احتلال القرية - عِرِاقْ المَنْشِيَّة/ جِتْ الكنعانية - قضاء غزة

أما عن حكاية احتلالها، فهي رواية تجمع بين ثناياها قسوة الفَقْد ومرارة الخيانة، حيث كان قائد الكتيبة السادسة للجيش المصري إبّانها ( جمال عبد الناصر ) - الرئيس المصري السابق - ، والذي دأب على طمأنة أهالي القرية أنهم لن يسلموا القرية وموقعها الاستراتيجي للعصابات الصهيونية ولو على حياتهم.

ولكن قلم التأريخ سجّل في صفحاته أنه أي - عبد الناصر - من أوائل من تولى لاحقا مفاوضات مراحل تسليمها مع القائد الصهيوني ( سايل سكرمان ) حيث اتفقا على أن يسلم الجيش المصري القرية بلا قتال مقابل عدم الانتقام من القوات المتبقية من الجيش والمتطوعين العرب والأهالي، وهو خلاف ما ذكره الرئيس عبد الناصر في مذكراته والذي يقر لاحقا بعد وصفه المعارك الباسلة للجيش المصري والمتطوعين السودانيين أنه تم إرساله من قبل الجيش المصري لتبادل الجثث حيث يقول في مذكراته:

«ذهبت بعد انتهاء الحرب وبعد الهدنة إلى عراق المنشية في يناير / كانون الثاني 1950م، ودخلت بواسطة رجال الهدنة لأُطْلع اليهود على مقابر هؤلاء الجنود لأنهم لم يستطيعوا معرفتها وطلبوا من رجال الهدنة أن يرسلوا أحد المصريين ليريهم هذه المقابر.. وقد أوفدني الجيش المصري لأعّين لهم المقابر لأننا كنا نتبادل الجثث..»

في اليوم الـ 25 من شباط من العام 1949م انسحب الجيش المصري منها، بعد اتفاق (رودوس)، والذي اعتبر الفالوجة وقرية "عراق المنشية" أرضا محرمة دوليا، ولتبدأ فصول انتهاء الحرب العربية مع العصابات الصهيونية، مذعنة بآخر فصول الهزيمة.

وفي اليوم التالي الـ 26 من شباط من العام 1949 م دخلت القوات الصهيونية إلى القرية وبدؤوا يعيثون فيها فساداً وتدميراً، وذلك لحقدهم على صمود أهلها أمام العصابات الصهيونية، والتي أوقعت معاركها أعدادا كبيرة من القتلى من هذه العصابات الإرهابية حسب الشهادات التاريخية لقيادات الاحتلال الصهيوني.

واستمر التنكيل بهم لإجبار الأهالي على الهجرة، فطالب أهالي القرية تنفيذ بنود الاتفاق والحماية الدولية من المراقبين الدوليين والذي كان أحدهما مصريا والآخر مراقب دولي من السويد يدعى (تيستي) حيث أخبر وفد القرية : «لا أستطيع حمايتكم، والأفضل أن تخرجوا» وكان جواب الأهالي: « لا نريد الخروج، بل نريد أن نبقى في وطننا، وأمرنا إلى ﷲ»، ثم بعد حوار بين الجانب المصري مع الأهالي على أن يتم ترحيلهم (مُؤقتا) إلى "مخيم العروب" لحمايتهم من القتل، كي يعودوا لاحقا بعد تفعيل اتفاق الهُدنة.

وهنالك حيث آمن الأهالي بصدق وعود قادة جيوش العرب، كان على الجانب الآخر من القصة، الخيام المنصوبة، والتي كانت تنتظرهم، والأسى قد كسر قلوبهم، وخيبة الهزيمة العربية قسمت ظهورهم، ولم يعد أهل هذه القرية إلى يومنا هذا، كما لا يزال الجدال القانوني الدولي إلى يومنا هذا حول عدم شرعية تهجير أهالي هذه القرية، وذلك بعد معاينة بنود الاتفاقية المصرية مع العصابات الصهيونية وبضمانات وشهود دوليين عليها، والتي صمتت صمت البيوت الخاوية من أهلها مما اقترفته العصابات الارهابية الصهيونية المجرمة على مدار عامين كاملين من قصف وتدمير وقتل لسكانها ومن معهم من شجعان وأبطال جنود الجيش المصري ومتطوعين سودانيين.. ومما يؤكد على خطوط المؤامرة الدولية على حقوق الشعب الفلسطيني والتي لا تزال منذ اليوم الأول لهذا الكيان تقف معه بغير حياد، ومتسترة بشكل صريح وفاضح لجرائمه وانتهاكاته.

هذه القرية العريقة المهجّرة كانت آخر القرى الفلسطينية التي سقطت بيد العصابات الإرهابية الصهيونية المُجرمة بعد عام كامل من عام النكبة وظلّت صامدة تحت القصف والدمار حتى شهر شباط من عام 1949م، بفضل أبناء القرية وأبناء الأمة من المجاهدين المتطوعين، وجنود من الجيش المصري، حتى تم عقد اتفاقية "رودوس"، والذي تبعها تشريد أهلها البالغ عددهم عام 1949م حوالي 2332 نسمة.. حيث بدأت مرحلة اللجوء الأول لغالبية السكان إلى "مخيم العروب والفوار" في منطقة الخليل وبعد النكسة كان النزوح للعدد الأكبر إلى الأردن كلاجئين مسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مناطق تجمع جديدة.