معلومات عامة عن بَيتْ دَرَاسْ - قضاء غزة
معلومات عامة عن قرية بَيتْ دَرَاسْ
قرية فلسطينية مهجرة، كانت قائمة على رقعة مستوية من الأرض ترتفع بالتدريج نحو الغرب لتصبح تلاً، في منطقة السهل الساحلي الجنوبي، شمال شرقي مدينة غزة وعلى مسافة 32 كم عنها، بارتفاع لايزيد عن 50م عن مستوى سطح البحر.
قدرت مساحة أراضي القرية بـ 16357 دونم، كانت أبنية ومنازل القرية تشغل مساحة 88 دونم من مجمل تلك المساحة.
كانت قرية بيت دراس من أكثر القرى صموداً وبطيعة الحال أكثرها تعرضاً للقصف والهجوم من قبل العصابات الصهيونية، وقد كان ذلك منذ بداية عام 1948، إلا أن التاريخ المدون لاحتلال بيت دراس وتهجير أهلها عقب مجزرة دموية طالت أهلها كان في سياق عملية "براك" وذلك على يد جنود لواء "جفعاتي" يوم 21 أيار/ مايو 1948، على الرغم من استعادتها من قبل القوات المصرية ثم احتلالها من الصهاينة مرات عدة بعد ذلك التاريخ، ولكن أهل القرية تم تهجيرهم منها في ذلك التاريخ.
الحدود
كانت بيت دراس تتوسط القرى والبلدات التالية:
- قرية البطاني الغربي شمالاً.
- قرية البطاني الشرقي من الشمال الشرقي.
- قرية السوافير الشمالية شرقاً.
- قرية السوافير الغربية من الجنوب الشرقي.
- قرية جولس جنوباً.
- قرية حمامة من الجنوب الغربي.
- امتداد أراضي القرية إلى شاطئ البحر المتوسط غرباً.
- بلدة إسدود من الشمال الغربي.
سبب التسمية
بيت دراس أو بيت داراس: سبب التسمية
1- قرية بيت دراس: الأرجح أنها تحريف لكلمة (مَدْرس) بمعنى (بيدر أو جرن) لدراسته الحنطة، وجذر (دَرس) سامي مشترك معناه الأصلي (داَسّ- وضرب).
2- يعني اسمها مكان دراسة الحنطة، أو بيت درس الذرة، وهي تحريف لمَدرس أي: بيدر.
3- سُميت نسبة إلى بيت النبي إدريس عليه السلام والذي يقع في الشمال الشرقي من غزة على مسافة 46 كيلو متر، وقد ذكرت باسم تدارس في بعض المراجع القديمة.
العمران
- كانت في القرية مدرسة أنشئت عام 1932 م.
- في بيت دراس مسجدان أحدهما مسجد "الشيخ أبو ياسين" ويخدم آل المقادمة ومن حولهم، والمسجد الكبير ويسمى مسجد الشماملة، لأنه يخدم آل أبو شمالة ومن يجاورهم. كما كان في القرية موقع أثري يضم بعض الأسس الحجرية والغرف معقودة السقوف.
- فيها مقام أبو قفة ومقام له قبة تسمى قبة بردغة.
- في القرية مغارة قديمة طويلة يبلغ طولها نحو كيلومتر واحد.
- فيها خرب قديمة أثرية تحوي دبش وفخار قديم مثل خربة عودة وغياضة وبردغة.
- في شمال القرية واد يقطع القرية من الشرق إلى الغرب.
- كان في القرية موقع أثري يضم بعض الأسس الحجرية والغرف معقودة السقوف.
- في نهاية العهد العثماني وبداية عهد الاستعمار الإنجليزي بُني بالقرب منها أحد أقدم مطارات فلسطين والذي حوله اليهود إلى مطار عسكري ويعرف حالياً بمطار هاتزور العسكري.
- استخدمت العصابات الصهيونية المطار للإمدادات العسكرية قبل النكبة وكان يتم ذلك بسرية كاملة، واشتكى أهل القرية من هبوط طائرة روسية محملة بالذخيرة حيث تم إخفاء الأثار بوقت قصير جدا.
- تاريخياً بني المطار على أراضي تابعة لقرى قسطينة والبطاني الشرقي وياصور.
- لم يبق من أبنية القرية اليوم سوى أساس منزل وحيد، وبعض الحطام المتناثر. وتغطي النباتات البرية وبينها الصبار وأشجار الكينا المكان، ولا يزال أحد الشوارع القديمة على الأقل ماثلاً للعيان ويزرع سكان المستعمرات "الإسرائيلية" المجاورة أراضي القرية.
الآثار
الآثار في بيت دراس:
- تحتوي بيت دراس على أساسيات قديمة ومطامير - حفر أرضية - لتخزين الحبوب وغرف معقودة بالأقواس القديمة.
- استُخرج من أرضها الواقعة إلى الشمال (العروقية) آثارًا قديمة منها النحاسية، والفخارية.
- فيها خربة بردغة في الجزء الشمالي منها.
- على بعد كيلو متر تقريباً تحتوي على تل أنقاض وأساسات قديمة وقبة وخزان منهدم في أركانه أبراج مستديرة.
- فيها خربة غياضه بين اسدود وبيت دراس غرباً تحتوي على أساسات من الدبش وصهاريج وبئر قديم وشقف من الفخار.
- فيها أيضاً خربة عوده في الناحية الجنوبية منها، وتحتوي على بئر قديم وآثار أنقاض، وشقف فخار، دليل على أنها كانت مأهولة بالسكان معظمها كنعانية أو آرامية.
مساجد القرية:
كان فيها مسجدان كبيران هما:
- مسجد الشيخ عبد الله.
- مسجد الشماملة.
السكان
- قدر عدد سكان بيت دراس عام 1922 بـ 1670 نسمة.
- ارتفع في إحصائيات عام 1931 إلى 1804 نسمة، كانوا جميعهم من العرب المسلمين ولهم حتى تاريخه 401 منزلاً.
- في عام 1945 بلغ عددهم نحو 2750 نسمة.
- ثم سجل عام 1948 حوالي 3190 نسمة.
- في عام 1998 قدر عدد اللاجئين من أبناء القرية بحدود 19950 نسمة.
عائلات القرية وعشائرها
تتكون بيت دراس من أربع عائلات رئيسية وهي: بارود. المقادمة. أبو شمالة. عابد.
يرى باحثون أن هذه العائلات هي أصل عائلات بيت دراس، وبقية العائلات انحدرت منها أو التحقت بالقرية لاحقًا، ولعل تسمية الجرون والمسجد والمناطق تعزز هذا الرأي.
عائلات منحدرة من العائلات الأربعة أو عائلات أخرى من بيت دراس: العسكري وعبيد ونصار والحداد وزهد والحاج أحمد وسلامة ومنصور وداود وعابد وسعد وعائلة وادي وعائلة المشهراوي وأبو الكاس والبدرساوي وتايه. وكل عائلة تلتقي في المساء في ديوان خاص بها للتحدث والتشاور واستقبال الضيوف من داخل القرية وخارجها، ويرأس كل عائلة مختار مسموع الكلمة. وكان مختار هذه البلدة قبل النكبة محمود إسماعيل بارود رحمه الله.
صفات البدارسة:
- البدارسة معروفون بالشجاعة والكرم والمروءة.
- كبر الرأس: عرف عن سكان قرية بيت دراس الصلابة، وعناد الرأس، وقوة الشكيمة، وعن سبب الصفة التي يحملها أهل بيت دراس والمتمثلة بـ " كبر الرأس " قالت الحاجة آمنة الحاج احمد كايد أم حسن: إن أهل البلدة عاشوا في مرحلة مستقلة عن الآخرين وكان عندهم عنادة الرأس في كل شيء ولا يحب "البدرساوي" أن تنزل كلمته عند الزوجة أو العشيرة"، وهذه السمة تؤخذ على سبيل النكته وما اشتهر عن أهل القرية، وإلا فهم من السهولة والليونة بمكان.
- يتميز أهلها بالانتماء الصادق للوطن، والوفاء، والاستعداد الدائم للعطاء، وقد قدمت القرية مئات الشهداء والأسرى والجرحى، ولا يفتخر أهل بيت دراس إلا بشهاداتهم العلمية، وتضحياتهم الصادقة من أجل فلسطين، لذلك تجد أهل قرية بيت دراس رأس حربة لمعظم التنظيمات الفلسطينية، وهم في صف المقاومة، ويرفضون التفريط بذرة تراب من قريتهم التي اغتصبها الصهاينة.
- رجالها ونساؤها عاملون نشيطون، ويتصفون بالطيبة وحسن الخلق، وحسن المعاشرة، والسماحة، والابتسامة الرقيقة، أذكياء، أصحاب نكتة وفكاهة، والنساء كنّ يتعاونَّ مع الرجال في كل الأعمال، في الفلاحة، والزراعة، وتربية المواشي، وفي كافة نواحي الحياة العملية.
الحياة الاقتصادية
تربتها طينية خصبة وكان يجاورها من الشرق وادي السوافير والذي كانت تأتيه مياهه في الشتاء من أرض الدوايمه وملتقى وادي الخليل، فكان يحمل الطمي للأرض التي يمرُ بها مما يجعلها خصبة، ومن هنا كانت خصوبة أرض بيت دراس في الزراعة.
كانت تعتمد في مياه الشرب وسقي الزراعة على الآبار الارتوازية، فكان فيها عدة آبار، وعمق آبارها يتراوح بين (25-40) مترًا. وقد عملت أراضي القرية المستوية ومياهها الغزيرة على جعل الجزء الأكبر من أراضيها قابلة للزراعة، وكان سكانها يعملون غالبًا في الزراعة البعلية، كانت في القرية مطحنة آلية لطحن الحبوب.
إضاءة: يلحظ هنا أن كل أراضي القرية كانت مزروعة بمحاصيل مختلفة وليست أرضاً خالية.
كانت تشتهر بالزراعة ومن أهم منتجاتها:
- الحمضيات بلغت ما مجموعه 832 دونما.
- الزيتون.
- الفواكه بأنواعها.
- الخضر وات بأنوعها، حيث بلغت الحبوب بأنواعها بلغت ما مجموعه 472 دونما.
- تخصيص 832 دونمًا لنباتات الحمضيات والموز. و 14436 دونمًا للحبوب في حين تم بناء 88 دونمًا.
تجميع مياه المطر:
وكان فيها مكانان لتجمع مياه الشتاء:
- أحدهما في الناحية الشرقية وكان يسمى بركة الشماملة.
- الثاني في الناحية الغربية ويسمى بركة العوايدة، ذكرت في أكثر من ممصدر العوايدة ولعل الصحيح العبتبدة أو العوابدة نسبة لآل عابد.
كانت تمكث فيها مياه الأمطار لمدة طويلة، يسقى الناس منها مواشيهم وكانوا يغتسلون فيها ويغسلون ملابسهم.
بيادر القرية: وكان في القرية عدة بيادر واسعة (يسمى الواحد منها جرن) منها:
- جرن النصاصرة المتصل بجرن الشماملة نسبة لعائلة أبو شماله.
- جرن المقادمة نسبة لعائلة المقادمة.
- جرن العوابدة نسبة لعائلة عابد.
- جرن البواريد نسبة لعائلة بارود.
كانت تستعمل هذه لدرس الحبوب وإقامة الاحتفالات والأعراس، ومنشر للدواب في فصل الشتاء. أضف إلى ذلك أنها كانت ملاعب للرياضة، وذكر البعض أنها كانت تستخدم ساحة لمصارعة الثيران.
اهتمت القرية بالثروة الحيوانية ومن مجالات اهتمامها:
- تربية الأغنام.
- تربية البقر.
- الألبان.
- اللحوم.
- الصوف.
- تربية الدواجن المحلية بأنواعها.
- مزارع النحل.
إضافة للزراعة يعمل أهل القرية بالتجارة، والصناعة، ومنهم من يعمل في الصناعة الحجرية وبعض الغرف معقودة السقوف.
دفع الضرائب: كان البدارسة يدفعون الضرائب على عدد من الغلال كالقمح والشعير. بالإضافة إلى عناصر أخرى من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل وكروم العنب، إضافة إلى أنواع أخرى من الضرائب التي تظهر في الوثيقة التالية:
الحالة التجارية في القرية:
- محلات البقالة.
- محلات النجارة.
- محلات الخياطة.
- صالونات الحلاقة.
- محلات بيع اللحوم.
العلاقات التجارية والزراعية مع القرى والمدن المجاورة:
تمتع أهل بيت دراس من مزارعين وتجار بعلاقات تجارية مع أسدود والمجدل والفالوجة واللد والرملة ويافا وحمامه، كما كانت القرية مركزاً ريفياً للقرى المجاورة.
التعليم
كان السكان سابقا يستخدمون المسجدين كمدرسة إلى أن بُنيت مدرسة حديثة فيها بالحجر البلدي كمدرسة ابتدائية عام 1921، وكانت مؤهلة لأن تكون إعدادية وثانوية، في عام 1945 التحق بالمدرسة 234 طالبًا من البلدات المحيطة من قرى المجدل والسوافير، والبطاني، واسدود، وحمامة. الكثير من طلابها أتموا دراستهم في أسدود والمجدل وغزة ومنهم من سافر إلى مصر وتخرج منهم الأدباء، والمهندسون، والمدرسون والأئمة.
كان لفضيلة الشيخ عبد النبي صافي، مدير المدرسة وإمام المسجد الكبير، الفضل بعد الله تعالى في تثقيف أهالي هذه القرية وتعليمهم الفضائل والأخلاق الحميدة وأحكام الشريعة الإسلامية، والإصلاح بين الناس (وهو من قرية القسطينة) وقد مكث في القرية مدة طويلة حتى الهجرة.
التاريخ النضالي والفدائيون
التاريخ النضالي للقرية:
كان لأهل هذه القرية الدّور البطولي في الكفاح والنضال والجهاد في سبيل الله، فكان الواحد منهم يبيع أغلى ما يملك ليشتري السلاح والذخيرة وكان في القرية مركز للنجاده (مركز تدريب المتطوعين من الشباب) على فنون الحرب والقتال والتدريب على استعمال السلاح.
ولنسمع ما يقول أستاذنا مصطفى مراد الدباغ في كتابه بلادنا فلسطين في الجزء الأول – القسم الثاني عن أهالي هذه القرية: " ولأهالي –بيت دراس- ذكر بطولي في حروبهم مع اليهود إبان الحكم البريطاني المشؤوم، وبعد فكثير من المستعمرات اليهودية تقع في جوار هذه القرية، وأهلها عُرفوا بشجاعتهم وتضحياتهم فرأى اليهود مهاجمتها للتخلص منها فمن: 16/أذار إلى غاية 21/أيار عام 1948م هاجموها أربع مرات، وفي كل مرة كان النصر حليف البدارسة رغماً عن تفوق أعدائهم في عددهم وعدتهم ".
دافع الأهالي عن قريتهم ببطولة بين 16 آذار - 1948 و حتى 21 أيار - 1948 ضد هجمات لواء غيفعاتي يساعدهم المناضلون من أبناء القرى المجاورة مثل أسدود وحمامة والسوافير والبطاني الغربي و البطاني الشرقي والفالوج، وما يلي أهم المعارك التي خاضها هؤلاء المناضلون دفاعاً عن القرية:
- ففي أول أيار سنة 1948م جاء اليهود للمرة الثالثة بأعداد كبيرة يريدون احتلال القرية وتدميرها، وإزالة معالمها، فتمكنوا في بادئ الأمر من احتلال مدرسة القرية والتي تقع في ظاهرها بين أسدود وبيت دراس من الناحية الغربي، إلاّ أن أهل هذه القرية اضطروهم للتقهقر، وانتهت المعركة بنصر للعرب الذين أرادوا أن يقتفوا أثر المنهزمين من اليهود لولا أن هؤلاء (اليهود) قد استنجدوا بالقوات البريطانية القريبة منهم، فسرعان ما ذهب الإنجليز لنجدتهم (وهم حلفاؤهم) في ثلاث مصفحات، وكذلك هب لنجدة أهل بيت دراس في الوقت
- نفسه مناضلون من القرى المجاورة (اسدود وحمامه والسوافير و المجدل والفالوجه وعبدس) بل من كل مكان
- ولكن البريطانيين أسرعوا فوقفوا بين الفريقين يحولون دون اصطدامهما، وبهذا فقد أنقذوا اليهود من ورطة كبيرة، ويعلق الأستاذ/ عارف العارف الذي ننقل عن كتابه "النكبة" على هذه الحادثة يقول: " يلاحظ أن القوات البريطانية ما هبت للنجدة إلاّ عندما شعرت بأن اليهود في خطر، في حين أنها لم تفعل ذلك عندما كان العرب يقفون في مثل هذا الخطر ".
- وقد قُتل من اليهود في هذه المعركة المشهودة (340) قتيلا وجُرح منهم الكثير، وأما الشهداء فثمانية وجرحاهم اثنان وعشرون.
- في 27-28 آذار- 1948 م قامت قوات الهاجاناه الصهيونية بقصف بيت دراس بشكل عشوائي، وأوقع هذا الهجوم تسعة شهداء من سكان القرية كلهم غير مقاتلين.
- في 16 نيسان - 1948 م قام اليهود بهجوم استخدموا فيه أربعة مصفحات ثم انسحبوا بعد أن تعرفوا على درجة المقاومة عند الأهالي.
- في أول أيار - عام 1948 م هاجم اليهود القرية من محورين شرقي و غربي عند الفجر واستخدموا قوات مشاة كبيرة في الهجوم، وركزوا مدافعهم في موضع يسمى نصار وأخذوا من هناك يقصفون القرية من الشرق بينما زحف المشاة من الغرب فاحتلوا المدرسة وتقدموا تحت غطاء قصف مدافع البرن و المورتر وقاوم المناضلون بجرأة وثبات حتى استعادوا المدرسة وهب لنجدتهم رجال أشداء قدموا من أسدود وحمامة والسوافير والبطاني الغربي و البطاني الشرقي وإذ ذاك تقدمت القوات البريطانية وفصلت بين الطرفين وقيل أن اليهود خسروا في هذه المعركة 175 قتيلاً و للعلم فقد بنت إسرائيل نصباً تذكارياً لقتلاها في هذه المعركة قرب مكان المعركة لأهميتها و للعدد الكبير من الجنود اليهود الذين سقطوا فيها، بينما فقد العرب 8 شهداء و22 جريحاً وتعتبر هذه المعركة أكبر معارك ديار غزة قبل دخول الجيوش العربية.
ويذكر أيضاً مشاركة عدد كبير من الرجال من القرى المجاورة منهم من قرية حمامه في تلك المعركة الحامية مثل محمد طبيش صقر، فارس شحادة صقر، محمود الجعيدي، محمد حسين، إسماعيل النجار، صبحي عبد الباري، محمود الحاج مقداد، محمد إسماعيل مقداد، مصطفى القرم، عبد الوهاب الفار، حسن الزهار، محمد إبراهيم أبو ريالة، محمود إبراهيم أبو ريالة، إبراهيم عوض الله، حسن الندى أبو سلطان، محمد شحادة شامية، خليل المحروق أبو سلطان، عثمان أبو سلطان. وقد جُرح من أبناء حمامه في تلك المعركة اثنان هما، محمود إبراهيم أبو ريالة، محمود الجعيدي صقر.
واُصيب مع المختار حسين عقيل ابنه عبد الرحمن.
مذبحة بيت دراس: وفي 21 أيار- عام 1948 هاجم اليهود هذه القرية بقوات كبيرة تدعمها المصفحات وطوقوا القرية من أربع جهات لمنع وصول إمدادات إليها و ترافق الهجوم مع قصف مدفعي عنيف وزحف المشاة عليها من الغرب والجنوب، و بناء على شدة الهجوم و القصف فقد طلب مقاتلو القرية من النساء والأطفال والشيوخ مغادرة القرية بهدف تخفيف الخسائر بين العزل، وتحرك هؤلاء عبر الجانب الجنوبي من القرية، ولم يكونوا على علم بأن القرية مطوقة من مختلف الجهات، لذلك فما أن بلغوا مشارف القرية الخارجية حتى أمطرهم الصهاينة بالنيران، رغم كونهم نساء وأطفالاً شيوخاً عزل، وكانت مجزرة سقط فيها حوالي (260)شهيداً.
وأحرق اليهود بيادر القرية ونسفوا عدداً كبيراً من بيوت القرية وأبلى البدارسة بلاء اًحسنا، رغم عدم تمكن القرى المجاورة من إمدادهم، بسبب تطويق القرية، كما قيل أن القوات الصهيونية التي هاجمت القرية من الغرب كانت ترفع العلم العربي فانخدع بها مقاتلو القرية وظنوها إمدادات عربية لكنها ضربتهم حين اقتربت منهم، و قد نفذت القوات الصهيونية مذبحة انتقامية في القرية بعد احتلالها حيث جمع عدد من سكان القرية في مسجد القرية و أُعدموا ميدانياً. بعد احتلال القرية بدأ سكان بيت دراس ينزحون عن قريتهم إلى أسدود وحمامة. كما سببت سيطرة اليهود على قرية بيت دراس و المجزرة التي نفذت في القرية بعد احتلالها حالة من الخوف في القرى المحيطة ببيت دراس مثل قرى البطاني الغربي و الشرقي والسوافير وجولس مما تسبب في ترك سكانها لقراهم خوفاً من مجازر مشابهة. واستنادا إلى المؤرخ "الإسرائيلي" بني موريس فإن لواء غفعاتي عمد إلى قصف بيت دراس بالمدفعية قبل شن هجوم بري عليها أدى إلى احتلالها في 10 أيار\ مايو 1948. ويقول بني موريس إن السكان فروا خلال الهجوم وإن منازلهم نسفت في أثناء (تطهير) جبهة غفعاتي الجنوبية ذلك بموجب خطة (دالت) وجاء في الرويات المصرية أن القوات "الإسرائيلية" لم تحتل القرية إلا بعد زمن قليل من بدء الهدنة الأولى في 11 حزيران \ يونيو.
وجاء في مذكرات ضابط الأركان في الكتيبة السادسة المصرية جمال عبد الناصر (الذي أصبح لاحقا رئيسا للجمهورية المصرية), أن القوات "الإسرائيلية" انتهزت الهدنة فرصة لتعزيز قوتها في تلك المنطقة فاحتلت بيت دراس وكان في نية القوات العربية أن تستعيد بيت دراس بعد انتهاء الهدنة في 9 تموز\ يوليو, غير أنها أخفقت جراء (سخرية قوة سودانية بهجوم ليلي لاحتلال القرية,وأن تطلق من ثم إشارة من الضوء الأخضر دلالة على النجاح فتتقدم حينئذ الكتيبة السابعة المصرية لتعزيز النصر. أما في حال الفشل فكان من المفترض إطلاق إشارة من الضوء الأحمر وكان على القوة السودانية عندها أن تنسحب للسماح للمدفعية بالتداخل. وقد احتلت القوات السودانية بيت دراس فعلا, غير أن الجندي الموكل بالمهمة ارتكب خطا فأطلق إشارة الضوء الأحمر بدلا من إشارة الضوء الأخضر وهكذا بدأت المدفعية المصرية قصف المنطقة مرغمة السودانيين على الانسحاب من المواقع التي احتلوها.
معركة بيت دراس:
صد مناضلونا مع أهالي بيت دراس اليهود المهاجمين وكبدوهم عدة اصابات وسقط ثلاثة شهداء من أهالي بيت دراس وجريح واحد من أهالي حمامه ، هو محمود حسين أبو رياله . ويبدو أن ذلك كان كجس نبض من قبل اليهود الذين جاءوا بعد ذلك بقوات كبيرة من عدة جهات وبمصفحات قتالية بهدف العمل على احتلال بلدة بيت دراس ، وراحوا يمهدون لذلك بقصف مدفعي كثيف على بيت دراس مما مكنهم في البداية من الوصول إلى أطراف البلدة بل واحتلوا مدرستها ، واستمرت المعركة حامية وهب المناضلون من كل سكان القرى المجاورة لنجدة بيت دراس ، ودارت معركة حامية دحر فيها اليهود وتكبدوا خسائر جسيمة وانسحبوا . اشترك من مناضلي حمامه في تلك المعركة الحامية كل من ، محمد طبيش صقر ، فارس شحادة صقر ، محمود الجعيدي ، محمد حسين ، إسماعيل النجار ، صبحي عبد الباري ، محمود الحاج مقداد ، محمد إسماعيل مقداد ، مصطفى القرم ، عبد الوهاب الفار ، حسن الزهار ، محمد إبراهيم أبو ريالة ، محمود إبراهيم أبو ريالة ، إبراهيم عوض الله ، حسن الندى أبو سلطان ، محمد شحادة شامية ، خليل المحروق أبو سلطان ، عثمان أبو سلطان . وكانت هذه المعركة من أكثر المعارك شراسة حيث قتل فيها من اليهود مائتين واربعين وفي قول آخر أن قتلاهم لم يتجاوزوا المائة وخمس وسبعين فقط . وقد جرح من أبناء حمامه في تلك المعركة اثنان هما ، محمود إبراهيم أبو ريالة ، محمود الجعيدي صقر . على اثر تلك المعركة بدأ سكان بيت دراس بالرحيل إلى حمامه واستقبلهم الاهالي بالترحاب وفتحوا لهم دورهم . وبعد أن وصلت الامدادات من أمريكا لليهود عاودوا الهجوم على بيت دراس واحتلوها وهكذا سقطت القرية الاسطورة .
فدائيو بيت دراس: من مشاهير مجاهديها ورجالاتها:
- الشهيد نواف محمود بارود ابن مختار البلدة، وعبد اللطيف أبو الكاس (1926 ـ 1956م) الذي شارك في الدفاع عن بلدته، وبقي يعمل فيما بعد فدائياً حتى استشهد سنة 1956م خلال هجوم اليهود على خان يونس أثناء العدوان الثلاثي.
- من مشاهير مجاهديها عبد اللطيف أبو الكاس (1926 ـ 1956م) الذي شارك في الدفاع عن بلدته.
- يوسف محمد صالح.
- المناضل الشهيد: محمد أبو السلميّة.
- المناضل الشهيد: محمد العُقفي.
- المناضل الشهيد: علي عبد الله عمار (والد العقيد: جبر عمار من كبار مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي بفلسطين).
- البطل المقدام الشهيد: عطية داود الجزار فقد تسلل بين الزروع والأشجار حتى وصل زحفاً إلى جيش اليهود ولحق بمن يحمل مدفع الهاون، وضربة ببلطة اللحم وأخذ المدفع منه وأحضره للمناضلين، وهكذا كانت البطولات فرحمة الله عليه رحمة واسعة وأسكنه
- الشيخ جبر عمار أبو علي.
- الشهيد إبراهيم المقادمة.
- الشهيد صلاح طلب نصار المقادمة.
- الشهيد اكرم منسي نصار المقادمة.
- الشهيد زاهر نصار المقادمة.
- الشهيد صلاح نصار المقادمة.
- الشهيد ياسين نصار المقادمة.
- الشهيد اكرم نصار المقادمة.
- الشهيد فادي نصار المقادمة.
- الشهيد باسل خليل اليازوري.
- الشهيد أحمد خليل اليازوري.
- الشهيد العقيد راجح بارود.
- والشهيد المقاوم مؤمن بارود.
- الشهيد أحمد دياب الحداد المقادمة.
- الشهيد جميل وادي المقادمة.
- الشهيد عبد الرحيم محمد يوسف الحداد، الذي استشهد عام 1969 في مزارع الموز في اريحا أثناء قيامه مع مجموعة من الفدائيين بعملية استشهدوا على إثرها.
- ومن الشهداء الذين صدوا العدوان الصهيونى عن قرية بيت دارس ودافعوا عنها بباسلة وعزيمة صلبة الشهيد على عبد الله عمار.
- الشهيد حسين خالد يوسف سعد وهو من أقوى رجال بيت دراس توفي سنة 1922 واشتهر بهجماته على اليهود وقتله واحد اسمه جيليو سيزر.
- أحمد الصليبي أبو مثقال كان حكمدار فدائيي غزة في فترة النضال ما بين النكبة في سنة 1948- 1967 و انتقل إلى ساحات النضال في الشتات و ما زال شاهدا حتى يومنا هذا.
- ومن أبنائها الشاعر المبدع عبد الرحمن بارود رحمه الله.
- وينسب إلى أهالي قرية بيت دراس البطل عبد اللطيف أبو الكاس (1926م-1956م) الذي اشترك في صد هجمات العدو المتوالية والتي ركزّها الأعداء على قريته.
- وبعد النكبة انخرط هذا المناضل البطل في قوة الفدائيين ودخل أرض الوطن المغتصبة عشرات المرات قام في أثنائها بأعمال فدائية أبرزها نسف الكثير من منشآت العدو في المجدل وفي منطقة اللد وروبين، وعندما وقع العدوان الثلاثي على سيناء وقطاع غزة عام 1956م، صمدت حامية خان يونس بقيادته طويلاً حتى النهاية، وقاتل هذا البطل حتى لم يبق معه طلقة واحدة وجعل يلقي الحجارة عليهم من أعلى قلعة برقوق المشهورة بخان يونس حتى استشهد بشرف وشجاعة وقد أصابته رصاصات العدو، فاستقبل ربه بدم الشهادة الطاهرة في روح وريحان وجنات النعيم، فرحمة الله عليه وعلى الشهداء الأبرار المخلصين، والله نسأل أن يعوضنا عنهم كل خير يا رب العالمين.
نضال المرأة في بيت دراس:
ابنة بيت دراس في عام 1948 "المناضلة لطيفة العبد أبو شنب وادي" كانتتحمل السلاح في معركة بيت دراس الأولى ولقنت العدو في ذلك درساً قاسياً.
المصابون في معارك بيت دراس:
وفي معارك بيت دراس عام1948 أصيب عدد كبير عرف منهم المصاب سعيد محمد يوسف الحداد والدى أصيب بجوار مدرسة بيت دراس.
تاريخ القرية
بيت دراس في التاريخ:
- تم العثور على قبر يعود إلى العصر الهلنستي، ربما من النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، وحفر في الموقع.
- كانت بيت دراس موقعًا أثريًا يحتوي على أساسات حجرية وغرف مقببة.
- هذه القرية قديمة ذات آثار خالدة وتاريخية، سكنها أجدادنا الكنعانيون ومن بعدهم استولى عليها الرومان حتى دخلت الإسلام في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعن طريق بيت دراس مرت جيوش الفراعنة، وجنود آشور وبابل، ومن بعدهم الفرس، واليونان، والرومان وعليها رفعت أعلام العرب نتيجة للمعارك التي وقعت فيها.
- يقال أن معاوية بن أبي سفيان مر عنها في فتوحاته لبلاد الساحل.
- في الحروب الصليبية كانت بيت دراس قلعة من قلاعهم كما كانت في عهد المماليك مركزاً من مراكز البريد بين غزة ودمشق وذكرت حينئذ في التاريخ باسم تدراس.
- قال صاحب صبح الأعشى: من غزة إلى الحنيين (بيت حانون) وهو مركز بريد، ومنها إلى بيت دراس، وكان بها خان بناه ناصر الدين خزندار تنكز.
- أثناء الحكم المملوكي لفلسطين 1205-1517 شكلت بيت داراس جزءًا من طريق بريد من القاهرة إلى دمشق.
- عام 1325 بنى فيها المماليك خانا.
- عام 1517، تم دمج بيت دراس في الإمبراطورية العثمانية مع بقية فلسطين.
- عام 1596 ظهرت القرية في سجلات الضرائب العثمانية على أنها تقع في ناحية "منطقة فرعية" في غزة تحت لواء غزة.
- زار المستكشف الفرنسي فيكتور غيران القرية عام 1863 ووجد أنها تضم 700 نسمة.
المجازر في القرية
مذبحة بيت دراس
يشككل بعض الباحثين أو أهالي القرية بحدوث هذه المجزرة، لكن المؤكد أن القرية استهدفت عدة مرات من العصابات الصهيونية وبعض الأخبار التي نشرتها الصحف وذكرنا طرفا منها هنا تعزز وجود المجزرة
شمال شرق غزه 21/05/1948 وصلت قوة صهيونية معززة بالمصفحات، إلى قرية بيت داراس وطوقتها لمنع وصول النجدات إليها، ثم بدأت تقصفها بنيران المدفعية والهاونات بغزارة كبيرة، فشعر أهل القرية. بحرج الموقف وقرروا الصمود والدفاع عن منازلهم مهما كلف الأمر، لذلك فقد طلبوا من النساء والأطفال والشيوخ مغادرة القرية بهدف تخفيف الخسائر بين العزل، وتحرك هؤلاء عبر الجانب الجنوبي من القرية، ولم يكونوا على علم بأن القرية مطوقة من مختلف الجهات، لذلك فما أن بلغوا مشارف القرية الخارجية حتى تصدى لهم الصهاينة بالنيران، رغم كونهم نساء وأطفالاً وشيوخاً عزل، وكانت حصيلة المواجهة260 شهيداً
المرجع
موسوعتي
شهداء من القرية
فدائيو بيت دراس: من مشاهير مجاهديها ورجالاتها:
- الشهيد نواف محمود بارود ابن مختار البلدة، وعبد اللطيف أبو الكاس (1926 ـ 1956م) الذي شارك في الدفاع عن بلدته، وبقي يعمل فيما بعد فدائياً حتى استشهد سنة 1956م خلال هجوم اليهود على خان يونس أثناء العدوان الثلاثي.
- من مشاهير مجاهديها عبد اللطيف أبو الكاس (1926 ـ 1956م) الذي شارك في الدفاع عن بلدته.
- يوسف محمد صالح.
- المناضل الشهيد: محمد أبو السلميّة.
- المناضل الشهيد: محمد العُقفي.
- المناضل الشهيد: علي عبد الله عمار (والد العقيد: جبر عمار من كبار مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي بفلسطين).
- البطل المقدام الشهيد: عطية داود الجزار فقد تسلل بين الزروع والأشجار حتى وصل زحفاً إلى جيش اليهود ولحق بمن يحمل مدفع الهاون، وضربة ببلطة اللحم وأخذ المدفع منه وأحضره للمناضلين، وهكذا كانت البطولات فرحمة الله عليه رحمة واسعة وأسكنه
- الشيخ جبر عمار أبو علي.
- الشهيد إبراهيم المقادمة.
- الشهيد صلاح طلب نصار المقادمة.
- الشهيد اكرم منسي نصار المقادمة.
- الشهيد زاهر نصار المقادمة.
- الشهيد صلاح نصار المقادمة.
- الشهيد ياسين نصار المقادمة.
- الشهيد اكرم نصار المقادمة.
- الشهيد فادي نصار المقادمة.
- الشهيد باسل خليل اليازوري.
- الشهيد أحمد خليل اليازوري.
- الشهيد العقيد راجح بارود.
- والشهيد المقاوم مؤمن بارود.
- الشهيد أحمد دياب الحداد المقادمة.
- الشهيد جميل وادي المقادمة.
- الشهيد عبد الرحيم محمد يوسف الحداد، الذي استشهد عام 1969 في مزارع الموز في اريحا أثناء قيامه مع مجموعة من الفدائيين بعملية استشهدوا على إثرها.
- ومن الشهداء الذين صدوا العدوان الصهيونى عن قرية بيت دارس ودافعوا عنها بباسلة وعزيمة صلبة الشهيد على عبد الله عمار.
- الشهيد حسين خالد يوسف سعد وهو من أقوى رجال بيت دراس توفي سنة 1922 واشتهر بهجماته على اليهود وقتله واحد اسمه جيليو سيزر.
- أحمد الصليبي أبو مثقال كان حكمدار فدائيي غزة في فترة النضال ما بين النكبة في سنة 1948- 1967 و انتقل إلى ساحات النضال في الشتات و ما زال شاهدا حتى يومنا هذا.
- ومن أبنائها الشاعر المبدع عبد الرحمن بارود رحمه الله.
- وينسب إلى أهالي قرية بيت دراس البطل عبد اللطيف أبو الكاس (1926م-1956م) الذي اشترك في صد هجمات العدو المتوالية والتي ركزّها الأعداء على قريته.
- وبعد النكبة انخرط هذا المناضل البطل في قوة الفدائيين ودخل أرض الوطن المغتصبة عشرات المرات قام في أثنائها بأعمال فدائية أبرزها نسف الكثير من منشآت العدو في المجدل وفي منطقة اللد وروبين، وعندما وقع العدوان الثلاثي على سيناء وقطاع غزة عام 1956م، صمدت حامية خان يونس بقيادته طويلاً حتى النهاية، وقاتل هذا البطل حتى لم يبق معه طلقة واحدة وجعل يلقي الحجارة عليهم من أعلى قلعة برقوق المشهورة بخان يونس حتى استشهد بشرف وشجاعة وقد أصابته رصاصات العدو، فاستقبل ربه بدم الشهادة الطاهرة في روح وريحان وجنات النعيم، فرحمة الله عليه وعلى الشهداء الأبرار المخلصين، والله نسأل أن يعوضنا عنهم كل خير يا رب العالمين.
العادات والتقاليد في القرية
عادات الأفراح:
- يمكث الفرح عندهم أياما طويلة قد يستمر أسبوعا أو أسبوعين (بين السامر، والدبكة، والأهازيج البلدية، والرقص، والغناء، والتمثيل) كل ذلك بأدب وحشمة بعيداً عن مظاهر الفحش والبذاء.
- الكل يشتركون في الفرح: نساءٌ ورجال، صغار وكبار.
- يذبحون الذبائح ويقدمونها لبعضهم هدايا في الأفراح.
- كان العريس يُغسّلُ يوم عرسه عند أصحابه أو أقاربه، وبعد الحمام يُزّف حتى بيته. يخرج الرجال والنساء يحملنّ باقات الزهور (وأم العريس أو أخته تحمل صينية فيها ملح وشعير تلقيه هنا وهناك من فوق الرؤوس دفعاً للحسد والعين) ويتجول الرجال والأطفال والشيوخ والخيّالة بالعريس (أثناء زفافه) شوارع القرية بين الأهازيج والفناء والرقص والدبكة، ومسابقة الخيول، والرجال يتقدمون النساء. وإذا مرَّت الزفة بحي أوقفها شباب هذا الحي وشاركوهم فرحة أهل العريس بتقديم الشراب وتوزيع الحلوى عليهم.
- وبعد توصيل العريس إلى بيته، يذهبون جميعاً ليحضروا العروسة من بيت أهلها، وإذا كانت العروسة من أهل البلد يحضرون لها حصانًا أو فرسًا مزينة بأبهى الزينة، وإن كانت من خارج البلد يحضرون لها هودجاً([7]) على ظهر الجمل مزخرفاً مزيناً بأبهى الزينة، وتزف العروسة حتى بيت عريسها واضعة العباءة على رأسها وتحمل السيف بيدها بين عينيها رمز البطولة والشهامة لهذه البلدة.
- ليلة الحناء عند العروسة في بيت أهلها ياما أحلاها، إنها ليلة مشهودة يجيء أهل العريس عصر يوم ليلة الحنة نساء ورجال وأطفال، مغنين الأهازيج ومعهم الحنة والسكر والرز والشاي وعشاء العروسة تلك الليلة، ويستقبلهم أهل العروسة بمنتهى البهجة والفرح والترحاب ويقدمون لهم الشراب والقهوة، وفي تلك الليلة تكون العروسة قد دعت كل صحبتها من البنات أترابها، فيحضرن ويبتن عندها، ويشاركنها الفرح بالغناء والرقص، وتقوم الماشطة بحنة العروسة وتزويقها (الشعر واليدين والرجلين حتى الخلاخيل) وكذلك كل الحاضرات من البنات والنساء بين الأهازيج والغناء والرقص (وللحنة أهازيج خاصة وألحان جميلة، وترانيم جيدة مطربة) وتوزع الحنة على جميع الجيران والأحباب، ويستمر الفرح حتى طلوع فجر ذلك اليوم (يوم العرس) ثم تقوم الماشطة بتغسيلها وتسريح شعرها وتزويقها وتهيئتها لعريسها.
- من عاداتهم الجميلة أيضاً أن صاحب العريس أو قريبه الذي قام بتغسيله في بيته يرسل وليمة العشاء أو فطور الصباح للعروسين من الطعام الشهي أو الحلويات المصنوعة محليًا.
عادات الأتراح"المآتم":
في المآتم يقدمون لآل الميت الطعام والشراب طيلة أيام العزاء كأنهم عائلة واحدة.
عادات الحصاد: وفي مواسم الحصاد أو جني البرتقال أو الزيتون يتجمع الكثير من أهالي البلد (الرجال والنساء، الصغير والكبير) كل يوم عند واحد منهم حتى ينجز حصاده.
عادات رمضان:
في شهر رمضان المبارك يتجمع الرجال في ساعة الإفطار في الدواوين (كلٌ يأتي بطعامه مهما كان نوعه) ويجتمعون على مائدة واحدة يأكلون من طعام بعضهم البعض، ثم يقومون لصلاة المغرب جماعة وبعد ذلك يتجمعون ثانية في المساجد أو جماعات على البيدر (الجرن، إذا كان الوقت صيفاً) لصلاة التراويح.
عاداتهم في الأعياد:
كانوا يحملون الحلويات يوم العيد لبعضهم في الدواوين حيث كان لكل عائلة ديوان يستقبلون فيه بعضهم بعضاً أو أضيافهم من الخارج، وكان الضيف يوزع (بالعزومة) على الأهل جميعاً كل يوم له وليمة عند واحد منهم حتى يرجع إلى موطنه.
روايات أهل القرية
رواية - قمر بيت دراس للروائي عبدالله تايه:
رواية "قمر بيت في دراس"، توضأت معي لصلاة الفجر، بينما كان يحاول الروائي عبدالله تايه إقناعي بكل وسائل الإقناع الممكنة، أن أهالي بيت دراس قاوموا اليهود الغزاة بكل قوة، وإن سقوط القرية لم يكن نزهة، ولا مشاجرة تم حسمها بسرعة لصالح من يمتلك الطيران والمدافع والدبابات، والمدعوم بالتاج البريطاني، بل إن القرية خاضت أربع مواجهات ساخنة أبطالها الأهالي العزل إلا من ببعض الأسلحة البدائية، يقابلهم عساكر الكبانية ( مستعمرة إسرائيلية) وحسب المعلومات الموثقة فإن واحدة من هذه المعارك كانت الأشد ضراوة بين العرب و اليهود في عموم لواء غزة وبئر السبع، هي المواجهة التي وقعت في الأول من مايو/ أيار من عام 1948، واستشهد فيها 8 من أهالي القرية، مقابل 175 مسلحًا معاديًا، هذا الفارق الكبير بين الفريقين يؤكد بسالة أهل بيت دراس، ورغم أن الزمن والبيئة متأخران في إبراز دور المرأة بحكم الوعي أيامها، إلا أن المرأة في بيت دراس أعطت نموذجًا مشرقًا لعموم النساء في فلسطين، فهي ملقمة البارودة، ومضمدة الجراح، ومشعلة القناديل، وحاملة النبوت، والمتصدية لدانات الهاون، حتى الأطفال شاركوا في هذه المعركة، التي لم تكن مجرد معركة عادية، ويمكن بكل فخر أن نقول عنها، معركة حققت انتصارًا حقيقياً وأخرت احتلال بيت دراس.
الرواية السابحة في فترتين تاريخيتين ( العثماني والبريطاني) قبل الصهيوني، كشفت لنا عمق المعاناة التي كان يعيشها شعبنا في فلسطين، وتعرضه للويلات، والمضايقات، والاستغلال الخارجي، ولكنها في الوقت ذاته، قدمت صورةً لائقة بكفاح الفلسطينيين، منذ الثورة الكبرى في عام 1936، إلى عشية الهجرات الداخلية ومن ثم الخارجية بسبب المجازر الدموية، والملاحقات القاتلة، وهنا يثبت الكاتب ما يريد أن يمسحه من الذاكرة الاحتلال الإسرائيلي، وهو استخدام أحدث أنواع الأسلحة آنذاك كالطيران، والهاون، والدبابات، والرشاشات، في الوقت الذي لا يمتلك فيه الفلسطينيون إلا رشاشات بسيطة وبدائية من الزمن العثماني، وأطراف الجيش البريطاني.
كما أن الأمانة تقتضي أن نقول إن الروائي عبدالله تايه لم يكتب روايته اعتباطًا ولا من ترف، ولكن تركيزه الشديد في الأسماء والأحداث، والتصوير الدقيق للمعالم، والبيئة، والعلاقات بين الناس، ورسم التضاريس الجغرافية للقرى، وأسماء الحواري، وشركات المواصلات، وطبيعة عمل الأهالي، وتفاصيل كثيرة، تؤكد لنا أنه أراد شيئًا جديًا وليس استعراضيًا، وهو أن الفلسطيني قاوم وواجه ولم يبع أرضه لليهود، ولم يتنازل عن شبرٍ ولا كوشان، في هذا الميدان استطاع الروائي أن يتحول إلى بطل وشاهد على مفصل تاريخي غير وجه المنطقة العربية بأسرها، وما احتلال فلسطين إلا مقدمة لمؤامرة كبرى تُحاك ضد الأمة العربية.
واقعية عبدالله تايه في "قمر في بيت دراس" واضحة دون تلميع ولا تزييف، ولا فزلكة بلاغية، همّه انصب في إخراجٍ مميزٍ للشخصيات والأحداث، بطريقة مقنعة، وجلية للقارئ العربي، وإن أعطى الكثير من الرمزيات المهمة، كوجود العثماني في فلسطين، واشتراك الجيوش العربية في إفشال المخطط الصهيوني، وإبقاء صافية في الوطن بعد الهجرة، وعودة عقل أبو محمد( المكحل) للبحث عنها وانقطاع أخبارهما في الرواية، وغيرها من دلالات تقول أن المعركة في بيت دراس لم تتوقف بعد، حتى ولو كان المخيم والشتات أطول عمرًا من أجيالٍ لم تعش النكبة ولكنهم وارثوها.
كما أن الرواية تصلح لتكون تغذية راجعة للواقع العسكري والسياسي الذي كان يعيشه الشعب الفلسطيني قبل النكبة، وأنهم لم يقفوا مكتوفي الأيادي أمام المؤامرة، بل شكلوا أحزابهم، وصحفهم، وأقاموا مدارسهم، ونشروا علمهم حتى في القرى النائية، وخاضوا معركة الوجود، والحفاظ على الهوية الوطنية بكل جدارة، حتى أن الرواية كشفت عن ملوك الهزيمة العرب الذين ضغطوا على الفلسطينيين لإنهاء إضرابهم الكبير في عام 1936م، وعن صمودهم أمام التعنت البريطاني، واستهلال احتلال اليهود لفلسطين بقرارات مصيرية باسم المندوب السامي، كفتح باب الهجرة إلى فلسطين أمام اليهود، وتسهيل إقامتهم للتجمعات الزراعية، والمصانع، واستيلائهم على الأرض، مقابل محاسبة الفلسطيني على شق ممر للمشاة في أرضه، وتعريضه للاعتقال والكرباج، وإيقاع ذات البين بشحن الناس بعضهم على بعض، وفق نظرية الفرنسيين ( فرق تسود).
الرواية الصادرة في عام 2001 عن الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، غطت فترة عصيبة من حياة الشعب الفلسطيني، بتقديم قرية بيت دراس كصورة يمكن تعميمها على سائر القرى الفلسطينية التي تعرضت للاغتصاب، والقصف، والتدمير وما بعده من تهجير، رغم أن الاختلاف على وقائع ما حدث ممكن الحديث عنه بموجبات البحث والدراسة، ولكن على عموم الواقع الواحد في فلسطين زمن النكبة يمكن القول إن المقاومة والعمل في المستعمرات كانا اضطراراً لطرد العوز والجوع، والعيون التي عملت لصالح المحتل قليلة أمام غلبة الوطنيين ورفع مستوى الوعي في المجتمعات الفلسطينية، ولكن من باب النزاهة والأمانة الأدبية استحضر الكاتب بعض الصور الشاذة، وترك الحكم عليها للكرباج، والفلسطيني حتى لو خرج من بيت دراس لن يتخلى عن وادي غزة، والدفاع عنه سابق النكبة، كما فعل جبر المنصور زمن العثماني، قبل احتلال قريته الوادعة.
حكاية اللجوء في حياة الفلسطينيين لا تنقطع، وكتّابها الرافضون لثقافة المخيم والمنفى، ورمي المفاتيح العتيقة في البحر، وحرق الكواشين، باقون رغم أوسلو وما جاءت به من اتفاقيات ضرب بها الإسرائيلي عرض الحائض، لتواجه الرواية الأصيلة، الرواية المزيفة، وكبرهان لا غبش فيه على أنّ حق العودة باقٍ، ولو ترهلت رقاب الأولين وجحظت عيونهم من الشيخوخة، فهم إلى غدٍ قريبٍ ذاهبون، ومن هنا تؤكد الرواية على ثابت كل فلسطيني أن أجداده والآباء لبعضهم، لم يقصّروا بالدفاع عن أرضهم، ولم يخرجوا منها إلا بعد مجازر شنيعة، و بخديعة كبرى مورست عليهم، على وعد أن يعودوا إلى ديارهم قبل أن يجوع الحصان المتروك وحيدًا لحراسة البئر.
رواية تستحق أن تدرس ضمن مناهجنا التعليمية، كما يستحق كاتبها جائزة فلسطين للتميز والإبداع
مع شهود من القرية
الحاجة آمنة الحاج احمد كايد أم حسن:
على فراش مرضها في بيتها الكائن في حي الزيتون تحاملت الحاجة أم حسن (80 عامًا) على أوجاعها ومرضها، وبدأت تروي قصتها عندما هاجرت برفقة عائلتها من بيت دارس جنوب فلسطين المحتلة إلى مدينة غزة، وكأنها تريد أن تقول "إن كل ألم ووجع يهون أمام ألم الهجرة والنكبة".
تروى الحاجة آمنة الحاج أحمد حكاية النكبة، التي عاشتها وهي ابنة الرابعة عشر عامًا وكأن ما حصل كان بالأمس القريب. تفاصيل صغيرة كانت كافية لِتُنقل للأجيال والأحفاد وأن يحفظوا معها حقهم الذي سُلِبوه من الاحتلال. فعلى فراش مرضها في بيتها الكائن في حي الزيتون تحاملت الحاجة أم حسن (80 عامًا) على أوجاعها ومرضها، وبدأت تروي قصتها عندما هاجرت برفقة عائلتها من بيت دارس جنوب فلسطين المحتلة إلى مدينة غزة، وكأنها تريد أن تقول "إن كل ألم ووجع يهون أمام ألم الهجرة والنكبة".
هم الأشخاص أنفسهم الذين عاشوا أحداث النكبة، تتجدد ذكرياتهم وتزداد آمالهم رغم مرور عام جديد على تلك المأساة، إلا أنهم ما زالوا يحملون الذكريات الأجمل لطفولتهم وألعابهم وعاداتهم وتقاليدهم متمسكين بالحلم الأصعب المتمثل بحق العودة إلى أرض الآباء والأجداد، عدا عن احتفاظهم بمفاتيح الديار وشهادات الطابو القديمة وتعزيز العودة لدى نفوس أبناءهم وأحفادهم.
وصف القرية:
بدأت الحاجة أم حسن بتعريف قريتها قائلةً: "قرية بيت دراس فلسطينية الأصل، وتعني مكان دراسة الحنطة، ويرجع سبب تسميتها لوجود بيت سيدنا إدريس عليه السلام"
وتضيف تقع القرية إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة، وتبعد عنها ما يقارب 32 كيلومتراً، وترتفع 50 متراً عن سطح البحر، وتبلغ مساحة أراضيها 88 دونما".
وتحيط بالقرية حدائق وبساتين الحمضيات وأراضي قرى المجدل والسوافير، والباطني، وأسدود، وحمامة، وترتفع بالتدريج من الغرب إلى الجنوب الغربي لتصبح تلاً.
وتابعت: "بيوت القرية كانت من الطوب، وبها مسجدان ومدرسة ابتدائية واحدة، جلُ أراضيها صالحة للزراعة بسبب الأمطار الغزيرة، كما اشتهرت بزراعة القمح والشعير، وطعام المفتول والكسبر "اللحم".
البدرساوي:
وعن سبب الصفة التي يحملها أهل بيت دراس والمتمثلة بـ " كبر الراس " قالت الحاجة إن أهل البلدة عاشوا في مرحلة مستقلة عن الآخرين وكان عندهم عنادة الرأس في كل شيء ولا يحب "البدرساوي" أن تنزل كلمته عند الزوجة أو العشيرة.
احتلال القرية، تقول الحاجة أم حسن: "لبيت دراس ذكرى بطولية في حروبهم مع اليهود إبان الحكم البريطاني، فكثير من المستعمرات اليهودية تقع في جوارها، وقد عرف أهلها بالشجاعة والتضحية".
وتتابع: "ارتأى اليهود آنذاك التخلص من هذه القرية، لأنها تمثل حلقة الوصل بين المستعمرات، فبدأ الاحتلال بقصف القرية بالهاون بشكل عشوائي فاستشهد العديد من المدنيين واحترقت بساتين القمح والشعير نتيجة القصف".
هوجمت القرية أربع مرات حيث بدأ الهجوم من 16 إلى 21 مايو، وفي كل مرة كان أهل القرية ينتصرون على الاحتلال، رغم تفوقهم في العدد والعدة.
بعد ذلك، حوصرت القرية من أربع جهات لمنع وصول الدعم للمجاهدين من القرى المجاورة، وبدأ الاحتلال بقصف القرية بالهاون، فطلب المجاهدون من الأطفال والنساء والشيوخ مغادرة القرية لتخفيف الخسائر.
وبعد مغادرة القرية، فرت الحاجة آمنة وعائلتها من بيت دراس إلى المجدل، ولكن الاحتلال ظل يطاردهم حتى وصلوا إلى قطاع غزة واستقروا به حتى يومهم هذا.
وتُعد "بيت دراس"ثالث قرية احتلت على يد الاحتلال، هوجمت في 13/5/1948 وتم هدم منازل القرية بالكامل وتدمير مدرستها الوحيدة".
الخوف الأكبر:
تصمت الحاجة قليلاً وتعضّ على أوجاعها التي ألمّت بها نتيجة اشتداد مرضها، وربما أيضاً لألم مرير يرافقها من الذكريات، لتقول: "كانت الاشتباكات بين الثوار واليهود عبارة عن مناوشات ليلية، وبعد فترة وصلتنا أخبار المجازر التي وقعت في العديد من القرى الفلسطينية والفظائع التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وكان أكثر ما خشي منه الأهالي ليس القتل بل حوادث الاغتصاب التي شاع نبؤها آنذاك".
ولكن رغم درب الألم الذي فُرِضَ على الفلسطينيين، إلا أن اللاجئ الفلسطيني لا يكل ولا يمل متخذاً من الصبر والإيمان والعلم سلاحاً يناضل ويكافح به من أجل العودة إلى ثرى فلسطين المحتلة.
رواية الأكاديمي رمزي بارود عن جده:
حكايات موثقة يرويها الكاتب والمفكر الفلسطيني الأصل، الأميركي الجنسية، رمزي بارود، عن فلسطينيين عانوا التشرد والاضطهاد والذل والمهانة. ويبدأ بالحديث عن نفسه وجدّه.
حكاية جدّي:
«على الرغم من أنني ولدت وترعرعت في معسكر للاجئين في غزة، ثم نزحتُ في ما بعد للولايات المتحدة، فمازلت أنتمي بقوة لقرية تم محوها من على الخريطة قبل عقود، ولكن ستظل قرية بيت دراس بالنسبة لي أهم قطعة أرض على هذا الكوكب.عندما كنت طفلاً تعلمت من جدي أن أشعر دائماً بالفخر والكرامة. كان فلاحاً وسيماً وقوياً، لا يتزعزع إيمانه بالله وبأرضه. نجح في إخفاء حزنه العميق بعد أن تعرض للطرد من منزله في فلسطين مع كل أسرته. وعندما طعن في السن كان يجلس لساعات بين كل صلاة وأخرى، يبحث في ذاته عن ذكريات الماضي الجميلة. وكثيراً ما كان ينفث آهات حزينة، وتتدحرج على خده بضع دمعات، لكنه على الرغم من ذلك لم يقبل بالهزيمة، ولم تنمحِ عن ذاكرته حقيقة ضياع قرية بيت دراس
وصية لم تتحقق:
في نهاية حياته، كانت رغبة جدّي الوحيدة هي أن يتم دفنه في بيت دراس، ولكن بدلاً من ذلك، كان حظه أن يقيم في مقبرة مكتظة بمخيم النصيرات للاجئين. ومع ذلك، فقد بقي بيدرساوياً حتى النهاية، نسبة إلى بيت دراس، كما كان يطلق عليه أهل القرية، متعلقين بشدة بذكريات ذلك المكان، الذي ظل بالنسبة له - وبالنسبة لنا جميعاً - مقدساً وحقيقياً. وبالنسبة لملايين اللاجئين، ولآلاف المحتجين على حدود غزة، لم تعد فلسطين مجرد قطعة أرض، بل معركة دائمة من أجل العدالة، وباسم أولئك الذين استشهدوا على طول مسارات المنفى المتربة، وأولئك الذين لم يولدوا بعد.
شهادة الحاجة مدللة إبراهيم عليان:
يقود الحوار مع اللاجئة الفلسطينية، الحاجة مدللة إبراهيم عليان (83 عاماً)، إلى السفر سبعين عاماً إلى الوراء، سفر ينهل من خصوبة ذاكرتها بوصفها شاهدة على أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948 والتي تحلّ كل عام ذكراها في الـ15 من مايو. وعلى الرغم من الفارق الشاسع بين زمانين ومكانين منفصلين بأسلاك شائكة وأبراج مراقبة وجنود وحدود وحواجز (قرية بيت دراس عام 1948 ومدينة غزة عام 2018)، لكن ذاكرة الحاجة مدللة مكتنزة بتفاصيل الذكريات العتيقة التي رافقت طفولتها البائسة، ومثقلة بالكثير من الحزن جراء النزوح عن مسقط رأسها، ومشبعة في الوقت نفسه بالحنين. لا ترتبك ذاكرتها حين تسرد تفاصيل أحداث النكبة وضراوة الحرب وويلات الهجرة، بل تنساب ذكرياتها من بوابة الشاهد على تفاصيل المأساة بحذافيرها.
تجلس الحاجة مدللة في بيتها الواقع في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة، وعقلها عالق في قرية بيت دراس، تلك القرية الفلسطينية الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة، وتبعد عنها 32 كيلومتراً. فهناك مسقط رأسها، وبيتها الأول المصنوع من سعف النخيل والقش، والذي غادرته قسراً برفقة أمها وأشقائها تحت وقع احتلال فلسطين عام 1948. أكثر ما يستوطن ذاكرة الحاجة مدللة التي ترتدي ثوباً مطرزاً محاكاً بشكل فني تراثي قديم، هي حادثة استشهاد المقاتل الفلسطيني عبد القادر موسى الحسيني في الثامن من أبريل 1948، أي قبل تاريخ النزوح الفلسطيني بنحو 37 يوماً.
عندما تستحضر النكبة، فوراً تتحدث عن الحسيني بوصفه قائداً لمعركة القسطل ضد العصابات الصهيونية في القدس والتي امتدت لثمانية أيام متتالية. تقول الحاجة التي التقيناها في بهو منزلها وفوقها إطار يحتضن صورة زوجها الذي توفي قبل 18 عاماً: "كنت في الـ13 من عمري، ولكني أعي تماماً ما كنت أسمعه عن المعارك المتعددة التي يخوضها الإنكليز واليهود ضد الفلسطينيين". وتضيف: "نزل خبر استشهاد عبد القادر الحسيني كالصاعقة على مسامعنا ونحن نجلس في بيت بسيط متهالك. بكت أمي وأبي بحرقة وقتها، وخرجنا إلى الشوارع لإعلان الحداد. كنا ننادي على الباعة في الأسواق ‘سَكَّر يا قليل الدين مات رئيس فلسطين’".
حينذاك، لم تكن هناك وسائل اتصال. كان اللاجئون يتناقلون الأخبار، كما تروي، عبر جهاز الراديو الموجود في أحد مقاهي القرية، ومن ثم ينقلها الآباء إلى أسرهم. عندما احتد القتال، قام والد الحاجة مدللة بنقلها وأخواتها إلى قرية "سُكْرِير" وهي قرية صغيرة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وذلك لإبعادهم عن مواطن الاستهداف والتفجيرات. تقول: "تفاجأنا حين بتنا ليلتنا الأولى هناك بوقوع معركة شرسة، وقيل إن الجنود المصريين انتصروا فيها على العصابات الصهيونية. كانت أمي ترفع يديها إلى السماء للدعاء قائلة ‘يا ناصر ستة على ستين تنصر دين محمد على القوم الكافرين’".
بعد ليلة ساخنة، اضطرت أسرة الحاجة مدللة للانتقال إلى قرية "البطاني الغربي" التي تبعد 36 كيلومتراً شمال شرق مدينة غزة، ولجأت إلى أقارب لها من عائلة المدلل. هناك توالت الأخبار عن هزيمة العصابات الصهيونية على يد الثوار والقوات المصرية في قرية بيت دارس في المعركة الأولى، غير أن العصابات الصهيونية دبّرت حيلة بمساعدة مَن أسمتهم الحاجة بـ"الخونة"، راويةً أنهم تسللوا إلى القرية عبر البحر ومن ثم تمكنوا من احتلالها. في صبيحة اليوم التالي لاحتلال قريتها الأم، تروي الحاجة الثمانينية، "جاءت الطائرات عند الساعة السابعة صباحاً وقامت بإفراغ حمولتها من المتفجرات فوق رؤوس السكان وكانت تطلق الفشك (الرصاص) على الناس. خرجنا حينها هاربين فوجدنا الناس أكواماً ملقاة في السوق وفوقهم الدواب". في تلك اللحظات، احتمت الأسرة ومَن معها من مهاجرين بمعسكر للجيش المصري مقام على أرض قرية المجدل، وقد تمركزوا هناك وبدأ الناس يقتاتون على بقايا الزيتون ويصنعون الخبز على مواقد الحطب. غير أنهم بدأوا يشعرون باقتراب الأجل، وقد تأثروا كثيرا بمذبحة "دير ياسين" التي قتل فيها المئات من أبناء القرية على يد الجماعات الصهيونية. وتقول الحاجة مدللة: "كنا نخشى أن تتكرر المجزرة ونُذبح مثل أبناء دير ياسين".
لذلك، آثرت أسرة الحاجة مدللة ومَن معها، الهروب خوفا وذعراً، فتوجهوا إلى الجنود المصريين، و"قلنا لهم وين نروح يا دفعة؟ فقال القائد المصري على غزة يا حجة على غزة". تشير السيدة التي أنجبت 14 ولداً (10 إناث و4 ذكور) إلى أن توجيه الضابط المصري لهم بالهروب إلى غزة كان مثار استغراب، على اعتبار أن الجنود المصريين كانوا ذوي بأس، مستشهدةً ببطولة القائد طه بيه، الملقب بـ"الضبع الأسود"، وهو سوداني الجنسية وكان قائداً لكتيبة مصرية رفضت الانسحاب من قرية الفالوجا الواقعة بين مدينتي الخليل وغزة، والتي حاصرتها العصابات الصهيونية إبان نكبة 1948.
تستذكر الحاجة عمليات الدفاع التي كان يقودها الثوار الفلسطينيون. تستعيد جهود عمها الذي وصفته بـ"القائد محمد عليان" والذي خدم في الجيش التركي خمس سنوات، وتولى مهمة تدريب الثوار على إطلاق النار في قريتي بيت دراس والبطاني الغربي. وتقول: "كنت أراه يضع قطعة حديدية تتوسطها دائرة حمراء كإشارة أمام الثوار ويعلمهم كيف يصيبون الهدف، غير أن تلك البواريد (البنادق) لم تكن تجدي مع الطيران". وتضيف: "في لحظة الهجوم على بيت دراس، استطاع عمي القائد محمد النجاة من العصابات الصهيونية. اختبأ في كومة قش في أحد كروم العنب ولم يتمكنوا من رؤيته وكان يسمع نداءهم ‘وين شباب؟ وين بارود؟’ ومن ثم تمكّن من النزوح لاحقاً إلى غزة". تستذكر الحاجة مدللة لحظة مقتل والدها إبراهيم. تتنهد وتقول بعد أن دعت له بالرحمة: "قبل أسبوعين من الهجرة إلى غزة، قرر أبي الذهاب إلى سوق قرية أسدود.
جهز نفسه صباحاً بعد أن أعدّت له أمي فطيرة بالزبدة والسكر، ورفضنا خروجه خشية عليه من أن يقتل، ولحق به شقيقي الأكبر نايف، فقام بإعطائه شلن (عملة نقدية قديمة) وأعاده إلى البيت، ومن ثم مضى في طريقه. ومع دخول الليل جاءنا خبر استشهاده حيث انفجر به أحد الألغام التي زرعتها العصابات الصهيونية في وادي القسطينة، ودفن هناك دون أن نتمكن من وداعه". تضيف بنبرة حزن: "حينما سمعنا نبدأ استشهاده، كنا نصرخ بشدة ونضع الرماد على رؤوسنا. كان أبي عزيزاً علينا، وكان أحد وجهاء القرية، وكان يحذي أقدام الخيول وهذا العمل كان يدر عليه دخلاً كبيراً".
تشير السيدة التي يزيد عدد أحفادها عن 100 حفيد، إلى أنه في الوقت الذي سبق حدوث النكبة كان يتوافد أجانب شقر بين الحين والآخر إلى قريتها والقرى المجاورة، ويقومون بالتقاط صور للمداخل والمخارج، دون معرفة الفلسطينيين بدواعي التقاط تلك الصور. وتعتقد الحاجة مدللة أن تلك الصور كانت سبباً في رسم الطريق للاحتلال من أجل السيطرة على القرى. وتقول: "كانوا يخططون منذ وقت لاحتلالنا.
كنا نلحظ أنهم يشترون بيوتاً مجاورة فوق التلال ويقيمون عليها مستعمرات. نحن يا ويلي علينا كنا مساكين". وأفادت بأن الهجمات التي كانت تشنها الطائرات على المدنيين كانت تأتي مباغتةً وتنفّذ في ساعات الفجر الأولى، ولم يملك المدنيون سوى الخروج طلباً للنجدة من دون أية قدرة على المجابهة، وتابعت: "كان الرجال ينادون في الطرقات ‘نجدة يا رجال نجدة’ وذلك من أجل إسعاف المصابين". وعن لحظة الهجرة، تروي: "تتبعنا القوات المصرية وسرنا خلفها. بتنا ليلتين في طريق الهجرة، إحداها تحت شجرة خروب والأخرى تحت شجرة زيتون، وقد كانت أمي تُعِدّ لنا خبز الصاج بما تبقى لديها من طحين القمح. وعندما جئنا إلى غزة كانوا يعدّون لنا أطباق الفول والعدس ونحن متناثرون تحت الأشجار".
من ألف أسرة يهودية إلى 6.5 مليون يهودي... كيف وصل الإسرائيليون إلى أرض فلسطين؟
ديني أم سياسي؟ كيف نظر العرب إلى صراعهم مع إسرائيل؟
"يموت الكبار وينسى الصغار"... كيف أفشل أطفال فلسطين فلسفة إسرائيل؟
استقرت أسر اللاجئين في غزة، بعد أن صنعوا لأنفسهم خياماً من الأكياس البلاستيكية لغرض الإيواء، ولاحقاً قامت الهيئات الدولية بحصرهم وتسجيلهم ضمن قوائم، إلى أن جرى توزيعهم على مخيمات متفرقة في قطاع غزة وأقيمت لهم خيام تطوّرت لاحقاً إلى بيوت من القرميد. ومضت الحاجة مدللة تقول: "كانت أوضاعنا صعبة للغاية. كنّا نفتقد إلى كافة مقومات الحياة. كنّا نتلقى وعوداً بين الحين والآخر بأننا سنعود خلال يومين ومن ثم شهرين ثم سنتين ومضت سبعون عاماً ونحن لا زالنا في هذه المحطة ننتظر عودتنا".
تزوجت الحاجة مدللة عن عمر 15 ربيعاً من ابن عمها، بعد الهجرة بعامين، وكان شرط أمها أن يتحقق زواج البدل، أي تتزوج مدللة من ابن عمها مقابل أن يتزوج شقيقها من ابنة عمه. وحصلت الحاجة مدللة على مهر أكبر من المهر الذي قام شقيقها بدفعه لعروسه. وعن سبب ذلك ضحكت وتكشفت أضراسها وقالت: "لأنني كنت بيضاء وهي كانت سمراء".
اليوم، وبعدما بلغت 83 عاماً من العمر، صار وجه الحاجة مدللة مليئاً بالندوب وعروقها تبدو أكثر بروزاً. العمر مضى ولا تزال تحلم بأن تعود إلى قريتها، على الأقل في موكب وداعي لمواراة جثمانها الثرى هناك. تشارك الحاجة مدللة في مسيرات العودة السلمية التي ينظمها اللاجئون على حدود غزة. تعاين رؤوس التلال التي تطل من بعيد، وكأنها لا تحلم بأكثر من الوصول الآمن إلى ما وراء هذا الجدار العازل.
القرية كما وثقها ابنها د. عبد الرحمن بارود رحمه الله:
المرجح أن الدكتور "عبد الرحمن بارود" كتب هذه القطعة عام 1995 والله أعلم؛ وقد رحل عن دنيانا الفانية قبل أن يكحل عينيه برؤية مسقط رأسه ومهوى فؤاده (بيت دراس) التي كان على استعداد لأن يجند نفسه وحياته في سبيل تحريرها والعودة إليها وأخواتها؛ نرجو الله أن يتحقق ذلك لإخوانه وذريته وأن ينقلوا جثمانه ليوارى في ثرى البلاد الحبيبة فلسطين. مؤسسة فلسطين للثقافة..
بيت دراس بلدي ومسقط رأسي، قرية فلسطينية صغيرة تعدادها 4 آلاف نسمة تقريباً، تقع شرقي قرية أسْدود بحوالي 1.5 كم، وتقع قرية السوافير شرقها بحوالي كيلو متر واحد.. وهي قرية زراعية أهم حاصلاتها القمح والشعير والسمسم والذرة والعدس، تحيط بها البساتين النضرة التي تحتوي على العنب والتين والمشمش والجميز، ومساحتها حوالي 15 ألف دونم بما في ذلك أراضيها، مناخها ممتاز إذ إنها تقع في شمال القطاع الجنوبي من فلسطين.
تقع على عدة هضاب متقاربة، بالنسبة لتاريخ إنشائها فهي تبلغ من العمر 350 سنة على وجه التقريب، ويقسم سكانها إلى أربعة أقسام بينة لكل قسم مختار.
التعليم فيها ابتدائي في مدرستين، الأولى غرفة واسعة مستطيلة فيها الصف الأول والثاني الابتدائيين مبنية من الحجر الأبيض وهي قائمة بذاتها، وجميع أهل القرية يعلّمون فيها أبناءهم، أي أنه لا يوجد هناك كتاتيب.
وأما الثانية فكانت إلى عهد قريب (قبل أول سنة 48) في أحد مسجدي القرية الصغيرين، حيث كانت المقاعد تحتل أكثر من النصف فإذا جاءت نهاية يوم الخميس رُكِّبت المقاعد على بعضها حتى يتسع المسجد للمصلين يوم الجمعة، كذلك كان يقوم طلاب هذه المدرسة بحراسة المسجد من بعد الدروس إلى المغرب وكان لكل يوم طالبان، كان مجموع الطلاب من الصف الأول إلى الرابع -وهذا الأخير هو أعلى صف- حوالي 190 طالباً، وكان أهل القرية يقولون عن الذي أنهى الصف الرابع أنه قد "خَتَمْ" أي أنهى كل مراحل التعليم، وكان الطلاب يقومون بتمثيل الروايات أو إقامة احتفال "فخم" في نهاية السنة، يلقي فيه كل طالب قطعة أو قطعاً من الشعر يخصصها له المدرسون، وأستغفر الله إذ إنني أقصد أن أقول: المدرِّسان، وهما يسكنان القرية بعيالهما.
الأول عالم أزهري من قرية فلسطينية، سكن قريتنا حوالي اثني عشر عاماً، وكان أستاذاً "للمعهد العالي" أي الصفين الثالث والرابع يعلمهما جميع الدروس وحده، ومن هذا يفهم أنه لم يكن هناك لغة إنجليزية مقررة.
ومن الذكريات العزيزة عن هذا الأستاذ، أنه كانت له عصا من الخيزران، عاشت معه حوالي ثلاث سنين، فقد كان حريصاً جداً عليها فيضعها بعد الدروس في الخزانة ويغلق عليها بالقفل، والحق يقال إنها أدت واجبها بإخلاص، وهذا الشيخ يسمى الشيخ عبد النبي، وهو الآن يسكن أحد المعسكرات الثلاثة (البريج، النصيرات، المغازي) على ما أظن.
وأما الأستاذ الآخر فهو من أبناء قرية "بيت لاهيا" وهو يقيم الآن بها واسمه الأستاذ زكي الدحنون، وعلى الرغم من افتراقنا أكثر من خمس سنين ونصف، إلا أنه قد عرفني عندما رأيته فسلمت عليه وصافحته، ولكن بعد مدة من التفكير.
وهذا الأستاذ كان يعلم الصفين الأول والثاني، وكان عنده أكثر من عصاتين طويلتين تتولى إحداهما العمل إن تعبت سابقتها وإحقاقاً للحق أقول: إن هذين الأستاذين كان لهما الفضل بعد الله في رفع مستوى التعليم في القرية، إذ كان التعليم قبلهما في درجة من التأخر عظيمة، ولا يزال أخي الأكبر يذكر كيف كان الأستاذ يجلد بل يطرد الطالب من الفصل إذا كان لم يحضر البيضة والرغيف في الميعاد، وكيف كان يتفنن في تعذيب أبناء القرية المساكين.
وكيف أن الطالب كان إذا شكا أمر أستاذه إلى أهله قالوا له "إخرس أنت المجحّش ولولا ذلك لما جلدك سيّدك".. هذا حال التعليم في قرية بيت دراس قبل سنة 47 ولكن بعد هذا التاريخ بنت وزارة المعارف مدرسة جديدة جميلة مكونة من سبع غرف في مكان صحي غربي القرية إلى جهة أسدود، ولكن كبدت القرية ما يزيد على ثمانية آلاف جنيه، فارتقت الصفوف حتى صارت الآن -بعد البناء- ستة بعد أربعة، كذلك جاءنا معلمون جدد على الطراز الحديث، وكذلك أصبح الطلاب لأول مرة في التاريخ يلفظون الحروف الإنجليزية ويقرأون "إنجليزي" الأساتذة الجدد أربعة لم يحصل أحدهم على شهادة.
التعليم العالي (المترك) وهم: ثلاثة من قرية أسدود والرابع من المجدل وأصبح الطلاب يرون لأول مرة كرة القدم في مدرستهم وشيئاً يسمى المختبر للعلوم.
هذا من ناحية التعليم وأما من ناحية الصحة، فإن القرية على العموم نظيفة يهتم أهلها بها، وأما الحكومة فقد جعلت في أسدود عيادة يأتي إليها أهل أسدود وبيت دراس والبطاني وحتى من قرية برقد، وكان في المستعمرة القريبة من بيت دراس طبيب أظن أنه إنجليزي، كان يذهب إليه كثيرون من القرى المجاورة مثل السوافير والبطاني وبيت دراس، وكان يأتي كل سنة طبيب ينصب خيامه بالقرب من العرين ويذهب إليه مرضى العيون وغيرهم ما عدا الذين يحتاجون الجراحة، ولكن انقطع وصارت الحكومة ترسل بعض رجال الصحة في حالات الأوبئة للتطعيم.
وأما الحال السياسية، كان لكل قسم من الأقسام الأربعة مختار يمثلهم أمام الحكومة، وكان والحق يقال في أغلب الأحيان جائراً ظالماً، كأنّ الختم الذي يحمله هو خاتم سيدنا سليمان صلوات الله عليه، فهو السيد المطاع الذي لا يدانيه إلا القليل.
شباب القرية جاهل ساذج يمضي حياته في فلاحة الأرض، وقليل منهم من يشتغل بالتجارة مثل التجارة بالأبقار والمواشي عامة والحبوب ولا يوجد صناعات مهمة بالقرية، وكان هناك حوالي سبع حوانيت (الدكاكين) والنجارون حوالي ثلاثة، ومياه الشرب تملأ بالجرار على ظهور الحمير أو على رؤوس النساء.
أما البيارات فأصبحت كثيرة في المدة الأخيرة وتسقى بالماتورات.
التعصب "للحمولة" شديد ولذلك كانت تكثر المشاحنات التي كانت كثيراً ما تتطور إلى صدام "مسلح" قوامه الهراوات أي النبابيت، ولا يوجد بوليس في القرية ولا تليفون، ولكن كانت هناك نقطة للبوليس قرب المستعمرة مخصصة لبيت دراس والبطاني والسوافير وربما الأسدود أيضاً.
ولكن أهل القرية وبصفة عامة كرماء جداً لدرجة تبلغ الإسراف في كثير من الأحيان، وهم سُذج طيبو القلوب، ومن الآثار الظاهرة القديمة بعض حجارة الرخام في موضع يقال له "النبي صالح"، وآخر يسمى النبي إدريس وربما سميت البلدة باسمه، وهذان الموضعان مقدسان وهناك أماكن أخرى مقدسة تسمى بأسماء أولياء، وكان في كرمنا مغارة تحت الأرض وجدها أبي من مدة طويلة يوم أن كانت الأرض المزروعة كرماً، الآن أصبحت تلالاً يكثر فيها الشوك ولا يستغلها أحد، ووجد في المغارة التي لها باب صغير على وجه الأرض يوصل إلى الأسفل بحوالي ثلاث درجات كبيرة هياكل آدمية وجرار كبيرة فيها مادة صفراء ناعمة لم يعرفها أحد، حسبها الذين كانوا موجودين طحيناً معفناً فكسروا الجرار وبعثروا الذي فيها، ومما يلفت النظر أنها –المغارة- كانت مفروشة بالرمل الناعم النظيف ووجد فيها خرز وبعض أنواع العملة مكتوب على أحدها "بحالاً"، وعلى أحد وجهيها رجل وقد طمرنا المغارة بعد أن أخرجنا حجارتها وزرعنا فيها شجرة جميز.
كما أن هناك تلة كبيرة كثيرة الفخار الأحمر تسمى بردغة، يؤكد أهل القرية أنها كانت بلدة قبل أن تنشأ ببيت دراس، هذا ويوجد في القرية آبار كثيرة بعضها مطمور والآخر عُمّر.
في سنة 48 كنت في الصف الخامس وبدأت المعارك الحامية في فلسطين ولم تتمهل كثيراً، إذ ضرب اليهود القرية بمدافعهم وكانوا قبل ذلك يخافون أهلها خوفاً شديداً يرجع إلى سنة 36 يوم أن أحرق أهل القرية بمساعدة الثوار وأهل القرى المجاورة المستعمرة.
وتعددت اعتداءاتهم إلى أن شنوا هجوماً عنيفاً بمدافع المورتر والمدافع الرشاشة بقوات هائلة تزيد على خمسة آلاف جندي، وقد خف المناضلون لصدهم وتدفقت النجدات من القرى المجاورة فهزم اليهود هزيمة منكرة بينما لم يفقد العرب إلا القليل جداً، لكن اليهود كانوا قد جعلوا المدرسة الجديدة مركزاًَ لهم فبعثروا الكتب وأهانوا المصحف وعاثوا فساداً كبيرا.
مرة أخرى أعاد اليهود هجومهم بثلاث مصفحات دخلت القرية فرحل أهل القرية إلى القرى المجاورة مثل حمان وأسدود وانتظروا حتى جاء الجيش المصري فأملوا كثيراً أن يرجعوا، ولكن الجيش لم يعمل شيئاً وباقي القصة معروفة للجميع.
أما شعوري الآن فهو شعور المسلم الذي عرف بعض إسلامه الذي يقول "حب الوطن من الإيمان"، فهو يحن كثيراً إليها إلى مسقط رأسه ومهوى فؤاده، فهو مستعد جداً لأن يجند نفسه وحياته في سبيل تحريرها والعودة إليها وأخواتها.
المدرسة هي وطن مصغر.. المدرسة هي صورة مصغرة للوطن، فيها تتجلى مزايا كثيرة وتتولد في نفسي مشاعر حساسة كتلك التي تجيش في صدري عند الحديث عن الوطن، ولا عجب إذ إن المدرسة هي أقدس بيئة يربى فيها الطالب بتربية صالحة، وهي التي تزوده بالأسلحة الكفيلة بحمايته إذا ما خرج إلى معترك الحياة الواقعية.
كما أن الوطن في أغلب الأحيان تكون له حكومة وشعب ورئيس حكومة، فكذلك المدرسة، فالمدير هو بمثابة رئيس للدولة وهو القائم على أمورها والذي يمثلها.
وكذلك المدرسون الذين يقومون بالتنفيذ الفعلي للبرامج التي يقرها مجلس الوزراء فهم بمثابة الوزراء، وأما الدروس فهي بمثابة المشاريع التي ووفق على تنفيذها وكذلك وزير الحربية الذي يقابله في المدرسة أستاذ التربية البدنية، وهكذا تجد أن المدرسة حكومة وشعب والشعب هو مجموع الطلبة الذين يكتبون الدروس، من هذا التقسيم نرى أن المدرسة منظمة تنظيماً دقيقاً حيث إن كل فرد فيها يشعر بمكانته فيها، وهو يعلم أيضاً ما عليه من واجبات يجب أن يؤديها بإخلاص وتفانٍ، وما له من حقوق مقدسة يجب أن لا تمسّ بسوء، فهو مصان الحرية محترم الشخصية منبسط الأسارير، ولكن هناك بعض الأشرار الذين يفسدون المجتمع ويقودونه إلى مهاوي الردى ولا شك أن أي مجتمع لا يخلو من هؤلاء كذلك يقابلهم في المدرسة بعض الطلبة النزقين المستهترين، فإن كانت الحكومة حازمة قلّ هؤلاء من المجتمع وتلاشوا تدريجياً أما إذا كانت هي حكومة فاشلة فلا شك أن المجتمع سيهوي، والمدرسة كذلك إن كانت إدارتها حازمة اختفى هذا النوع من الأشرار وإذا ضعفت الإدارة ضعف الجسد كله.
إننا بصفتنا طلبة يجب أن نساعد إدارة المدرسة على أداء وظيفتها، بأن ننبذ كل مستهتر مائع نبذاً لا هوادة فيه إذا لم يرتدع بعد النصح، كذلك يجب أن نحب هذه المدرسة حباً لا يقل عن حب الوطن لأنها هي التي ستخرجنا إن شاء الله رجالاً للوطن أشداء لا يرهبون في الله لومة لائم يقولون دائماً:
كل يزول وينقضي أما الحمى فوديعة الآباء للأبناء.
أعلام من القرية
أعلام من بيت دراس
- إسماعيل محمد جبر أبو شمالة:
من مواليد قرية بيت دراس عام 1939م وما أن تفتحت عيناه حتى حلت النكبة بالشعب الفلسطيني عام 1948م وطرد مع أهله وأهل القرية من منازلهم وأرضيهم من قبل العصابات الصهيونية وذلك الى قطاع غزة، حيث استقر بهم المطاف في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين، فعاش عيشة المخيم منذ نعومه أظفاره والتي تربى في حاراته وأزقته .
أكمل تعليمه الأساسي والإعدادي في مدرسة البريج، ومن ثم انتقل إلى الدراسة في مدرسة خالد بن الوليد الثانوية في النصيرات، حيث أنهى الثانوية العامة عام 1957 – 1958 م، سافر بعدها الى بيروت والتحق بجامعة بيروت العربية حيث حصل على ليسانس في اللغة العربية فما بعد .
عام 1960 تعاقد مدرساً مع بعثة المملكة العربية السعودية حيث عمل في منطقة القنفذة ثلاث سنوات، التقى في تلك المنطقة بقادة من حركة فتح
نقل أبو نضال أبو شمالة الى منطقة الرياض حيث عين عضواً في اللجنة القيادية
بعد حرب عام 1967 قرر ترك السعودية والانتقال للعمل الوطني في سوريا .
في عام 1970 شارك أبو شمالة في مؤتمر تأسيس اللجنة العلمية الموسع الذي عقد في دمشق بحضور خبراء فلسطينيين وعرب من مختلف أنحاء العالم ..
عين أبو شماله سفيراً عام 1985م في أفغانستان ، وعام 1986م صدر قراراً بنقله إلى بلغاريا وعين سفيراً لدولة فلسطين حتى عام 1994م حيث كانت تربط الثورة الفلسطينية مع بلغاريا علاقات قوية ممتازة .
بعد عودة قوات وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى أرض الوطن عام 1994م عين أبو شماله وكيلاً لوزارة الحكم المحلي حتى عام 2006م ، وبعدها عين محافظاً لشمال غزة حتى عام 2013م .
بعد عودته الى ارض الوطن اكمل أبو نضال تعليمه العالي وحصل على شهادة الماجستير من جامعة الأزهر ..
انتقل الى رحمة الله تعالى صباح يوم 22/11/2015م بعد مشوار طويل من النضال الوطني ، حيث لم يكن بعيداً عن قضية فلسطين ، التي أعطاها زهرة شبابه وسنوات عمرة، حيث كانت القضية الفلسطينية اسمه وعلمه وهويته.
2. مي تايه:
عضو الاتحاد العام للكتاب والادباء الفلسطينيين، وقد صدر لها رواية للفتيان (زمن الاقوياء) عام 2003، ورواية (العنقاء) عام 2016. ولها مقالات في الصحف والمواقع الالكترونية.
3.الشاعر عبد الرحمن أحمد جبريل بارود
مولده في بيت دراس:
في قرية (بيت دراس) بفلسطين كان مولد أخي الحبيب إلى قلبي الشاعر المبدع عبد الرحمن أحمد جبريل بارود وذلك في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين وعلى وجه التحديد في عام 1936م
وكلما ذُكرتْ قرية (بيت دراس) وهي من قضاء غزة، تذكر معها المعركة الشهيرة التي مُني فيها العدو الصهيوني في مايو 1948م بخسائر فادحة في أرواح مقاتليه الذين أرادوا باحتلال القرية تهجير أهل القرى المجاورة، حيث هي تمثل مركز الثقل لأكثر من عشر قرى محيطة بها، منها قريتي السوافير الشرقية.
قتل عدد كيبر من الصهاينة المهاجمين على أيدي مجاهدي بيت دراس والمجاهدين الذين بادروا لمساعدة مجاهدي بيت دراس وكان من بينهم عدد من أقربائي وأهلي الذين أكرمهم الله بأن يكون لديهم (الباردوة).
وهذا هو الاسم الذي كان أهل قرانا يطلقونه على أفضل سلاح كان يمكن أن يحصل عليه الفلسطيني بمشقة وبأغلى الأثمان، لمواجهة عدوان الصهاينة المجرمين المدجّجين بأنواع من الأسلحة.
ودارت الدائرة على الصهاينة المهاجمين، حيث أحاط بهم المجاهدون القادمون من القرى فلجؤوا للاحتماء بمدرسة بيت دراس، وشفى الله نفوس أهل المنطقة بأن أجهزوا على عدد كبير من هؤلاء الأعداء، وبقيت جثث عدد منهم في أرض المعركة لعدة أيام.
نعم كان أهل بيت دراس في بطولتهم وقوة شكيمتهم يمثلون البطولة والرجولة والكرامة لأهل القرى المحيطة، وكان هذا مما يملأ قلبي بالفخر حيث إن أخوالي هم من أهل هذه القرية الباسلة.
كنا ننسب إلى بيت دراس فنقول عن أهلها "البَدَارْسة" والواحد منهم (بَدْرَساوي) كما كنا نتناقل القصص عن شجاعتهم وقوة شكيمتهم، وكانت تساق لنا القصص الطريفة عن قوتهم وعلوّ همتهم، حيث قيل لنا إن واحداً من كبارهم سنّاً عندما شكا له أناس من أهل القرية أن شجرة الزيتون الكبيرة في حقلهم لم تثمر في ذلك العام، أشار عليهم بأن يكووا الشجرة حيث إن آخر الدواء الكيّ .. فقرّب القوم سيخاً محمّى على النار حتى درجة الاحمرار ومُدّ هذا السيخ المحمّى إلى الجذع الرئيس في الزيتونة ليكويها، وقيل لنا إنها عادت للإثمار فيما بعد !!!
كانت يرون لنا مثل هذا القصة في إعجاب وإكبار لأهل بيت دراس نموذج الرجولة والبسالة لكل أهل المنطقة المحيطة بالقرية.
لقاء في أرض الهجرة:
حدثت هجرة عامة لأهل القرى الفلسطينية في اللواء الجنوبي، أيام نكبة عام 1948، وكانت هجرة أكثر أهل هذه القرى إلى قطاع غزة، على وعود بالرجوع القريب.
والقطاع معروف للجميع يمتد من: بيت حانون وبيت لاهيا شمالاً، إلى رفح جنوباً، بمساحة تعادل (360كلم2) ثلاثمائة وستين كيلو متراً مربعاً.
وكان تعرّفي إلى أخي الأستاذ عبد الرحمن بارود في مدرسة من مدارس القطاع، وقد قرّب بيننا أننا كنا هو وأنا اثنين من أوائل الشهادة الاعدادية 1952م.
توثقت صلتي بأبي حذيفة (عبد الرحمن بارود) على أرضية من الهجرة التي نعيشها، وروح القرية التي كانت عميقة في نفوسنا، وإلى جانب كل ذلك صلة رحمية، حيث كنت أعتز بأخوالي البدارسة إذ إن جدتي لأمي من بيت دراس، وكان لهذه الجدة في قلبي مكان سام رفيع.
كان أكثر حديثنا في لقاءاتنا مع أبي حذيفة وأمثاله من زملاء الهجرة، عن قضيتنا قضية الوطن السليب، وهذا كان شأن أكثر إخواننا الطلاب، وبخاصة اللاجئين منهم، تشغل القضية كل أمانينا ومشاعرنا وتملأ قلوبنا، إذا شرب الواحد منا كوب شاي عند أخيه قال: إن شاء الله في البلاد (أي فلسطين)، وعند كل أمنية طيبة نقول: في البلاد!!
كانت قضيتنا تعيش في حنايا الصدور والقلوب وتفيض بها النفوس في كل همسة، وتتحكم بها الشفاه في كل نداء وكل دعاء وكنا نرى أن الطريق لاسترجاع وطننا المغتصب إنما يكون بالجهاد والنضال.
وهذا ما كان يبرز في بواكير شعرنا، شعر أبي حذيفة وشعري، حيث كنا ندندن أكثر في هذا المجال.
كنا معجبين غاية الإعجاب بأستاذنا أحمد فرح عقيلان - معلم اللغة العربية في ثانويات القطاع، وهو قروي مهاجر مثلنا من قرية (الفالوجة)، كنا نحفظ أغلب شعره، نأخذه أحياناً من مسوّدات أوراقه التي كتب فيها قصائده، ومن منا لا يحفظ الكثير من شعر هذا الأستاذ الذي كان يمثل لنا الشاعرية والوطنية والحمية والإباء، والتطلع لاسترجاع الوطن السليب.
ولعل الكثير من أترابنا كانوا يرددون معنا أبياتاً من شعره منها:
لا تُردُّ الحقوق في مجلس الأمن | ولكن في مكتب التجنيد |
التصاريح والعرائض لغوٌ | واندفاع الشباب بيت القصيد |
إنّ ألفي قذيفة من كلام | لا تساوى قذيفة من حديد |
كان لهذا المربي الفاضل أحمد فرح عقيلان آثار عميقة في نفوسنا، ونفوس إخواننا من زملائنا الطلاب، عزّز في قلوبنا حب الجهاد والاستشهاد، ومثّل لنا الفارس النموذج الذي يقتدى به علماً وخلقاً ونضالاً، وربطنا بقضية الوطن السليب، والسبيل لاستعادته، كنا نحفظ له الكثير من قصائد شعره التي تتحدث عن النكبة وأسبابها، وتملأ نفوسنا بفيوض من الشوق للوطن والتطلع لحقنا في تحرير هذا الوطن السليب.
ومما كنا نردده على ألستنا من شعره قصيدته الساخرة حول مواصفات الزعامات التي فرّطت في القضية وأضاعت الحقوق، ومن أشهر أبياتها قوله:
إن شئت أن تحيا زعيما | فدع الوفاء وكن لئيما |
إن الزعامة في بلادك | تبغض الشهم الكريما |
وتهيم بالطبع الوضيع | وتعشق الخلق الذميما |
سمسر وبع واغشش | وخن واكذب تكن بطلا صميما |
وتصير صنواً للغزال | وإن تكن قرداً ذميما |
وإذا جشأت يقال عطر | الورد يختلج النسيما |
فاخطب وطوّل في الخطاب | فلم تزل خطبا جسيما |
واهنأ ببطنك متخماً | والخصم يحتل التخوما |
يا شعب قد حلقت | زعامتك البلاد (فقل نعيما) |
ولتسقط الأوطان | وليبق الزعيم لنا زعيما |
وكنا على حداثة أعمارنا، نسمع عن أولئك المتأثرين بالفكرة الشيوعية والذين كانوا يرون أن الحل العادل لقضيتنا هو انتصار (البروليتاريا) وإقامة الدولة الاشتراكية التي تجمعنا نحن واليهود!!
ويؤكدون أن ضياع وطننا إنما تسبّبت به الرجعية العربية، وكانوا يقولون في شعرهم
هراءٌ هي الجولة الثانية:
وهذا نقيض ما كنا نؤمن به من وجوب الجهاد والنضال لاسترجاع وطننا السليب.
وأذكر أنني وأخي عبد الرحمن بارود (وكانت أعمارنا في حدود الخامسة عشرة من السنوات) كنا نشعر بمنتهى الحسرة والألم من هذه الأفكار التي يحملها عدد من المعلمين في مدارس القطاع، حيث كانت لهذه الأفكار مراجع فكرية ولها أتباع، تبنّوها لمصالح يجنونها، أو لجهالة كردّة فعل لواقع النكبة، وكنا نسفّه هذه الأفكار بقصائد من شعرنا.
وعلى الجانب الآخر كانت كثرة من المعلمين والطلاب، تحمل الفكرة الإسلامية والوطنية التي تؤكد على أن سبيل العودة إنما يكون عبر الجهاد والنضال لاسترجاع الحق السليب.
جمعية التوحيد:
جمعية من جمعيات النفع العام، مؤسسها هو السيد ظافر الشوا (أبو مازن) ، كانت مقراً يقام فيه محاضرات وندوات في موضوعات إسلامية عادة، أو وطنية.
وفي الصيف بصبغة خاصة كانت تنشط مثل هذه الندوات، وكان يؤم الجمعية بعض الطلاب الجامعيين الذين يدرسون في مصر وكنا نشعر بسعادة عندما يتحدثون إلينا متناولين بعض المناسبات الإسلامية.
وكان من أبواب الخير الواسعة التي فتحت في القطاع بعامة وبغزة خاصة، وتولي الشيخ محمد الغزالي رئاسة لجنة الوعظ المنتدبة من الأزهر الشريف للقطاع.
كنا نحضر جلّ هذه الندوات والمحاضرات إن لم تحضرها كلها، حيث كانت تقام في المساجد أو الجمعيات أو حتى الأندية الرياضية والثقافية.
كان الشيخ الغزالي أكرمه الله ورحمه يمثل لنا مركزاً إعلامياً رفيع الشأن وأذكر من الشيوخ الذين كانوا معه في بعثة الوعظ الشيخ علي جعفر.
ولدى عودتنا مشياً من أماكن المحاضرات كنّا نتجاذب أطراف الحديث حول ما سمعنا، وأذكر لأخي عبد الرحمن مبادرة ذكية إذ كان يقترح أن يتحدث كل واحد منا عن موضوع من الموضوعات التي تهمنا لمدة (خمس دقائق) بلغة عربية سليمة، خالية من العامية، وقد جنينا من خلال هذه الفكرة الرائدة قدرة على التحدث بطلاقة وإجادة، تميزنا عن الأقران من زملائنا الطلاب، وكان الأستاذ عبد الرحمن بارود يسبقنا في التطبيق ليكون لنا النموذج الذي يُحتذى من جانبنا.
في مدرسة فلسطين الثانوية:
في مطلع العام الدراسي سنة 1953م اجتمعت مع أخي د. عبد الرحمن بارود في الصف التاسع الدراسي الذي يلي الشهادة الاعدادية وكان يسمى في السلك التعليمي للنظام التعليمي في تلك الأيام (الصف الثالث الثانوي) وذلك بمدرسة فلسطين الثانوية، في حي الرمال بغزة حيث افتتحت هذه المدرسة الثانوية في ذلك العام وكان مديرها الأستاذ (ممدوح الخالدي) المشهور بشدته وصلابته في الإدارة، إلى جانب خبرته التربوية العريضة.
وعلى كرسي الدراسة جاورت الأستاذ عبد الرحمن بارود، فزادت الصلات وتوثقت ولمست فيه بوضوح روح الشاعر الحالم، والمسلم الواثق بإسلامه، واللاجئ الفلسطيني الذي ينبض قلبه بحب وطنه والتشوق لتحريره.
وفي جماعة الشعر بالمدرسة، كان الأستاذ رامز فاخرة مدرس اللغة العربية الذي أصبح فيما بعد موجهاً عاماً للغة العربية يشجع أبناءه على قرض الشعر، وكان هو شاعراً مجيداً يحب الشعر، وكان يحفّزنا بالعرض الشعر من خلال مسابقات شعرية يطرحها في المدرسة وأذكر أن المركز الأول في العام 1953 كان من نصيب أخي عبد الرحمن ونلت المركز الثاني من بعده، وكان الموضوع الذي تناولته قصائدنا التأكيد على التدريب العسكري للجهاد من أجل استرجاع وطننا السليب، وأذكر الآن بيتاً كان مطلع الأبيات التي أنشدتها:
لا نريد الأحفال التي نخطب فيها | بل نريد التجنيد في كل نادي |
وكان ممن حضروا حفل توزيع الجوائز القاضي الشيخ الشاعر خلوصي بسيسو، الذي أمتعنا بتشجيعه لنا وترديده أبياتاً مما أنشدناه، بسليقته الراقية وشاعريته الرائعة رحمه الله رحمة واسعة.
وإنني إذ أتناول السيرة الذاتية للشاعر عبد الرحمن بارود كما طلب إليّ، وأنا آسف وأرجو المقدرة إن كنت أذكر نفسي من خلال سيرته، وإنما أريد ذلك بيان ما يتعلق بهذه الترجمة التي تتناول مرحلة زمنية من حياة مشاعرنا، لعلها ذات أهمية غير قليلة.
الفن يخرج من مشكاة واحدة:
كان شاعرنا المجيد، محباً للرسم ماهراً في إبراز لمسات خطوطة، وأذكر أنني عندما أردت تسمية ما اعتبرته ديواني الأول، وقد اخترت له عنوان (قنبلة)- وهذا الاسم الذي اخترته يدلّ على الحماسة التي كانت تغلب على مشاعرنا في هذه الفترة من العمر، وعندما طلب إليّ أخي الشاعر الفنان أن يطّلع على كيفية إخراجي لما أسميه ديوان شعري، رسم بيده الكريمة غلاف هذا الديوان مبرزاً قنبلة يحيط بها ما يرمز إليه هذا العنوان، ولا تزال هذه اللوحة على الصفحة الأولى منذ أكثر من خمسة وخمسين عاماً.
رحلة الدراسة الجامعية:
في صيف عام 1955 حصل شاعرنا على الثانوية العامة (وكانت تسمى التوجيهي في ذلك الوقت) من مدرسة فلسطين الثانوية بقطاع غزة بتفوق.
وكانت رحلة الدراسة الجامعية إلى القاهرة، حيث قُبل في كلية الآداب- قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة.
وفي جنبات هذه الكلية برزت شخصية الطالب المتفوق والشاعر المبدع.
أصبح الطالب بقسم اللغة العربية، قريباً من قلوب أساتذته، وكان من أبرزهم د. شوقي ضيف (رئيس مجمع اللغة العربية)، والدكتورة سهير القلماوي، ود. حسين نصّار والدكتور يوسف خليف، وغيرهم من أساتذة كلية الآداب.
كان ينال المراكز الأولى على مدى دراسته، حتى كان تخرجه في صيف عام 1959م بامتياز مع درجة الشرف.
وفي سني دراسته بالكلية أتحف الشاعر المغرد أساتذته وإخوانه، بأرق قصائد الشعر التي كان يتولى نشرها الأساتذة والزملاء في أغلب الأحيان، لأن شاعرنا كان غير متحمس أو قُلْ كان زاهداً في أن يبرز شاعراً يملأ الدنيا ويشغل الناس وتلك حقيقة ظلت تلازمه، كان يؤثر أن يقرأ على زملائه وأحبائه ما تجود به قريحته الراقية المميزة، وإنما يتابع إخوانه وزملاؤه نشر شعره في الصحف والدوريات دون رغبة منه في أكثر الأحيان، وهذا الأمر هو السبب في تأخير إخراج رصيده الشعري المميز والذي أدعو الله أن يخرج سريعاً ليسجّل صفحات ناصعات ينبغي ألا تغيب عن محبي الشعر ومتذوقيه، وللقائمين على نشر هذا الشعر دعواتي الحارة وتقديري العظيم، إذ سيقدمون للشعر ومتذوقيه بعامة وللقضية الفلسطينية بخاصة سجلاً عامراً زاخراً بأرقى الشعر وأكثره أصالة وصدقية وتميّزاً وإثارة، وهذا ما أسعد قلبي لدى طلب جهة النشر مني أن أقدم هذا التعريف المتواضع حول حياة الشاعر وسيرته وجهاده وإنها لفرصة كي أقدم عميق تقديري لأخي الأستاذ أبي الحسن إسماعيل البرعصي وللدكتور أسامة الأشقر.
كانت سُكْنى الدكتور بارود في البيت رقم 73 من شارع إيران بالدقي بالقاهرة منذ وطئت قدماه القاهرة سنة 1955م حتى سنة 1965 حيث دخل شاعرنا محنة السجن مع الإسلاميين الذين اعتقلوا ظلماً في هذا العام، ولم يخرج من سجنه إلا في عام 1972م.
لم نتحدث عن شاعرنا القارئ المستوعب الذي يقرأ كل جديد، والمفكر المسلم الذي يعيش هموم دعوته وأمته صاحب العمق في فكره، المولع بالقراءة والاطلاع كان من أقواله التي حفظها عنه مجالسوه تمنّي أمسية ندية يطيب فيها الهواء ليمسك كتاباً جديداً. فيلتهمه في سهرة قبل أن يطلع الفجر!!
نال شاعرنا الماجستير في أراجيز رؤبة بن العجاج، وتلك دراسة لا يحتملها إلا عملاق مثله، وكان تقديره فيها الامتياز وكان الأساتذة المشرفون على الرسالة والمقيمون لها يرون أنها تستحق أن تكون رسالة دكتوراه.
كلما جلست إلى أبي حذيفة (د. عبد الرحمن بارود) سمعت جديداً في الفكر والأدب، وكلما تأملتَ ذوقه ونبله أحسست أنك تجلس إلى واحد من أهل السماء يعيش معك على وجه الأرض، نعم توقن بأنه يعيش في علياء من السمو الروحي والرقي الإيماني.
ولذلك كان بيته في 73 شارع إيران بالدقى موئلا للكثيرين من القادمين من قطاع غزة، كما كان موئلاً لكل من يجب أن يسمع الفكر النّير والأدب الرفيع الراقي.
خرج شاعرنا عبد الرحمن بارود من سجنه عام 1972م ليلملم رسالة الدكتوراه التي أكمل اعدادها في السجن حيث نالها بدرجة الامتياز.
عبد الرحمن بارود أستاذاً للثقافة الإسلامية
في جامعة الملك عبد العزيز بمدينة جدة عمل د. عبد الرحمن بارود أستاذاً للثقافة الإسلامية في عام التخرج نفسه عام 1972 ووفّقه الله سبحانه لأداء دور كريم في جامعته، حيث غرس في طلابه أعمق معاني الانتماء للإسلام، معززاً كل مكرمات رسالة الإسلام العظيم، داحضاً كل الافتراءات التي يشيعها أعداء هذا الدين، وكان في فكره النيّر وسلوكه المميز خير أسوة لأبنائه وإخوانه الطلاب.
وفي الوقت نفسه عاش شاعرنا مجاهداً لدينه، خادماً للحركة الجهادية في فلسطين .. كيف لا وهو الذي عاش فترة طويلة من عمره مع شيخ الانتفاضة الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، فهو مثل الشيخ ياسين من أبناء معسكر شاطئ غزة ومن ساكنيه، وهما كلاهما ممن رضعوا لبان الحركة الإسلامية منذ صباهما.
وسيرى من يقرأ شعره الذي أرجو الله أن يطبع قريبا في ديوان .. أقول سيرى المطلعون على شعره من النقاد والمثقفين ومن الطلاب والدارسين أنهم أمام أمير من أمراء الشعر كما كان أساتذته في الجامعة يشهدون بذلك.
17 توفي في أبريل 2010 رحمه الله رحمة واسعة
الباحث والمراجع
- معجم بلدات فلسطين: محمد شراب، وكتاب كي لا ننسى لوليد الخالدي
- معجم بلدات فلسطين: محمد شراب، وكتاب كي لا ننسى لوليد الخالدي
- https://www.t-alquds.org/%D9%85%D8%B0%D8%A8%D8%AD%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3-%D8%B9%D8%A7%D9%85-1948/
- موقع الذاكرة: https://zochrot.org/ar/village/49058
- موقع فلسطين في الذاكرة https://www.palestineremembered.com/Gaza/Bayt-Daras/ar/index.html#Statistics
- موقع صقر http://soqoraleslam.6te.net/page4/pa4_30.htm
- صفحة عائلات بيت دراس: https://www.facebook.com/beit.darass/posts/328112867218313/
- https://arbyy.com/detail993885123.html
- موقع صقر الإسلام http://soqoraleslam.6te.net/page4/pa4_30.htm
- صفحة عائلات بيت دراس: https://www.facebook.com/beit.darass/posts/328112867218313/
- موقع الهدف: 4/11/2021 https://arbyy.com/detail993885123.html
- https://arbyy.com/detail993885123.html
- https://www.palestineremembered.com/Gaza/Bayt-Daras/Story26495.html
- https://hadfnews.ps/post/41794/%D9%85%D8%B0%D8%A8%D8%AD%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3-%D8%B9%D8%A7%D9%85-1948
- https://arbyy.com/detail993885123.html
- [https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2012/12/12/342238.html#ixzz7JAa9rT2a
https://hadfnews.ps/post/29002/%D9%85%D8%AC%D8%B2%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3 - https://arbyy.com/detail993885123.htm
- مصطفى الدباغ: تاريخنا فلسطين
- د. فايز أبو شماله https://felesteen.news/post/24420/%D8%AE%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3
- https://www.howiyya.com/vw_news5view.php?Id=9472&showmaster=vm_region_list
- https://alray.ps/ar/post/121547 الرأي
- صحيفة الإمارات اليوم 17 مايو 2018
- موسوعتي
- صحيفة رصيف 22 19 مايو 2018
- وكالة عمون للأنباء https://www.ammonnews.net/article/60805
- https://www.fatehinfo.net/post/102313
- https://www.palumedia.eu/?p=23763
- مؤسسة فلسطين للثقافة https://www.thaqafa.org/site/pages/details.aspx?itemid=1710#.Ykf_PChByUk