تنكيل البريطانيين - سحماتا - قضاء عكا

لم يفلت أهالي سحماتا من تعذيب وهمجية جيوش الانتداب البريطاني، خاصة أن أهالي القرية ناضلوا وثاروا ضد الانتداب وتحيزه للحركات الصهيونية. عن معاناة القرية من الجيش البريطاني حدثتنا المسنة نجية اسعد سليمان: "لما كانت تصير مشاكل.. كان الانجليز يجمّعوا الرجال عند البركة والنسوان عند الجامع... في ناس كانت توكل قتله وفي ناس كانت تنفذ وما تنضرب.. كانوا كتير يحبسوا الرجال... مرّه حبسوا اخوي ضاهر. مركز الانجليز كان بترشيحا، قريب منّا... بتذكَّر بالشتا اجا جندي انجليزي وقعد على الروزنه وين بطلع الدخان... صار الدخان يدخل على دارنا... اجت أمي ودخلّت حديده من الروزنه وغزته.. صار يصرخ وهرب... أيام الثورة كانوا يدخلوا على البيوت ويحرقوا الفراش والمنتوج... مره اجو على البلد بالشتا، جمعّوا الرجال وصاروا يرموهم بالبركة... ولما اجو بدهم يرمو رشيد المتولي صار يصرخ ويقول: "يا أولادي بدي اموت"... نزلوا بعد هيك أولاد البلد وطلعوه من المي"

 عن مظاهر الرعب في عيون ابناء سحماتا حدثتنا أم عفيف (83 عاما): "بنيسان.. قبل شهور من احتلال سحماتا.. بدأت الناس تحس بخطر وخوف... كل ما شافوا اشي حوالين البلد كانت الناس تخاف وتقول اجت [قوات] الهاجاناه.. في مرّة كان في بنات راحوا مع بغلتهم عشان يجمعوا الدخان... كانت الدنيا تمطر وكانوا حاطين أكياس على راسهم.. الناس فكرّت انه الهاجاناه اجت.. وصاروا يهربوا... بهاي الفتره كانت الناس خايفه لانه كانت تسمع عن المجازر بدير ياسين وعن القتل اللي بصير...".

 أهل سحماتا كانوا يطلعوا دوريات كل ليلة علشان يحموا البلد.. ما كان في سلاح ..السلاح كان كثير بسيط ومرّات يكون خربان.. ضلّت الناس بحالة قلق لحتى تشرين أول... صارت الناس تقلق أكثر وأكثر.. أخذوا قرى الكابري وجدين وما بقي غير قرية معليا.. الناس كانت تشتغل وهي قلقانه.. مرّة أمي كانت عم بتملّي على البيدر (عنا كان بير)، اجا واحد على فرس وطلب من أمي ماء للحصان.. وشوية تبن... أخذ من القمحات.. قالت له "ليه تأخذ من القمحات، خذ من التبن..." قال لها: والله يا خالتي ما راح توكلوا ولا اشي منه انتوا بتتعبوا لغيركم.. وهيك صار !..القمح عنا بقي على البيدر.. دخّلنا القمح وعبينا دخان وكل المونه ضلت بالبيت".

 قامت الطائرات بقصف سحماتا من الجو في 28 تشرين اول 1948، ثم دخلتها قوات الاحتلال في الـ 29 منه بإشراف القائد الصهيوني يتسحاق رامون. من ذاكرة أم عفيف، حدثتنا عن تلك الايام:

 "يوم القصف برمت الطيارة حوالي البلد.. صارت الناس تركض وين الحواكير ووين الزيتون.. تصاوب عمي يوسف أبو عواد (أخو أبوي).. مات عمها لامي .. كان قاعد تحت التينة.. لمّا شفنا هاي الشوفة ضبينا أغراضنا وصارت الناس تركض وتتخبا بأرض الزيتون، صُرتْ أسمع القنابل حوالينا وكان زوجي أبو عفيف يقللي ما تخافي.. هذا جيش الإنقاذ عم يضرب!. بدون ما نحس احتلوا سحماتا كلها.. وقفوا الشباب اللي معنا وقالوا يلاّ لازم نبعد.. اهل البلد كلهم ضلوا ماشين… في وحدة من بلدنا .. أمه لمحمد انقتلت على بركة الدير.. لحقوها قبل ما تقطع الشارع وطخّوها إعدام على مرأى من الوالد والأهالي".

 بلغت حصيلة مجزرة سحماتا 16 شهيدا، وعن إحدى حوادث القتل اخبرنا وجيه مبدا طنوس سمعان (70 عاما): "بعدني لليوم بذكر حادثة صارت مع شاب اسمه محمد عبد الرحمن حسين قدورة، كانت إصبعه مجروحة وكان لاففها. اجو اليهود واعتقلوه وادعّوا انه كان يقاوم، بعدها صلبوه قدام أبوه وأهالي القرية وطخوه، علشان الناس تخاف وترحل. اليهود قتلوا كمان مجموعة من الأهالي، من بينهم مصطفى علي، لما كان راجع من المرعى مع بقراته. وقتلوا حسن الموسى قدام بيته، في الحارة الشرقية، وعبد الوهاب سلمون وعطا لله موسى، وزوجة نعيم الموسى".".

 وتضيف نجية اسعد سليمان: "كتير اجو لاجئين ع بلدنا.. من قرى الكويكات.. الغابسيه وعمقا والبروه حوالي أربعين عائله اجت عنا. اشي ينام عنا على السدة واشي ينام على الأرض معنا.. وفي اللي كانوا يناموا بالبيوت الفاضية بسحماتا اللي طلع أهلها ع لبنان.. إحنا حسينا بالخطر لما سقطت ترشيحا.. لو ما سقطت ترشيحا ما طلعوا أهل سحماتا.. الناس كانوا يقولو راحت علينا طلعوا أهل ترشيحا... إحنا طلعنا على لبنان ونمنا بالأرض وصرنا نشوف من بعيد قصف البيوت.. أبوي كان مريض وما قدر يطلع.. بقي تحت شجرة زيتون نايم وقلنا إطلعوا انتو... بس بعد بفتره رجعنا تسلل وجبناه على بعلبك وهناك مات... الناس طلعت مثل المجنونة.. اللي مرّكب أولاده على كتفه واللي على ظهره.. شو بدها تحمل العالم لحتى تحمل.. البيوت مليانه كانت... الناس صارت بالطريق ترمي أغراضها على الأرض .. الطريق طويلة للبنان...الطيارات لحقتنا على لبنان تقصف علينا، احنا نمنا 11 يوم بالحاكورة بقرية لبنانية صغيره اسمها دبل.. بعدها طلعنا من دبل وسكنا بمنطقه اسمها عين قبل، سكنا حوالي 8 أيام.. بعدين رحنا على بنت جبيل 6 أيام... الأطفال كانت تمشي بالقوة.. مساكين مين بدّو يحملهم...اللبنانية ما استقبلونا وما بدهم نبقى هون.. رحنا بعدها على صور وقعدنا بصور... بعد هيك جابوا باصات حتى يوخدونا على بعلبك.. المسافة كانت كبيره كتير.. قعدنا ببعلبك ثلاث سنين وكنا نايمين على الأرض لا في مؤمن ولا اشي.. بعد هيك رجعنا على بلادنا عن طريق الصليب الأحمر.. رجعنا عن طريق الناقورة".