أعلام من القرية - بَيتْ دَرَاسْ - قضاء غزة

 أعلام من بيت دراس

  1.  إسماعيل محمد جبر أبو شمالة:

 من مواليد قرية بيت دراس عام 1939م وما أن تفتحت عيناه حتى حلت النكبة بالشعب الفلسطيني عام 1948م وطرد مع أهله وأهل القرية من منازلهم وأرضيهم من قبل العصابات الصهيونية وذلك الى قطاع غزة، حيث استقر بهم المطاف في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين، فعاش عيشة المخيم منذ نعومه أظفاره والتي تربى في حاراته وأزقته .
أكمل تعليمه الأساسي والإعدادي في مدرسة البريج، ومن ثم انتقل إلى الدراسة في مدرسة خالد بن الوليد الثانوية في النصيرات، حيث أنهى الثانوية العامة عام 1957 – 1958 م، سافر بعدها الى بيروت والتحق بجامعة بيروت العربية حيث حصل على ليسانس في اللغة العربية فما بعد .
عام 1960 تعاقد مدرساً مع بعثة المملكة العربية السعودية حيث عمل في منطقة القنفذة ثلاث سنوات، التقى في تلك المنطقة بقادة من حركة فتح
نقل أبو نضال أبو شمالة الى منطقة الرياض حيث عين عضواً في اللجنة القيادية
بعد حرب عام 1967 قرر ترك السعودية والانتقال للعمل الوطني في سوريا .
في عام 1970 شارك أبو شمالة في مؤتمر تأسيس اللجنة العلمية الموسع الذي عقد في دمشق بحضور خبراء فلسطينيين وعرب من مختلف أنحاء العالم ..
عين أبو شماله سفيراً عام 1985م في أفغانستان ، وعام 1986م صدر قراراً بنقله إلى بلغاريا وعين سفيراً لدولة فلسطين حتى عام 1994م حيث كانت تربط الثورة الفلسطينية مع بلغاريا علاقات قوية ممتازة .
بعد عودة قوات وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى أرض الوطن عام 1994م عين أبو شماله وكيلاً لوزارة الحكم المحلي حتى عام 2006م ، وبعدها عين محافظاً لشمال غزة حتى عام 2013م .
بعد عودته الى ارض الوطن اكمل أبو نضال تعليمه العالي وحصل على شهادة الماجستير من جامعة الأزهر ..
انتقل الى رحمة الله تعالى صباح يوم 22/11/2015م بعد مشوار طويل من النضال الوطني ، حيث لم يكن بعيداً عن قضية فلسطين ، التي أعطاها زهرة شبابه وسنوات عمرة، حيث كانت القضية الفلسطينية اسمه وعلمه وهويته.

 2. مي تايه:

عضو الاتحاد العام للكتاب والادباء الفلسطينيين، وقد صدر لها رواية للفتيان (زمن الاقوياء) عام 2003، ورواية (العنقاء) عام 2016. ولها مقالات في الصحف والمواقع الالكترونية.

3.الشاعر عبد الرحمن أحمد جبريل بارود

 مولده في بيت دراس:

في قرية (بيت دراس) بفلسطين كان مولد أخي الحبيب إلى قلبي الشاعر المبدع عبد الرحمن أحمد جبريل بارود وذلك في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين وعلى وجه التحديد في عام 1936م

وكلما ذُكرتْ قرية (بيت دراس) وهي من قضاء غزة، تذكر معها المعركة الشهيرة التي مُني فيها العدو الصهيوني في مايو 1948م بخسائر فادحة في أرواح مقاتليه الذين أرادوا باحتلال القرية تهجير أهل القرى المجاورة، حيث هي تمثل مركز الثقل لأكثر من عشر قرى محيطة بها، منها قريتي السوافير الشرقية.

قتل عدد كيبر من الصهاينة المهاجمين على أيدي مجاهدي بيت دراس والمجاهدين الذين بادروا لمساعدة مجاهدي بيت دراس وكان من بينهم عدد من أقربائي وأهلي الذين أكرمهم الله بأن يكون لديهم (الباردوة).

وهذا هو الاسم الذي كان أهل قرانا يطلقونه على أفضل سلاح كان يمكن أن يحصل عليه الفلسطيني بمشقة وبأغلى الأثمان، لمواجهة عدوان الصهاينة المجرمين المدجّجين بأنواع من الأسلحة.

ودارت الدائرة على الصهاينة المهاجمين، حيث أحاط بهم المجاهدون القادمون من القرى فلجؤوا للاحتماء بمدرسة بيت دراس، وشفى الله نفوس أهل المنطقة بأن أجهزوا على عدد كبير من هؤلاء الأعداء، وبقيت جثث عدد منهم في أرض المعركة لعدة أيام.

نعم كان أهل بيت دراس في بطولتهم وقوة شكيمتهم يمثلون البطولة والرجولة والكرامة لأهل القرى المحيطة، وكان هذا مما يملأ قلبي بالفخر حيث إن أخوالي هم من أهل هذه القرية الباسلة.

كنا ننسب إلى بيت دراس فنقول عن أهلها "البَدَارْسة" والواحد منهم (بَدْرَساوي) كما كنا نتناقل القصص عن شجاعتهم وقوة شكيمتهم، وكانت تساق لنا القصص الطريفة عن قوتهم وعلوّ همتهم، حيث قيل لنا إن واحداً من كبارهم سنّاً عندما شكا له أناس من أهل القرية أن شجرة الزيتون الكبيرة في حقلهم لم تثمر في ذلك العام، أشار عليهم بأن يكووا الشجرة حيث إن آخر الدواء الكيّ .. فقرّب القوم سيخاً محمّى على النار حتى درجة الاحمرار ومُدّ هذا السيخ المحمّى إلى الجذع الرئيس في الزيتونة ليكويها، وقيل لنا إنها عادت للإثمار فيما بعد !!!

كانت يرون لنا مثل هذا القصة في إعجاب وإكبار لأهل بيت دراس نموذج الرجولة والبسالة لكل أهل المنطقة المحيطة بالقرية.

لقاء في أرض الهجرة:

حدثت هجرة عامة لأهل القرى الفلسطينية في اللواء الجنوبي، أيام نكبة عام 1948، وكانت هجرة أكثر أهل هذه القرى إلى قطاع غزة، على وعود بالرجوع القريب.

والقطاع معروف للجميع يمتد من: بيت حانون وبيت لاهيا شمالاً، إلى رفح جنوباً، بمساحة تعادل (360كلم2) ثلاثمائة وستين كيلو متراً مربعاً.

وكان تعرّفي إلى أخي الأستاذ عبد الرحمن بارود في مدرسة من مدارس القطاع، وقد قرّب بيننا أننا كنا هو وأنا اثنين من أوائل الشهادة الاعدادية 1952م.

توثقت صلتي بأبي حذيفة (عبد الرحمن بارود) على أرضية من الهجرة التي نعيشها، وروح القرية التي كانت عميقة في نفوسنا، وإلى جانب كل ذلك صلة رحمية، حيث كنت أعتز بأخوالي البدارسة إذ إن جدتي لأمي من بيت دراس، وكان لهذه الجدة في قلبي مكان سام رفيع.

كان أكثر حديثنا في لقاءاتنا مع أبي حذيفة وأمثاله من زملاء الهجرة، عن قضيتنا قضية الوطن السليب، وهذا كان شأن أكثر إخواننا الطلاب، وبخاصة اللاجئين منهم، تشغل القضية كل أمانينا ومشاعرنا وتملأ قلوبنا، إذا شرب الواحد منا كوب شاي عند أخيه قال: إن شاء الله في البلاد (أي فلسطين)، وعند كل أمنية طيبة نقول: في البلاد!!

كانت قضيتنا تعيش في حنايا الصدور والقلوب وتفيض بها النفوس في كل همسة، وتتحكم بها الشفاه في كل نداء وكل دعاء وكنا نرى أن الطريق لاسترجاع وطننا المغتصب إنما يكون بالجهاد والنضال.

وهذا ما كان يبرز في بواكير شعرنا، شعر أبي حذيفة وشعري، حيث كنا ندندن أكثر في هذا المجال.

كنا معجبين غاية الإعجاب بأستاذنا أحمد فرح عقيلان - معلم اللغة العربية في ثانويات القطاع، وهو قروي مهاجر مثلنا من قرية (الفالوجة)، كنا نحفظ أغلب شعره، نأخذه أحياناً من مسوّدات أوراقه التي كتب فيها قصائده، ومن منا لا يحفظ الكثير من شعر هذا الأستاذ الذي كان يمثل لنا الشاعرية والوطنية والحمية والإباء، والتطلع لاسترجاع الوطن السليب.

ولعل الكثير من أترابنا كانوا يرددون معنا أبياتاً من شعره منها:

لا تُردُّ الحقوق في مجلس الأمن

ولكن في مكتب التجنيد

التصاريح والعرائض لغوٌ

واندفاع الشباب بيت القصيد

إنّ ألفي قذيفة من كلام

لا تساوى قذيفة من حديد

كان لهذا المربي الفاضل أحمد فرح عقيلان آثار عميقة في نفوسنا، ونفوس إخواننا من زملائنا الطلاب، عزّز في قلوبنا حب الجهاد والاستشهاد، ومثّل لنا الفارس النموذج الذي يقتدى به علماً وخلقاً ونضالاً، وربطنا بقضية الوطن السليب، والسبيل لاستعادته، كنا نحفظ له الكثير من قصائد شعره التي تتحدث عن النكبة وأسبابها، وتملأ نفوسنا بفيوض من الشوق للوطن والتطلع لحقنا في تحرير هذا الوطن السليب.

ومما كنا نردده على ألستنا من شعره قصيدته الساخرة حول مواصفات الزعامات التي فرّطت في القضية وأضاعت الحقوق، ومن أشهر أبياتها قوله:

إن شئت أن تحيا زعيما

فدع الوفاء وكن لئيما

إن الزعامة في بلادك

تبغض الشهم الكريما

وتهيم بالطبع الوضيع

وتعشق الخلق الذميما

سمسر وبع واغشش

وخن واكذب تكن بطلا صميما

وتصير صنواً للغزال

وإن تكن قرداً ذميما

وإذا جشأت يقال عطر

الورد يختلج النسيما

فاخطب وطوّل في الخطاب

فلم تزل خطبا جسيما 

واهنأ ببطنك متخماً

والخصم يحتل التخوما

يا شعب قد حلقت

زعامتك البلاد (فقل نعيما)

ولتسقط الأوطان

وليبق الزعيم لنا زعيما

وكنا على حداثة أعمارنا، نسمع عن أولئك المتأثرين بالفكرة الشيوعية والذين كانوا يرون أن الحل العادل لقضيتنا هو انتصار (البروليتاريا) وإقامة الدولة الاشتراكية التي تجمعنا نحن واليهود!!

ويؤكدون أن ضياع وطننا إنما تسبّبت به الرجعية العربية، وكانوا يقولون في شعرهم

هراءٌ هي الجولة الثانية:

وهذا نقيض ما كنا نؤمن به من وجوب الجهاد والنضال لاسترجاع وطننا السليب.

وأذكر أنني وأخي عبد الرحمن بارود (وكانت أعمارنا في حدود الخامسة عشرة من السنوات) كنا نشعر بمنتهى الحسرة والألم من هذه الأفكار التي يحملها عدد من المعلمين في مدارس القطاع، حيث كانت لهذه الأفكار مراجع فكرية ولها أتباع، تبنّوها لمصالح يجنونها، أو لجهالة كردّة فعل لواقع النكبة، وكنا نسفّه هذه الأفكار بقصائد من شعرنا.

وعلى الجانب الآخر كانت كثرة من المعلمين والطلاب، تحمل الفكرة الإسلامية والوطنية التي تؤكد على أن سبيل العودة إنما يكون عبر الجهاد والنضال لاسترجاع الحق السليب.


جمعية التوحيد:

جمعية من جمعيات النفع العام، مؤسسها هو السيد ظافر الشوا (أبو مازن) ، كانت مقراً يقام فيه محاضرات وندوات في موضوعات إسلامية عادة، أو وطنية.

وفي الصيف بصبغة خاصة كانت تنشط مثل هذه الندوات، وكان يؤم الجمعية بعض الطلاب الجامعيين الذين يدرسون في مصر وكنا نشعر بسعادة عندما يتحدثون إلينا متناولين بعض المناسبات الإسلامية.

وكان من أبواب الخير الواسعة التي فتحت في القطاع بعامة وبغزة خاصة، وتولي الشيخ محمد الغزالي رئاسة لجنة الوعظ المنتدبة من الأزهر الشريف للقطاع.

كنا نحضر جلّ هذه الندوات والمحاضرات إن لم تحضرها كلها، حيث كانت تقام في المساجد أو الجمعيات أو حتى الأندية الرياضية والثقافية.

كان الشيخ الغزالي أكرمه الله ورحمه يمثل لنا مركزاً إعلامياً رفيع الشأن وأذكر من الشيوخ الذين كانوا معه في بعثة الوعظ الشيخ علي جعفر.

ولدى عودتنا مشياً من أماكن المحاضرات كنّا نتجاذب أطراف الحديث حول ما سمعنا، وأذكر لأخي عبد الرحمن مبادرة ذكية إذ كان يقترح أن يتحدث كل واحد منا عن موضوع من الموضوعات التي تهمنا لمدة (خمس دقائق) بلغة عربية سليمة، خالية من العامية، وقد جنينا من خلال هذه الفكرة الرائدة قدرة على التحدث بطلاقة وإجادة، تميزنا عن الأقران من زملائنا الطلاب، وكان الأستاذ عبد الرحمن بارود يسبقنا في التطبيق ليكون لنا النموذج الذي يُحتذى من جانبنا. 


في مدرسة فلسطين الثانوية:

في مطلع العام الدراسي سنة 1953م اجتمعت مع أخي د. عبد الرحمن بارود في الصف التاسع الدراسي الذي يلي الشهادة الاعدادية وكان يسمى في السلك التعليمي للنظام التعليمي في تلك الأيام (الصف الثالث الثانوي) وذلك بمدرسة فلسطين الثانوية، في حي الرمال بغزة حيث افتتحت هذه المدرسة الثانوية في ذلك العام وكان مديرها الأستاذ (ممدوح الخالدي) المشهور بشدته وصلابته في الإدارة، إلى جانب خبرته التربوية العريضة.

وعلى كرسي الدراسة جاورت الأستاذ عبد الرحمن بارود، فزادت الصلات وتوثقت ولمست فيه بوضوح روح الشاعر الحالم، والمسلم الواثق بإسلامه، واللاجئ الفلسطيني الذي ينبض قلبه بحب وطنه والتشوق لتحريره.

وفي جماعة الشعر بالمدرسة، كان الأستاذ رامز فاخرة مدرس اللغة العربية الذي أصبح فيما بعد موجهاً عاماً للغة العربية يشجع أبناءه على قرض الشعر، وكان هو شاعراً مجيداً يحب الشعر، وكان يحفّزنا بالعرض الشعر من خلال مسابقات شعرية يطرحها في المدرسة وأذكر أن المركز الأول في العام 1953 كان من نصيب أخي عبد الرحمن ونلت المركز الثاني من بعده، وكان الموضوع الذي تناولته قصائدنا التأكيد على التدريب العسكري للجهاد من أجل استرجاع وطننا السليب، وأذكر الآن بيتاً كان مطلع الأبيات التي أنشدتها:

لا نريد الأحفال التي نخطب فيها

بل نريد التجنيد في كل نادي

 

وكان ممن حضروا حفل توزيع الجوائز القاضي الشيخ الشاعر خلوصي بسيسو، الذي أمتعنا بتشجيعه لنا وترديده أبياتاً مما أنشدناه، بسليقته الراقية وشاعريته الرائعة رحمه الله رحمة واسعة.

وإنني إذ أتناول السيرة الذاتية للشاعر عبد الرحمن بارود كما طلب إليّ، وأنا آسف وأرجو المقدرة إن كنت أذكر نفسي من خلال سيرته، وإنما أريد ذلك بيان ما يتعلق بهذه الترجمة التي تتناول مرحلة زمنية من حياة مشاعرنا، لعلها ذات أهمية غير قليلة.


الفن يخرج من مشكاة واحدة:

كان شاعرنا المجيد، محباً للرسم ماهراً في إبراز لمسات خطوطة، وأذكر أنني عندما أردت تسمية ما اعتبرته ديواني الأول، وقد اخترت له عنوان (قنبلة)- وهذا الاسم الذي اخترته يدلّ على الحماسة التي كانت تغلب على مشاعرنا في هذه الفترة من العمر، وعندما طلب إليّ أخي الشاعر الفنان أن يطّلع على كيفية إخراجي لما أسميه ديوان شعري، رسم بيده الكريمة غلاف هذا الديوان مبرزاً قنبلة يحيط بها ما يرمز إليه هذا العنوان، ولا تزال هذه اللوحة على الصفحة الأولى منذ أكثر من خمسة وخمسين عاماً.


رحلة الدراسة الجامعية:

في صيف عام 1955 حصل شاعرنا على الثانوية العامة (وكانت تسمى التوجيهي في ذلك الوقت) من مدرسة فلسطين الثانوية بقطاع غزة بتفوق.

وكانت رحلة الدراسة الجامعية إلى القاهرة، حيث قُبل في كلية الآداب- قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة.

وفي جنبات هذه الكلية برزت شخصية الطالب المتفوق والشاعر المبدع.

أصبح الطالب بقسم اللغة العربية، قريباً من قلوب أساتذته، وكان من أبرزهم د. شوقي ضيف (رئيس مجمع اللغة العربية)، والدكتورة سهير القلماوي، ود. حسين نصّار والدكتور يوسف خليف، وغيرهم من أساتذة كلية الآداب.

كان ينال المراكز الأولى على مدى دراسته، حتى كان تخرجه في صيف عام 1959م بامتياز مع درجة الشرف.

وفي سني دراسته بالكلية أتحف الشاعر المغرد أساتذته وإخوانه، بأرق قصائد الشعر التي كان يتولى نشرها الأساتذة والزملاء في أغلب الأحيان، لأن شاعرنا كان غير متحمس أو قُلْ كان زاهداً في أن يبرز شاعراً يملأ الدنيا ويشغل الناس وتلك حقيقة ظلت تلازمه، كان يؤثر أن يقرأ على زملائه وأحبائه ما تجود به قريحته الراقية المميزة، وإنما يتابع إخوانه وزملاؤه نشر شعره في الصحف والدوريات دون رغبة منه في أكثر الأحيان، وهذا الأمر هو السبب في تأخير إخراج رصيده الشعري المميز والذي أدعو الله أن يخرج سريعاً ليسجّل صفحات ناصعات ينبغي ألا تغيب عن محبي الشعر ومتذوقيه، وللقائمين على نشر هذا الشعر دعواتي الحارة وتقديري العظيم، إذ سيقدمون للشعر ومتذوقيه بعامة وللقضية الفلسطينية بخاصة سجلاً عامراً زاخراً بأرقى الشعر وأكثره أصالة وصدقية وتميّزاً وإثارة، وهذا ما أسعد قلبي لدى طلب جهة النشر مني أن أقدم هذا التعريف المتواضع حول حياة الشاعر وسيرته وجهاده وإنها لفرصة كي أقدم عميق تقديري لأخي الأستاذ أبي الحسن إسماعيل البرعصي وللدكتور أسامة الأشقر.

كانت سُكْنى الدكتور بارود في البيت رقم 73 من شارع إيران بالدقي بالقاهرة منذ وطئت قدماه القاهرة سنة 1955م حتى سنة 1965 حيث دخل شاعرنا محنة السجن مع الإسلاميين الذين اعتقلوا ظلماً في هذا العام، ولم يخرج من سجنه إلا في عام 1972م.

لم نتحدث عن شاعرنا القارئ المستوعب الذي يقرأ كل جديد، والمفكر المسلم الذي يعيش هموم دعوته وأمته صاحب العمق في فكره، المولع بالقراءة والاطلاع كان من أقواله التي حفظها عنه مجالسوه تمنّي أمسية ندية يطيب فيها الهواء ليمسك كتاباً جديداً. فيلتهمه في سهرة قبل أن يطلع الفجر!!

نال شاعرنا الماجستير في أراجيز رؤبة بن العجاج، وتلك دراسة لا يحتملها إلا عملاق مثله، وكان تقديره فيها الامتياز وكان الأساتذة المشرفون على الرسالة والمقيمون لها يرون أنها تستحق أن تكون رسالة دكتوراه.

كلما جلست إلى أبي حذيفة (د. عبد الرحمن بارود) سمعت جديداً في الفكر والأدب، وكلما تأملتَ ذوقه ونبله أحسست أنك تجلس إلى واحد من أهل السماء يعيش معك على وجه الأرض، نعم توقن بأنه يعيش في علياء من السمو الروحي والرقي الإيماني.

ولذلك كان بيته في 73 شارع إيران بالدقى موئلا للكثيرين من القادمين من قطاع غزة، كما كان موئلاً لكل من يجب أن يسمع الفكر النّير والأدب الرفيع الراقي.

خرج شاعرنا عبد الرحمن بارود من سجنه عام 1972م ليلملم رسالة الدكتوراه التي أكمل اعدادها في السجن حيث نالها بدرجة الامتياز.

عبد الرحمن بارود أستاذاً للثقافة الإسلامية

في جامعة الملك عبد العزيز بمدينة جدة عمل د. عبد الرحمن بارود أستاذاً للثقافة الإسلامية في عام التخرج نفسه عام 1972 ووفّقه الله سبحانه لأداء دور كريم في جامعته، حيث غرس في طلابه أعمق معاني الانتماء للإسلام، معززاً كل مكرمات رسالة الإسلام العظيم، داحضاً كل الافتراءات التي يشيعها أعداء هذا الدين، وكان في فكره النيّر وسلوكه المميز خير أسوة لأبنائه وإخوانه الطلاب.

وفي الوقت نفسه عاش شاعرنا مجاهداً لدينه، خادماً للحركة الجهادية في فلسطين .. كيف لا وهو الذي عاش فترة طويلة من عمره مع شيخ الانتفاضة الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، فهو مثل الشيخ ياسين من أبناء معسكر شاطئ غزة ومن ساكنيه، وهما كلاهما ممن رضعوا لبان الحركة الإسلامية منذ صباهما.

وسيرى من يقرأ شعره الذي أرجو الله أن يطبع قريبا في ديوان .. أقول سيرى المطلعون على شعره من النقاد والمثقفين ومن الطلاب والدارسين أنهم أمام أمير من أمراء الشعر كما كان أساتذته في الجامعة يشهدون بذلك. 

17 توفي في أبريل 2010 رحمه الله رحمة واسعة