تفاصيل أخرى - كويكات - قضاء عكا

 رحلة البحث عن جفرا...

  مقتطفات من تقرير فاطمة عبد الرحمن، الجزيرة توك
 2 كانون الثاني 2008

ولدت الـ"جفرا" في قرية كويكات، كانت الـ"جفرا" وحيدة أبويها فلا إخوة لها ولا أخوات، ولم تتلق التعليم، في حين كان أولاد القرية الذكور يتلقون التعليم في مدرسة كفرياسيف القريبة من القرية.
"الجفرا" لم يكن اسما بطبيعة الحال، وإنما لقب أطلقه الشاعر أحمد عبد العزيز علي الحسن (1915) عليها تشبيهاً لها بابنة الشاة الممتلئة الجسم. وقد عرف الشاعر بين أبناء القرية باسم أحمد عزيز وهو من الثوار الذين شاركوا في وقعة البروة عام 1936.
أما اسم الجفرا الحقيقي فهو رفيقة نايف نمر الحسن (1923) من عائلة الحسن وأمها شفيقة إسماعيل. كانت سمراء اللون، ذات ملامح ناعمة، وكانت أمها خياطة تهتم بابنتها الوحيدة وتحرص عليها وتعززها وتكرمها وتظهرها بأجمل حلة. وكان أحمد عزيز ابن عمها مفتول العضلات ويحترف قول العتابا والزجل، تقدم لخطبتها وتمت الموافقة وتزوجا فعلا وهي في سن الـ16 تقريبا. أما أحمد عزيز فكان في حوالي الـ20 من عمره.
وأعراسنا كانت كسائر أعراس الفلاحين في فلسطين، يعزف فيها المجوز والشبّابة والدربكة،
وكان الأهالي يرقصون الدبكة نساءً ورجالا.
لم يوفقا في زواجهما، وأرادت أمها أن يتم الطلاق وطلقت فعلا ولم يستمر زواجهما سوى
أسبوع واحد، ولم يكن الطلاق أمرا سهلا فقد قامت بالهرب، وهو قام بملاحقتها حتى استقرت
 في بيت أهلها. جرت محاولات لإرجاع الجفرا لبيت زوجها إلا أنها رفضت ذلك.

بعد ذلك بفترة تزوجت الجفرا من إبن خالتها محمد إبراهيم العبد الله. وعندما قطع أحمد عزيز أي أمل في رجوع جفرا إليه شعر بمرارة شديدة لحبه الشديد لها.
وكان أهالي القرية يمرون أمام بيت الجفرا لأنه يطل على الطريق المؤدية لعين الماء، وكانت هي أيضا تخرج مع الأهالي متوجهة للعين، فكان يقول فيها شعرا كلما رآها وهي في طريقها للسقاية
من عين الماء، حاملة جرة من فخار :

جفرا يا هالرّبع نزلت على العين، جرّتها فضّة وذهب وحملتها للزين
جفرا يا هالرّبع ريتك تقبرينــي، وتدعسي على قبري يطلع ميرامية

وقد رُزقت الجفرا في فلسطين وبعد زواجها من ابن خالتها بابن اسمه سامي وبنت اسمها معلا. أما أحمد عزيز فقد استمر بالتشبيب بالجفرا في قصائده وعتاباه، وجمعها في كتاب أسماه

كتاب الجفرا، وقد لقب الشاعر نفسه بـ "راعي الجفرا"، وذكر الشاعر عز الدين المناصرة بأن الأغنية ولدت حوالي عام 1939، وأصبحت نمطا غنائيا مستقلا في الأربعينيات، وانتشرت في كافة أنحاء فلسطين ثم وصلت بعد عام 1948 إلى الأردن ولبنان وسوريا. ويقول الحاج عبد المجيد العلي في كتابه عن قرية كويكات : كان موقع أبوعلي (أحمد عزيز) في أول الصف روّاسًا على تقسيمات الشبابة، ونقتطف من بستانه جفرا ويا هالرّبع بعض المقاطع:

جفرا ويـا هالرّبـــع بتصيح يـا أعمامي
ما باخـــذ بنيّكــم لو تطحـنوا عظامي
وان كان الجيزه غصب بالشـرع الإسلامـي
لرمي حالي في البـحر للسمـك في المــيه

تمنيت حـالي أكــون ضابـط بالوظــيفة
لأعمل عليـها حـرس مع وقـف الدورية
وقعّد لــها خــدام حتى تـظل نظيفة
يظلوا يخــدموا فيها في الصبح وعشـية

(قارئ الأبيات الأخيرة يلاحظ بأن الشاعر "أحمد عزيز" يغني على لسان الجفرا التي رفضته
 زوجا، ثم على لسانه وهو يصف حبه لها(.

في عام النكبة هجّرت جفرا وأهلها في رحلة طويلة وشاقة كسائر أبناء وبنات القرية الى لبنان، حيث وصل معظم لاجئي القرية إلى بيروت وأقاموا في مخيم برج البراجنة، ومنهم من لجأوا إلى مخيمات أخرى كالراشدية وعين الحلوة.
عاشت الجفرا في مخيم برج البراجنة، وعملت في الخياطة والتطريز كأمها. وقد رزقت هناك بخمسة أبناء: كامل، عاهد، خليل، صائب، مايز، منهم من ترك لبنان ليعيش في كندا وأمريكا الشمالية. توفي زوجها محمد إبراهيم العبد الله قبل ما يقارب 3 سنوات. وتوفيت هي في 10-1-2007 ودفنت في مخيم برج البراجنة في بيروت حيث كتب على قبرها "أم كامل الجفرا"
أما عبد العزيز فقد لجاً الى مخيم عين الحلوة وتوفي في عام 1987 في منطقة الناعمة، بعد انتقال حرب المخيمات إلى عين الحلوة.
توفي "راعي جفرا"، لكن جفراهُ ما تزال تلهٍم الشّعراء والزجّالين إلى يومنا هذا، وتشهد منتديات الزجل الإنترنتية محاورات يوميّة بين محترفي وهواة الزجل في موضوع الجفرا.
 ولقد تطوّرت هذه الأغنية كمثيلاتها من الأغاني الشعبية الفلسطينيّة وشهدت تحوّلا كبيرا في مواضيعها لأسباب عديدة، أهمّها على الإطلاق التوازي مع تطوّر القضيّة الفلسطينيّة وتوالي ثوراتها قبل النكبة وبعدها، ولم تعد الجفرا مجرّد امراة جميلة، بل صار تمثل الأرض، المقاومة، الأمل والعودة.