أراضي القرية - السافرية - قضاء يافا

الأراضي في السافرية

        نشط في الفترة الممتدة )1921-1931( ارتفاع وتيرة الهجرة الصهيونية وتمليك الأراضي وتسريبها، وبالمقابل فقد أدرك الشعب الفلسطيني وتحديدا الفلاح خط الدفاع الأول حقيقة ذلك الأمر، فتشبث بأرضه خشية تسريبها للطامعين بها من السماسرة الصهاينة رغم كل المؤامرات والضغوطات، وقرية السافرية التي عانت الأمرّين قدمت أنموذجا قرويا في دفاعها المستميت عن أراضيها الجنوبية الجارية في وقف سنان باشا والبالغ مجموع مساحتها 1916 دونم، وحيث بدأت أول الخلافات في النزاع على تحديد الحدود الفاصلة بين قرية السافرية وصرفند العمار كما دلت عليه مضبطة المحكمة المؤرخة في 4 ذو القعدة 1292 هـ - 2 كانون أول/ديسمبر 1875، وانتهت بخسارة تلك الأراضي من القرية عام 1931، أما تفاصيل تلك القضية التي عرفت بـ "النزاع على الأرض بين قريتي صرفند - السافرية " فجاءت كالتالي: 

        -   في كانون أول لعام 1875، كان المدعون كل من؛ محمد حسن العطار خطيب قرية صرفند و مصطفى عبد العال بالوكالة عن 55 رجلا من قرية صرفند العمار، و المدعى عليهم مشايخ قرية السافرية كل من؛ أحمد عبد الواحد أبو زيد و محمد علي عوض السالم وأحمد مصطفى أحمد مزهر وأحمد خليل الوكلاء عن 80 رجلا من أهالي قرية السافرية، حيث ادعى المدعون أن القطع الأربع الفاصلة بين القريتين و الجارية في وقف سنان باشا هي من أراضي قريتهم (صرفند العمار)، وجميعها جارية في مزارعة المدعين وموكليهم من قديم الزمان، و المدعى عليهم كانوا يستأجرونها من رباح أفندي النقيب الحسيني وشركاه، فقاموا بالمطالبة بمنع المدعى عليهم و موكلينهم المستأجرين عن نزولهم القطع المذكورة لأنها كانت معهم بالإجارة، الأمر الذي دعا الطرفين للتحكيم فيما بينهم لتحديد الحد الذي يفصل أراضي القريتين في ذاك الوقف، فاتفقا أن يكون المحكم بينهما لتعيين الحدود الفاصلة رجل مشهور بالأمانة و الورع والخبرة، فاتفقا على اختيار الشيخ محمد علي بن علي عوض بن عوض من قرية السافرية، واجتمع ممثلو القريتين في موقع الخلاف، و تحت تأثير القسم سار محمد علي عوض يبين الحدود بين البلدتين، و يقول: "و الله العظيم أن هذا التراب الذي أقف عليه هو من أراضي السافرية"، وتبين فيما بعد أنه كان قد ملأ حذاءه بالتراب من الأرض من وسط السافرية خوفا من الزلل فيقع في الحرام مع تأكده ويقينه أن وادي البصول الذي حكم به للسافرية هو فعلا لأهالي السافرية يزرعونه بطيخا منذ القدم.

    و بعد مضي ما يقارب من الخمسين عاما تجددت الخلافات بين القريتين كما دلت عليه الدعاوى، إذ توجه أهالي قرية صرفند بالشكوى لدى سعادة حاكم الرملة و الذي كان حريصا على حل وفصل هذا الخلاف رغبة منه في صلح الطرفين وعدم مراجعتهم المحاكم النظامية وما يترتب عليها من مضيعة للوقت ومصاريف باهظة، حيث أشار على الطرفين حل الخلاف عن طريق محكمين يصير انتخابهم وكلاء عن الطرفين، ويكونون منتخبين بصورة قانونية بوكالة مصدقة، كما أنه وجه كتابا رسميا لمختاري القريتين يحثهم على اتخاذ تلك الاجراءات لحل النزاع، وبالفعل فقد أخذ الطرفان بنصيحة حاكم الرملة وانتخبا محكمين، وحكمت المحكمة آنذاك لصالح المدعي عليهم "أهالي السافرية "، الأمر الذي دعا المدعين (أهالي صرفند) لرفع دعوى لعدم رضاهم عن ذاك القرار لدى محكمة تملك يافا مطالبين بفسخ حكم المحكمين الذي أصدرته المحكمة لصالح المدعى عليهم (أهالي السافرية)، وتكليف الطرفين لانتخاب محكمين آخرين بحل الخلاف الواقع بينهما باتفاق جميع أصحاب الاستحقاق"، وبناء على ذلك، كبر الخلاف وكثر المحكمين وطالت الإجراءات للبت في قضية النزاع التي كان أول أسبابها عدم حضور الأشخاص المعنيين بالوكالة من كلا الطرفين، أو عدم التزام حضور المحكمين في الوقت المتفق عليه لاجتماع طرفي النزاع كما دلت عليه شهادات بعض المحكمين المحفوظة في ملف القضية والمؤرخة في 8 آذار / مارس 1923 ومنهم:

  1.  عبد الرحمن أفندي التاجي قائلا:"أننا اجتمعنا ثلاث مرات لإنهاء المسألة و لكن كان الطرفان يتأخران إلى ما بعد الظهر، وأن الحدود لم تكن مطابقة، وبعد ذلك سافرنا إلى مصر وقلنا لهم اعملوا خارطة".
  2. وكذلك ما صرح به راغب أفندي أبو السعود الذي قال:"أن حل المسألة بالتحكيم مناسب للطرفين، إلا أن سبب عدم انتظام حضور الطرفين يطيل المسألة، فلو كان ذلك بحضور المحكمة وحضور الفلاحين المنتخبين من الطرفين ذوي الخبرة لقضي الأمر".

                         ومن الأشخاص الذين تم تعينهم أو انتخابهم لحل النزاع في الفترة (1921-1931):

  1. بتاريخ 6 تشرين الثاني / نوفمبر 1922، وكما دلت عليه مضبطة التحكيم المنصوص فيها في محكمة تملك يافا حيث  قام أهالي السافرية بتعين الشيخ حسن حسين ذياب راجحة و الشيخ موسى حسين عوض السالم من أعيان أهالي السافرية محكمين عمومين مطلقين منوط برأيهم فيما يتعلق بشأن الدعوى و الاختلاف الواقع في بيان ما هو مختلف من حدود الأراضي المعلومة لدى أهالي القريتين والمنازع فيها مع أهالي قرية صرفند العمار، وهي أرض البرية و أم الخبايل ووادي الندى والقوصة والمصبطة والجاموحة ووادي البصول.
  2. بتاريخ 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1922، وكما دلت عليه مضبطة التحكيم المنصوص فيها في المحكمة، حيث اختار ممثلو قرية صرفند محكمين عنهم كل من عبد الرحمن أفندي التاجي والسيد علي افندي علاء الدين، واختار ممثلوا السافرية محكمين عنهم كل من الشيخ يوسف أفندي الدجاني و الشيخ رشيد الجايح من قرية بيت دجن.
  3. في 3  شباط / فبراير 1924، انتخب أهالي صرفند الشيخ يعقوب سعد من أهالي السافرية، وانتخب أهالي السافرية عبد الله حماد من أهالي صرفند العمار، وقاما بحلف اليمين مشيا على حدود كل قرية، وعينت المحكمة المحكم الشيخ سعيد محمد أبو غوش عن أهالي صرفند العمار، والمحكم الشيخ خليل العزة عن أهالي السافرية، واختارت سعادة عمر أفندي البيطار مميزا من طرفها.

 و هكذا استمر الخلاف لتنتهي الأمور قضائيا في المحاكم، فقام المدعى عليهم ( ممثلو أهالي السافرية) كل من؛ محمد أحمد علي أبو زيد و حسين موسى عوض و حسن حسين ذياب راجحة  بتوكيل المحامي عوني عبد الهادي الذي تقدم  باستدعاء إلى مجلس جلالة ملك بريطانيا الخاص في لندن بواسطة محكمة الاستئناف في القدس طالبا ضمن المدة القانونية الإذن باستئنافه وفقا لأحكام دستور فلسطين على أن يتم تقديم الرسوم و اللوائح اللازمة حسب الأصول، وكذلك مبينا أن قرار محكمة تملك يافا الذي صدقته محكمة الاستئناف مخالف للقانون والعدالة، لذا أعترض عليه طالبا فسخ الحكم ورد دعوى المدعين وتضمينهم المصاريف والعطل والضرر ورسوم المحاماة وذلك لأسباب منها:

  1. إن حكم المحكمين حكما كيفيا وليس حكما قانونيا، فأعطوا المستأنفين ( أهالي السافرية ) 450 دونم لأن أراضيهم قليلة بالنسبة لأراضي المستأنف عليهم، وأعطوا المستأنف عليهم (أهالي صرفند العمار) الباقي و البالغ 1466 دونما، و حيث أن حكم المحكمين هذا مخالف للأصول و القانون وبذلك فإن حكم محكمة الأراضي بالاستناد إليه هو أيضا مخالف للقانون.

 ليس للمدعين الحق برفع هذه الدعوى بأسمائهم، لأنهم لم يثبتوا أنهم أصحاب استحقاق في أراضي صرفند العمار.

 وعلى فرض ثبوت كونهم أصحاب استحقاق في أراضي صرفند العمار فلم يبينوا مقدار الحصص التي يملكونها ولم يعينوا مقدار الحصص التي يزعمون أن أهالي السافرية اغتصبوها من حصصهم، و قد قررت المحكمة بعدم صحة رفع الدعوى بدون بيان الحصة أو الحصص التي يدعي فيها المدعون وذلك مطابقا تماما كما حدث في دعوى قرية زيتا.

 4- إن محكمة الاستئناف اعترفت في قرارها الصادر بتاريخ 15 حزيران / يونيو 1925 في هذه الدعوى بأنه لا يوجد نص قانوني يخول أحد أفراد أهالي قرية أن يرفع دعوى في هذا الخصوص بالإضافة إلى أهل قرية ولكنها قبلته، لأنها ذهبت إلى أنه لا يوجد طريقة معلومة توضح كيفية اتفاق جميع أهالي القرية عند إقامة دعوى مخصوصة كهذه، و بذلك فإن ذهاب محكمة الاستئناف إلى هذا الظن غير قانوني، لأن جميع أهالي صرفند العمار ليسوا بأصحاب استحقاق في الأراضي خاصة وقف سنان باشا، كما أنه يوجد أناس من المدعين أنفسهم يزعمون أن لهم استحقاقا في هذه الأراضي وهم ليسوا من أهل قرية صرفند العمار مثل شكري أفندي التاجي و علي أفندي الحسيني وغيرهم ،علما أنه بتاريخ 9   آب / اغسطس 1923 قد توجه محمد علي الحسيني بكتاب إلى رئيس المحكمة بشأن عزل كل من شكري أفندي التاجي وعلي أفندي النقيب الحسيني عن التحكيم لأنه ظهر له أن أهالي السافرية مزارعون فيما تحت يدهم وأيضا لاعتقاده بعدم صحة دعوى أهالي صرفند العمار.

5- إن الدعوى غير مسموعة لمرور الزمن، لأن موكلي (أهالي السافرية) هم أصحاب الاستحقاق في الأراضي المنازع فيها، وكما أنهم أيضا يتصرفون فيها زرعا وحراثة بجميع أنواع التصرف كتصرف الملاك في أملاكهم بدون معارض ولا منازع مدة تنوف عن خمسين سنة.

       لقد استمرت القضية أعواما في المحكمة للبت في حكمها وصولا إلى 11 أيلول / سبتمبر 1930 حيث استلم مصطفى سليمان حسين عبد الواحد أبو زيد ملف قضية صرفند - السافرية من مكتب المحامي عوني عبد الهادي، والقاضية في حكمها خسارة أهالي قرية السافرية القضية و خسارة (1916)  دونم من أراضيها الجنوبية طريق العراقد المعبد الذي يربط السافرية بخط يافا – اللد والواقعة في بلوكات "أحواض"  كل من؛ الحطابة، و النجارية ،البلوطة، السويدة، المصطبة، وادي البصول، نصف وادي الندى، القوصة، و باب الهوى.

      و مما يذكر أن  المحامي عوني عبد الهادي قد نصح القريتين منذ بادئ الأمر بعدم توكيل أحد في موضوع الأرض تحسبا و خوفا عليها من الضياع، ولكن عبثا حيث تبين فيما بعد أنها آلت إلى ملكية شكري أفندي التاجي الفاروقي الذي كسب الأرض بموجب التفويض الذي حصل عليه من مختاري قرية صرفند العمار([1]).

      لقد شكلت خسارة قرابة الألفي دونم من أراضي السافرية في وقف سنان باشا ضربة موجعة تسببت في تعميق معاناة أبناء القرية وتضييق سبل العيش عليهم إلا أنهم وعلى الرغم من هول تلك المصيبة الممتدة أحداثها المؤرقة على مدار عقود من السنوات في المحاكم إلا أنهم ثبتوا متكيفين مع كل ما استجد من تحديات آلت إلى تفتيت ملكية ما تبقى من الأراضي مما نجم عنه تدن في مساحة تملك الفرد الواحد من الأراضي التي لم تزد عن الأربعة دونمات في حال تم تقسيم ما تبقى من مساحة أراضي السافرية على عدد سكانها البالغ نيفا وألفي نسمة في عام 1933، وهذا بحد ذاته وفي ظل ظروف الركود الاقتصادي آنذاك لم يكن ملبيا لحاجة الفرد التي تقتضي تملكه كحد أدنى عشرة دونمات كي يستطيع العيش كما أشارت إليه توصيات خبراء اقتصاد حكومة الاحتلال البريطاني في تلك الفترة، وقد تجسد واقع تلك المعاناة كما جاء واضحا في البيان الذي ألقاه ممثل القرية حسين عوض جبر الزبيدي والموجه إلى مندوبي الوزارة والمندوب السامي أثناء زيارتهم لقرية السافرية في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1933 قائلا:" نود أن نعرض ما يعاينيه الفلاح الذي سقط إلى أحط دركات الشقاء منذ أربعة أعوام بسبب الجدب المتوالي، ومزاحمة المهاجرين من اليهود الذين يأتون من الخارج، و استيلائهم على الأراضي الصالحة للزراعة، إن خبير دولتكم بريطانيا العظمى الذي أوفدته حكومتكم للإطلاع على حالة فلسطين البائسة بعد أن تجول و درس قال:" ان الشخص لا يستطيع العيش بأقل من عشرة دونمات "، فقريتنا هذه يبلغ عدد سكانها نيفا والفي نسمة وبقي لها بعد ما تم سلبه من أراضيها قرابة الثمانية آلاف دونم، فيكون نصيب الشخص الواحد أربعة دونمات فقط.... "([2])

 سنة 883 هجرية/ 1478 ميلادية أوقف السلطان المملوكي قايتباي على جامعه بغزة وعلى مدرسته في القدس الشريف أوقافًا كثيرة. من هذه الأوقاف 15 قيراطًا من أراضي قرية السافرية. 9ب

يقول مصطفى مراد الدباغ إن للسافرية أراض مساحتها 12842 دونمًا، منها 575 للطرق والوديان والسكة الحديدية، و3722 دونمًا تسربت لليهود.

أسماء أبناء قرية السافرية الموكلين عنهم بالإنابة مخاتير القرية كما وردت في ملف المحامي عوني عبد الهادي

                   أسماء أبناء قرية السافرية الموكلين عنهم بالإنابة مخاتير القرية كما وردت في ملف المحامي عوني عبد الهادي  


 المرجع: تحقيق الباحث الخبير في شؤون السافرية فادي عسكر 

([1]) حسن محمد عوض: "من تراثنا الشعبي في السهل الساحلي في السافرية "، عمان، وزارة الثقافة، 1994، ص33.

([2]) جريدة فلسطين، العدد 223- 2488، 18 تشرين الثاني / نوفمبر 1933، ص7.