احتلال القرية - طيرة حيفا/ طيرة الكرمل / الطيرة / طيرة اللوز / قرى جبل الكرمل - قضاء حيفا

احتلال الطيرة
في 12 كانون الأول\ ديسمبر 1947, أغارت عصابة الإرجون (الإيتسل) بالقنابل على الطيرة، في أثناء الجولة الأولى من القتال. قد تمّ ذلك في عيد الحانوكاه عند اليهود، واقترن بِست هجمات إرهابيّة أخرى شنّتها العصابة نفسها في أماكن عدّة من فلسطين. يذكر "تاريخ الهجناه" أنّ الغارة أدّت إلى مقتل 13 شخصا في الطيرة، وكشفت صحيفة "فلسطين" عن وجود أطفال وشيوخ في جملة الضحايا. جاء في تقرير الصحيفة أنّ الجماعة المغيرة كانت مؤلّفة من 20 رجلاً تقريباً، وأنّها اقتربت من منزل منفرد في طرف القرية وقذفته بالقنابل. ثم إنّ المهاجمين أطلقوا نيرانهم على المنازل قبل أن ينسلّوا عائدين عبر بساتين الزّيتون، إلى حيث كانت شاحنة في انتظارهم. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" وقوع عشرة جرحى فضلاً عن مقتل ثلاثة عشر شخصاً وتدمير منزل واحد وإصابة عدّة منازل أخرى بأضرار. وتذكر مصادر أخرى أنّ المهاجمين نسفوا بيتاً مؤلّفاً من طابقين في الحارة الشّماليّة، تابع لعائلة حجير، وبلغ عدد الضحايا 17 شخصاً بينهم رجال ونساء وأطفال، وسلم طفل رضيع وجد بين الأنقاض.

استعدّ أهل الطيرة للمواجهات فاشتروا سلاحاً واستدعوا متطوعين مسلّحين من خارج القرية لمساعدتهم في الدّفاع عن أنفسهم. وقد خرجت بعثة من القرية ضمّت يوسف أبو الحاج وحافظ النّجم وعبد الله سلمان إلى مصر لطلب السّلاح من الهيئة العربيّة العليا، وجاء السّلاح بعد ذلك فاسداً.

خلال الأسابيع اللّاحقة، تعرّضت القرية لهجمات عدة، وقام مسلحون من القرية بمهاجمة أهداف يهوديّة حول الطيرة. في 5 شباط\ فبراير 1948، شنّت القوات الصهيونيّة هجوماً استمرّ ساعة وثلاثين دقيقة، ولم يسفر عن وقوع ضحايا، استناداً إلى بلاغ رسمي بريطاني جاء فيه أنّه لم يصدر عن القرية أيّة ردة فعل .

في 28 آذار 1948 شنّ المسلّحون من الطيرة هجوماً على قافلة صهيونيّة وكبدوها خسائر كبيرة، إلى حين جاءت نجدة بريطانيّة فتوقّفت المعركة.

  في 20 نيسان حاول المقاتلون من الطيرة كذلك الوصول إلى حيفا للمساعدة في الدّفاع عنها إلّا أنّهم لم يستطيعوا لأنّ الجيش البريطاني كان قد أحكم الطوق على المدينة، وفي نفس اليوم قصف مسلّحون يهود القرية لعدّة ساعات فاضطرت العائلات إلى الخروج من المنازل والاختباء في منطقة عراء عند باب النّهر.
 وفي الصّباح الباكر من 22 نيسان \ أبريل، يوم سقوط حيفا، شنّ هجوم كبير على الطيرة، ترافق مع هجوم الهجناه على حيفا. وكان هدف الهجوم، كما يبدو منع التعزيزات العربيّة من الوصول إلى حيفا.

في هذه الأيام عرض جيش الإنقاذ نقل العائلات إلى الأردن، وظهرت يوم 23 نيسان زوارق في البحر تعرض نقل النّاس إلى السّواحل اللبنانيّة، فأخذت الزوارق عدداً قليلاً، بينما غادر أغلب النّاس بسيارات جيش الإنقاذ، وعند العفّولة انقسمت القافلة على اثنتين، فغادر نصفها إلى الأردن وتوجه النّصف الآخر إلى منطقة جنين، ومن هناك إلى بغداد بسيارات الجيش العراقي.

في هذه الأثناء بقي المسلّحون في الطيرة للدفاع عنها، واحتل اليهود التلال المحيطة بالقرية ومنها الكبابير التّابعة لقرية الطيرة.

  المحاولة الأولى للاستيلاء على القرية تمّت بعد أيام قليلة من سقوط حيفا. ويذكر المؤرخ الصهيوني بني موريس أنّ الهجوم وقع في السّاعة الواحدة والدقيقة الأربعين من صباح 25 نيسان\ أبريل، وأن مدافع الهاون والرشّاشات استخدمت فيه. لكن سرعان ما حضرت وحدة بريطانية إلى مكان الاشتباك، وتوقّف إطلاق النّار. وفي زعم موريس أنّ البريطانيّين ساعدوا في إجلاء بعض النّساء والأطفال، وفي إيصالهم إلى مأمنهم. ويضيف موريس أنّ الهجوم استؤنف صباح اليوم التّالي بعد أن غادر البريطانيون، واستمرّ إلى أن وصلت وحدة بريطانيّة أخرى في وقت لاحق من النّهار، ونظّمت عمليّة إجلاء أخرى. وجاء في صحيفة "نيورك تايمز" أنّ القرية قصفت قصفاً شديداً بمدافع الهاون. ونقلت الصحيفة ادعاء الهجناه أنّ الطيرة كانت قاعدة عربيّة رئيسيّة. وفي 5 أيار \ مايو، بذل مسعى ثالث لنقل مزيد من السكّان إلى أماكن آمنة،  فنقل نحو 600 شخص إلى جنين ونابلس، استنادا إلى موريس.

استمرّت الهجمات نحو أسبوع. وفي 13 أيار\ مايو، شنّ لواء ألكسندروني التّابع للهجاناه هجوماً مني بالفشل. ويذكر "تاريخ الهجاناه" أنّ المحاولة باءت بالفشل, والسّبب الأساسي كان عدم توفّر معلومات دقيقة عن نظام العدو الدفاعي في القرية.

يذكر عبد الصمد يوسف أبو راشد في كتابه أنّه لمّا رأى الصهاينة أنّ الطيرة لم تسقط، بعثوا برسالة مع أحد الأسرى يطلبون التفاوض مع المسلّحين في الطيرة وحدّدوا الاجتماع يوم 14.7.1948 على أطراف الطيرة الجنوبيّة، فتوجّه من الطيرة يوسف أبو راشد وأحمد أبو غيدا ونايف عبد المحمود وحسن علّوه وأحمد سليمان الصادق وسليمان حجير وكرم الفهد حامل الرسالة، واجتمعوا مع ممثلين صهاينة هم رئيس بلدية حيفا شبتاي ليفي وسبكتر مختار أحوزه وكريستين ضابط في الهجناه. كان الاجتماع متوتّراً، وفهم منه الفلسطينيون أنّه مطالبون بالاستسلام. وسمعوا كلاماً من شبتاي ليفي معناه أنّه من الأفضل أن يستسلموا بعد أن سقطت حيفا وأن يسلّموا لهم سلاحهم ويخرجوا الغرباء من بينهم وهو يتعهّد ألّا يمسّهم أحد بأذى. قال الوفد العربي أنّهم لا يثقون بهذا الكلام ويرفضون الاستسلام. أعطى شبتاي ليفي الوفد العربي مدة ساعتين للرّد على اقتراحه إلا أنّ مسلحي الطيرة لم يرسلوا أي جواب. عند السّاعة 14:05 أي بعد انتهاء السّاعتين بدأت تنهال القذائف على الطيرة من الشّرق والشّمال والجنوب، وقصفت طائرات من الجو. فقتل سبعة رجال وثلاثة أطفال واضطر المقاتلون والعائلات إلى النزوح عن الطيرة، وظلّت القرية محاصرة لمدّة يومين دخلت بعدها القوات الصهيونيّة القرية في 17.7.1948.

سقطت القرية، بحسب ما جاء في "تاريخ الهجاناه", في 16 تموز\ يوليو خلال معارك الأيام العشرة الّتي فصلت بين هدنتي الحرب. ويشير كلام هذا المصدر إلى أنّ احتلال الطيرة وغيرها من القرى في قضاء حيفا، مثل كفر لام والصّرفند كان بليغ الدلالة إذ استعين فيه لأوّل مرّة بنيران القوات البحريّة لمساندة القوات البريّة. وكان الهجوم على الطيرة جزءاً من عمليّة بحريّة أوسع نطاقاً، أسفرت عن احتلال كفر لام والصّرفند في الوقت نفسه. فقد قصفت السفينة الحربيّة إيلات، القرية قبل أن تتحرّك القوات البريّة لاحتلالها. أمّا السكّان الّذين كانوا لا يزالون فيها، والّذين صمدوا تحت الحصار مدة تزيد على الشهرين، فقد طردوا في معظمهم إلى مثلث جنين، نابلس، طولكرم، أو احتجزوا في مخيّمات أسرى الحرب، وذلك استنادا إلى بني موريس.

ويذكر أهل القرية أن حوالي 300 -400 شخص من اهل الطيرة كانوا يختبئون في مغارة على سفح جبل قرب البلد يسمى عراق الشّيخ، وبعد أن دخل الصهاينة الطيرة أجبروهم على النزول من الجبل، جمعوهم في ساحة المنزول بمركز البلد ثم حملوهم في شاحنات تابعة للاحتلال ونقلوهم إلى داخل منطقة رمّانة وأمروهم بالتوجّه إلى منطقة جنين. 
ويبدو أنّ بعض سكّان الطيرة لجأ إلى قرية عين غزال المجاورة. إذ ذكر الأمين العام لجامعة الدول العربيّة أنّ 28 شخصا من لاجئي الطيرة أحرقوا أحياء هناك في أواخر تموز\ يوليو. غير أن وسيط الأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت صرّح أن مراقب الأمم المتحدة زار المنطقة في 28 تموز\ يوليو، ولم يجد أي دليل يدعم ادعاء وقوع المجزرة. ويورد موريس الرّد الصهيوني بأنّ الأجساد المحروقة في عين غزال إنّما هي جثث وجدت في حال متقدمة من التعفّن فأحرقها الجنود الصهاينة. وهو يضيف أنّ ليس هناك دلائل تشير إلى المكان الّذي جاء هؤلاء الأشخاص منه، أو إلى كيفية موتهم.

 حول حادثة أخرى، أفادت الشاهدة رحمة إبراهيم الحاج الّتي استدعيت إلى نابلس للمثول أمام مراقبي الهدنة بالآتي:" عندما وصلنا شرقي اللّجون قال اليهود: انزلوا من الباصات، وكل واحد يجلس على صرة ملابسه على شكل دائرة. كنا في غاية العطش وطلبنا الماء، قال اليهود بالعربية: انتظروا، وذهبوا في اتجاه الباصات وعاد كل واحد منهم يحمل تنكة وبدأوا يصبون محتوياتها على الصرر وعلى العجزة، ثم أشعلوا النار فيهم وذهبوا. كنت أصغر وأقوى من البقية، فلما شممت أن السائل بنزين وليس ماء، هربت إلى الجهة البعيدة عن النّار، وجريت واختبأت تحت صخرة إلى الصباح، وكنت أرى النار مشتعلة والنّاس يصرخون ويستغيثون، وفي الصباح ذهبت إلى مكان المحرقة، وعندما وقع بصري على عدّة جثث متفحّمة، استبد بي الرّعب، فلم أبق لحظة واحدة لأعدهم. وجريت إلى أن وصلت إلى قرية زلفة حيث وقعت على الأرض من الرّعب والإعياء، اعتنى بي أهالي القرية ثم أخذوني إلى جنين".