القرية والأصول الجزائرية لسكانها - دِيُشومْ - قضاء صفد

القرى الجزائرية ويسميها البعض قرى المغاربة، وهي خمسة قرى في قضاء مدينة صفد استقرت فيها مجموعة عائلات وأسر عربية جزائرية أواسط القرن الثامن عشر، وفي حكاية نزولهم في بلاد الشام نذكر لكم الرواية المعروفة الموثقة في جميع الكتب والمراجع التاريخية، وكذلك مما سمعته من بعض أبناء هذه القرى شخصياً، وكما دون الحكاية الباحث والمؤرخ مصطفى العباسي، حيث ذكروا أن أجدادهم كانوا من أنصار وأتباع الأمير عبد القادر الجزائري.

قاد الأمير عبد القادر الجزائري حركة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد منذ عام 1830، تمكنت القوات الفرنسية لاحقاً   من إلقاء القبض على الأمير ونقله لباريس عام 1847 حيث سُجن هناك حتى عام 1852، وعندما تم الإفراج عنه، تم نفيه من الجزائر، فاختار اسطنبول ومن ثم دمشق مكاناً للاستقرار.

في تلك الأثناء كانت الديار الشامية لاتزال تحت حكم العثمانيين الذين بدورهم رحبوا بالأمير عبد القادر الجزائري وأنصاره الذين باتوا يتوافدون للاستقرار في بلاد الشام مع عائلاتهم.

وبالفعل استقر حتى اليوم عدد كبير من الأخوة الجزائريين والمغاربة في مناطق مختلفة في بلاد الشام بمختلف مدنها وقراها.

أما عن الجزائريين في صفد وقراها فيذكر الباحثان: مصطفى العباسي و هنادي قواسمي المعلومات التالية:

"تأسست في قضاء صفد خمس قرى جزائرية، وهي: ديشوم، عموقه، ماروس، الحسينية، وتليل. وكان المهاجرون الذين استقروا في هذه القرى يرتبطون بجماعة الشيخ أحمد بن سلم، وكانوا من أبناء قبائل مختلفة. سكن في قريتي عموقه وماروس أبناء قبيلة أولاد بو الوارث الذين تعود أصولهم إلى منطقة مدينة دلس في الجزائر. بينما سكن في قريتي الحسينية وتليل أبناء قبيلة أولاد بو الكبير الذين تعود أصولهم إلى منطقة بليدة، بينما سكن في قرية ديشوم أبناء قبيلة آيت يحيى الذي أتوا من منطقة تقزيرت.

وقد ذكر عدد من  الرحالة الأوروبيين إلى فلسطين في كتبهم ومذكراتهم الوجود الجزائري في هذه القرى وقرى أخرى مثل قرية ميس الجبل، ومنطقة تل حاصور (تل القدح)، وقرية علما، ورأس الأحمر. يمكن الاستنتاج من المعلومات التي بين أيدينا بأن جزءاً من المهاجرين الجزائريين سكنوا في بداية هجرتهم في قرى “مختلطة”، أي سكنوا مع الفلسطينيين، ومن ثم أسسوا القرى الخمس المذكورة أعلاه، والتي كانت قرى جزائرية بكامل سكانها.

بالإضافة إلى ذلك، فقد سكن عدد من المهاجرين الجزائريين في صفد المدينة، والذين أتوا إليها بالأساس خلال موجة الهجرة الأولى، ونسمع عنهم من خلال القراءة عن مرور الأمير عبد القادر بصفد في طريقه إلى القدس.

لا نملك معلومات إحصائية دقيقة عن عدد الجزائريين في مدينة صفد، إلا أن بعض المراجع الأجنبية تذكر أن الكثير من سكان صفد هم من أصول جزائرية، بينما يذكر الباحث شور أن هناك ادعاء رائج بأن نصف سكان صفد المسلمين في القرن التاسع عشر كانوا من الجزائريين.

ويضيف شور بأن الاستقرار الجزائري في صفد أدى إلى “تطرف” في مواقف المجتمع المسلم في المدينة. حسب كلامه، فقد اتصف الجزائريون بعدم تسامحهم مع غير المسلمين، ومما يدلّ على ذلك هو الاعتداء على “كيتشنر وكوندر”. في العاشر من تموز 1875، تمّ “الاعتداء” على وفد برئاسة كيتشنر وكوندر، من قبل جمع غاضب بقيادة علي آغا من قادة الجزائريين في صفد، والذي حاول منع أعمال البحث والقياس ورسم الخرائط في المنطقة. انتهى “الاعتداء” بجرح عدد من أعضاء الوفد البريطاني، من بينهم “كيتشنر”.

من الصعب أن نحدد إذا كان هذا “الاعتداء” دالاً على عدم التسامح لدى الجزائريين اتجاه غير المسلمين، فقد كان يعيش في صفد يهود ومسيحيون، ولم يذكروا أبداً أي اعتداء ضدّهم بسبب دينهم.

وبحسب رأي العباسي، فإنه لم يسكن في صفد أكثر من 200 جزائري في تلك الفترة، نعرف ذلك عن طريق معرفة عدد الجزائريين في صفد في فترة الانتداب البريطاني، إذ تذكر السجلات أنه كانت فيها عائلتان متوسطتان- ديلسي وعربي – وبعض العائلات الصغيرة الأخرى التي سكنت في حارة الاكراد الشرقية. وقد كان قادة هذه الجالية في صفد أبناء عائلة ديلسي، وهما مصطفى ومحمد رشيد، وهما تاجران معروفان أتوا من المدينة الجزائرية دلس."