معلومات عامة عن كفر عنان - قضاء عكا
معلومات عامة عن قرية كفر عنان
قرية فلسطينية مُهَجَّرَة، كانت قائمة على المنحدرات السفلى لجبال الزبول وكانت طريق فرعية تربطها بالطريق العام الممتد بين عكا وصفد، إدارياً كانت تتبع لقضاء مدينة عكا، وتبعد عنها حوالي 33 كم شرقيها، وترتفع 325م عن مستوى سطح البحر.
تبلغ مساحة أراضيها 5827 دونم، ىنيت منازل القرية على مساحة 21 دونم منها.
احتلت القرية كما جاورها من قرى عربية في وقت متأخر من حرب عام 1948، حيث احتلت في سياق عملية "حيرام" وذلك يوم 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1948 وعلى الرغم من احتلالها إلا أن أهلها رفضوا الخروج منها، لكن سلطات الاحتلال طردتهم بشكل تدريجي فيما بعد، لتصبح القررة خالية تماماً من الوجود العربي بحلول الأول من شهر شباط/فبراير 1949.
الحدود
تتوسط القرية الطريق الواصلة بين مدينتي صفد وعكا، وتجاورها عدة قرى وبلدات هي:
- قرية بيت جن شمالاً.
- قرية الفراضية شرقاً.
- قرية المغار جنوباً.
- وقرية الرامة غرباً.
سبب التسمية
نشأت فوق البقعة التي كانت تقوم عليها قرية كفار حنانيا الرومانية. ويظن أن القرية الرومانية دمرت بفعل زلزال، وأن كفر عنان التي جاء اسمها من كفار حنانيا ظهرت إلى الوجود عندما أعيد بناء القرية المهدمة.
الآثار
كفر عنان موقع أثري قديم وقد عُثِر فيه على:
- أسس مباني منقورة في الصخر.
- قواعد أعمدة.
- برك.
- مدافن ومغاور وغيرها.
- وهي محاطة أيضاً بمواقع أثرية مثل خربة الشبا وخربة زيتون الرامة. وهذا يدل على عمران البقعة التي أقيمت فيها كفر عنان منذ القديم.
السكان
بلغ عدد سكان كفر عنان نحو 179 نسمة عام 1922 وعام 1931 نحو 246 نسمة كانوا يعيشون في 47 بيتاً. وفي عام 1945 بلغ عدد السكان 360 نسمة حيث وصل الى 418 نسمة عام 1948. وقد شردت سلطات الاحتلال الإسرائيلي السكان من قريتهم بتاريخ 4/2/1949 وأرسلت نصفهم إلى المثلث وأجبرتهم على اجتياز خط الهدنة إلى قضاء نابلس. وحين قدم من بقي من سكان القرية في البلاد طلباً إلى المحكمة العليا لإعادتهم إلى قريتهم نسف الجيش الإسرائيلي بيوت القرية.
عائلات القرية وعشائرها
عائلات القرية وحمائلها:
شقير، الحاج محمد، عائلة العلي، عائلة يوسف، الناصر، طه، المهول، معروف، آل نصار، نصار، ديب، الأحمد.
الاستيطان في القرية
وضعت الوكالة اليهودية الخطط لإقامة مستعمرة كفار حنانيا الى الجنوب من الموقع في سنة 1982 غير أنها أنشئت في عام 1989 على أراضي القرية أما حذون التي بنيت في سنة 1969 على أراضي المنصورة في قضاء طبرية الفراضية في قضاء صفد، فهما قريبتان من الموقع لكنهما لا تقعان على أراضي القرية.
الحياة الاقتصادية
اعتمد أهالي كفر عنان في معيشتهم على الزراعة، حيث زرعوا سهلها الخصب بشتى أنواع المزروعات الصيفية والشتوية، مثل القمح الشعير العدس، الفول، الذرة، الحمص البطيخ والشمام وغير ذلك، كما غُرس القسم الشمالي منه بأشجار الزيتون. أما منطقة الجوابي، وهي الأرض الواقعة بين قريتي كفر عنان وفراضة، فقد غُرست أو زرعت بالأشجار والخضار المروية، مثل أشجار الليمون، التين، الرمان، الجوز، اللوز والعنب، والخضار مثل: الفجل، الخيار، البندورة، الباذنجان والفلفل، كذلك المنطقة الموجودة غرب القرية والقريبة من منطقة السيح، وهي كرم التوت، كرم حسان وحاكورة الليمون والبستان، فقد غرست وزرعت هي الأخرى بالأشجار والخضار المروية.
احتلال القرية
مع أن كفر عنان سقطت في وقت متأخر من حرب عام 1948 خلال عملية "حيرام" وعلى الأرجح أن ذلك حدث في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 1948، إذ وصلت وحدات تابعة للواء غولاني وصلت إلى كفر عنان يوم 30 تشرين الأول/أكتوبر خلال تقدمها شمالاّ في عملية مطاردة لوحدات جيش الإنقاذ العربي. إلا أن المؤرخ "وليد الخالدي" ينقل عن المؤرخ "بني موريس" أن سكان قرية كفر عنان لم يطردوا منها عقب احتلالها، وأن الكثيرين منهم ظلوا في منازلهم عدة أسابيع لاحقة. لكنه يذكر إن الضغط قد تصاعد خلال كانون الأول/ديسمبر 1948 وكانون الثاني يناير/1949 من أجل دفعهم على الرحيل من قريتهم هم وسكان قريتي الفراضية وصفورية المجاورتين إلى الجنوب قرب الناصرة والتسويغ الذي قدمه وزير شؤون الأقليات "الإسرائيلي" بيخور شيطريت هو إن أعداداً متزايدة من سكان القرى المطرودين كانت (تتسلل)، وأنه لكي يتم إيقاف هذه الظاهرة فعلى "إسرائيل" أن تعيد فتح الجليل من جديد، غير أن سكان كفر عنان والفراضية على الجانب الأخر من حدود المنطقة وفي قضاء صفد لم يُطرَدوا إلا في الأول من شباط/ فبراير1949.
وقد نقل نصفهم إلى الداخل الفلسطيني المحتل، والنصف الآخر نُقِل إلى منطقة المثلث التي كانت تحت السيطرة الأردنية.
وقالت سلطات الحكم العسكري "الإسرائيلي" إن عمليات الطرد ضرورية لتأمين (الأمن والقانون والنظام) وكانت سياسة سلطات الاحتلال في الجليل هي طرد جيمع سكان القرى كلما كان الأمر ممكناً.
احتلال القرية وهدمها وخداع أهلها
ن أحداث احتلال القرية وهدمها الذي بدأ في عام 1948 إلى أنها دُمرت بالكامل عام 1952: "كانت الحياة هانئة في وطني وبلدتي إلى أن أتى ذلك اليوم المشؤوم.. يوم اُحتلت البلدة في 30/10/1948 دون مقاومة، ودون إطلاق رصاصة واحدة، لا من جانب الأهالي الآمنين، ولا من قبل قوات الاحتلال حينها، ومر الجيش قرب القرية، وخيّم على مفرق كفر عنان، وهو ما يسمى اليوم مفرق سبعة على بعد 1.5كم غربًا عن القرية، ولم يقاوم حينها أهل القرية لأن جميع المناطق المحيطة كانت قد سقطت وهي: طبريا، الناصرة، حيفا، عكا، صفد، ولم يتبقَ إلا بعض القرى من قضائي عكا وصفد. كما أن جيش الإنقاذ الذي كان يرابط قرب القرية انسحب ليلاً، قبل يوم واحد من احتلال القرية ودون علم أحد. عدا عن ذلك فان عددًا من أهالي قرية عيلبون كانوا قد وصلوا إلى كفر عنان هاربين إلينا، فأخبرونا بأن الجيش قد احتل قريتي المغار وعيلبون وهو في طريقه إليكم، عندها رُفعت الأعلام البيضاء على أسطحة المنازل.
وفي 31/10/1948 جاءت مجموعة من الجيش "الإسرائيلي"، وقالوا للمختار أن يطلب ممن تركوا القرية العودة إليها وقال الجيش حينها مخادعًا: لقد أصبحتم الآن في آمان، لكن في صبيحة اليوم الثاني بتاريخ 2/11/1948 استيقظ أهالي القرية ليفاجؤوا بتطويقها من جميع الجهات، وطلب الجيش من السكان أن يتجمعوا في مكان يسمى الربعان أو مراح العجال وأن يتركوا البيوت مشرعة الأبواب. تجمع الأهالي في المكان المطلوب، وفي هذه الأثناء وفيما الناس مجتمعين بدأوا بنسف عدد من البيوت والغبار المنبعث من الركام يتطاير فوق رؤوسنا ليدبوا الرعب في النفوس، ثم أخذوا يضعون الشباب في مكان، والنساء والشيوخ والأطفال في مكان آخر قريب، ثم اختاروا ثمانية من الشباب وأطلقوا النار بعد أن عصبوا أعينهم والشباب هم:
1. حسن إبراهيم طه شقير
2. فواز إبراهيم طه شقير
3. سليمان احمد إبراهيم شقير
4. جميل خالد يوسف طه شقير
5. سعود اسعد محمد ناصر
6. عيسى كايد خشان
7. محيي الدين الشيخ طه
8. عبد القادر صفوري
ثم اقتادوا 36 شابًا في السيارات وأخذوهم إلى المعتقل من بينهم والدي والذي شغل منصب مختار القرية وكان عمره حينئذٍ ستين عامًا، أما نحن ومن تبقى من أهالي القرية فقد اقتادونا وهم يطلقون الرصاص فوق رؤوسنا إلى مفرق كفر عنان، ومنه اتجهنا إلى عين الأسد ثم بيت جن وأكملنا إلى حرفيش حتى وصلنا إلى بنت جبيل وبقينا هناك حتى 15 يومًا، ثم تم نُقلنا إلى صور ومنها إلى عنجر وهي قرية قريبة من مدينة زحلة ومن الحدود السورية، ثم إلى نهر البارد قرب طرابلس".
مصير القرية بعد تهجير أهلها وتقديم شكوى للعودة إليها
هذا وقد بقي في القرية بعد الاحتلال الشيوخ الذين لا يستطيعون المشي، وكذلك بعض الناس الذين كانوا قد اختبؤوا في القرى القريبة أو المغر وعادوا إليها بعد أسبوع أو أسبوعين، أضف إلى ذلك أنه أثناء وجودنا في بنت جبيل في لبنان وصور عاد قرابة أكثر من ثلثي أبناء القرية إلى كفر عنان سرًا، وبدت القرية عامرة بأهلها، ولكن هذا لم يرق لصناع السياسة الإسرائيلية، إذ أنهم فرضوا طوقًا حول القرية بتاريخ 4/2/1949 وقاموا بترحيل السكان; قسم إلى قرية مجد الكروم والقسم الأكبر إلى الضفة الغربية حيث كانت حينها تحت سيادة الأردن. وفي عام 1952 قامت القوات الإسرائيلية بهدم القرية كليًا عندما شعرت بأن أهلها الذين بقيوا في إسرائيل قد وكلوا المحامي محمد نمر الهواري للمطالبة بإعادتهم الى قريتهم".
العادات والتقاليد في القرية
المناسبات الاجتماعية
يواصل أستاذ التاريخ حسن منصور قص رواية بلدته ويستذكر المناسبات الاجتماعية وطقوسها، والحياة التعليمية فيها، قائلاً: "أما المدرسة فكانت في فراضة وهي مشتركة للقريتين والتعليم فيها حتى الصف الرابع الابتدائي، وكان على من يرغب في مواصلة التعليم، أن يلتحق بمدرسة المغار أو الرامة، فيما كان يفضل أغلب الطلاب الذهاب إلى مدرسة المغار لقرب المسافة، وأنا شخصيًا درست الصف الخامس في المغار".
لقد كان أهالي كفر عنان "يعيشون كعائلة واحدة وتجلى روح التعاون بينهم في مناسبات عدة، فمثلاً أيام الحصاد إذا أنهى أحدهم حصاده قبل جاره، فكان يهب لمساعدته ولا يتركه حتى ينهي عمله، كذلك في المناسبات والأفراح حيث يشارك الجميع في العرس، حيث أقيمت السهرات في الساحات على ضوء النار التي يشعلها الناس بعد ان جلبت النسوة الحطب نهاراً لإشعاله ليلاً أثناء سهرة العرس، فيما يجلس الرجال على الفراش، ويصطف الشباب في صفوف السحجة أو الدبكة أو الحداية، وفي اليوم الثاني كنا نزف العريس إلى الشارع العام، فيجلس العريس في ظل شجرة المال الكبيرة مع أغاني وأهازيج كثيرة منها:
عريسنا زين الشباب زين الشباب عريسنا
يا شمس غيبي من السما عالارض في عنا عريس
يا شمس غيبي واختفي بنور العريس بنكتفي
هذا وكانت تقام مسابقات للخيالة على مقربة من مكان زفة العريس التي تجوب القرية وصولاً لبيته حيث يتم تقديم مائدة طعام الفرح. نعم هكذا كان أهالي كفر عنان يعيشون حياة هادئة مطمئنة لا يشوبها شيء، بل كلها رجاء ومحبة وأمل.
ثم يستدرك قائلاً: "كان والدي أحمد مصطفى منصور رحمه الله تعالى مختار القرية، وعنده يجتمع أهلها، ليحتسوا لديه القهوة العربية السادة، ويستمعوا إلى الحكواتي يوسف العاصي، الذي كان يروي حكايات الزير سالم وتغريبة بني هلال، ومآثر عنترة بن شداد وبطولاته".
يأخذنا الأستاذ حسن إلى مقبرة القرية، ليخرج مصحفًا كان قد خبأه تحت الحجارة، ويقول: "أنا كل يوم أخرج هذا المصحف لأقرأ سورة يس على أمواتنا من أبناء القرية"، ويخبرنا أن هناك مقبرة تضم رفات سبعة شهداء قتلتهم العصابات الصهيونية على مفرق كفر عنان. ويذكر لنا أن الصغار لطالما رافقوا ذويهم في زيارة المقابر، "وكانوا يأكلون كعك العيد، وكانت أيامًا مليئة بالخير والمحبة والسلام ولا تنسى".
ويستذكر الأستاذ حسن حادثة استشهاد جميل خالد اليوسف، الذي اصطحبه عسكريان إسرائيليان لإخراج البندقية التي كان يمتلكها والده وتسليمهم إياها، فأخبرهم أنه لا يعلم مكانها "فأردوه قتيلاً داخل منزله، ثم جاء عسكريان آخران لمنزل نايف سليم يوسف منصور وطلبا منه تسليمهما البندقية فأخبرهما أنه قام بدفنها بين أشجار السدر، ودخل بين الأشجار الكثيفة، وخرج من الناحية الأخرى ولاذ بالفرار، وبعدما طال عليهما الانتظار صارا يطلقان النار باتجاهه بدون جدوى، فلقد اختفى عن الأعين، وهرب إلى لبنان وعاش هناك حتى قضى نحبه".
روايات أهل القرية
عن حياة القرية الزراعية ومصادر المياه حدثني حسن منصور – أبو مروان (1934) احد مهجري القرية والذي يسكن اليوم في قرية الرامه:كفرعنان كانت صغيرة بعدد سكانها بس كبيرة بأراضيها. قبل الاحتلال عاش فيها حوالي 350 شخص سكنوا ب 72 بيت. البلد اعتمدت على الزراعة وتربية المواشي وقسم قليل من أهل البلد كان يشغل بالبوليس. مساحة أراضي البلد كانت حوالي 5897 دونم ، الأرض كانت خصبة كتير. المناطق القريبة كانوا يزرعوها خضار، بندوره، خيار وفقوس، والبعيدة يزرعوها حبوب، قمح شعير عدس، كرسنه وهيك أشياء.
كانت المي تيجي من قرية فراضه فوقنا وتصب عنا بمنطقة بين فراضة وكفرعنان اسمها الجوابي، هاي الجوابي عاشيه على الري، وكنا دائما نزرعها أشجار وخضار. تحت البلد كانت في منطقة اسمها الدندانة وكرم حسان وكمان هاي المنطقة كانت عايشه على الري. المي الفائضة كنا نحطها بمجمّع مياه اسمه السيح وهناك نسقي الطرش ونسبح ونغسل. بالبداية كان في خلاف بيننا وبين أهل فراضه على المي، ورحنا للمحكمة ووقفنا محامي اسمه حنا عصفور من حيفا، وتقرر انه نص المي النا والنص الهم.
بعد ما اشترينا بلدنا، اطلعونا منها
حدثتني فاطمة منصور (1936)، زوجة ابو مروان، كيف باع أهل كفر عنان قريتهم بسبب الضائقة المالية قائلة: أيام الحكم العثماني، فرض علينا الأتراك ضرائب كبيرة على البلد. أهل البلد كانوا فقراء وما قدروا يدفعوا الضرائب. أجا إقطاعي لبناني اسمه فؤاد سعد، دفع الضريبة واشترى الأرض، واحنا ضلينا ساكنين فيها ونشتغل فيها وفؤاد سعد يوخد نسبة من المحصول. هذا فؤاد سعد كان عنده تسع بيوت بالبلد تقريبا، وكلها تفتح ع جهة واحدة وكان يقعّد الناس فيها ببلاش بدون إيجار.بال 1945 اجو اليهود بدهم يشتروا الأرض من فؤاد سعد، واجا واحد اسمه يوسف النحماني وبنحاس وعرضوا عليه مصاري كتير حتى يشتروها، قال لهم فؤاد سعد أنا ببيع البلد بس لأهل البلد. أهل بلدنا جمّعوا مصاري واشتروا البلد من فؤاد سعد مع انه احنا دفعنا اقل من اليهود. بس بعد ما اشتريناها بثلاث سنوات صارت الحرب وطلعنا، لا فرحنا فيها ولا اشي.
فضّونا من السيارة مثل ما بفضّوا سيارة زبالة
مع أن كفر عنان سقطت خلال عملية حيرام، في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 1948، غير أن قسم من سكانها مكثوا فيها، رافضين الضغط عليهم للمغادرة. لكنهم طردوا مجددا في شباط/فبراير 1949، حيث نقل نصفهم الى قرى مجاورة والقسم الأخر الى نابلس والحدود اللبنانية.حول مكوثها في القرية وطردها لاحقاً حدثتني أديبة مصطفى شقير (1934):بال 48 أجو علينا أهل عيلبون هاربين، إحنا نزلنا وصرنا نجبلهم أكل وخبز وطبيخ وميّ. قسم منهم كمّل على لبنان وقسم قعد كم يوم تحت الزيتون وفي بيوتنا. بعد ما أطلعوا أهل عيلبون بسبع أيام تقريباً أطلعوا أهل كفر عنان. بقي بالبلد بعض العائلات والختيارية. وأنا وأخواتي وأمي طلعنا كام يوم على عين الأسد، ورجعنا بعدها على كفر عنان عن طريق البيادر. بعد حوالي أربع أو خمس أشهر أجا الجيش علينا وقال تعالوا بدنا نعطيكم هويات. تركنا بيوتنا مفتوحة وطلعنا على الشارع، يومها أمي كانت عم تغسل ملاحف وحاطـّة طنجرة المجدرة على النار وأواعيها وسخة كتير. نزلنا على الشارع الرئيسي وقعدنا حوالي ساعتين وبعدها حمـّلونا ورمونا ع ساحة العين بمجد الكروم وضلّت طنجرة المجدرة ع النار والغسيل منقوع بالميّ. والله فضّونا من السيارة مثل ما بفضّوا سيارة زبالة وصاروا يقولولنا "يللا روحوا عند الملك عبد الله أبو طبيخ"، كانوا يسموه أبو طبيخ لأنه كان يضل يلبي دعوة الحكومات ويوكل طبيخ عندهم.بمجد الكروم قعدنا حوالي سنة أو سنتين. يومها أبوي كان محبوس وطلع ولما طلع أجا علينا وجابنا على الرامة. بالرامة استأجرنا بيت شعر من البدو وقعدنا فيه أربع سنين، وخلال هاي الفترة صرنا نروح ع بلدنا كفرعنان نحوش تين ورمان إلنا وكنا نبيع لليهود. أمي صارت تشتغل بالرامة، تحصد وتزرع حتى تشتري لنا خبز. بعدين صرنا ندورعلى المزابل وندوّر وين في براميل حديد كبيرة، نجيبها ونفتحها وعملنا منها براكيات. قعدنا حوالي 12 سنة بالبراكية لحد ما صار عنا بيت.
فكرتهم فراش.. طلعوا جثث!!
راح احكيلك الحكاية من الأول، قالت لي فاطمة منصور. اليهود فاتوا عنا، طوقوا البلد وحاصروها. فاتوا ع البيوت وصاروا يقولوا اطلعوا من البيوت بدنا نهبط البلد. اجو هبطوا بيت دار أخوه لسيدي. الناس خافت وطلعت قعدت بأرض اسمها الخلة ع طريق المغار. أجا سيدي وقال لستي هاتي نخبي الأولاد بقلب المغارة، كان في عنا بالبيت مغارة نحط فيها تبن للطرش. قالت له ستي بلكي هبّطوا البيت والأولاد ماتوا؟؟ خلينا نطلعهم معنا.
اجو المسؤولين اليهود، ما بعرف شو اسمهم، جابوا سيارات، اختاروا الشباب مثل أبوي وجيله وأخذوهم ع المعتقل ولما اعتقلوهم ضلينا إحنا الأطفال والختيارية والنسوان. الجيش عمل صفين على الشارع من الجنبين، قالوا لنا اطلعوا من هون ع الجبل وممنوع تطلعوا وراكم واللي بطلّع وراه منطخه. وأنا ماشي بالطريق مع أهلي، شفت كوم ناس ع الأرض. قلت لأمي شوفي هدول الناس جايين يناموا هون بالشارع، واللا هم ثماني قتلى شباب. أنا فكرتهم فراش بس طلعوا جثث. هدول الشباب قتلوهم اليهود على جنب الشارع وخلوهم هناك حتى الناس تشوفهم وتخاف وتهرب من البلد. الشباب هم: يوسف كايد، فواز إبراهيم الطه وأخوه حسن إبراهيم الطه، العبد الصفوري، سليمان احمد شقير، قاسم عز الدين من صفد، مسعود اسعد.
حول مقتل الشباب ودفنهم تضيف أديبة شقير:
لما طخوا الشباب أنا ما شفت لأنه كنا هاربين ع عين الأسد، بس لما رجعنا أنا وأمي رحت عند الجثث عشان أفحص إذا أبوي بين القتلى، وما لقيته. كانت الشباب مكوّمة على الأرض مثل الملحومين على بعض. الجثث ضلت على الشارع أسابيع، وبعدها رحنا أنا وخضرة كريكر من البعينة، سته لواحد من الشباب المقتولين، أخذنا الجثث ورميناهم بجورة قريبة عليهم وحطـّينا عليهم شوية تراب وشل (عودان زيتون) وسكرنا عليهم. يمكن العظام تبعتهم لليوم بعدها بالجورة وبس نروح على البلد بفرجيك الجورة اللي دفناهم فيها. كنا مجبورين ندفهن، لأنه ريحتهم بلشت تطلع.
قتلوا جميل بس نايف هرب... يستمر حسن منصور في انتشال مخزون ذكرياته ليحدثنا عن حادثة اخرى:أبوي كان مختار البلد. اجو عليه اليهود وطلبوا منه انه يجمع كل البواريد بالبلد. وبالفعل أبوي أعطاه كل البواريد. واللا واحد من الناس قال لا بعد في باروده عند خالد اليوسف ونايف السليم. اخذوا جميل ابن خالد اليوسف وراحوا معه على البيت، دوّر ع الباروده الي مخبيها أبوه وما لاقاها، طخوه وقتلوه. هاي صاروا ثمانية قتلى. نايف السليم قالهم انا مخبي الباروده بالصبره جوا، راحوا معه على الصبره، فات هو بين الصبر وطلع للشمال وهرب باتجاه فراضه، صاروا ينادوا عليه، ما رد، وصاروا يطخوا بالصبره. وصل لبنان وعاش هناك ومات وأولاده اليوم بالمانيا.
لما قتلوا الشباب واعتقلوا أبوي، أنا وآمي وأخوتي طلعنا على لبنان. بالطريق نمنا بحرش بيت جن وبعدها طلعنا على حرفيش ومنها على رميش ومنها على بنت جبيل، هناك قعدنا أسبوعين وسكنا بالجامع مع عشرات اللاجئين، وبعدين اخدونا على صور وهناك قعدنا خمس أو ست شهور، وبعدين سفرونا من صور على عنجر على حدود سوريا، قعدنا حوالي سبع أشهر، وبعدها على طرابلس ومنها على النهر البارد. لما كنا بصور كان في مجاعة كتير، يعني احنا كان يطلع لنا رغيف واحد الي ولامي ولأخوي. أمي كانت تروح تلقط خبيزه بالوعر وتشحد من الناس حتى نوكل ونعيش (باكياً). بذكر انه الدنيا كانت برد كتير. أمي شلحت الجاكيت وغطتنا فيها. ولما رحنا على عنجر صار يطلع لنا اعاشه وكنا نوخد شوية عجوة وطحينة. كنا سبع او ثمانية عائلات يسكنوا بشادر واحد مثل السردين. رحاب بنت أختي خزنه ماتت من البرد وأمها ترضع فيها. أمي بالليل كانت تحط خيش وننام عليها حتى البرد ما يطلع علينا. بعد سنه ونص بلبنان رجعنا عن طريق الصليب الأحمر أنا ووالدتي وإخوتي وأولاد خالي. رجعنا من طرابلس ع بيروت، ببيروت عملوا لنا حجر صحي، حطونا بمحل أسبوعين وطعمّونا، وبعد هيك نقلونا بسيارات لراس الناقوره ومن هناك نقلونا من السيارات اللبنانية للإسرائيلية والاسرائليين طعمونا ورشوا علينا أشي ابيض. بمجد كروم قعدنا عن دار مصطفى الصالح وبعدها رحنا ع معصرة عند دار الشيخ دياب وبعدنا نمنا على سطح مخبز. وبالأخر اجينا على الرامه بال 54، سكننا بالبراكية ومن بعدها بنينا بيوت.
محطات من رحيل فاطمة منصور
تستمر فاطمة في الحديث عن تهجيرها وعن قصة الطفلة من عيلبون:وإحنا طالعين نواحي عيد الأسد، بالجبل، لاقينا تحت الزيتونة طفلة من عيلبون، أمها تاركتها وحاطه تحتها حرام زهر ولافيته عليها وبجانبها كيس فيه أواعي وقنينه حليب فاضيه والمصاصه بتمها. أمي ما قدرت تحملها معنا لأنه كانت حاملي أخوتي. بس لما وصلنا بين عين الأسد وبيت جن بالوعر، شافتنا ختياره راجعه من بيت جن وبتبكي وسألتنا اذا شفنا طفلة بطريقنا واحنا طالعين؟، قلنا لها اه وحكينا لها وين، بس لما رجعت ما لاقت البنت. يمكن الجيش أخذها لأنه كان قريب كتير منها. سألناها ليش رمتها أمها، قالت لنا أمها كانت حامله ولد ع ظهرها وولد بحضنها وما قدرت تحمل الثلاثة. ببنت جبيل نمنا كل اللاجئين بالجامع. بعدها اجت سيارات اخدتنا من الجامع ع صور، وهناك بنوا مخيّمات وحطونا فيها. بعدين اجا سيدي وجابنا من مخيم صور على بيت جن. بذكر الدنيا كانت شتا وبرد كتير، سيدي جاب حرامات وركب أخوتي ع حمير ورحنا لحتى وصلنا بيت جن. في بيت جن شتت الدنيا كتير كتير وغرقنا مي، فتنا عند دار صالح الولي صديق سيدي. دفّونا وغيروا لنا أواعينا والصبح سيدي ركبنا ع الدواب وضلينا مروحين ع كفرعنان. كتير ناس رجعت ع كفرعنان البلد كانت مليانه.
بعد فترة أجا الجيش وطوق البلد وضبّونا كمان مره بمنطقة الخلة وين كنا قاعدين أول مرّة لما رحلونا. قسّمونا، اللي معه هوية زرقاء لحال واللي معه هوية حمرا لحال، اللي معه هوية زرقاء ضله واللي معه هوية حمرا جابوا سيارات الساعة ثمانية الصبح وقعّدونا فيهم لليل، لا أكل ولا شرب وساقوا فينا وكبّونا ع الحدود بين زبوبيا وبين إسرائيل. قعدنا هناك وأول ما طلع النهار، شافونا من بعيد المقاومة الفلسطينية الموجودة عند زبوبيا، وفكرونا يهود ومعنا أسلحة وصاروا يضربوا علينا. كان معنا شاب من فراضة، وقف يشوف مصدر الطخ واللا الرصاصة اجت فيه ووقع ع الأرض وطرش دمه علي، لليوم بتذكر دمه الحامي على جسمي. بعدين اجت ستّه الختياره للشاب، كانت طرشة ولابسة حطه ومعها عكازه، أعطت حطتها لأمي، وأمي رفعت الحطة ع العكازة وصارت تركض بالسهل. شافوها المسلحين ع النقطة ووقفوا ضرب النار. اجو خمس أو ستة أشخاص منهم على الخيل، اخذوا الشاب الميت ودفنوه ببلد قريبة، وإحنا حطونا بسيارات وسحبوا فينا ع نابلس على مخيم بلاطه. سيدي كان بمجد الكروم، صار يدور علينا كمان مرّه، لحقنا سيدي ولما لاقانا أخذنا ع الحمير ومشينا معه لمجد الكروم. سيدي وستي كانوا يومها يتشغلوا بالرامه، يحصدوا يحلشوا ويتشغلوا بالبيوت عشان يطعمونا أنا وأخوتي لأنه أبوي محبوس.بمجد الكروم أجا الجيش علينا كمان مرّه، طوّق البلد ، واطلعوا اللي مش معهم هويات عشان يكبوهم مره ثالثه. أجا سيدي عند المختار وقاله دخيلك بدهن يوخدوا الأولاد وأبوهم محبوس وأنا متت لحد ما جبتهم. قال له المختار ما بطلع بايدي أشي. لما طوقونا واجو بدهم يركبونا بالسيارة، راح سيدي لواحد يهودي اسمه أبو خضر وصار يهد ع أجريه يبوسهم ويبكي وكل ما يحطونا بالسيارة سيدي يهجم ع السيارة ويطلعنا (باكية). قال له ابني بالسجن، والأولاد لحالهم. الضابط شفق ع سيدي وما رحّلنا. وهيك عشنا بالرامه واشتغلنا لحد ما بنينا بيوتنا وعلمنا أولادنا، بس مع هيك بضل اسمنا لاجئين
القرية اليوم
عقب احتلال القرية وطرد أصحابها منها في شباط 1949 قامت سلطات الاحتلال بتدمير منازل القرية بشكل كامل، ولم يبقَ من قرية كفر عنان العربية اليوم سوى ركام حجارة منازلها المدمرة التي تغطيها نباتات الصبار، وأشجار التين المتناثرة وثمة بقايا بناء له قبة على سفح مقابل للقرية، ومقام صغير لـ(الشيخ أبو حجر ازرق)على تلٍ مجاور نحو الشرق أما باقي أراضي القرية بالموقع فمملوئة بالأشجار ويزرع سكان مستعمرة "برود" أشجار الفاكهة فيها.
وفي عام 1989 أنشأت سلطات الاحتلال مستعمرة "كفار حنانيا" على أراضي القرية.
الموقع مغطى بركام الحجارة المبعثرة حول نبات الصبار واشجار التين المتناثرة. لم يبق من القرية سوى بناء كبير استعمل في الماضي كصيرة للمواشي وبيت خالد يوسف طه الواقع على طرف القرية من الجهة الغربية . أما المقبرة فهي مهملة منذ ستين عاما وبالكاد يستطيع الزائر أن يرى حجارة قبورها. معظم أهالي القرية اليوم هم لاجئين في مخيم النهر البارد وسوريا ومن هجّر داخل الوطن، سكن في حي الدبّة في الرامه احد أحياء المهجرين الكبيرة في البلاد.
بس احتلونا هدموا حوالي سبع بيوت، . أهل البلد رفعوا قضية عام 1952 عن طريق محامي من الناصرة اسمه محمد نمر الهواري، لما عرفت السلطات بالموضوع اجو على البلد وفجروا البيوت وراحت القضية.
قالت الأديبة شقير: بلدنا كان فيها مقبرتين. بعد التهجير توفى مهنا شقير من بلدنا ورحنا قبرناه بمقبرة كفر عنان. بعدين توفى احمد سعيد كروم من فراضه ولما رحنا عشان ندفنه بمقبرة كفر عنان أجا علينا الحاكم العسكري دوف ومنعنا وقدمنا لمحاكمة لحد ما تدخل عضو كنسيت عربي وتعهدنا انه هاي آخر مره راح نقبر فيها هناك. يعني لا الأحياء رجعوا ولا الأموات منهم.
أهالي القرية اليوم
عندما قامت سلطات الاحتلال بطرد سكان قرية كفر عنان، كان مصيرهم كالتالي:
- قسم منهم تم نقلهم إلى البلدات العربية في الداخل الفلسطينية المحتل.
- القسم الآخر تم نقلهم لمنطقة المثلث مابين مدن (طولكرم_جنين_ نابلس) التي كانت آنذاك تحت السيطرة الأردنية.
وقد بقي أهالي القرية في أماكن لجوءهم حتى يومنا هذا.
الباحث والمراجع
المراجع:
- مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج7، ق2، بيروت 1974
- وليد الخالدي: كي لا ننسى
- موقع ذاكروت.
- القرى المهجرة
- عرب 48