القرية بين عامي 1945-1948 - البيرة - قضاء رام الله

البيرة خلال حرب 1947-1948م

حسب أحمد حمّاد فقد تحركت البيرة للجهاد بعد صدور قرار التقسيم في 27 تشرين الثاني 1947م، وانضمَّ العديد من أبنائها لجيش الجهاد المقدَّس بقيادة عبد القادر الحسيني، ويقول حمّاد إنَّ مقاتلي البيرة شاركوا في معركة سنهدريا. وحسب العارف، فقد جرت هذه المعركة بتاريخ 10 كانون الثاني 1948م، وقام خلالها مئةٌ من مجاهدي جيش الجهاد المقدَّس بقيادة عبد القادر الحسيني يساعده كامل عريقات وعبد الفتاح المزرعاوي وإبراهيم أبو ديَّة، وبمشاركة مجاهدين من قرى رام الله، بالهجوم في منتصف الليل على الحي اليهودي الواقع شمال القدس، ويقول العارف إنَّ إطلاق بعض المهاجمين النار قبل أن يصل حاملو الألغام للحي تسبب بإفشال الهجوم.

ويورد عارف العارف تفاصيل حول معركةٍ حصلت في منطقة الماصيون، قرب رام الله، وشارك فيها مقاتلو البيرة ورام الله وقاتلوا قوة من الهاجاناة، كانت قد اعتدت على ركّاب أحد الباصات العربية، ثمَّ دخلوا لمنطقة الماصيون، يقول العارف:

في ساعة مبكرة من اليوم الأول من شهر آذار 1948م، قام تسعة عشر يهودياً من سكان مستعمرة (عطاروت) الواقعة إلى الجنوب من مدينة رام الله وعلى بعد بضعة أميال منها، فعبروا السهل الكائن شمالي قرية رافات، وراحوا يتربصون لباص رام الله عند نقطة قريبة من الطريق التي تربط رام الله بباب الواد. وعندما مرَّ الباص من هناك، قذفوه بعددٍ من قنابلهم، ثم راحوا يطلقون النار عليه من بنادقهم، إلا أنهم لم يصيبوا أحداً من ركابه بسوء. وعندما أرادوا العودة من حيث أتوا وكان الفجر قد لاح، خشوا أن يراهم المقاتلون من سكان (رافات) المرابطون على طرف ذلك السهل من الجنوب، فعبروا الوادي المعروف بـِ (وادي الدير)، ذلك الوادي الذي يفصل بين بيتونيا ورام الله. وعندما كانوا يصعدون التل المعروف بـِ (الماصيون) من أراضي رام الله، كان عددٌ من المناضلين من أبناء رام الله والبيرة قد سمعوا الخبر، وهرعوا إلى مكان الحادث، يتقدم الأولين الدكتور جليل بدران ولبيب حشمة، والآخرين عبد الدايم عبد الصمد وعبد الرؤوف إسماعيل. فأخذ فريقٌ منهم مواضعه على جبل (العباص) وفريق على جبل (الماصيون).

ونشبت معركة بين العرب واليهود كان النصر فيها حليف العرب. وتمكن المناضلون من قتل خمسة من اليهود هناك. وفرّ الباقون، فاتجهوا صوب الوادي (وادي الماصيون) ولكن المناضلين اقتفوا أثرهم. وكان في تلك اللحظة أن وصل إلى مكان الحادث عددٌ كبيرٌ من المناضلين من الجيب وبيتونيا ومن رافات والجديرة، فحاصروا اليهود، وقتلوا منهم ستة، واستسلم الباقون، فألقوا بنادقهم، ورفعوا أيديهم. ولما اقترب المناضلون منهم ليتسلموهم، رماهم أحد الجنود بقنبلة، وانبطح الخمسة الآخرون على بطونهم. الأمر الذي حدا بالمناضلين للارتياب، فقتلوهم. وبهذا يكون العرب قد قضوا على المهاجمين، ولم ينج منهم سوى اثنين. فعادا للمستعمرة يحدثان رفاقهما بما جرى. وصل إلى الميدان، والمعركة قائمة، قائد فرق الجهاد المقدس عبد القادر الحسيني. كما وصلت المكان نفسه مصفحة إنجليزية تحمل عدداً من رجال الأمن، معظمهم عرب، وبعضهم إنجليز، فحمل هؤلاء جثث القتلى، حملوها في سيارةٍ كبيرةٍ، وجاءوا بها إليّ. وكنت الحاكم المسؤول عن قطاع رام الله، فأمرت بتسليمها إلى أصحابها. وثبت من أوراق الهوية التي وجدناها في جيوب القتلى أن خمسة منهم من موظفي مصلحة البريد في القدس، وقد حصلوا على إذن من رؤسائهم كي يتغيبوا عن العمل لقضاء مصالحهم العائلية، واشتركوا في القتال، فلاقوا حتفهم.

واقتسم المناضلون الأسلحة التي غنموها في هذه المعركة. وكانت قسمةً ضيزى، إذ حصل أبناء (الجيب) على الشطر الأكبر من تلك الأسلحة –لقربهم من المكان- مع أن عبء القتال وقع على عاتق أبناء رام الله والبيرة أكثر من الجميع.

وذكر العارف أنّ المجاهد البيراوي عبد الصمد عبد الدايم أُصيب جراء انفجار قذيفة بشظية في وجهه وكان في ذلك الوقت قد بلغ السبعين من عمره.

شارك مجاهدو البيرة أيضاً في معركة الشيخ جرّاح، التي جرت في 13 نيسان 1948م وقتل فيها عددٌ كبيرٌ من اليهود، كانوا في قافلة متوجهة نحو الجامعة العبرية على جبل سكوبس. كما شاركوا في مهاجمة قافلة النبي يعقوب مع قوة من جيش الجهاد المقدَّس قادها الشيخ عبد الفتّاح المزرعاوي، وشاركوا في معركة الخضر، وفي هذه المعركة استسلمت قافلة يهودية لأحد أبناء البيرة الذي كان ضابط ارتباط لدى قيادة الجهاد المقدَّس، وشاركوا في معارك باب الواد وفي معركة القسطل، ومعارك الدفاع عن القدس الشرقية وضواحيها، وبعد استشهاد القائد عبد القادر الحسيني، انضمَّ مجاهدو البيرة لقيادة المقاتل الليبي الأصل، السوري الجنسية، طارق الإفريقي.

لجأ للبيرة خلال الحرب المئات من اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبرتهم العصابات الصهيونية على الخروج من مدنهم وأحيائهم وقراهم، ومن هؤلاء عددٌ من أهالي دير ياسين التي تعرضت لمجزرة بتاريخ 9 نيسان 1948م، ومنهم عددٌ من العائلات المسلمة التي كانت تسكن أحياء البقعة والقطمون وحي النمامرة. كما لجأت للبيرة العشرات من عائلات اللد والرملة ويافا.

وخلال الحرب، أغارت طائرات اليهود على رام الله والبيرة بتاريخ 26 أيار 1948م، وكان الجيش العربي قد اتخذ المنطقة مقراً لقيادته ومركزاً لحركاته، وعادت هذه الطائرات وأغارت مرةً أخرى في اليوم التالي، وهدفها الأساسي دار عودة التي اتخذها اللواء الرابع مقراً له.