلت كاهل الأهالي والعائلات. فقد حاولت كل عائلة أن تستقطب مجموعة من العائلات الأخرى، وتضم إليها أكبر عدد من الأسر والأقارب، خاصة الأسر الوافدة من القرى المحيطة بها أو من العائلات التركيّة الّتي أقامت في القرى القريبة أو بيت المقدس، وكان ذلك التقارب يتم إما بواسطة النّسب والمصاهرة أو بشراء أراضي، وذلك لعدم قدرة العائلة الواحدة على دفع ديّة أو غرامة أو ضريبة مستحقة أو لأي سبب آخر .

    
مع مرور الأيام أصبحت هذه العائلات الوافدة جزءاً لا يتجزأ من العائلات الأصيلة، خاصة بعد أن تصاهروا وتقاسموا الأموال والأرزاق، واقتسموا الأراضي والضرائب، ولم تعد العائلات الحميلة حميلة على العائلات الأصيلة ، وأصبحوا يشكّلون فيما بعد سكّان صوبا وأبنائها .
     
في فلسطين أطلق على كل مجموعة من العائلات أسم حمولة، وقد تعارف النّاس على هذا الاسم، خاصة تلك القرى الّتي ضمت بين عائلاتها أسر وعائلات وافدة جديدة، كما أنّ سكاّن القرية الواحدة أصبحوا مجموعة من الحمائل.  قد قُسّمت القرى إلى حمائل "جمع حميلة وحمولة" (المنجد ص 152) أو أسر، وكانت تتوقّف سلطة الحمولة على أعداد أفرادها، ويختار شيخ القرية عادة من أقوى هذه الحمائل، وقد أطلقوا عليه فيما بعد اسم مختار.
     
يتعصّب أفراد هذه الحمائل بعضهم لبعض في السرّاء والضرّاء، ويتحّملون أيّة مسؤوليّة أو غرامة أو عقاب يتعرّض له أحد أفراد هذه الحمولة، وحين يعترّف أفراد القرية بشيخ لهم أو مختار، يحاول الأخير جهده بكل الوسائل لإثبات وجوده والإعتراف به من قبل السلطة. "راجع القوى المحلية في فلسطين – قيس ويمن – في هذا الكتاب".
    
حتى عام 1948م ،كانت حمولةالفقيه تضم كل من العائلات التالية (عوض الله، خالد، جابر أبو صبيح، عبد، أبو ربيع، اسماعيل، جاد الله، عودة). "16"
  
كانت حمولة رمّان تضم عائلات (سلمان، صافي، أحمد، العابد، مصلح، عصفور، يونس) "17"
  
أما حمولة نصر الله فكانت تضم عائلات (أحمد، محمد، عامر، حمدان، اعميش، جبر، ابراهيم، الميره، نصر الله، صالح، برهوم). "18"
 
كذلك حمولة جبران فكانت تضم عائلات ( جبران، مصلح)."19"
     
كان يتولى إدارة هذه الحمائل عدد من المخاتير يمثلون الحمائل والعائلات الّتي ينتمون إليها لحفظ التوازن فيما بينها، وفي القرن التاسع عشر شكّلت هيئة اختياريّة من أهالي القرية، مهمّتها الصلح بين النّاس، والمحافظة على نظافة القرية، وتوزيع التكاليف الماليّة المفروضة على القرية والإشراف على أموال الأيتام، وإعلام القائم مقام بواسطة مدير الناحية بمخالفات المخاتير وإعلام المطلوبين للمحكمة الشرعيّة، واستمرّ المجلس قائماً زمن الانتداب البريطاني.
    
قد سادت العلاقات الحسنة والمحبة والتعاون بين هذه الحمائل، فكانوا يساعدون ويشدّون من عضد بعضهم البعض في الأفراح والأتراح ،وأثناء الخلافات الّتي كانت تحصل بينهم، ومما زاد في الوفاق والوئام فيما بينهم المصاهرة الّتي قامت بين هذه العائلات ، والديوان الّذي كان يجمع كل حمولة، حيث يجتمع فيه المختار وأفراد حمولته للتشاور وحل المشاكل العالقة بينهم. "20"

 
صوبـا – النسبة إلى صوبا:

    
النسبة هي إلحاق آخر الأسم ياء مشدّدة للدّلالة على نسبة شيء إليه، وحكماً أن يكسر ما قبل الياء للمناسبة نحو رجل لبنانيّ. للنّسبة قواعد، وقاعدة النّسبة إلى الاسم المختوم بألف رابعة ساكناً ثاني ما هي فيه، فإن كانت أصليّة كثر قلبها واواً، فتقول في مرْمى مرْموي، ويجوز الحذف فيقال مرميّ، إلا أن ألف التّأنيث متى قلبت واواً يكثر أن يزاد قبلها ألف، فتقول طوباويّ ودنياويّ. يافا يافاويّ، وحيفا حيفاويّ.
    
قاعدة النسبة إلى الاسم المختوم بألف التّأنيث الممدودة، تقلب واواً نحو صفراويّ نسبة إلى صفراء. (المنجد – النسبة –ط-).
 
  بالقياس على اسم "صوبا" فالألف رابعة والثاني ساكن، فيجوز فيه حذف الألف فيقال "صوبيّ"، أو قلبها واواً "صوبويّ"، أو إبقاؤها وزيادة واو بينها وبين ياء النّسبة فتقول "صوباويّ".
   
لكن النّسبة إلى صوبا "صوبانيّ"، فقد شاعت بين النّاس، بعد أن قلبت الواو نوناً لثقل لفظ الواو قبل ياء النّسبة، وهذه النّسبة ليس لها قاعدة صرفيّة.


 
المرجـع: كتاب قرية صوبا ووثق للمراجع التالية: 

  
1- حكاية قرية – قرى فلسطين المدمرة عام 1948 في منطقة القدس – ص 142.

 2- زياد منى – جغرافية التوراة – ص 162 .

 
3- ابراهيم بن علي بن زين العابدين الحفظي –تاريخ عسير– ص 60.

 
4- أبي محمد علي بن أحمد سعيد بن حزم الأندلسي – جمهرة أنساب العرب – ص 410 .

 
5- هـ. ب. تريستردام – رحلات في شرق الأردن عام 1872م ترجمة د. محمد عويدي العبادي ص 111-112

 
6- مصطفى مراد الدبّاغ – القبائل العربيّة وسلالالنها في فلسطين .

 
7- سعد بن محمد المومني – القلاع الإسلاميّة في الأردن – الفترة الأيوبيّة المملوكيّة – دار البشير ص165

 
8- تاريخ عسير – رؤية تاريخيّة خلال خمسة قرون لابن زين العابدين الحفظي – المتوفي سنة 1372م - تحقيق عيسى الوصال البشري – ص 45

 
9- الموسوعة الفلسطينيّة – القسم الثاني – م2 الدراسات التاريخيّة – شاكر مصطفى ص 450 .

 
10- مقابلات مع كبار السّن – رواية عن الأجداد .

 
11- فردريك ج بيك – تاريخ شرق الأردن وقبائله – ترجمة بهاء الدّين طوقان – قلعة الكرك ص 171-174

 
12- سجلّات محكمة القدس الشرقيّة .

 
13- الموسوعة الفلسطينيّة – م2 معركة الوسطيّة بين قيس ويمن – ص 861 .

 
14- الكزندر شولس – تحوّلات جذريّة في فلسطين– ص 272.

 
15- مقابلات مع كبار السن .

 
16- حمولة الفقيه – بحث وإعداد جمعية صوبا التعاونيّة وديوان الفقيه – المؤلف بالتعاون مع: عبد الرحمن يوسف الفقيه، محمود علي الفقيه، صالح ذيب الفقيه، صالح محمود أحمد الفقيه، داود محمد مفضي الفقيه، محمد عبد مسلم الفقيه، خليل ناجي الفقيه، يسر أحمد موسى الفقيه.

 
17- حمولة رمّان – إعداد ديوان رمّان بالتعاون مع: مصطفى خليل رمّان، فارس حسين رمّان، نعيم جاسر رمّان، محمد علي عبد القادر رمّان، فتحي كامل عصفور رمّان، هاني علي مصلح رمّان، مصطفى محمد صافي رمّان.

 
18- حمولة نصر الله – إعداد ديوان نصر الله بالتعاون مع: شاكر محمد نصر الله، نصري داود صالح نصر الله، عبد الودود صالح نصر الله، أحمد يوسف حماد نصر الله، جمال أيوب خلف نصر الله، عوض حسن أحمد نصر الله.

 
19- حمولة جبران – ديوان جبران بالتعون مع: عبد الرحمن نمر جبران، آدم محمد مصطفى جبران، محمد حجازي خليل جبران.

 
20- مقابلات مع كبار السن
 .