أعلام من القرية - البيرة - قضاء رام الله

شخصيات من البيرة في العهد البريطاني

عبد الله الجودة (أبو رياض)

وُلد عبد الله الجودة في البيرة حيث تلقى دراسته الابتدائية والإعدادية، ثم اشتغل بالأعمال الحرة، وسافر إلى الولايات المتحدة، مدةً من الزمن، ولما عاد استقر بالبيرة وعينته الحكومة عضواً في لجنة المجلس المحلّي، ثم انتخب عدة مرات لرئاسة المجلس. فازت قائمته بانتخابات البلدية سنة 1959م فعهد إليه برئاستها، ويعود له الفضل في إجراء إصلاحات كثيرة في البيرة، وعلى الأخص إنشاء حديقة البلدية، وغيرها من المنشآت. ويصف مرسي الأشقر، معد وناشر كتاب من هو في المملكة الأردنية الهاشمية، عبد الله الجودة بأنّه “شخصية مليئة بالخير، صلب العقيدة، دمث الأخلاق ، بينما يصفه الصحفي سليم زبال في استطلاعه عن رام الله والبيرة المنشور في مجلة العربي بأنه “مؤسس البيرة الحديثة”.

شارك عبد الله الجودة في المؤتمر الفلسطيني السادس المنعقد في يافا بتاريخ 16 حزيران 1923م، وقد حضره 72 عضواً، وعقد لضرورة إعادة تنظيم الحركة الوطنية إثر مقاطعة الشعب الفلسطيني لانتخابات المجلس التشريعي التي اقترحتها الحكومة البريطانية، وقد قرر المؤتمر مقاطعة مشروع روتنبرغ للكهرباء، ومقاطعة كل قرض باسم فلسطين، ومقاطعة كل شخص يقبل عضوية المجلس الاستشاري الذي شكلته الحكومة البريطانية وعيّنت أشخاصاً في عضويته. كما قرر المؤتمر زيادة صلاحيات اللجنة التنفيذية وتوسيعها، فقد حوّل إليها مجموعة من القضايا الأساسية، مثل قضية سن الدستور، والمقاطعة الاقتصادية مع اليهود.

وكان عبد الله الجودة عضواً في المؤتمر الإسلامي للدفاع عن المسجد الأقصى والأماكن المقدسة، المنعقد بالقدس في شهر تشرين الثاني من سنة 1928. وقد شارك في المؤتمر حوالي 700 شخصية فلسطينية.

انضم عبد الله الجودة وحنّا خلف وصالح الريماوي وشريف الريماوي للحزب العربي الفلسطيني الذي تشكل سنة 1935 برئاسة جمال الحسيني وعرف بحزب المفتي. وخلال الثورة الفلسطينية سنة 1936م كان الجودة عضواً من أعضاء اللجنة القومية في رام الله والبيرة، بالإضافة إلى حنّا خلف، وسليمان عبد الرحمن، ونجيب عيدة، وعيد الموسى .

عبد الدايم عبد الصمد القراقرة (أبو العبد) 

ولد عبد الدايم عبد الصمد في قرية البيرة في عام 1880م، ونشأ في أسرة فلاّحة تعتمد في معيشتها على زراعة الأرض، وكان عبد الدايم ثالث وأصغر ولدٍ لأبيه، وكانت له أربع أخوات. تعلم في الكُتّاب وحفظ القرآن الكريم. وفي مطلع شبابه تجنَّد في الجيش العثماني، ودخل في طابور البيرة العسكري، وأرسل إلى جبل الدروز وعاد في عام 1905م في إجازة ومعه زوجة كان تعرف عليها في منطقة البقاع السورية. وفي عام 1909م حكم عليه بالسجن لاعتدائه على ضابط تركي كان يتعمد دائماً توجيه الاتهامات للجنود العرب ما دعا عبد الدايم إلى طعنه في وجهه ومحاوله قتله، لولا تدخل أفراد الحامية التي كانت في موقع الحادث. وأرسل إلى إستانبول لمحاكمته بتهمة محاولة القتل المتعمد لأحد الضابط الأتراك، لكنَّه تمكن في عام 1910م من الفرار من سجنه بعد أن تحايل على أحد الحراس، حيث أقنعه بالسماح له بإحضار الخبز المخصَّص للسجناء من المخبز القريب. وبعد رحلة طويلة وشاقة تعرض خلالها للكثير من المتاعب، خصوصاً أنه كان يسير ليلا ويختبئ نهاراً خوفاً من إلقاء القبض عليه، وصل إلى قريته البيرة. وقد استغرقت رحلة العودة هذه ما يزيد على ثلاثة أشهر. وحين وصل، وجد والده في حالة الاحتضار الأخير، كما وجد زوجته قد وضعت أول أولاده.

يسرد كاتب المختصر عن سيرة حياة عبد الدايم في جريدة مساء البلد تفاصيل عن معاناة عبد الدايم مع الدولة العثمانية، فيروي أنَّ إسماعيل أفندي قائد السرايا في مدينة القدس عرف “بوجود الجندي الفار والمطلوب للمحاكمة في قريته فأرسل قوة عسكرية أفرادها من الأتراك وما كادت تصل بالقرب من بيته حتى شاهدها عبد الدايم قبل أن تدخل حوش الدار فانتزع بندقيته واستحكم في داخل الدار وأقسم بأن يطلق النار على كل جندي يحاول اقتحام الدار”. ويضيف الكاتب أنَّه حين وصل الخبر إلى مخاتير القرية، رشيد العلي، وحسين الحسن، وعمر العامر، “حضروا إلى الدار وحاولوا إقناعه بتسليم نفسه، وفي هذه اللحظة وأثناء المفاوضات بينه وبين المخاتير، علم بوفاة أبيه، فأصرَّ على رفض تسليم نفسه إلاّ بعد أن يواري جثمان والده التراب، وفي صبيحة اليوم التالي وبحضور المخاتير وبعد الانتهاء من مراسيم الدفن تسلم الجنود المجاهد عبد الدايم وما إن وصلوا قرب مسجد العين الذي لا يبعد سوى 300 متر عن المقبرة، حتى أخذ الجنود يضربون عبد الدايم بشكل وحشي حتى سال الدم من وجهه وصدره على مرأى من أهالي القرية.

وينقل الكاتب عن شهود عيان بأنَّ الجنود الأتراك الذين تسلَّموا عبد الدايم جلدوه ما يزيد على سبعين جلدة، إضافة إلى قيامهم بركله بالأرجل والأيدي، ثمَّ أخذوه إلى سجن القشلة في القدس، ويقول الكاتب إنَّ إسماعيل أفندي أمر بأن “يباشر في تعذيبه بحضوره لأن تصرفه بعدم تسليم نفسه ومحاولة مقاومة الجنود تشكل في رأيه بادرة خطيرة لا تقل عقوبتها عن الإعدام”.

وحين كان عبد الدايم في سجنه بالقدس، وفي صباح أحد الأيام، سمع المساجين أصوات موسيقى وعزف في شوارع مدينة القدس، وحين استفسروا عمّا يدور في الخارج علموا بالخبر السار وهو أمر سلطاني بالإفراج عن جميع السجناء بمناسبة تولي السلطان محمد رشاد السلطة بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني، وبعد خروج عبد الدايم من السجن سرح من الجيش العثماني، فعمل مزارعاً في قريته، وقبل انسحاب الجيش العثماني في نهاية الحرب على البلاد تم تعيينه مشرفاً على الأمن في البيرة.

في عام 1936م عيَّنه الحاج أمين الحسيني قائداً لفصيل الثوار في قرية البيرة، وكان ذلك الفصيل يضم خيرة شباب القرية، منهم كايد دنون، ورشدي نصر، وجمعة الطبجي. وعبد الجابر الكعش، ومحمد رشيد عويس، وقد تعرض لكثير من المضايقات والملاحقة من الجيش البريطاني، وقد سجن في عهد الانتداب البريطاني عدة مرات. اضطر في عام 1938 إلى نقل ستة جرحى من الثوار من فلسطين إلى دمشق على ظهور الخيل لعدم توفر المستشفيات في البلاد، قاطعاً نهر الأردن واستمرت رحلته من فلسطين إلى دمشق ثم العودة منها، ما يقارب شهرين.

وخوفاً من قوات الجيش البريطاني، فقد كانت أعمالهم تتم خلال الليل حيث يتصدون للجيش البريطاني في عمليات خاطفة، وأثناء النهار يعودون إلى أعمالهم وكأن شيئاً لم يكن.

في عامي 1947م و1948م عين من قبل عبد القادر الحسيني قائداً للمجاهدين من مدينة البيرة. وقد خاض عدة معارك في باب الواد، ومدينة القدس، ومنطقة الخليل، وشارك في معركة القسطل. كما شارك في معركة الماصيون وأصيب جراء الانفجار بشظية في وجهه، وكان في ذلك الوقت قد بلغ السبعين من عمره.

وقد تحدث موسى البكري، وهو من قرية جلجليا وأحد المجاهدين خلال حرب 1948م، عن تلك الفترة فقال: “في عام 1948م كان الشباب في القرى والمدن يلبون نداءات الثوار وقياداتها في المناطق للتطوع لصد هجمات معادية أو المشاركة في شن هجمات على (الكبانيات)ومن المعارك التي شاركت فيها في حينه معركة قرب معسكر النبي يعقوب على طريق القدس. وقعت صباح 15 نيسان 1948م، حيث أصبت برصاصة دخلت من طرف الكبد وخرجت من الظهر، عندها بادر قائد فصيل البيرة عبد الدايم عبد الصمد بحملي على ظهره، مسافة 300 – 400م لتقلَّني سيارة إسعاف إلى نابلس حيث عولجت هناك”. ويلخِّص البكري انطباعاته عن “أبو العبد” بقوله “إنه كان شهماً”.

وفي عام 1948م قابل عبد الدايم، الحاج أمين الحسيني في مدينة القاهرة بعد أن وصل إليها وشرح له الظروف والأوضاع التي يعيشها المجاهدون وعدم توفر الذخائر والسلاح. وفي 28 كانون الأول 1963م، توفي عبدالدايم.