روايات أهل القرية - البصة - قضاء عكا

أنا حسن نمر فرحات، فلسطيني من البصة قضاء عكا، البصة فيها إسلام ومسيحيين الغالبية العظمى إسلام، فهم اكثر من المسيحيين.

 العائلات الكبيرة في البصة، عائلة دار الجمل وأنا منها، وعائلة دار كنعان، والشقران، وهناك عائلات صغيرة، ولكن الأساس هذه العائلات الكبيرة.

 عائلة دار الجمل موجودة في فلسطين ولها إسم في لبنان وكانت في قرية لبّونة وإنتقلت الى الناقورة ثم إستقرت في البصة، وبعد النكبة عادت غالبية العائلة الى لبنان وجزء كبير ترك لبنان وهاجر الى الخارج طلباً للمعيشة.

 ولعائلة الجمل شجرة عائلة قدمناها لمؤسسة هوية. البصة هي اقرب بلد الى حدود لبنان، لها أرض مشتركة مع الناقورة، عند وصولك للناقورة، وتطلع الى الجبل، ترى البصة تحتها، البصة هي بلدة ساحلية تبعد عن البحر الأبيض المتوسط من 7 – 10 كلم.

 البصة مشهورة بحقول الزيتون والبرتقال والخضار، وأنا طلعت من البصة عمري 10 سنوات، أنا مواليد 1938، وأذكر بعض الأشياء عن البصة.

 كنا ساكنين بالبصة وأذكر الشارع الرئيسي للبصة وكان مبلط بلاط وكان جميلا، هناك حارة للإسلام وحارة للمسيحيين.. والزيب من أقرب القرى على البصة في الساحل.. وفيها طريق يذهب الى أم الفرج والنهر والكابري وكفر ياسين.

 بجانب البصة كان هناك مستعمرات لليهود وهي مستعمرة إسمها جانوتة وأخرى إسمها معصوبة، والآن بنوا مستعمرة على بيادر البصة إسمها بصّين.

 من عائلات البصة، بيت الجمل، كنعان، الحاج، الشقران (بيت الأشقر)، بيت وحيد. حوالي 5 أو 6 عائلات موجودة بشكل اساسي.

 كان هناك مدارس إبتدائية، وثانوية. أما من يريد أن يكمل دراسات عليا، فكان يذهب الى عكا وحيفا. أنا لم أدرس بالصة، بل درست بلبنان عندما خرجنا من فلسطين.

 كان هناك مقاه، مقهى لبيت كنعان كبير، وكان في باص يذهب الى عكا، وهناك سيارات صغيرة تذهب على عكا لأخذ ركاب.

 كان في بالبصة مسجد وكنيسة، ولكني لا أذكر شكلهم.. لأنني كنت صغيراً عندما خرجنا.

 بلدنا هضبة فيها أشجار وسنديان.. عند الطبابة، كان الناس يذهبون الى عكا، ونهاريا، نهاريا كانت قريبة على البصة والزيب.

 

كان عندنا بئر نبع إسمه كفر نبيت، كان عليه سطل كبير ويصب في بركة صغيرة.

 

كنا نضيء الكاز والفتيلة، ولم يكن يوجد كهرباء. كان يوجد دكاكين كثيرة.. كنا نذهب ونشتري شاي وسكر، ويوجد ملحمة.

 

كان هناك أيضاً فرن ولكن معظم الناس تخبز على الصاج.. وأيضاً يوجد حلاقين.. كنا نلعب غميضة وعالي وواطي، ولعبة الشكّة والجلل.

 

وبالنسبة للزيتون، كنا نعصره بالبلد، يوجد معصرة بالبلد.. فبلدنا كلها حقول زيتون.. كان ثمن العصر يكون زيت.

 

كنت أذهب مع أخي لرعي البقر والسخول.

 

بيتنا كان فيه قنطرلاتين، منه إسطبل للحيوانات والبيت أعلى بدرجتين وتخت فيه جملين وبقر.. بيتنا كان واسعاً..

 

أبي كان عنده أوراق وأشياء من فلسطين ولكن عندما ذهبنا الى ليبيا، لم أعد أعرف أين ذهبت هذه الأشياء.

 

من الشخصيات المشهورة ببلدنا، ناس من بيت الحاج، أغنياء عندهم أرض كثيرة، وكذلك ناس من بيت كنعان والجمل..

 

أنا زرت مجد الكروم، وكفر ياسين، والدير والبانية، والبقيعة، البقيعة هي بلدي الأساسي، بلد أبو أبوي وكان عنا أرض فيها، وعمتي كانت هناك. وزرت حيفا ونهاريا.. عند المشاكل، كان عندنا مخفر بريطاني فكانت تحل هناك..

 

شهر رمضان كان جميل في البصة، كانت الناس تصوم وتهلل لرمضان.. وهناك مسحراتي ويُضرب المدفع للإفطار..

 

بالنسبة للأعراس، عند العرس، يبدأ الفرح قبل أسبوع، ويتم ذبح الذبائح، وتقام بالبيوت والساحات العامة، وتنصب الدبكات ويغنوا الدلعونة وزريف الطول والدبكة الشمالية.

 

عندنا مقبرة بالبصة، واحدة للمسلمين والأخرى للمسيحيين.

 

المسلمون والمسيحيون كانوا كثيرا على علاقة طيبة مع بعضهم البعض، وكنا نشارك بعضنا بالأفراح والأحزان.

 

أذكر ناس كثر كانت تذهب الى الحج..

 

أبي كان بثورة 1936، ومن الثوار.. بعد إنتهاء الإنتداب البريطاني تم التمهيد لليهود للإحتلال البلد.. عند إنسحاب بريطانيا من معسكر كانت تسلمه لليهود..

 

كان هناك مواجهات بين الفلسطنيين واليهود.. ولكن ليس هناك تكافؤ، واليهود كانوا يحضرون يهود آخرين من الخارج.. وإشتروا بعض الأراضي من ضعفاء النفوس الفلسطنيين..

 

لم يكن هناك وعي كاف عند البعض.. أي أنه من يبيع أرضه وبيته يبيع عرضه وشرفه ووطنه..

 

وعندما يرفض أي شخص بيع أرضه وبيته كانوا يقتلوه ويجبروه إن استطاعوا.. ظل شعبنا يقاتل ويقاوم ولكن من خرّب علينا هو جيش الإنقاذ (أي الدول العربية المرتبطة مع الإستعمار) هي من قالت لنا أخرجوا ونحن ننزل الجيش ونحارب وثم ترجعوا، ولكن للأسف تم بسليم أراضينا دون قتال وحرب...

 

أهالي البصة، كانوا يبيعون ذهب زوجاتهم ليشتروا البندقية، ولكن إن وجد السلاح لم يوجد له الخرطوش.. يذهبون الى الأردن ولبنان وسوريا للبحث عن الأسلحة والذخيرة.. وبعض الذخائر منزوعة وخربانة وتؤذي الشخص نفسه.

 

في 1936، كان هناك مجموعة قيادات مثل أصبح، وأبو إبراهيم الكبير، وأبو إبراهيم الصغير، يعني كل بلد لها فصيل ومسؤول فصيل، وكانت القيادة تجتمع وتنسق مع بعضها.. وبالنسبة للسلاح كان أكثر شي يأتي من الأردن.. وكان صعب وصوله إلينا..

 

عندما كانت بريطانيا ترحل كان الفلسطيين يأخذون البيوت الجاهزة البريطانية ويضعونها عنا بالقرية، ولكن للأسف.. لم يكن الأهالي يعملوا تحصينات وخنادق للإستعداد للمعارك مع البريطانيين واليهود..

 

متشرد الناس واليهود إحتلت البلد..

 

كانت تأتي نجدات من قرية الى قرية.. مثلاً عندما تسقط قرية كان أهلها يذهبون الى قرية مجاورة لم تسقط بعد.. وكان رجالها يدافعون عن هذه القرية التي لم تسقط.. وهكذا.. حتى خرج معظمهم الى لبنان..

 

أذكر من بلدنا من إستشهد، مثل ديب رشيد الجمل..

 

وأذكر عندما خرجنا، أخذوا أبي، وكان يضع الصغار على الدواب ومن يستطيع المشي كان يمشي والمسافة ليست بعيدة الى الناقورة، وثم يتم الإنتقال من بلد الى بلد حتى الصرفند.

 

أنا بالستينات جئت على مخيم البص وبقينا حتى 1965 ثم جئنا الى الراشيدية، في ناس بالحرب كانت تترك القرية قبل وصول اليهود. وهناك من هاجر الى بلاد بعيدة، مثلاث، مرة جدي قال لأبي: يا با دوّر على عمك، فلك عم بالجزائر إسمه أحمد حسين فرحات.. ولكن ابي لم يبحث عنه.. وجدي رجع على فلسطين لم يستطع البقاء بلبنان.. ومات بفلسطين..

 

وسمعنا بمجزرة دير ياسين، اكيد لها تأثير على الأهالي الكبار.. لكنني كنت صغير.. وعندما خرجنا من البصة، لم يكن هناك هجوم أو لم نر الهجوم بأعيننا، ولكن عندما سمع الأهالي أن اليهود دخلت البصة، بدأت الناس بالخروج منها وطلعنا جيش الإنقاذ.

 

خرجنا بالضبط بـ 15 أيار 1948، في بداية موسم الحصيدة، وأخذ أبي معه جملين و15 رأس بقر، وبقي الجملين حتى الخمسينات ثم بعناهما..

 

أخذنا معنا مفاتيح وأوراق البيوت على اساس مدة قصيرة ونرجع. أول ما خرجنا من فلسطين ذهبنا الى الناقورة لنا بيت هناك وأرض.

 

قبل الوصول للناقورة وفي الطريق لم يكن هناك حواجز ولا يهود ولا أحد. ولكن كنا نسمع قذائق وإطلاق نار.

 

لم نحاول العودة الى البلد، على اساس أننا سنخرج لفترة قصيرة ونرجع ومن بعد الناقورة ذهبنا الى إسكندرونا تحت الشجر.. والناس كلها ذهبت هناك.. وصار مثل المخيم. بقينا حتى بداية الشتاء، ثم ذهبنا الى قرية إسمها بيوت السيد (عند المنصورة) وبقينا فيها حتى سنة 1950، ثم ذهبنا الى البرغلية (بنينا غرفة من حجارة) وبقينا فيه حتى سنة 1951. وفي عام 1951 تحولنا الى الصرفند وبقينا في بستان من 51-1961.

 

تزوجت أنا بالصرفند، وعند ولادة زوجتي لإبني أخذتها الى البص عند أهلها.. ثم نقلت على البص وسكنت هناك من 1961 – 1965. في البص كان هناك مدارس وعيادات ومستشفى..

 

إشتريت أرض بالبص وبنيت (فوق الأثار) بيت..

 

وبعد فترة، رحّلوا كل من كان يسكن فوق الآثار الى الراشيدية في 1965 وأخذنا نمرة (بيت) وكل شيء كان مشترك الماء والحمامات.. ومن بعدها صار كل واحد يعمّر وينفصل لوحده ببيته..

 

إذا خيّروني بين العودة الى فلسطين أو أخذ تعويض، فأقول لك: الأولاد الذين ولدوا خارج فلسطين لا يقبلون التعويض فكيف أنا ولدت وعشت بفلسطين ورأيتها..

 

فلسطين جنة الله على الأرض.. حلوة جداً..

 

رسالتي الى أولادي وأحفادي، أنه مثل ما شرّبنا أولادنا مياه فلسطين بالتثقيف، أولادي إن شاء الله سيُشرّبون أولادهم فلسطين بالتثقيف.. وحب فلسطين والحفاظ على حقوقهم.