روايات أهل القرية - دير غَسَّانِة - قضاء رام الله

قصة حصلت "

على بعد سبعة وعشرين كيلو مترالى الشمال من رام الله بدأت تتوافد فصائل الثورة الفلسطينية على قرية ديرغسانة جنودا ثوارا وقاده ومن أمثال عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق وحمد زواتا وغيرهم من القادة الكبار أو القادة المحللين لإصلاح ذات البين بعيدا عن أعين قوات الاحتلال البريطاني في يوم من أيام عام 1936م.

توزع الثوار على الأبنية العالية في القرية وحول مفارق الطرق المؤدية إلى القرية وعلى سفوحها وداخل بيوت القرية وطرقاتها وأزقتها. واستقبلهم الاهالي فيما يشبه عرسا جماعيا فذبحوا الذبائح واعدو الطعام المعروف باسم (اليخنة) وهو طعام من فتيت خبز الطابون أو بز الصاج المشبع بمرق اللحم المغطى بالرز واللحم المطبوخ والموضوع في إناء من الخشب أو التوتياء يسمى (الكرمية) دلالة على الكرم.

بينما كانت القرية تشهد نشاطا غير عادي مثل خلية النحل حضر إلى القرية شحاد يجوب القرية متسولا ومرباحد البيوت حيث كانت هناك امرأة منهمكة في إعداد الطعام فسألها مستفسرا لمن قل هاذا الطبيخ في البلدة؟

أجابته المرآة ببساطتها وبلهجتها القروية المميزة:"طبيخ للثور يا حزين"

فأعاد السؤال:"أين يتجمع الثوار"؟

أجابت المرآة الغسانية: في بيت شيخ القرية هناك أكوام من الطبيخ.

ناولته المرآة كسرة خبز فقنع بها وانطلق بعيدا وتوارى في الأزقة متوجهة نحو أطراف القرية.

انقضى وقت قصير بعد مغادرة الشحاد للقرية وجاءت الأخبار للقرية بكلمات متعارف عليها “غينت غينت" وبشكل مكرر.لقد كانت تلك الكلمة تعني الكثير عند أهل القرية وعند أهل القرى المجاورة.

على عادة أهل القرية أن أهل قرية النبي صالح كانوا يصحون في حالت قدوم قوات الاحتلال البريطاني بهذه الكلمة فيلتقطها أهل قرية بيت ريما حتى تصل ديرغسانة والقرى المجاورة.

ما إن وصلت كلمة السر إلى الثوار في القرية وبدأت جموعهم بالانتشار في السفوح والجبال حتى قدمت طائرة تستكشف الأمر تبعتها عشرة طائرات أخذت تقصف القرية وتدكها دكا- في اثر الثوار المنسحبين – بالقنابل الكبيرة التي يسميها الاهالي "قيازين"

بمعنى البراميل المملوءة بالمتفجرات وأسفر القصف عن استشهاد شخص من النور في طرف القرية وقائل من بلدة الطيبة حضرت أمه بعد عدة أشهر واستخرجت جثمانه جسدا سليما لم يتعفن(حسب الرواية) فنقلته على دابة إلى بلدته شمال فلسطين حيث دفن مرة أخرى. ويفسر الاهالي ذالك بأنه شهيد محتسب عند الله.استشهد قائد آخر اسمه الشيخ عبد الفتاح الملقب"أبو خالد" في موقع (وادي بروقين) شمال شرق ديرغسانة. كما استشهد ثائر آخر في (وادي القتيل ) الفاصل بين قرية ديرغسانة وقرية كفرعين المجاورة شرقا.وأصيب قائد محلي معروف من قرية (كفرعين)اسمه فخري حمد بإطلاق الرصاص عليه من القوات الراجلة في موقع جبلي معروف باسم "جبل الرأس" من اراضي قرية كفرعين و كان بصحبة الثائر يوسف الحاج اعمر الشعيبي حيث اصيب اصابة مباشرة و تمكن الثائر الشعيبي من الانسحاب من المكان وحملته قوات الاحتلال على نقالة إسعاف حيث تمت مداواته في القدس ومن ثم محاكمته وإعدامه.ويروى عنه انه طلب قبل إعدامه احضر بدلته العسكرية وبندقيته كي ينفذ فيه الحكم وهو يرتدي زيه العسكري.

أما القائد المحلي لمنطقة رام الله محمد عمر النوباني من(مزارع النوباني) إحدى قرى رام الله على مرمى النظر شرق قرية ديرغسانة فقد نجى بعملية تمويهية على الجنود الإنجليز إذ قام بتمثيل دور حراث من حراثي القرى المجاورة وقد خلع ملابسه العسكرية واخذ يحرث الأرض فتركه الإنجليز ظنا منهم انه مجرد حراث فلاح يعمل بأرضه.

بعد خروج الثوار وقدوم الدبابات والمجنزرات الإنكليزية كان الاهالي قد اخفوا كل معالم الطبيخ بدفنه في خنادق تحت التراب في (الحوا كير) المحيطة بالقرية وبيوتها وكان شيئا لم يكن لكن ذلك اليوم المشهود ظل محفور في ذاكرة أهل القرية وأصبحت سنة الطوق تقويما محليا يؤرخ بها لميلاد الأطفال ومعرفة أعمارهم استنادا لتلك السنة.